Search
Close this search box.
  • قواعد الجهاد الأكبر
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

قواعد الجهاد الأكبر

بسم الله الرحمن الرحيم

تكملة قواعد الجهاد الأكبر

نكمل ما بدأنا به من ذكر قواعد الجهاد الأكبر. إن هذا البحث ليس بحثاً ترفياً وإنما هو بحث يحدد مصير الإنسان وسعادته. لو فاز أحدنا في هذه المعركة أو في هذا الجهاد فإنه سيعيش إلى أبد الآبدين متنعماً بغنائم هذه المعركة. إن الغنائم في معارك الدنيا هي سلاح ومال وأرض وما شابه ذلك ولكن غنائم الفوز في معركة الجهاد الأكبر هي السعادة الأبدية.

إن التأمل في هذه النقطة لدقيقة واحدة في جوف الليل أو في خلوة أمام الكعبة أو في الروضة يقلب كيانك رأساً على عقب. ولهذا قد أعطي التفكير هذا الأجر العظيم. وهي أن أحدنا سيعيش الفقر المدقع والمطلق من بعد الموت؛ وإن حياته في القبر أو في عرصات القيامة أو في الجنة وأبديته مترتبة على هذه السنوات المحدودة. وأوجه حديث هذا خاصة لمن بلغ الأربعين فما فوق. فعليه أن يفكر جيداً قبل أن ينقل قهراً إلى ذلك العالم، وأن يموت موتاً اختياراً كما يروى: (مُوتُوا قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا)[١] أو (حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا وَزِنُوهَا قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا)[٢].

من القواعد الحرب من النفس والشياطين وامتلاك الهمة والصبر. من الغريب ألا يقنع البعض للدنيا فينتقل من قارة إلى قارة، ومن جامعة إلى جامعة لأجل تحسين وضعه الوظيفي والمعيشي ولأجل بعض الدراهم تضاف إلى حسابه وهو مستغن عنها. ونحن لا نمنع الطموح العلمي، ولكن كن منصفاً وكن كما قال سبحانه: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)[٣]؛ أي ليكن محور الاهتمام هي حياتك الأخروية وفي الأثناء لا تنسى نصيبك من الدنيا. فأنت عندما تذهب إلى الحج تقف في الطريق في بعض المحطات لتأكل شيئا ولكن لا تستوطن تلك المطاعم والمقاهي وإنما تتزود منها ثم تعبر.

إن الدنيا قنطرة وشجرة يستظل أحدنا تحتها ساعة ثم يرحل عنها. إن المؤمن له همة مضاعفة في هذا الطريق. وإن رب العالمين يدربنا كما يدرب الوالدين أطفالهما. إن الإنسان كالطفل إن أهمل لطخ نفسه بالأوساخ والغبار وغيره. فالأم ترعى طفلها وقد تزجره في بعض الحالات. إن الإنسان لو ترك وشأنه هل يصوم شهرا كاملا؟ ولو لم يشرع الحج هل ليذهب أحد إلى الكعبة المشرفة؟ ولو لا الصلاة المفروضة لما قام أحدنا بالصلاة بين يدي الله عز وجل. إن هذه العبادات جعلها الله سبحانه لتحفيز الهمم وعلى رأس هذه المحفزات الصلاة بين يدي الله عزوجل.

إن الحج لا يكون في العمر إلا مرة والصوم في السنة شهر؛ ولكن الصلاة الخاشعة بحاجة إلى مجاهدة. ومن أصعب المجاهدات ضبط الخواطر. إن أحدكم يصوم في الصيف الحار، ويتحمل من الصباح إلى المغرب إجمالا ولكنه إن أراد أن يصلي ركعتين خاشعتين ولو بعد الإفطار لما أمكنه ذلك. إنه قد يذهب مشياً لزيارة المشاهد مئات الأميال ثم يصل إلى المشهد – وقد يمشي البعض أسبوعين وأكثر – أو يصل إلى للمقام ويقف عند الرأس الشريف فيصلي ركعتين وذهنه شارد يذهب يميناً وشمالاً. لقد كانت الصاة على رأس وصية أمير المؤمنين (ع) لواليه على مصر محمد بن أبي بكر حيث قال له: (وَاِعْلَمْ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ عَمَلِكَ تَبَعٌ لِصَلاَتِكَ، فَمَنْ ضَيَّعَ اَلصَّلاَةَ فَإِنَّهُ لِغَيْرِهَا أَضْيَعُ)[٤]

كيف نحفز الهمة؟

أتقن الواجبات في الصيف وفي الشتاء القارص. لقد سمعت البعض ممن يجب عليه الغسل الواجب فيفتح فوهة في هذا الجليد بمقدار الاغتسال فيغطس في هذا الماء ويخرج منه كما يفعل ذلك البعض في القطب الشمالي. وكم سيكون هذا العمل محفزا؟ إن إتقان العبادات وخاصة في الظروف القاسية يحفز الهمة. إن مؤمن يعتز بإيمانه؛ فقد يأتي وقت الصلاة في الطائرة أو في مكان غير مناسب وهو يعلم أن البعض سيشير إليه بالبنان إن هو أقام الصلاة ولكنه لا يبالي بذلك. إن إقامة الصلاة في مثل هذه الظروف تقربك بإذن الله عز وجل.

