Search
Close this search box.
  • كيف نتربى في مدرسة الحسين (ع)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

كيف نتربى في مدرسة الحسين (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

مشاهدة الإمام الحجة (عجل الله فرجه) لواقعة كربلاء

إن علم الإمام (عج) بواقعة كربلاء هو كعلم سيدتنا زينب (س) وعلم كل من كان حاضرا في تلك المعركة. وأما نحن فنتخيل ونسمع قصيدة أو ثم نتفاعل على ضوءها؛ ولكن إمامنا (عج) مكشوف له الواقع، ولهذا حق له أن يقول: (فَلَأَنْدُبَنَّكَ صَبَاحاً وَ مَسَاءً، وَ لَأَبْكِيَنَّ عَلَيْكَ بَدَلَ اَلدُّمُوعِ دَماً)[١].

قلة ما وصل إلينا من أحداث كربلاء

لقد قال لي أحد الخطباء الحسينيين: أنه اطلع على شيء من أسرار يوم عاشوراء وشيء من تفاصيلها؛ فضاقت عليه الدنيا بما رحبت بعد هذا الانكشاف ولم يهنأ له عيش إلى درجة أنه توسل بهم أن ينسونه ما رأى. إن هذا الذي نسمعه ونتخيله وما ينشده الشعراء؛ لا يكشف عظمة الواقعة. لقد كنت في مجلس خاص عند أحد العلماء الربانيين فقال: أن بعض مصائب يوم عاشوراء لم تصل إلينا ونحن لا نعلم إلا القليل، وأنى لروايات المقتل أن تحيط بما وقع في يوم عاشوراء؟ قلت له أي مصيبة لم تذكر فقد سمعنا الكثير من المصائب؟ فما كان من هذا العالم الكبير إلا وأن قال: إن بعض مصائب الإمام لا يمكن ذكرها؛ أي إنني أعلم بعض هذه المصائب ولكن لا يمكنني ذكرها.

شارك في مجالس الحسين (عليه السلام) ونوع من الخدمة ما أمكنك

وإن أقل ما تقوم به في أيام العزاء؛ أن تري نفسك أمام إمام زمانك وأنت تقيم عزاء جده. ثم حاول أن تنوع في الخدمة؛ فتارة كن مستمعاً، وتارة كن خادماً، وإن وفقك الله عز وجل؛ تمنى في يوم من الأيام أن تكون من الراثين لهم. إنني أعلم بعض كبار الشخصيات الدنيوية من الأطباء والمهندسين وغيرهم؛ سألوا الله عز وجل أن يجعلهم من خدمة الحسين (ع)، وقد رزقهم الله ذلك. إننا نذهب إلى بعض بلاد الغرب في بعض السفرات ونرى بعض المجالس مكتفية من الرواديد. فأقول لهم من أين لكم هؤلاء؟ فيقولون لي: إن هذا الإنسان الذي هاجر إلى بلاد الغرب لطلب العلم والدراسة أعطاه رب العالمين هذا التوفيق في أيام محرم فهو يدير المجالس الضخمة بكل سهولة وهذا من توفيقات الله عز وجل.

لا تستهن بنفسك فإنك أولا: بإمكانك أن تتمتم مع نفسك وتبكي على الحسين (ع) في خلوة من خلواتك أو أمام التلفاز وهي خلوة أيضا. وإنني أوصي الشباب أن يذكروا الحسين (ع) في خلوات الليل. والمحب الواقعي هو الذي يذكر الحسين خالياً فتفيض عيناه.

يوما مع أمير المؤمنين (ع) ويوما تحت راية يزيد..!

