Search
Close this search box.
  • لمحات من شخصية أبي طالب (ع)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

لمحات من شخصية أبي طالب (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

سرور أهل البيت (عليهم السلام) بإحياء ذكرى أبي طالب (ع) (رضوان الله عليه)

إننا أمرنا بأحياء أمر أهل البيت (ع)، ومن أحيى أمرهم؛ فالجائزة المتبادلة والمتكافئة هي أن يحيي الله عز وجل قلبه. فالجزاء من جنس العمل. إننا نريد أن نعرج على ذكر شخصية إحياء ذكرها مما يدخل السرور على قلب أئمة أهل البيت (ع)؛ ألا وهوجدهم الأعلى أبوطالب (ع) (ع).

لقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (كَانَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُعْجِبُهُ أَنْ يُرْوَى شِعْرُ أبي طالب (ع))[١]. وبالطبع إن عليا (ع) لا يلتفت إلى والده بدافع الأبوة المجردة؛ بل لأنه يعلم أن أباه قد ظُلم كما ظُلم هو. لقد كان علي (ع) مظلوما – كما يُروى – منذ طفولته إلى أن قُتل في محراب عبادته، وما أشبه الوالد بولده.

ظلم التاريخ له

كم تجاوز التاريخ وأهمل ذكر أبي طالب (ع) الذي يسمى مؤمن قريش. ولكن علمائنا أكثروا من الكتابة حول إيمانه وذكروا الرويات الطاعنة، وبينوا زيفها وكذب رواتها. إنني راجعت هذه الأسانيد المفضوحة التي أرادوا من خلالها النيل من أبي طالب (ع) حسداً لولده. إن الذنب كما يقال ذنب علي (ع). إنهم بزعمهم أرادوا الانتقام من ولده بدعوى أنه كان غير مؤمن.

أولا: إن أبوطالب (ع) حُبس هووأهل بيته في شعب أبي طالب (ع)، ولا زال أهل مكة إلى يومنا هذا يعرفون هذا الشعب باسم شعب أبي طالب (ع). وتذكر الروايات أنهم سُجنوا وحوصروا ثلاث سنوات. ومن الطبيعي أن تكون هذه المقاطعة وهذا الحصار – كما يقال – أوجب أن يأكلوا أوراق الشجر وفيهم رسول الله وأبوطالب (ع) الذي مات وهوفي هذا الشعب في السنة العاشرة من الدعوة النبوية. إن النبي (ص) كان يرى عمه وهو يموت دفاعاً عنه في ذلك الشعب.

حزن النبي (صلى الله عليه وآله) على أبي طالب (عليه السلام) ووعده بالشفاعة العجيبة

وعندما رفعه علي (ع) على السرير بعد أن تُوفي اعترضه النبي (ص)؛ أي وقف أمام الجنازة وقال: (وَصَلَتْكَ رَحِمٌ، وجُزِيتَ خَيْراً يَا عَمِّ، فَلَقَدْ رَبَّيْتَ وكَفَّلْتَ صَغِيراً، ووَازَرْتَ ونَصَرْتَ كَبِيراً» ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى اَلنَّاسِ وقَالَ: «أَمَا واَللَّهِ لَأَشْفَعَنَّ لِعَمِّي شَفَاعَةً يَعْجَبُ لَهَا أَهْلُ الثقلين»)[٢]. وهذا جزاء الصبر على شظف المعيشة في ذلك الشعب حتى اضطر إلى أكل ورق الشجر. وهذا الرجل يستحق هذا التكريم، ويكفي أبا طالب (ع) فخراً أن جعل رب العالمين في صلبه مثل علي (ع)؟

إنني هكذا أتخيل تخيلاً جميلاً أن يأتي شيخ البطحاء يوم القيامة في عرصات القيامة وأئمة أهل البيت (ع) يقولون له: يا جداه، يا أبتاه. فكم سيفتخر عندها ويرفع رأسه عاليا افتخاراً بين أهل المحشر ؟ إن عليا (ع) يقول: يا أبت، والحسن والحسين والتسعة من ذريته يقولون: يا جداه؛ كما يقولون ذلك لرسول الله (ص).

