Search
Close this search box.
  • قواعد التأثير على الآخرين ١
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

قواعد التأثير على الآخرين ١

بسم الله الرحمن الرحيم

عالم الأنفس

إن لله عز وجل آيات في الآفاق وفي الأنفس، وهو قوله سبحانه: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ)[١]. وعالم الآفاق هو عالم الطبيعة وهو العالم الذي بإمكان أحدنا أن يعمل نفوذه فيه بكل سهولة ويسر. إن ابن آدم قد اكتشف أعماق البحار وقد ارتقى أعالي الجبال، وقد صعد إلى القمر وإن شكك البعض في ذلك. ويقال في قوله سبحانه: (لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ)[٢]؛ أنها إشارة للتقدم الصناعي فالنفوذ في أقطار السماوات والأرض لا يتم إلا بسلطان؛ أي بهذه المركبات والتقنيات.

إن لعالم الآفاق حديثه وإنما حديثي هو عن عالم الأنفس وكيفية التأثير والنفوذ في هذه النفس. إنك إن أردت أن تستخرج ماء من الأرض كان الأمر سهل عليك؛ فإما أن تقوم بذلك يدويا كما كان يفعل القدماء أو أن تقومك بذلك من خلال الآلات كما يتم ذلك حديثاً. إن بعض آبار النفط يبلغ عمقها مئات الأمتار، ومع ذلك ينفذ الإنسان إليها. قد يقول المهندس في استخراج هذه المادة أنني أتمكن من أن أكتشف أعماق الأرض والغواص أنني أكتشف أعماق البحار إلا أن لي زوجة وأولاد لا يمكنني أن أنفذ إلى قلوبهم.

عجز الإنسان عن التأثير على الأولاد

وكذلك الأم التي حملت هذه البنت في بطنها فقد لا تستطيع أن تطلب منها ارتداء الحجاب وما شابه ذلك. وكم هو ثقيل على المؤمن أن يرى منكراً في منزله فلا يستطيع أن يغيره. لقد دخلت بيوت أحد كبار المؤمنين وقد كنت أجله؛ فتفاجئت في زاوية في المنزل بمشاهدة أداة من أدوات الطرب. ويبدو أنه غفل عن إخفائه قبل قدومنا. وهذه كارثة أن يربي الإنسان في منزله من يقتني عودا. وإلى هذا أشار سبحانه بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ)[٣].

إتقان مهارات التأثير على النفوس

فلا بد أن يكون المؤمن ماهراً في التأثير الأنفسي. وهذا البحث هو بحث عالمي يهم كل البشر في شرق الأرض وغربها. لقد رأيت في هذه الأبحاث تعابير لم تعجبني، منها: كيفية السيطرة على الغير. إننا لسنا في مقام السيطرة؛ بل في مقام التأثير. إن السيطرة لله ولرسوله. إننا لا نريد أن نستعبد من أمامنا وإنما نريد أن نؤثر فيهم بالحق. وإن كانت هنالك بعض الأمور الخفية التي لا ننفي وجودها كالتنويم المغناطيسي أو بالإيحاء أو باستعمال علم الطاقة، فقد يسلك البعض طرق ملتوية للسيطرة على الآخرين.

لقد كان أحد أرحامنا في دولة بعيدة ذات يوم؛ فرآه أحدهم في الطريق وكان غريبا لا يعرفه فقال له: أعطني بطاقتك المصرفية. فقال له: خذها وناولها إياه. فقال: أعطني كلمة السر. يقول: أعطيته فذهب وسحب أموالي؛ ثم استفقت على واقعي بعد دقائق ولا أدري كيف أخذ مالي ولماذا عاطيته البطاقة المصرفية. إنه يعتقد أن قد سلب الاختيار في ساعتها. وهناك الكثير من هذه الأمور نتجنب الدخول في تفاصيليها؛ فهذا العالم مليء بالأعاجيب.

إن هذا العلم الذي يستهوي الكثيرين وهو البرمجة اللغوية العصبية؛ فيه حق وباطل. إن أصل العلم علم جميل. فمن خلال هذا العلم يتم برمجة أعصاب الآخرين وعقولهم من خلال اللغة والبيان. لقد قال سبحانه: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)[٤]؛ ويروى: (إِنَّ مِنَ اَلْبَيَانِ لَسِحْراً)[٥].

