Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

قال تعالى :{ ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون }.. الكفر لغة : هو التغطية، يقال عن الزارع كافر ، لأنه يكفر البذرة في التراب , أما اصطلاحاًً: فيطلق على من يجحد نعم الله تعالى ويغطيها .

من سياق الآية الكريمة يتضح بأن كفران النعمة وعدم تأدية حقها ، يوجب العذاب الأليم من الله عز وجل، فما هي صور الكفران للنعمة ؟.

– صور كفران النعم الاعتقادي :

* كفران نعمة الفطرة : إن الإنسان خلق على الفطرة السليمة ، إلا إنه بارتكابه للمعاصي والذنوب يخالف تلك الفطرة ، وشيئاً فشيئاً تسلب منه هذه النعمة ، ليعيش بعدها في ظلمات التيه والضلال.

* كفران نعمة الإسلام : إن الإنسان عليه أن يعلم بأنه في أمة شرفت بنعمة الإسلام – أرقى الأديان السماوية المستجمع لكل موجبات الرقي والتكامل – ، والتي تحمل بين كفيها كتاباً يعكس وحي السماء ، وهو القرآن الكريم ، وبالتالي لا ينبغي أن يخرج عليه ويتردى في غيره ، بدعوى الحضارة المادية المزيفة التي تخلو من البلوغ الفكري والنفسي.

* كفران نعمة الإيمان (الولاية) : كما نعلم أن البعض يظل متحيراً ، يفتش في بطون الكتب عن المذهب الحق ، ولا يكاد يصل ، ونحن -بحمد الله -ولدنا في بيئة ولائية ، فعلينا أن نحاول من خلال المطالعة والتأمل والتدبر، تحويل هذا الإيمان الفطري إلى مسلك في الحياة عن قناعة ، وأن نبالغ في شكر هذه النعمة بالإتباع والعمل ، وإلا فسيكون مصيرنا الحسرة والندامة كما جاء في حيث إمامنا الباقر(ع) : (إن أشد الناس حسرة يوم القيامة ، عبد وصف عدلاً ثم خالفه إلى غيره).

– صور كفران النعم في الحياة العملية :

* كفران نعمة المال: إن الإنسان ما هو إلا مستخلَف على هذه الأمانة ، فلينظر كيف يؤدي حقها، ويخرج ما عليه من الوجوبات الشرعية، ويحافظ عليها.. والرسول الأكرم (ص) في قوله: ( واغتنم غناك قبل فقرك) ، يشير إلى أن المؤمن ينبغي له أن يكون دؤوباً في عمله ، مستغلاً لذلك المال في طرق الخير، والتي تكون زاداً له في الآخرة.

* كفران نعمة الصحة والفراغ : إن فترة الشباب هي فترة القوة والحيوية والنشاط ، وهي سرعان ما ستطوى ، فينبغي للمؤمن العاقل استغلالها في طاعة الله عزوجل، قبل أن تورثه تلك الفترة الندامة والأسى، كما قال الرسول(ص) : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ ).

* كفران نعمة الأمان : من المعلوم أن هذه الأرض تزخر بالبلاءات والفتن ، ونحن بحمد الله تعالى تعيش حالة من الأمان والاستقرار ، فعلينا باغتنام الفرصة في تثبيت ما نحن عليه : اعتقاداً ، وعلماً ، وعملاً ، قبل أن تضج الأرض بمن عليها لطلب الفرج ، من الضيق والهرج والمرج .

* كفران نعمة الاستقرار العائلي : مع الأسف يعمد البعض إلى المثالية في السلوكيات، فلا يرضى بما لديه ويتمنى لو أنه تزوج بفلانة أو فلانة ، فيكدر صفو عيشه ويحرم نفسه من نعمة الاستقرار العائلي.

* كفران نعمة الذرية الصالحة : بعض الآباء بسوء تصرفاتهم يعطون صورة قاتمة للدين لهؤلاء الأبناء، الذين نشؤوا على الفطرة المستقيمة ، ولا يعرفون الحرام والانحراف.. والبعض الآخر للأسف تراه يزج بهم زجاً في الهاوية بأخذهم إلى دول الكفر ، وأماكن انتشار اللهو الفساد .

* كفران نعمة العزة في نفوس المؤمنين : إن العزة نعمة من الله عز وجل لعباده المؤمنين، فهو العزيز ، والذي { يعز من يشاء ويذل من يشاء}.. وكم من إنسان كان عزيزاً في مجتمعه وقومه ، وإذا به بسوء سلوكياته ، يسقط من الأعين فيفقد التأثير والقبول الاجتماعي .

* كفران نعمة رقة القلب والإقبال على الله سبحانه وتعالى : إن من أكبر صور الخسران فقدان نعمة شفافية القلب وسرعة الدمعة والتفاعل مع ذكر الله عز وجل ؛ بارتكاب المعاصي.. رحم الله العلامة الطباطبائي كان يقول : (الإقبال ضيف عليك ، فإذا أكرمت الضيف بقي ، وإلا ارتحل).

– وبعد كل تلك الصور ما هي الحلول المستلزمة لبقاء تلك النعم الإلهية ؟.. إن الحل يكون بشكر الله تعالى في صوره الثلاث :

* الشكر الاعتقادي: باعتقاد بأن مجمل هذه النعم إنما هي من الرب المتفضل المنعم على عباده.

* الشكر اللفظي: بالشكر اللفظي على كل حال من الأحوال.

* الشكر العملي: وهو الأسمى ، بشكر كل نعمة ، بتأدية حقها واستثمارها في طاعة الله عز وجل .

– في ختام الحديث نزين هذه المائدة بما ورد عن أهل البيت (ع) في هذا الشأن :

* قال الصادق (ع) : (ما أنعم الله عزّ وجلّ على عبد أجلّ من أن لا يكون في قلبه مع الله غيره).

* عن الإمام الرضا (ع) : ( أحسنوا جوار النعم فإنها وحشية ، ما نأت عن قوم فعادت إليهم).

* وأن في زبور داود (ع) : أن الله يقول : (يا بن آدم ، تسألني وأمنعك لعلمي بما ينفعك ، ثم تلح عليّ بالمسألة فأعطيك ما سألت فتستعين به على معصيتي ، فأهمّ بهتك سترك فتدعوني ، فأستر عليك ، فكم من جميل أصنع معك ، وكم من قبيح تصنع معي ، يوشك أن أغضب عليك غضبة لا أرضى بعدها أبداً ).

* وعن الإمام الصادق (ع) أنه سئل عن الاستدراج فقال : (إذا أحدث العبد ذنباً، جدد له نعمة ، فيدع الاستغفار ، فهو الاستدراج ، و كان من أيمانه لا و أستغفر الله).

* وقال رسول الله (ص) : (من أصبح وأمسى وعنده ثلاث، فقد تمت عليه النعمة في الدنيا: من أصبح وأمسى معافىً في بدنه، آمنا في سربه، عنده قوت يومه، فإن كانت عنده الرابعة، فقد تمت عليه النعمة في الدنيا والآخرة، وهو الإيمان).

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.