Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

س١/ إن الملاحظ في الروايات المبالغة في التأكيد على قضاء حوائج المؤمنين.. فما هو السر في ذلك؟..

إن التأكيد على قضاء حوائج المؤمنين في روايات أهل البيت (ع)، لعله يكون في الدرجة الثانية بعد التوحيد.. فالدرجة الأولى: العلاقة مع الرب الخالق، وهي علاقة الإيمان والتوحيد.. والدرجة الثانية: العلاقة مع الخلق، وهي علاقة قضاء الحوائج، بالمعنى الأعم..

وهناك بعدان في مسألة قضاء حوائج المؤمنين:

البعد الأول: توقير جهة الربوبية:

نحن إنما نقضي حاجة المؤمن؛ لإيمانه.. إن البعض يقضي الحوائج، ويؤسس المؤسسات الخيرية والإنسانية، ولكن بدوافع بشرية ذاتية، مثلا لحبه لبني آدم.. فهذا لا يصب في خانة قضاء حوائج المؤمنين، امتثالا لأمر الله تعالى.. وفي التاريخ هناك جماعة مغرمون بقضاء الحوائج، وهم من الأديان المنحرفة.. وبعض الفسقة لهم نشاطات إنسانية كبيرة، فمع أنه مع رب العالمين من أفسق الفساق، ولكنه يطعم الآلاف وغيره، والحال بأنه {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}.. وإن رب العالمين قد يعجل للبعض من هؤلاء الجائزة في الدنيا، فيعطيه سعة في الرزق، أو عافية..

إن قضاء حوائج المؤمنين، فيه توقير لجهة الربوبية.. وكأن العبد المؤمن يريد أن يقول لربه: يا رب!.. لأن هذا عبدك، فأنا أكرمه.. ولهذا فإن المؤمن إذا كانت له إمكانية أو فرصة محدودة لخدمة المؤمنين، فإنه يقدم الأقرب فالأقرب.. وبتعبير بعضهم يقول: أنظر إلى القلوب، فبمقدار ما لهم عند الله تعالى من نصيب، أحسن إليهم.. فلو أن ولدي جاء يستقرضني، وهناك غريب جاء يستقرضني، وأنا إمكانيتي محدودة، وهذا الغريب أقرب إلى الله تعالى من ولدي، فإني أقدم حاجة الغريب على حاجة ولدي.

البعد الثاني: تحقيق الغرض الربوبي:

إن رب العالمين يحب عباده أشد الحب، فحب رب العالمين لعباده أكثر وأبعد وأعمق، بما لا يقاس من حب عباده له.. لأن هذا الحب للمخلوق المؤمن، صادر من اللامحدود.. بينما حب المؤمن لربه، يكون بحسبه.. ومن هنا يمكن أن نقول بأن حب الله تعالى لحبيبه المصطفى (ص)، أشد من حب المصطفى لله تعالى.

إن المؤمن عندما يقع في ضائقة وشدة، فرب العالمين يحب عبده، ويحب أن تفك ضائقته وتفرج شدته، ولكن البناء العام هو على عدم خرق عالم الأسباب.. فلو أن مؤمنا-مثلا- في صحراء يكاد يموت عطشا.. فأن ينزل رب العالمين عليه ماء من السماء وغمامة، يحتاج إلى إعجاز.. ولكن لو وجد إنسان على وجه الأرض، له خيمة، وفيها ماء، وأعطاه شربة من الماء، فقد تحقق الغرض الربوبي..

فرب العالمين يريد أن يقضي حوائج خلقه، ولكن لا عبر المعجزات، فالمعجزات حوادث نادرة في التاريخ.. وعندما يأتي مؤمن، وهو يقضي حاجة العبد، كأنه قضى حاجة رب العالمين، وكأنه صار أداة لتنجيز الإرادة الإلهية.

قال رسول الله (ص): (الخلق عيال الله تعالى، فأحبّ الخلق إلى الله مَن نفع عيال الله، أو أدخل على أهل بيتٍ سروراً).

س٢/ هل إن المقصود بالحث على قضاء الحوائج المادية فقط، أم أنه يشمل حتى الحوائج المعنوية؟.. وهل هناك فرق بين قضاء الحوائج المادية والمعنوية؟..

إن مما يستفاد من الروايات أن إطعام الطعام، بأن تسد جوعة أخيك المؤمن، أو تسقيه شربة من الماء، من مصاديق قضاء الحوائج.. والملفت أن هناك حثا بليغا في هذا المجال، ويترتب عليه الأجور العظيمة، ولو الإطعام بالقليل، كما ورد عن الرسول الأكرم (ص)، أنه قال في خطبة عن فضل شهر رمضان: (اتقوا النار ولو بشق تمرة).. وقال أيضا (ص): (لا تردوا السائل ولو بشق تمرة).