التوغل في الدنيا

ومن القواعد عدم التوغل في الدنيا وهذه مصيبة المصائب. إن المؤمن إذا بنى بيتا أو خاط ثوباً أو سافر سفرة يقتصر فيها على الضروريات ويجتنب فيها فضول العيش والكماليات. إننا لا ننكر قوله تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)[٥]؛ ولكنك تدخل بيوت بعض المؤمنين وتجد أن ما صرفه من الزينة الزائدة في المنزل يكفي لشراء مكتبة عامرة فيها آلاف الكتب.

إنني أعرف رجلا أمضى شطراً من عمره في بناء منزل أو ترميمه ثم لم يسكن فيه إلا أسبوعا؛ فخرج منه وسكن في مكان آخر. وعندما سألته عن علة إعراضه عن هذا المنزل قال: لقد انقبض قلبي فيه. إن كان المنزل قد بني في غير طاعة الله عز وجل فإنه يعرف كيف يربي عبده. لا أقول يؤدب وإنما يربي. إن رب العالمين لا شأن له بأهل الدنيا وقد وكلهم إلى أنفسهم ولكن المؤمن في طريق الكمال قد يخطئ خطأ فيصاب بعده بصداع أو بحادث سير. ولهذا فإن بعض المؤمنين بمجرد أن تنزل عليهم بلية وقبل أن يحزن أو أن يفكر في الحل؛ يأخذ زاوية ويقول: يا رب ما الذي صنعته؟ علمني أنت وألهمني، ويبكي بكاء مريراً ويقول: يا رب لم وكلتني في هذا المجال؟

أهمية الصبر في السير إلى الله عز وجل

ولابد من الصبر في الطريق إلى الله عزوجل. إن هذا الطريق ليس بأقل من زرع نخلة. إنك إن إردت أن تقطف رطباً جنيا؛ لابد وأن تعتني بهذه النخلة سنوات، وقد ينفق البعض الأموال لكي يقتني نخلة مثمرة. ومن المضحك في بعض البلدان أن يقوم بعض أهل الدنيا بصرف الملايين لأجل امتلاك ناقة سريعة في مشيها مثلا. وأما عشاق الهوى فالحديث عنه يطول. قد يقاتل الشاب في سبيل الوصول إلى فتاة عشر سنوات أو خمس سنوات؛ ولكنه يريد الوصول عند سيره في الطريق إلى الله عز وجل في ليلة أو ليلتين.

عدم الإحساس بالتميز والعجب

من القواعد عدم الإحساس بالتميز والعجب. إن هناك خصلة جيدة عند العاصين وقد تتسائل هل تكون للعاصي خصلة جيدة؟ أقول نعم عند البعض منهم. لقد رأيت بعض العاصين تجري دموعه خجلا ووجلاً ويطأطأ رأسه عندما تتكلم عن التوبة والأوبة أمامه، ويشعر بحقارة باطنية. أو تعلم أن هذه الحقارة الباطنية هي رأس مال التوبة؟ ولذلك يقال: إن أنين المذنبين أحب إلى الله من تسبيح المسبحين. فقد يقوم أحدهم من الليل حتى الصباح ثم يرى نفسه قد أصبح ولياً من أولياء الله وقد يصبح الصباح وهو قد عصى ربه فيبكي بكاء النادمين، وهذا مقدم على الأول.

علاج العجب

إن آفة العباد وآفة أهل المساجد والمتميزين وإن لم يقولوا ذلك بألسنتهم هو احتقارهم في العباد في قلوبهم. ولهذا العجب علاجان أو حقنتان بسيطتان. أولا: أن تعلم أن الأمور بخواتيمها. كم هم الذين رأيناهم في الصف الأول وبعد فترة رأيناهم في دور الفساد والإفساد؟ إنك تخاطب الحر وتقول له: بأبي أنت وأمي؛ أي فديتك بأبي وأمي ولكن من هو الحر؟ وكيف كان قبل يوم عاشوراء وفي أي عالم كان؟ ويقال: أن الذي جلس على صدر الحسين (ع) كان من أصحاب أمير المؤمنين يقاتل دونه.

