Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

س١/ ما هي الضوابط العامة للمشورة؟..

إن المشورة من الأمور المهمة، التي لا غنى للسالك عنها، والتي تكفيه الكثير من التبعات، التي قد يقع فيها ما لو استأثر واستبد برأيه.. فيخطئ من يظن أنه وصل في حياته إلى مرحلة لا يحتاج إلى المشورة أو رأي الغير، إن هذا تصور غير صحيح.. فالمشورة مشاركة للناس في عقولهم.. والإنسان حسب عمره القصير، وأسلوبه في حياته، له تجارب محدودة.. فمن الراجح الاستفادة من خبرات الغير، الذي بلغ من العمر مبلغا أكثر منه، ومر بتجارب هو لم يمر بها.. والمشورة تعجل له معرفة النتائج، فيتحفز للوصول للنافع من الثمار، وينفر عن كل ما يوقعه في المضار..

ورد في حديث عن النبي (ص): (رأي الشيخ أحب إلى من جلد الغلام).. يعني لو دار الخيار بين أن يعطي أمرا لشاب له جلد ونشاط، وبين أخذ رأي من رجل كبير السن؛ فإن رأي الشيخ أفضل لتمام الأمر.

ولا نقصد بقولنا لزوم المشورة، طرق أبواب الاستشاريين بالمعنى العرفي، فهذا راجح في بعض الحقول، كحقل الطب في القضايا الطبية.. أما في القضايا الغيبة، فيما يتعلق بعالم الأنفس، فيحتاج الإنسان إلى مشورة خبراء النفس، الذين تنورت نفوسهم بأنوار عالم الغيب.. فحتى يحصل الإنسان على شيء ينفعه، لابد أن يكون المستشار مسددا بنوع من أنواع التسديد الإلهي، وهو ما يعبر عنه في روايات أهل البيت (ع)، بفراسة المؤمن: (اتقوا فراسة المؤمن).. فالمؤمن له فراسة، وهذه الفراسة ما جاءت من فراغ، إنما جاءت من عبادات، ومن خلوات مع رب العالمين.. فإن الذي يختلي مع رب العامين في جوف الليل، يغشيه بنوره، ومن هذا النور نور معرفة الأشياء، وقد أشار النبي الأكرم (ص) إلى هذا النور في قوله: (اللهم!.. أرني الأشياء كما هي).

فعليه، نحن نشترط في المشورة في القضايا الأنفسية، أن يراجع الإنسان عبدا مستنيرا إجمالا بنور الله تعالى.

ومن المعلوم أن مشورة الغير، شكل من أشكال الاستخارة، وذلك بأن يتوسل المؤمن ويدعو الله تعالى، قائلا: (اللهم!.. اجعل خِيَريتي فيما يقوله فلان).

والنصيحة للذي يريد أن يسدي المشورة: أن يتقي الله تعالى أولا، ويطلب من الله تعالى أن يلهمه التسديد.. وخاصة إذا كان مستشارا في قضايا مصيرية، كأن تستشيره امرأة، في الانفصال عن زوجها.. أو تكون قضية فيها شيء من الخصومة، وطُلب منه القضاء أو الفصل بين المتخاصمين، وهو قد لا يكون قاضيا اصطلاحيا شرعيا، بل حكما أو مستشارا بين متخالفين.. فهنا الأمر يحتاج إلى دقة بالغة، لئلا ينحاز إلى أي منهما؛ ويكون في إبداء الرأي مطابقا للمصلحة الواقعية.. فالأمر يحتاج حقيقة إلى استنارة بنور الله تعالى.

س٢/ هل يمكن استشارة رب العالمين؟..

إن القضية ليست فقط ممكنة، بل واقعة وراجحة!.. إلا إنها تحتاج إلى مقدمات كثيرة!.. ونحن علاقتنا برب العالمين، يمكن أن نعبر عنها بأنها علاقة غير نموذجية!.. فهي إما علاقة الحاكم بالمحكوم، أو علاقة المعذِّب بالمعذَّب، وبعض الحالات علاقة المكافِئ بالمكافَئ.. فإن علاقتنا مع رب العالمين علاقة مجردة عن العواطف.. والحال أننا نلاحظ في دعاء الجوشن أو غيره، الكثير من تعابير الحب بين العبد والمولى تعالى: يا حبيب القلوب!.. يا أحب من كل حبيب!.. يا خير من خلا به وحيد!.. فهذه العبارات العاطفية، تريد منا أن نحول العلاقة بالله تعالى، من علاقة الخوف والطمع، إلى علاقة الإنس والمحبة؛ ومقتضى ذلك: المشورة..

فمثلا: شاب يحب أن يتزوج بفتاة أو العكس، فما المانع أن يستشير رب العالمين، ويطلب منه أن يسدده، قائلا: يا ربي!.. جعلت أمري إليك!.. خر لي واختر لي!.. ولعل يأتيه الجواب من خلال التسديد العملي، سلبا أو إيجابا.. فمثلا: شاب مقدم على فتاة بكل إصرار، والأرضية مهيأة، فلما يناجي ربه بالمشورة، فإن الأمر لا يتم، ولعل هذا معنى من معاني القول الوارد: (عرفت الله بنقض العزائم وفسخ الهمم).

ولا شك أن العبد إذا أصبحت علاقته مع ربه بمستوى متميز، فإن الرب يتحبب إلى هذا العبد، ويتولى شؤونه إلى درجة أنه يزوجه أو يطلق زوجته؛ والقرآن الكريم يذكر لنا هذا الأمر، قال تعالى: {عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ}.. وإن كان هذا خاصا بالنبي (ص)، إلا أنه من الواضح أنها درجة ممكنة أيضا لنا، ونحن نتأسى بالنبي (ص)، فيمكن للشاب أيضا أن يقول: يا رب!.. كما زوجت نبيك، أنا أيضا زوجني، فأنت الرب الودود!..

فينبغي أن يحاول الإنسان في حياته، أن يطور علاقته مع ربه، إلى هذا المستوى العاطفي، بأن يصل إلى درجة تجعله يستشير الرب في أموره وما يهمه.. من المتعارف أن الفتاة إذا أهمها أمر، أنها تراجع أمها، وكذلك الفتى يراجع أباه؛ لكون الأب والأم من أرفق وأحن الناس على الإنسان.. ومن المعلوم أن رب العالمين هو الأبر والألطف بالعبد من أبيه وأمه، فإن رب العالمين خير من يستشار، وينقطع إليه، فيما يمر به الإنسان من أزمات في حياته.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.