Search
Close this search box.
  • كيف ندير الأزمات؟
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

· إن لكل منا في هذه الحياة نصيبا من هم أو حزن أو بلاء، بعد أن يقطع المبتلى منا طريق الكرب والغم؛ ليشعر بالبؤس والانهزام.. رافعاً رايته البيضاء، معلناً الهزيمة والاستسلام، ناشراً أعلام التعاسة، جاراً أذيال الهزيمة، متقاعساً عن العمل، وإدارة الأمور بشكلها الصحيح، مخفقاً في جميع شؤون حياته.. ناسياً أن الإنسان لم يتوصل إلى ما وصل إليه اليوم، من تقدم ورقي وتطور، إلا بمجاهدته للهزيمة، وتصحيحه للخطأ.. فتاريخ الإنسانية على الدوام إن هو إلا تاريخ أخطاء الإنسانية، فإن كل فرد منا يعتبر مديرا لدائرة من الدوائر -ضاقت أو اتسعت– بدءا بنفسه وانتهاء بالمجتمع.. ولكل دائرة من تلك الدوائر، أزماتها المرحلية أو الدائمة.. ومن هنا لزم علينا أن نتعلم فن إدارة الأزمات، لئلا نهدم ما بنيناه -بسوء الإدارة- في يوم واحد.

· إن السنة الإلهية قاضية بأن يبتلى المؤمنين بمختلف المحن، كما في قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ}.. ومن ناحية أخرى، فإن البلاء نتيجة طبيعية للخطايا، كما في قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ}.. وبما أن كل بني آدم خطاؤون، فإنهم جميعا معرضون للبلاء المكفر للسيئات.

· لكن الإخفاق الدائم، والتراجع المستمر إلى الخلف، والتسافل إلى مهاوي الفشل المدقع.. تجعل من الإنسان موجوداً ضعيفاً، وكائناً متخاذلاً لنفسه، قبل أن يكون مخفقاً في مجتمعه، وفي جميع شؤون حياته.. لذا فإن القدوة الحسنة في هذه الحال، تعتبر أمراً ضرورياً ولازماً؛ لتدفع بالبائس إلى الأمام، ولتسير بالمتخاذل إلى سبل الفوز والنجاح، بعد أن ذاق مرارة الفشل ولوعة الانهزام.. فالإمام الحسين عليه السلام، وباعتباره سفينة النجاة وعين الحياة: من ركبها أمن، ومن تخلف عنها غرق وهوى، قد قاسى ما قاساه في صحراء كربلاء، فلم يكن ليسلبه كل ذاك البلاء رونق دأبه وجمال روحه، فكلما أشتد عليه البلاء أشرق لونه.. فمن الأجدر بنا نحن المحبون، أن نتأسى بهذا القائد العظيم، والبطل الكبير، ولنجدد انتصار الدم على الرمح والسيف، ولنجدد انتصار الإرادة والعزيمة على الإخفاق والهزيمة.

· غير أن هذا البلاء المعاش والمطروح على ساحة الحياة، المرسوم على صفحة الوجود، قد تكون له أسباب ساعدت على انتشاره وازدهاره.. ولربما كنا نحن من نصب تمثال الهزيمة في طريقنا، ورسم التخاذل في كيان أنفسنا.. ولربما كنا نحن من قتل الأمل في وجودنا، وطمس أحلام المجد في أعماقنا.. لذا ارتأينا أنه من الأجدر والأفضل، أن نعرف أسباب البلاء والكرب في حياتنا.

· فعندما نطرح البلاء على الماضي لننبش بطون التأريخ، نرى أن البلاء أمر موروث منذ خلق الله البشرية على وجه هذه الأرض.. فكان البلاء ملازماً للإنسان، مواكباً لكل حركاته وسكناته؛ ليكون صاحب دربه وطريق شقائه وسعادته.. فمنذ أن خلق الله أبينا آدم عليه السلام قد ذاق البلاء والمحن، وما أقساه من بلاء، وما أفجعها من محنة!.. أن ينزل من جنان الخلد، وجنة الفردوس، إلى هذه الأرض الفانية، والجنة الزئبقية الخادعة.
وكذلك قد خط البلاء على نبي الله نوح عليه السلام، آثار الأسى والألم، واتخذ البلاء من نوح عليه السلام خير جليس، وخير كليم وأنيس.. فقد رسم البلاء آثاره على نوح، فسمي نوحاً لكثرة نياحه، ونسج أوتاره على حياته عليه السلام، فكانت زوجته بئس المرأة الشقية، وكان ابنه بئس الابن العاق!..
فحينما نطلق النظر إلى هذه الحياة بعين المبصرين، وفكر الذاكرين العارفين.. نعلم أن البلاء قد قسم نفسه علينا: الأمثل فالأمثل.. ومن جهة أخرى قد تكون هذا البلية قد نذرت نفسها لمصاحبة الآدميين؛ لتكون سنة إلهية على وجه هذه البسيطة، تعجز الأيدي عن تغييرها، وتسيل العين أنهاراً من مرارة صحبتها، ويحدودب الظهر من ثقل معاشرتها.. فالواجب علينا أن نفهم من يصاحبنا ومن نصاحبه، ولتكن فرصة جيدة لأن نعقد صفقة رابحة معها، كما أنها تأنس بمعاشرتنا فلنأنس نحن بها، ولنواجهها بقوة الصبر، وسلامة الجأش، وبرقي العزيمة.. لتحين فرصة انتصارنا، بعد انتصارها الدائم علينا.

