Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن الإنسان عندما يريد أن يسافر، يعد العدة لذلك السفر قبل مدة طويلة، ويبرمج نفسه: إلى أين يذهب، ومتى يذهب، وكيف يذهب؟.. في السفر المادي هكذا يعد له العدة، ونحن طوال السنة لدينا محطات للسفر الروحي: في ليالي القدر هناك سفرة روحية، وفي ليلة عرفة ويوم عرفة هناك سفر روحي، وفي الليالي البيض من شهر رجب وشعبان ورمضان كذلك هناك سفر روحي.. الشارع المقدس جعل لنا سفرا روحيا في مناسبات مختلفة خلال السنة.. كما في السفرات الدنيوية: نستمتع، ونستلذ، ونربح؛ أيضا في السفرات المعنوية: نستمتع، ونستلذ، ونربح.. ومن هنا كما أن سفر الدنيا يحتاج إلى إعداد، كذلك سفر الآخرة يحتاج إلى إعداد.. قبل ليالي الطاعة، وقبل أيام الطاعة، وقبل مواسم الطاعة؛ لا بد من الالتفات إلى عدة أمور:

أولاً: الشوق.. حيث أن هناك فرقا بين إنسان يشتاق لشهر رمضان المبارك، وبين إنسان يتمنى لو أنه يتأخر لأيام!..

ثانياً: معرفة الأعمال.. بعض الناس يتفاجأ أن اليوم انتهى، ولم يعمل بمستحبات ذلك اليوم.. قد يقول قائل: ما قيمة الغسل والصلاة في ذلك اليوم؟..

الجواب: هو أن الله -عز وجل- له عطايا، وهذه العطايا متوقفة على أمر بسيط.. ما قيمة الغسل يوم الجمعة؟.. عادة الناس يوم الجمعة يستحمون، ولكن من يغتسل يوم الجمعة، عن الصّادق (ع) قال: (من اغتسل يوم الجُمعة فقال: “أَشْهَدُ أَنْ لا إِلـهَ إلاّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَاَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.. اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد، وَاجْعَلْني مِنَ التَّوّابينَ، واجْعَلْني مِنَ المُتَطَهِّرينَ”؛ كان طهراً من الجمعة إلى الجُمعة).. رب العالمين يريد أن يغفر، ولكن يريد مبررا.. كالذي يقيم حفلا ولديه جوائز مكدسة، فيطرح أسئلة بسيطة؛ كي يوزع تلك الجوائز والهدايا.. رب العالمين عنده جوائز وعطايا، -نحن كل يوم نقول: (إلهي!.. تعرض لك في هذا الليل المتعرضون، وقصدك فيه القاصدون، وأمل فضلك ومعروفك الطالبون.. ولك في هذا الليل نفحات وجوائز وعطايا ومواهب، تمن بها على من تشاء من عبادك، وتمنها من لم تسبق له العناية منك)-.. يريد أن يوزع الجوائز، بأي عذر يوزع؟.. إذن علينا أن نعلم الآداب والمستحبات في تلك المناسبة.

ثالثاً: الخشوع.. هناك ثلاث درجات من الخشوع:

١- خشوع الأبدان: أي أن المصلي فكره يذهب يمينا وشمالا، ولكن هيئته مؤدبة: واقف، متطيب، يداه مسبلتان، عينه تطرق إلى الأرض، هيئته هيئة إنسان مؤدب بين يدي الله عز وجل.. هذا خير من ذلك الذي يعبث بلحيته مثلا.. وخشوع الأبدان؛ هو أضعف الإيمان.

٢- خشوع الأفكار: أي أن المصلي يعلم ما يقول، يقرأ الحمد {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؛ وهو يعلم أنه يقول: أي يا رب!.. أعبدك حصرا.. إذ أن هناك فرقا بين نعبدك ونستعينك، وبين {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؛ كلاهم يفهمان الاستعانة والعبادة، ولكن هذا بنحو الحصر.. أما نعبدك ونستعينك؛ أي نعبدك ونعبد غيرك، لا مانع!.. فرق بين إنسان يقرأ المعوذتين في الصلاة وغير الصلاة، وهو لا يعلم ما معنى {النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ}، و{الْفَلَقِ} و{غَاسِقٍ}، و{وَقَبَ}.. وبين إنسان يعلم معنى ما يقرأ.. معظم المصلين والمسلمين والناطقين بالعربية، لا يعرفون معنى {الصَّمَدُ}.. إذن، هناك خشوع ذهني، وهذا أرقى من الخشوع البدني.

٣- الخشوع القلبي.. أي أن المصلي عندما يدعو، يشعر أن هناك مخاطبا، وأي مخاطب؟.. إنه رب الأرباب!.. ولهذا بعض المؤمنين، رب العالمين منّ عليه بسخاء الدمعة، يقول: يا الله؛ مرة واحدة ودمعته تجري.. يقرأ دعاء كميل: (اِلـهي!.. وَرَبّي مَنْ لي غَيْرُكَ أَسْأَلُهُ كَشْفَ ضُرّي)؛ يبكي بكاء حارا.. هذا الإنسان وصل إلى لب الدعاء، وإلى جوهر الدعاء.. والمرء إذا وصل إلى مرحلة البكاء أو التباكي؛ هذا لا ترد له دعوة.. رب العالمين يستحي من عبده المؤمن، أن يرد يديه صفرا إذا مدت إليه.. يد تمد إلى رب الأرباب، والدموع تجري، والقلب يخفق.. أكرم الأكرمين يهمل حاجة العبد، وهو في بيته، وبعد الصلاة الواجبة، في جماعة المسلمين، وفي سجدة؟.. أي بعد هذه المقدمات لسان حاله يقول: (وليس من صفاتك -يا سيّدي- أن تأمر بالسؤال، وتمنع العطيّة).. هذه عقيدة المؤمن!..

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.