- ThePlus Audio
قبس من سيرة الإمام الحسن المجتبى (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
الإمام الحسن المجتبى وسيد الشهداء (عليهما السلام)
نتناول قبساً من سيرة الإمام المجتبى (ع). إن الإمام قلما يذكر في مجالس أهل البيت (ع)، والحال أن المزايا المعطاة لسيد الشهداء (ع) قد أعطيت للإمام المجتبى (ع) فهو إمام وسبط من الأسباط. عندما تم الصلح بين الإمام الحسن (ع) وبين معاوية لظروف تعروفنها؛ أحس البعض في نفسه شيئا، وكأنه كان معترضاً على فعل الإمام المجتبى (ع)؛ فنظر إلى الحسين (ع) وقال كلمة هي كافية لبيان عظمة الإمام المجتبى وهي: إن الحسن إمامي. إن الإمام الوحيد الذي كان له إمام أخ في زمانه هما الحسنان؛ فبالنسبة إلى سائر الأئمة كان الإمام مع ابنه؛ ولكن الإمامين الوحيدين اللذين كانا أخوين في سن متقارب هما الحسن والحسين (ع). إن البعض يظن أن للإمام الحسين (ع) طبع يغاير طبع الإمام المجتبى (ع) والإمام بهذه الكلمة رفع الشبهة؛ يعني الحسن إمامي وانتهى الأمر. ولهذا من الطبيعي أن نرى في الصف الأول الإمام الحسين (ع) ممن يأتم بأخيه. ومن الطبيعي في خطبة الجمعة أن يخطب الإمام المجتبى (ع) والإمام الحسين يستمع. وهذه مزية ليست هينة.
التأسي بالمعصومين
أن نذكر فضائل أهل البيت (ع) ومزاياهم أمر جيد ولكن نحن ماذا نصنع؟ لقد قلنا مراراً في مناسبات الأئمة: لو حاولتم العمل بصفة ذلك المعصوم والتأسي به في صفته لكنت بخير. فعلى سبيل المثال لو قمت في مناسبة الإمام الجواد (ع) بالنظر إلى نفسك، ورأيت بينك وبين الله؛ هل أنت جواد أم بخيل؟ أو في مناسبة الرضا (ع) أو في زيارته انظر إلى قلبك؛ هل أنت راضٍ عن قضاء الله وقدره أم ساخط عليه؟ وفي زيارة الإمام الكاظم (ع) انظر إلى كظم غيظك. وبمقدار ما تتصف بصفة ذلك الإمام تكون قريبا منه.
حلم الإمام المحتبى (عليه السلام)
إن إمامنا المجتبى (ع) قد عرف بحلمه لأنه كان في زمان ابتلي فيه بخذلان أصحابه الذين طمعوا في المال وغيره؛ بل ومن زوجته. إن الإمام المجتبى حاول أن يعمل بوظيفته. إن الأئمة (ع) لو أمكنتهم الفرصة لاستلموا الحكم. لقد حكم النبي (ص) وحكم أمير المؤمنين (ع)، وحكم الإمام المجتبى (ع) وحاول أن يحكم الإمام الحسين (ع) فهو قد خرج ليكون حاكماً، ولو ثنيت الوسادة لإمامنا زين العابدين (ع) لكان من الثائرين على طواغيت زمانه. إن حاكمية الله تعني أن يكون الدين هو الحاكم، وهذه هي منية الأنبياء والمرسلين.
محنته
وقد شار الإمام المجتبى (ع) ولكنه ابتلي بالخذلان. ولهذا فإن الإمام المجتبى (ع) قد كابد طوال العمر. إن الحسين (ع) قد بدأت محنته منذ الخروج من المدينة واستمرت إلى يوم عاشوراء في أقل من سنة؛ ولكن المجتبى قضى يعاني سنوات من عمره. تأمل في هذا النص وانظر؛ لو كنت مكان المجتبى ماذا كنت لتصنع؟ تقول الرواية: (أَنَّ شَامِيّاً رَآهُ رَاكِباً فَجَعَلَ يَلْعَنُهُ وَاَلْحَسَنُ لاَ يُرَدُّ)[١]. والشامي في تلك الأيام يعني الناصبي المخالف لأهل البيت (ع).