وكما يقال: إن الأمور بخواتيمها. فقد يبدأ أحدنا حياة جيدة؛ فهو شاب قد نشأ في طاعة الله عز وجل، ولكنه تزوج وأنجب فشغلته ذريته وزوجته. ثم يرى نفسه في أواخر العمر أنه ليس على ما يرام. يقول: رحم الله أيام الشباب كيف كنا وكيف صرنا الآن؟ وهذه كارثة، وكما يذكر في الدعاء: (وَيْلِي كُلَّمَا طَالَ عُمُرِي كَثُرَتْ خَطَايَايَ)[٢]. لقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (يَهْرَمُ اِبْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ مِنْهُ اِثْنَتَانِ اَلْحِرْصُ وَاَلْأَمَلُ)[٣]؛ لقد كان ينفق بسخاء أول ما توظف، والآن في أواخر العمر وهو مستغن يحسب حساب الفلس والفلسين. يتفق أن البعض في آخر العمر ينتابه مرض الحرص والبخل. فالخطيب قد يُقبل تارة ثم يدبر أخرى وكذلك الشاب المؤمن. وقد يرضى رب العالمين عنه ثم يسخط عليه. هل كنت تعلم أن بعض من شرك في قتل الحسين (ع) كان من أصحاب أمير المؤمنين (ع) وقاتل تحت رايته؟ قاتل تحت راية أمير المؤمنين (ع) يوما ويوما قاتل تحت راية يزيد بن معاوية. إن الذي يقض مضاجع الأولياء هو سوء الخواتيم. لا تركن إلى نفسك حتى تخرج روحك وهي مؤمنة عندها تكون قد عبرت الجسر بسلام.

إن الشيطان عينه على المميزين. فحتى إن فته أيام شبابك واستقمت في حياتك فهو لا ييأس منك ويحاول أن ينتقم منك ولو قبل أن تموت بأيام أو بأشهر أو بسنة وطالما انتقم. إن الذي حاول مع أبينا آدم (ع) ونجح في إخراجه من الجنة فما هو ضماننا نحن وما هو وزني وزن أمثالي عند الله. إن الله سبحانه يقول: (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا)[٤]، أو (لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا)[٥].

إن من بركات هذه المجالس أنها مجالس محصنة. فإن كنت تخاف على ولدك وعلى ذريتك؛ إجلبه إلى مجالس أهل البيت (ع) وهو في صغر السن وقل: يا أبا عبدالله، سلمتك ولدي وأنا عاجز فالزمان والأيام والإعلام ومواقع التواصل والجامعة وما شابه ذلك تسرقه مني وأنا لا سلطة لي عليه إلا قبل البلوغ. إن هذه السفينة المنجية لها قدرة هائلة؛ فحاول أن تسجل اسمك في هذا الديوان بأي نحو كان وخاصة إذا محضت النية وأخلصتها. إن بعض المؤمنين يتعمد الذهاب إلى المجالس التي لا يعرفونه فيها؛ لئلا يأتي في بال أحدهم هاجس؛ أن فلان قد حضر مجلسنا فلنحضر مجلسه، أو أن فلان من جماعتنا وفلان من عشيرتنا ومن أهلنا. ألق هذه العناوين جانباً واذهب إلى المجلس الذي يثير دمعتك وترى فيه إخلاصاً.

كيف نحضر المجالس الحسينية؟

أولا: مشاركة الإمام (عج) في عزاء جده (ع). ثم إنك تستطيع أن تتوخ في حضورك المجالس أهدافاً متنوعة. لو سألت رجلا بسيطاً عن هدفه من حضور المجالس لقال لك: أريد أن أقيم مجلس عزاء للحسين (ع) وإن طلبت منه أكثر يقول لك: أريد أن أبكي على مصيبته. وهكذا لتكن لك أهداف عديدة. إننا عندما نذهب إلى الفواتح ندخل السرور على صاحب العزاء، ولذلك عندما تزوره في الفاتحة تعلوه ابتسامة؛ أي أن زيارتك لنا قد أثلجت صدورنا، وخاصة إذا كان الشخص وجيها عالماً أو إنساناً له وزنه. وكلما زاد عدد المعزين؛ رجع إلى المنزل وهو يشعر بالراحة، ويقول: الحمد لله، لقد شاركني المؤمنون.