أبو طالب (عليه السلام) عند ابن أبي الحديد

وبالبطع إن المنصفون من العلماء ومن المؤلفين ومن الأكابر كثيرون، ومنهم ابن أبي الحديد الذي نقل في شرحه على النهج: والله ما مات أبوطالب (ع) حتى أعطى رسول الله من نفسه الرضا. والكتب كما قلنا مليئة بهذه المضامين.

من المواقف المؤثرة في حياة هذا الرجل العظيم جد الأئمة النجباء – هذا لقبه وهكذا نلقبه – أنه عندما ذاع صيت النبي (ص) – إن أبي طالب (ع) تُوفي في السنة العاشرة؛ فهو واكب النبي (ص) عشر سنوات وهو عمر يعتد به –طلب المشركون من أبي طالب (ع) أن يأذن لهم بقتله لأنه خرج من دينهم. إنهم لا يتجرأون على قتل النبي (ص) مباشرة ولذلك طلبوا الإذن لهم بذلك من أبي طالب (ع). وما أقبحهم وأجرأهم في هذا الطلب..! فقال النبي(ص) كلمة لو لم نجد في ديوانه إلا هذه الجملة لكفته، قال لهم: (لَوْ وَضَعُوا اَلشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَاَلْقَمَرَ فِي يَسَارِي مَا أَرَدْتُهُ)[٣]؛ أي ما تركت هذا الأمر. إن النبي (ص) ما صار نبياً إلا لإصراره على طريق الهدى إلى أن قال أبوطالب (ع) عندما رأى إصرار ابن أخيه قال أبياته المعروفة:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم
حتى أوسد في التراب دفينا

إلى آخر أبياته التي تطفح بالإيمان وبالدفاع عن النبي الأكرم. ومنها قوله:

وعرضت ديناً قد عرفت بأنه
من خير أديان البرية دينا

أفلا تكفي هذه المضامين للاعتقاد بإيمانه؟

حُرمت النار على حَجْر كفل النبي (صلى الله عليه وآله)

نختم الحديث بجملة صادقية؟ إنني أتكلم عن أبي طالب (ع) وقلبي يحترق على ظلامته وأنت كذلك؛ فكيف بذريته من أئمة أهل البيت (ع)؟ إن الإمام الصادق (ع) ينقل حديثاً قدسياً، فيقول: (نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ ، إِنَّ اَللَّهَ يُقْرِئُكَ اَلسَّلاَمَ ويَقُولُ: إِنِّي قَدْ حَرَّمْتُ اَلنَّارَ عَلَى صُلْبٍ أَنْزَلَكَ وبَطْنٍ حَمَلَكَ وحَجْرٍ كَفَلَكَ، فَقَالَ: يَا جَبْرَئِيلُ ، بَيِّنْ لِي ذَلِكَ، قَالَ: أَمَّا اَلصُّلْبُ اَلَّذِي أَنْزَلَكَ فَعَبْدُ اَللَّهِ اِبْنُ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ ، وأَمَّا اَلْبَطْنُ اَلَّذِي حَمَلَكَ فَآمِنَةَ بِنْتُ وَهْبٍ، وأَمَّا اَلْحَجْرُ اَلَّذِي كَفَلَكَ فَأَبُو طَالِبِ بْنُ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ وفَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ)[٤].

إن هذه الجملة معبرة جدا. كم تفرح لو سمعت أن عالماً أبلغك السلام؟ فكيف بإمام زمانك؟ فكيف برب العالمين؟ هذه الرواية تفنيد لهذه الأباطيل التي يعلم بها الله أنها سيتنشر في الأمة. وهؤلاء الذين ذكرتهم الرواية الشريفة قد بلغوا من الإيمان ما بلغوا، ولولا ذلك لما روى لنا إمامنا الصادق (ع) هذه الرواية.

[١] مستدرك الوسائل  ج٦ ص١٠٠.
[٢] إعلام الوری  ج١ ص٢٨٢.
[٣] تفسير نور الثقلين  ج٤ ص٤٤٢.
[٤] کلیات حدیث قدسی  ج١ ص٤٣٧.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • لقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (كَانَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يُعْجِبُهُ أَنْ يُرْوَى شِعْرُ أبي طالب (ع)) . وبالطبع إن عليا (ع) لا يلتفت إلى والده بدافع الأبوة المجردة؛ بل لأنه يعلم أن أباه قد ظُلم كما ظُلم هو.
Layer-5.png