من قواعد التأثير؛ الاحتواء الباطني

إن أول قاعدة هي الاحتواء الباطني. أي عندما تريد أن تخاطب ابنك خاطبه كما خاطبه لقمان (ع) حيث كان يخاطبه بالبنوة ويقول: يا بني. فقدم الكلام في طبق عاطفي. ولذلك ترى بعض الآباء تذرف من عيونه دمعة وهو يخاطب ابنه من دون تكلف وإن كانت الأم أقدر من الأب على ذلك. وهذا الواعظ المخلص عندما تنزل الدمعة من عينه كم ستكون مؤثرة على من يخاطبه؟ عندما ترى الزوجة أو الولد هذه الدموع ألا ينهار، ويقول: ماذا تريد مني على السمع والطاعة؟ إن دمعة في العين بإمكانها أن تخترق القلب. إنها دمعة في عينك ولكنها وسيلة لأن ينفذ كلامك إلى قلب من تخاطب.

الابتسامة المؤثرة

ومن القواعد التي يؤكد عليها الغربيون والشرقيون الابتسامة المؤثرة. ولا بد هنا من ملاحظة مهمة وهي أن بعض الآباء عندما يسمع كلاماً عن ولده يصفعه في أول فرصة تجمعهما ثم يتبين بعد التحقيق أن الأمر كان باطلاً ووشاية، أو كان حقاً ولكنه مبالغ فيه. فلا تنصح ولا تعظ وأنت غاضب،  فإن كلامك يذهب أدراج الرياح هذا إن لم يكن له تأثير معاكس. إن بعض الفتيات البالغات تتعمد نزع الحجاب لإغاظة والديها. إن الأمر ميسور في الغرب حيث بإمكان الفتاة أن تتصل بالجهات الأمنية وتقول: إن أبي وأمي يجبرانني على ارتداء الحجاب. ولكن لماذا يصل الأمر بهذه الفتاة أن تتحدى الأبوين؟ لأنهما تكلما معها في ساعة غضب. فكن هادئاً وتحدث إلى من تريد بابتسامة مشرقة وبكلام حاني.

ثانا تلقين الثقة بالنفس. فقد يكون ولدك ممن يتعاطى المخدرات ثم هو لا زال مسيطراً وله إرادة وإنما تحل المصيبة عندما تسلب إرادته. إن المدمن يفعل أي شيء عندما تأتي النوبة أو تحل ساعة التعاطي، فهو قد يتسلق الجدران ويسرق الأموال لأجل تأمين بغيته. فلقنه الثقة بنفسه وقل له: أنت قادر تركه وإن كان قد دخل المخدر في دمك وسيطر على أعصابك . إنك لا تزال إنساناً لك إرادتك.

إن لبعض الفساق والفجرة وبعض هؤلاء المدمنين حالة جيدة؛ حيث يذهب أحدهم إلى زيارة المعصوم ويقول أمام المعصوم: يا مولاي سأترك هذا الحرام وسل الله أن يعينني. إنه أسلوب جميل. ثم لا تتكلم مع الطرف المقابل إلا وأنت تلقنه هذه الثقة بالنفس. ولا بأس في المديح. إن أحدنا عندما يواجه أصحاب المنكر يرى فيهم كل قبيح. بل ينبغي أن يذكره بخصاله الحميدة. إن عيسى (ع) النبي العظيم مر ذات يوم على جيفة كلب، فقال أصحابه: ما أنتن ريحه. إنه كلب نجس العين ميت وهو متعفن، فماذا يغري في هذا الكلب الميت؟ ولكن عيسى (ع) وجد فيه ذلك، فقال لهم: أو لا تنظرون إلى بياض أسنانه؟ فلا ضير إن أردت التأثير على الآخرين أن تقول له: ألست كذا وكذا؟

قد يتفق أن يكون شاب غارق في المعاصي من رأسه إلى قدمه ولكن عندما تسأل عنه أمه تقول: بنفسي هو ما أبره..! فهو بار بوالديه وإن كان فاسقاً فاجراً. فذكره بخصاله الحميدة من قبيل هذه. وهذا الفرض مستبعد جداً فقلما تجد من هو شر من رأسه إلى قدمه، وإن صادفته ذكره بأبيه الصالح مثلا. قل: ألست حفيد فلان؟ ألم يكن جدك فلان؟ ذكره بآبائه وأجداده فهذا أيضا مديح له. ثم ابحث عن نقطة قوة في وجوده أو نقطة بيضاء، وحاول أن تكسب ثقته  من خلال ذلك. إننا نقبل هذه المعاني ولكن في مقام العمل وعند النصيحة نخالفها. فقد تكلمنا مع الزوجة بعنف ولك نذكرها بتاريخها الإيجابي؛ بل تكلمنا بما لا يليق وبدأنا الكلام بالفحش والقذف ثم نريد بعد ذلك أن نؤثر على الغير. إنما حالنا ما وصف الشاعر بقوله:

مُتَطَّلِب في الماءِ جَذوة نارِ[٦]