إحياء المجلس

ثانيا: قم بإحياء المجالس؛ فكلما كثر العدد واكتض المجلس بالحضور كان ذلك من موجبات سرور أهل البيت (ع) وعلى رأسهم من يمثلهم في زماننا هذا والذي سنحشر تحت لوائه وهو إمامنا المهدي روحي له الفداء، وقد روي عنهم: (رَحِمَ اَللَّهُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَنَا رَحِمَ اَللَّهُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَنَا)[٦]؛ وفي اللغة العربية إذا جاء الأمر المستقبلي بفعل الماضي كقوله سبحانه: (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ)[٧] والتي من المفروض أن يقول: ستقع الواقعة، أو كقوله سبحانه: (غُلِبَتِ الرُّومُ)[٨] وإنما هم غلبوا لاحقا فيعني ذلك في عرف العرب وفي اللغة وفي البلاغة أن الأمر محقق الوقوع، كما أن الذي وقع في الماضي لا خلاف فيه فهذا لا خلاف فيه أيضا.

إن الامام (ع) يقول: (رَحِمَ اَللَّهُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَنَا) ولكن متى هي هذه الرحمة؟ أهي في القيامة أو في المستقبل؟ إن هذه الرحمة رحمة قطعية وانتهى الأمر. إن هذا التعبير هو من أوسع التعابير. فالخطيب بخطبته والمستمع باستماعه ومن يسقي الماء في مجالس الحسين (ع) ومن يصفف النعل وكل من له دور في هذا الأمر يشمله هذا التعبير الواسع: (رحم الله من أحيا أمرنا).

تأثير المجالس الحسينية على إصلاح النفس

ثالثا: سل الله عز وجل أن يغير من مجرى حياتك، وأن يعينك على إصلاح ملكاتك الفاسدة، ويحليك بالملكات الطيبة، وسله تغييراً في ماهيتك. لكن ما هي العلامة؟ إنك سترى في نفسك بعد العشرة انسابية في الصلاة؛ فقبل أيام محرم كانت لك مشكلة مع الخواطر التي تهجم عليك في الصلاة ولكنك تكبر الآن وذهنك يبحر في بحر الصلاة.

إنك قبل محرم كنت سريع الغضب، والآن وصلت ألى مرحلة أصبحت فيها كالجبال الراسخة. ولقد روي أن: (المُؤمِنُ کَالجَبَلِ الرّاسِخِ لا تُحَرِّکُهُ العَواصِفُ)[٩]؛ أو كنت قبل شهر محرم يزيغ قلبك إن مرت أمامك فتاة متبرجة – لا تنظر إليها ولكن في باطنك ميل لها – فأصبحت بعد محرم أكثر ضبطا لنفسك. يقول لي بعض الشباب عن تجاربهم في الجامعات وأنهم قد عانوا شهراً واحداً أول ما دخلوا إلى الجامعة وفي شهر سيطروا على أنفسهم وصارت ملكة لهم. إن البعض يرخي الحبل ثم يفعل في سنة وسنتين ما يشاء ثم يريد أن يستقيم بعد أن ركبه الشيطان وإذا ركبك الشيطان فإنه لن يدعك بسهولة.

بركات مجالس الحسين (عليه السلام)

سل الله عز وجل من بركات مجالس الحسين (ع) وأن لا يكون عملك البكاء فقط. إن البكاء مقدس وعظيم كما قال الرضا (ع) لابن شبيب: (إِنَّ اَلْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ اَلذُّنُوبَ اَلْعِظَامَ)[١٠]، ولكن هناك فرق كبير بين مسلم مشغول فكره بالذنوب وآخر في كسب الدرجات العالية. إن الإمام (ع) سفينة النجاة وعندما يدخلك السفينة سيعطيك بعض المزايا لا أن يخرجك منها ولا يوصلك إلى بر الأمان. إن سفينة الإنقاذ لا تحملك على ظهرها إلى الأبد ولا بد أن توصلك إلى الميناء وتسلمك إلى ذويك ولعلهم يعطوك مالاً.