وأما الجرعة الثانية: أن تنظر إلى ماضيك. هب أنك اليوم ولي من الأولياء ولكن هل أخذت صكا من العرش أنك ستموت على ذلك؟ إن الماضي لا ينقلب عما وقع عليه مهما قلت: ليت الشباب يعود يوماً…! ثم هب أنك في الأربعين والخمسين صرت من كبار العباد ولكن ماذا كنت تصنع أيام البلوغ؟ إن هناك فترة رمادية مظلمة في حياة كل واحد منا. فقد يصل البعض إلى سن البلوغ وهو جاهل بكثير من السائل الشرعية، أو يعرف أنه قد بلغ ولكنه يقول: أنا لا زلت طفلاً فيرتكب المخالفات في الخلوات سنتان أو ثلاث أو أربع إلى أن يصبح واعياً ملتزما. ولا فرق بعد البلوغ بين الشيخ الكبير والشاب في المحاسبة وبين البنت في التاسعة والعجوزة في التسعين.

الاستعداد للبلاء

من القواعد الاستعداد للبلاء. إن الرجل ليدخل دائرة الإيمان فيواظب على المساجد ويقيم الليل فيتوهم أن ذلك يكفيه لكي تستقيم أموره، وهذا الكلام حق وباطل. فأما الحق أن مزية الإيمان اطمئنان القلب وهذا لا كلام فيه، وقد قال سبحانه: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[٦]؛ فهذ وعد إلهي لا خلف فيه. ولكن لا ضمان ألا تبتلى بجسمك أو بذريتك أو بجارك أو بزميلك أو بسلطان جائر.

إن المؤمن يتوقع أنواع البلاء ولكن يقول بلسان الحال: يا رب، خذ مني ما تشاء من سلامة البدن وإن كانت عافيتك أحب إلي، وخذ مني المال وإن كان المال بيد المؤمن مدعاة لزراعة مزرعة الآخرة، والمؤمن الغني خير من المؤمن الفقير فهو يبني بماله مسجداً أو يتكفل يتيماً. ويا رب، خذ مني أعزتي فأعظم أنواع البلاء فقد العزيز؛ كفقد الولد أو فقد الزوجة أو من شابههم. ولكن يا رب أريد منك أمراً واحداً: لا تسلب حلاوة الإيمان من قلبي ولا تخرج حبك من قلبي ولا تبعدني منك.

[١] الوافي  ج٤ ص٤١١.
[٢] بحار الأنوار  ج٦٧ ص٧٣.
[٣] سورة القصص: ٧٧.
[٤] الأمالي (للطوسی)  ج١ ص٢٤.
[٥] سورة الأعراف: ٣٢.
[٦] سورة الرعد: ٢٨.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن الإنسان لو ترك وشأنه هل يصوم شهرا كاملا؟ ولو لم يشرع الحج هل ليذهب أحد إلى الكعبة المشرفة؟ ولو لا الصلاة المفروضة لما قام أحدنا بالصلاة بين يدي الله عز وجل. إن هذه العبادات جعلها الله سبحانه لتحفيز الهمم وعلى رأس هذه المحفزات الصلاة بين يدي الله عزوجل.
  • إن المؤمن يتوقع أنواع البلاء ولكن يقول بلسان الحال: يا رب، خذ مني ما تشاء من سلامة البدن وإن كانت عافيتك أحب إلي، وخذ مني المال و خذ مني أعزتي ولكن يا رب أريد منك أمراً واحداً: لا تسلب حلاوة الإيمان من قلبي ولا تخرج حبك من قلبي ولا تبعدني منك.
  • من القواعد الاستعداد للبلاء. إن الرجل ليدخل دائرة الإيمان فيواظب على المساجد ويقيم الليل فيتوهم أن ذلك يكفيه لكي تستقيم أموره، وهذا الكلام حق وباطل. فأما الحق أن مزية الإيمان اطمئنان القلب وهذا وعد إلهي لا خلف فيه. ولكن لا ضمان ألا تبتلى بجسمك أو بذريتك أو بجارك أو بسلطان جائر.
  • إن آفة العباد وآفة أهل المساجد والمتميزين وإن لم يقولوا ذلك بألسنتهم هو احتقارهم في العباد في قلوبهم. ولهذا العجب علاجان أو حقنتان بسيطتان. أولا: أن تعلم أن الأمور بخواتيمها. كم هم الذين رأيناهم في الصف الأول وبعد فترة رأيناهم في دور الفساد والإفساد؟ وثانيا: أن تنظر إلى ماضيك.
Layer-5.png