· وبعد أن تطرقنا لأسباب هذه الأزمات، وكيف أنها أخذت مساحة كبيرة في حياتنا.. نحاول الآن -وعلى قدر الإمكان- تخطي تلك الأزمات، لنقودها قيادة حسنة حكيمة، بعد أن قادتنا قيادة مؤلمة فجيعة.. وكما قد تعلمنا من مدرسة الآل الأطاهر (فلنحسن إلى من أساء إلينا)، ولنبحث عن طريقة مجدية لعلاجها، وطريقة نافعة للتخلص من أضرارها.

· طرق علاج الأزمات:
أولاً: عدم الإحساس بالتبرم واليأس: تعتبر كأول خطوة في علاج الأزمات، هو عدم الانهيار والاستسلام.. فإن اليأس يعتبر نقطة الموت للنفس، فالحل هو القبول الواعي لهذه النقطة، مصداقا للحديث القائل: إن لم يكن ما تريد، فأرد ما يكون.. ثم التأمل والتدبر في الحل، بدلا من زرع (ليت، ولعل) لتكون الثمرة الخيبة والخسران.
ثانياً: التفكير العملي الواعي: إن الالتجاء إلى العقل في تحكيم الأمور، هو المنجي دائماً.. إذ أن الباري قد ميز بني آدم عن غيره من سائر المخلوقات، بهذا العقل الذي يعد نعمة عظيمة.. وكما قد ورد في الروايات، أن الله بالعقل يعاقب، وبالعقل يتجاوز ويسامح.. ومن السنن الإلهية لهذه النعمة العظيمة، وكقاعدة إلهية مقدسة: (إذا أخذ ما وهب، سقط ما وجب).. فعلى الكل تحكيم عقله في الأمور؛ ليجعله سائقاً إلى رضوان الله في جنان الرحمة الأبدية.
ثالثاً: الشكوى للمؤمنين: يحسن بالمؤمن أن يستشير في أمور حياته أهل الفكرة والبصيرة، فإن من شكا إلى المؤمن، فكأنما شكا الى الله تعالى، ومن شكا إلى غيره فكأنما شكا الله تعالى.. كما يحسن الالتجاء لصلاة الاستخارة العامة، بمعنى القيام بركعتين، ثم الطلب من الله ما فيه الخير والعافية؛ ليكون ما يلقى في الروع -بعدها- إلهاما ربانيا.
رابعاً: عدم اليقين بنجاح السعي: قال تعالى: {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} إن الله عز وجل أمر الإنسان بالسعي على هذه الأرض، لجني خيراتها والحصول على بركاتها، لقوله تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}.. وأما نتائج هذا العمل، فهو بيد المولى.. يعطي من يشاء كيف يشاء بما يشاء، من غير حساب ولا ثواب، بل بيديه المبسوطتان ينفق كيف يشاء.. لذا فإن ترغب النتائج المرجوة من جني الثمار اليانعة، أمر مذموم في حال وجود مقسم الأرزاق ومعطيها.
خامساً: تأدية حقوق الخالقية والمخلوقية: من الضروري أن نبحث عن الخطايا الخفية في حياتنا، والتي تكون سببا للعقوبات الربانية العاجلة.. ألا وهو ظلم العباد، وخاصة من لا يجد له ناصرا إلا الله تعالى.. فان الله سريع الانتصار لعبده المؤمن، بعكس حقوقه عز وجل، فإنه قد يتغاضى عنها قدر الإمكان؛ ليفتح باب التوبة على مصراعيه، لمن أراد الضيافة الإلهية، والعفو الإلهي، والتزود من مأدبته الكريمة عز وجل.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.