ثم استفد من المجالس ولا تنظر إلى من قال؛ بل انظر إلى ما قيل. ما لك وشخصية الخطيب؟ قد لا يعجبك من الخطيب صوته أو لحنه أو سابقة أو لاحقة ولكن إعلم أن الحكمة ضالة المؤمن؛ فاجعل نفسك مخاطباً لهذا الكلام. إن تكلم الخطيب عن الغيبة لا تقل: إنه يعني غيري، وأنا بريء من الغيبة، من قال لك ذلك؟ ألم تغتب من المحرم الماضي إلى الآن ولم تنظر ولم تهم ولم تتكلم بسوء؟

مشفى الأمراض الروحية

طبق في هذه المجالس كل ما يقال على نفسك. إذا ذهبت إلى المستشفى فادخل على الطبيب. ثم إذا دخلت عليه اذكر له حالتك ثم خذ منه الوصفة  ثم اشتر الدواء. فإذا اشتريت الدواء استعمله بانتظام لكي تشفى. كم هي هذه المراحل؟ ذهبت فحجزت فدخلت فوصف لك فاشتريت فشربت ثم الآن ترجو الشفاء. ليكن مجيئك إلى هذه المجالس كهذه المراحل. ويعجبني في بلاد الشام أنهم لا يقولون: مستشفى، وإنما يقولون: مشفى وهو أبلغ من المستشفى. المستشفى من يطلب الشفاء والمشفى؛ محل الشفاء. فمن ذهب للمشفى رجع مشافاً من باب تفاءلوا بالخير تجدوه. إن هذه المجالس ليست بالمستشفى وإنما هي مشفى، فنحن جئنا لا طلباً للشفاء وإنما جئنا لأجل الشفاء المحقق. وما المانع من أن تقول عندما تأتي إلى هذه المجالس: يا رب، ألهم الخطيب ما فيه شفاء علتي؟

[١] المزار الکبير  ج١ ص٤٩٦.
[٢] المناقب  ج٤ ص١٥١.
[٣] تحف العقول  ج١ ص٥٦.
[٤] سورة النور: ٢١.
[٥] سورة النساء: ٨٣.
[٦] بحار الأنوار  ج٧٨ ص٢١٩.
[٧] سورة الواقعة: ١.
[٨] سورة الروم: ٢.
[٩] شرح اُصول الکافی ج٩ ص١٨١.
[١٠] المناقب  ج٤ ص٨٦.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • لقد قال لي أحد الخطباء الحسينيين: أنه اطلع على شيء من أسرار يوم عاشوراء وشيء من تفاصيلها؛ فضاقت عليه الدنيا بما رحبت بعد هذا الانكشاف ولم يهنأ له عيش إلى درجة أنه توسل بهم أن ينسونه ما رأى. إن هذا الذي نسمعه وما ينشده الشعراء؛ لا يكشف إلا القليل من جليل ما وقع في تلك الواقعة.
  • حاول أن تنوع في الخدمة الحسينية؛ فتارة كن مستمعاً، وتارة كن خادماً، وإن وفقك الله عز وجل؛ تمنى في يوم من الأيام أن تكون من الراثين لهم. إنني أعلم بعض كبار الشخصيات الدنيوية من الأطباء والمهندسين وغيرهم؛ سألوا الله عز وجل أن يجعلهم من خدمة الحسين (ع)، وقد رزقهم الله ذلك.
  • سل الله عز وجل من بركات مجالس الحسين (ع) وأن لا يكون عملك البكاء فقط. إن البكاء مقدس وعظيم كما قال الرضا (ع) لابن شبيب: (إِنَّ اَلْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ اَلذُّنُوبَ اَلْعِظَامَ) ، ولكن هناك فرق كبير بين مسلم مشغول فكره بالذنوب وآخر في كسب الدرجات العالية.
Layer-5.png