Search
Close this search box.
  • ما هو الصيام الذي يرضاه رب العالمين؟
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

ما هو الصيام الذي يرضاه رب العالمين؟

بسم الله الرحمن الرحيم

لكل العبادات ظاهر وباطن وأسرار

إن مصطلح الآداب المعنوية أو الآداب الباطنية أو الأسرار أو ما شئت فعبر؛ هو مصطلح متعارف في مجمل العبادات كالصلاة والحج. وقد بحث علمائنا قديما وحديثاً أسرار الصلاة أو الآداب الباطنية للصلاة. إت أن للصلاة ظاهر من التكبير إلى التسليم؛ ولها بموازاة الظاهر ما يسميه البعض بقلب الصلاة. وكما أن إتقان الظاهر لازم وضروري؛ فلابد من إتقان باطن الصلاة. كذلك هو الحج مليئ بالأسرار بالإضافة إلى المناسك الظاهرية والحركات الرمزية كالطواف والسعي ورمي الجمرات وتقديم القربان وإلى آخره. فلكل هذه الأمور الرمزية معان ذكر البعض منها الشبلي في روايته عن إمامنا زين العابدين (ع).

وللصوم أسرار؛ فليس الصوم فقط هذا الكف الظاهري عن الطعام والشراب. نعم، إن الصيام هو ترك المفطرات فقهياً؛ ولكن هنالك ما وراء الفقه. من أراد الاطلاع أكثر على أسرار العبادات؛ فليبحث في وسائل الشيعة للحر العاملي. فقد أورد الروايات التي تدل على الآداب الباطنية للحج، والآداب الباطنية للصيام، وحتى الآداب الباطنية لزيارة الأئمة (ع). إن الذهاب إلى مثل هذه المشاهد الشريفة له آدابه ونحن نقرأ في الزيارة: (اَللَّهُمَّ إِنِّي وَقَفْتُ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ بُيُوتِ نَبِيِّكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ)[١]. وهنالك بعض التجليات حول الضريح المبارك يعرفها أهلها. إن هذه القبة هي مختلف الملائكة، وقبر المعصوم له أسراره أيضا؛ فما من آنٍ إلا وملأ يصعد ويعرج، وآخر يهبط.

أول العلم معرفة الجبار

إن المعرفة هي أول العمل، وكما روي: (أوّلُ العلم مَعرفةُ الجَبّار وآخرُ العلم تَفویضُ الأمر إلیه)[٢]. فمن يريد صياما مميزاً بآدابه الباطنية؛ لابد أن يتعلم هذه الأسرار. إننا نتعلم قسما من هذه الأسرار من خلال الروايات والآيات. إن ليلة القدر هي ليلة تنزّل الملائكة، أما ملكوت ليلة القدر في بعض الروايات الزهراء (ع) التي هي المخفية قدراً وقبراً. إن منزلةً ليلة القدر مجهولة وكذلك هي منزلة الزهراء (س). وطريف أن ليلة القدر مرددة بين ليال ثلاث وهي مجهولة القدر؛ فما أدراك ما ليلة القدر؟ والزهراء (ع) مخفي قبرها بين ثلاثة قبور، ومجهول قدرها.

ما هي أنواع الصيام وأفضلها؟

المعرفة النظرية بالآداب الباطنية مقدمة جيدة؛ بل لازمة للوصول إلى جوهر هذه الآداب وإلى ملكوت هذا الصيام. يقال: إن الصوم على أنواع؛ صوم الخواص وصوم العوام وصوم خواص الخواص. والذي يهمنا هو جوهر هذه المعانى لا الاصطلاحات.

صوم العوام

أما صوم العوام؛ فهذا هو الصوم المتعارف. إن من ينام عند صلاة الفجر أو بعد صلاة الفجر – حتى ولو لم يصلي صلاة الفجر – واستيقظ بعد أذان المغرب ، ولم يصلي الظهرين لغلبة النوم؛ لأجزئه هذا الصوم فقهياً، ولا أحد من الفقهاء يقول ببطلان هذا الصيام. فهو نوى الصيام، وأمسك عن المفطرات وحل عليه الليل؛ فتم الصيام إلى الليل. ولكن هل هذا الذي أراده الشارع منا؟ هل هذا الذي أراده النبي (ص) بقوله: (إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اَللَّهِ بِالْبَرَكَةِ وَاَلرَّحْمَةِ وَاَلْمَغْفِرَةِ)[٣]؟ وهذه حقيقة نراها عند البعض؛ حيث يسهرون إلى الصباح يقطعوا شهر الصيام بالنوم لكي لا يجهدوا أنفسهم ولا يعانوا من صيامه.

صوم الخواص

أما صوم الخواص؛ فهو أمر ما وراء ذلك. الخواص هم الذين يتركون المحرمات بالاضافة إلى هذا المعنى الفقهي. فالواحد منهم كما يترك المفطرات، ويمتنع من الأكل والشرب؛ يمنع لسانه من القول المحرم كالغيب والبهتان، والنميمة. وهذه مرحلة راقية لا يُستهان بها. إن من يلتزم بهذه الطريقة من الصيام شهرا كاملا وعشرة من قبله أو بعده؛ يكون بهذه الأربعينة من التخلية والتجلية قد تهيأ للصعود إلى المراتب العليا.

صوم خواص الخواص

وأما صوم خواص الخواص؛ فهو ما نفهمه من المناجاة الشعبانية لأميرالمؤمنين (ع) حيث يقول ويا له من تعبير: (إِلَهِي هَبْ لِي كَمَالَ اَلاِنْقِطَاعِ إِلَيْكَ)[٤]، وهو ألا يريد الإنسان في هذا الوجود سوى الله عز وجل. فالتوحيد هو أن لا ترى في الوجود مؤثراً إلا هو. يقول أمير المؤمنين (ع) في وصف المتقين: (عَظُمَ اَلْخَالِقُ فِي أَنْفُسِهِمْ فَصَغُرَ مَا دُونَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ)[٥]. إن الصوم الكامل أن تصوم عمن سواه.

قد يسأل سائل فيقول: أين الأهل والعيال، وأين طلب العلم والجهاد؟ أقول: هذا كله في طول تذكر الله عز وجل. فإن الواحد منا يتقرب إلى الله من خلال الإحسان إلى الآخرين، والجهاد في سبيله. إن الخواص هم من تصب جميع تصرفاتهم في الحياة في مجرى رضى ذلك المولى الذي لا معبود سواه. وهو الذي ختم به إمامنا الحسين (ع) حياته في اللحظات الأخيرة من عمره الشريف حيث قال: (رضا بقضائك وتسليما لأمرك لا معبود سواك)[٦]. والذي وصل إلى هذه الدرجة؛ فقد جمع بين صوم العوام وصوم الخواص وصوم خواص الخواص.

[١] المصباح (للکفعمی)  ج١ ص٤٧٢.
[٢] كيمياء السعادة  ج ٢ ص ٤٠٤.
[٣] الأمالی (للصدوق)  ج١ ص٩٣.
[٤] الصحیفة العلویّة  ج١ ص١٨٥.
[٥] نهج البلاغة  ج١ ص٣٠٣.
[٦] موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ ج ٧ ص ٢٤٨.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن أرقى درجات الصيام بالإضافة إلى الكف عن الطعام والشراب والكف عن المحرمات؛ هو الكف عن إدخال غير الله في القلب. لا يُمكن أن يتسع القلب لغير الله سبحانه، وإلا لم يكن الإنسان صائما صوم خواص الخواص.
Layer-5.png