إتقان الاستماع

من القواعد أن تتقن الاستماع. فقد يكون في قلب الطرف المقابل كلام كثير. فدعه يفرغ ما في نفسه بغض النظر إن كان الكلام عليك أو كلام عن نفسه. فقد تكون وأنت الوالد مقصر ثم تريد أن تعظ ولدك. إن قلبه مليئ منك، فدعه يتكلم. قد يقول: يا أبت أنت قصرت في حقي في أيام طفولتي وأيام بلوغي ولم تزوجني أيام شبابي في الوقت المناسب وإنما تزوجت من كد يميني وإلى آخر ما يمكن أن يفضي به إليك. ثم لا تستخف بالولد في صغر سنه. إن بعض الآباء يتكلم بقسوة مع زوجته أمام الولد الصغير ويظن أنه لا يفهم، والحال أنه جهاز مسجل يلتقط كل شيء وإن كان في الرابعة والخامسة من عمره. فهو عندما يصبح شاباً يتذكر ما جرى على أمه، فإما أن يحكم على أبيه بالظلم أو على أمه وبالتالي سيعق أحدهما. فإما أن ينحاز إلى الأب على حساب الأم أو العكس من ذلك.

إنك أكرمته بعد البلوغ ولكن نسيت ما خزنه في ذاكرته أيام الصغر. إنك كنت تضرب أمه بمرأى منه ومسمع وكان طفلاً لا يقول شيئا. فالآن سيسترجع الذكريات، فاخذر من ذلك اليوم. فإن كان خلاف بينك وبين زوجتك اجعله في غرفة النوم المغفلة، وإياك وإياك أن تظهر ذلك أمام ذريتك فذلك من موجبات العقوق.

ثم بعد تكلم ولدك وأفرغ لك ما يختلج في نفسه قل له: لقد كنت مستمعاً جيدا وقد حان دوري فكن أنت كذلك، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ إن المقاطع الذي لا يستمع جيداً والذي يتبرم من كلام غيره ويقول للآخر إن أراد أن يتكلم: دع عنك الثرثرة فأنت ذو لسان طويل. فهل هذا الإنسان سيستمع إليك؟ إنك تهينه وتتوقع أن يتأثر بكلامك؟  متأثراً هيهات هيهات.

[١] سورة فصلت: ٥٣.
[٢] سورة الرحمن: ٣٣.
[٣] سورة التغابن: ١٤.
[٤] سورة الرحمن: ٣-٤.
[٥] الأمالی (للصدوق)  ج١ ص٦١٩.
[٦] أبو الحسن علي بن محمد بن فهد التهامي. من كبار شعراء العرب، نعته الذهبي بشاعر وقته. مولده ومنشؤه في اليمن، وأصله من أهل مكة.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن بعض آبار النفط يبلغ عمقها مئات الأمتار، ومع ذلك ينفذ الإنسان إليها. قد يقول المهندس في استخراج هذه المادة أنني أتمكن من أن أكتشف أعماق الأرض والغواص أنني أكتشف أعماق البحار إلا أن لي زوجة وأولاد لا يمكنني أن أنفذ إلى قلوبهم. فلا بد أن يتعلم الإنسان هذا الفن.
  • بعض الآباء عندما يسمع كلاماً عن ولده يصفعه في أول فرصة تجمعهما ثم يتبين بعدها أن الأمر كان باطلاً ووشاية، أو كان حقاً مبالغا فيه. فلا تنصح ولا تعظ وأنت غاضب، فإن كلامك يذهب أدراج الرياح هذا إن لم يكن له تأثير معاكس. وقد يصل الأمر ببعض الفتيات أن تنزع الحجاب لإغاظة والديها.
  • إنك قد تكرم ولدك بعد البلوغ ولكنك نسيت ما خزنه في ذاكرته أيام الصغر. إنك كنت تضرب أمه بمرأى منه ومسمع فلم يقل شيئا حينها، والآن سيسترجع الذكريات وسيعلم الظالم منهما. فإن كان خلاف بينكما اجعله في غرفة النوم المغفلة، وإياك أن تظهر ذلك أمام ذريتك فذلك من موجبات العقوق.
  • من القواعد المهمة للتأثير على الآخرين أن تتقن الاستماع. فقد يكون في قلب الطرف المقابل كلام كثير. فدعه يفرغ ما في نفسه بغض النظر إن كان الكلام عليك أو كلام عن نفسه. فقد تكون وأنت الوالد مقصر ثم تريد أن تعظ ولدك. إن قلبه مليئ منك، فدعه يتكلم. ثم مره أن يستمع إليك كما فعلت.
Layer-5.png