فإذا كان الطعام المادي له هكذا من الأجر، فكيف إذا كان طعاما معنويا تكامليا، بأن أرشدته مثلا إلى صلاة الليل؟!.. لا بل كيف إذا كان طعاما معنويا، فيه قوامه، ويحدد مصيره، بأن رأيت كافرا وهديته للإسلام، أو أن رأيت مسلما ضائعا في اتخاذ اتجاه الفكر الصحيح، ووجهته اتجاه صحيحا؟!..

إذا كان الله تعالى يجعل العقاب، لمن لا يطعم المسكين، كما قال تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ}.. إذا كان إطعام المسكين بهذه الرتبة العظمى، فكيف إذا كان الأمر بهداية المسكين، وهداية اليتيم؟!.. فمما لا شك أن قضاء الحوائج المعنوية، أرقى من قضاء الحوائج المادية.

وهنا نقول للذي يتقاعس عن خدمة المؤمنين، بدعوى أنه إنسان فقير، ولا وجاهة له، ولا مكانة له، نقول: أليس لك لسان؟.. أليست لك حكمة؟.. أنت بإمكانك بكلمة حكيمة، أن تزيح جبالا من الهموم عن قلب أخيك المؤمن.. ولو أنك دعوته لعشرات المطاعم، وقدمت له أفخر أنواع الطعام، فإن هذا الهم لا يرتفع.. ولكن أنت بكلمة، أو بمزحة شرعية، أذهبت عنه ما هو فيه من الهم والغم.

س٣/ ما هي شروط قضاء الحاجة كما يحب الله تعالى؟..

هناك الشروط الثلاثة: كتمان قضاء الحاجة، وتصغيرها، وتعجيلها.. كما ورد عن الإمام علي (ع): (لا يستقيم قضاء الحوائج إلاّ بثلاث: باستصغارها لتعظم، وباستكتامها لتظهر، وبتعجيلها لتهنأ).

أولا: كتمان قضاء حاجة الغير: إن من اللازم كتمان قضاء حوائج الغير، وعدم التبجح والمن، وإلا فإنه قد يذهب الأجر!.. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَىْ}..

وثانيا: تصغيرها: أي أن لا ترى أن ما قمت به أمرا معتدا به.. ولهذا فإن من صفات المؤمن، أنه ينسى إحسانه لغيره، ويتذكر إساءته لغيره.

وثالثا: تعجيلها: إن بعض الناس يماطل في قضاء الحاجة، إلى درجة يجعل الشخص الموعود صاحب الحاجة، يعيش عذابا نفسيا!.. وإذا قضيت الحاجة ففرحه بقضائها، أقل بكثير من أذاه بالمماطلة!.. وكما يقال: (اليأس إحدى الراحتين!).. فالإنسان إما أن يعد، فيفي بالوعد؛ وإما أن يكون صريحا مع أخيه المؤمن، بأنه لا يمكنه قضاء حاجته، وبذلك لا يجعله يعيش حالة الانتظار.

ورابعا: قصد القربة إلى الله تعالى: فبالإضافة إلى هذه الشروط الثلاثة، هذا الشرط المهيمن عليها، وهو أن يقضي حاجة أخيه المؤمن، بنية أن يدخل السرور على الله ورسوله.. وبذلك يكون قضاء هذه الحاجة، واجدا لكل هذه المواصفات، التي هي مطلوبة بجميعها.

وينبغي أن نلتفت بأن التعبير الأدق بالنسبة لحوائج المؤمنين، هو أن نسعى لقضاء حوائجهم، لا أن نقضي الحوائج.. فالمطلوب هو السعي في قضاء حاجة المؤمن، قضيت أو لم تقض.. فإذا رأيت مؤمنا عنده حاجة، وهو يائس من قضائها، وهناك احتمال أنك لو أخذته للمسؤول المعين، فإن حاجته ستفرج؛ فأنت تسعى، والبقية أنت ليس مكلفا به..

أما إذا لم يمكنك قضاء الحاجة، ولا السعي في قضائها.. مثلا: مؤمن طلب منك مالا، وأنت لا تملكه، فلا يمكنك قضاء حاجته، ولا يمكنك أيضا أن تسعى لتقضى عند الغير.. ففي مثل هذه الحالة ينبغي أن تعيش هم أخيك، وتدعو له في جوف الليل، فلعل هذا الدعاء يصبح من موجبات قضاء الحاجة، أكثر من سعيك الخارجي.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.