كظمه للغيظ
إن أحدنا تقال له كلمة لا يرتضيها فينفجر غضباً وغيضاً . هذا وأئمة أهل البيت (ع) لهم ما لهم. إن آصف كان عنده علم من الكتاب؛ فنقل عرش بلقيس، وأمير المؤمنين (ع) عنده علم الكتاب، والحسن (ع) وارث لعلم الكتاب وعنده الاسم الأعظم. وكان بإمكانه أن يدعو عليه فيهلك من ساعته. ومجرد إعراض الإمام عنه منقبة عظيمة ولكن هل انتهى الأمر؟ كلا. تقول الرواية: (فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ اَلْحَسَنُ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَضَحِكَ)؛ أي فلما انتهى من شتمه ولعنه أقبل الحسن (ع) وهو يضحك. وبين قوسين: (إن اللعن أصعب من الشتم. تارة يقول لك أحدهم: أنت كذا وكذا ويشتمك، وتارة يقول: طردك الله من رحمته. وهذه كبيرة يقولها صعلوك مسكين بائس لإمام زمانه. إن الإمام المجتبى هو إمام زمانه وإن لم يعترف به.
فقال له الإمام: (أَيُّهَا اَلشَّيْخُ أَظُنُّكَ غَرِيباً وَلَعَلَّكَ شُبِّهْتَ فَلَوِ اِسْتَعْتَبْتَنَا أَعْتَبْنَاكَ وَلَوْ سَأَلْتَنَا أَعْطَيْنَاكَ ولَوْ اِسْتَرْشَدْتَنَا أَرْشَدْنَاكَ ولَوْ اِسْتَحْمَلْتَنَا حَمَّلْنَاكَ وَإِنْ كُنْتَ جَائِعاً أَشْبَعْنَاكَ وَإِنْ كُنْتَ عُرْيَاناً كَسَوْنَاكَ وَإِنْ كُنْتَ مُحْتَاجاً أَغْنَيْنَاكَ وَإِنْ كُنْتَ طَرِيداً آوَيْنَاكَ وَإِنْ كَانَ لَكَ حَاجَةٌ قَضَيْنَاهَا لَكَ فَلَوْ حَرَّكْتَ رَحْلَكَ إِلَيْنَا). انظروا إلى إنسان يشتم وهو راكب والإمام يمشي، فقال له: تحرك وكن ضيفاً علينا؟ سمع الرجل بهذا الكلام وأخذ يبكي. الإمام يضحك والرجل يبكي. فقال: (أَشْهَدُ أَنَّكَ خَلِيفَةُ اَللَّهِ فِي أَرْضِهِ). وهذا هو تجسيد لقولهم: كونوا لنا دعاة بغير ألسنتكم. ولهذا إن تشرفت بزيارته؛ قف على قبره قل يا مولاي هكذا صنعت بمن شتمك ولعنك وأنا قد جئت مسلماً عليك؛ أ فتظن أن الإمام يردك؟ بل إن الإمام المجتبى (ع) كريم أهل البيت (ع)، وحليم أهل البيت (ع).
مقابلته للسفهاء
هناك البعض من المؤمنين يرى في نفسه عدالة؛ فهو بينه وبين الله عادل ولا يهمه نظرة الناس إليه. ولهذا عندما يُغتاب أو يتأذى يقول: أنا لست كما يقولون. إن الإمام المجتبى المعصوم (ع) قد قال له أحدهم: (وَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّ فُلاَناً يَقَعُ فِيكَ فَقَالَ أَلْقَيْتَنِي فِي تَعَبٍ أُرِيدُ اَلْآنَ أَنْ أَسْتَغْفِرَ اَللَّهَ لِي وَلَهُ)[٢]. فدتك نفوسنا يا أبا محمد، ماذا صنعت؟ إنه هو المقصر والمغتاب ولكن الإمام (ع) أخذها ذريعة لكي يستغفر لنفسه.
إن آذاك أحد كثيرا وأردت الانتقام؛ فلا داعي لئن تتعب نفسك في الدعاء عليه كل ليلة في جوف الليل. انشغل بالمناجات مع رب العالمين، ولا تذكره إلا بالمغفرة ولا تطلب الانتقام، ولكن قل كلمة مرة واحدة: اللهم إني فوضت أمره إليك وانتهى. لقد نقل لي أحدهم عن أبيه أنه ظلم ظلماً فادحاً فخاطب رب العالمين وقال: يا رب، إنك قلت في كتابك: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)[٣]، ولم يقل ذلك ببكاء وتضرع، وإنما بأعصاب باردة. يقول: ذهب أبي إلى المسجد لصلاة الفجر، وعندما رجع سمع البكاء من منزله، فقال: ماذا جرى؟ قالوا له: إن الذي تكلم عليك كان يمشي فوقع عليه حائط فأرداه قتيلا. إن الله سبحانه يقول: (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)[٤].
مروان يشتم الإمام الحسن (عليه السلام)
لقد روي: (أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ اَلْحَكَمِ عَلَيْهِ اَللَّعْنَةُ شَتَمَ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ اَلْحَسَنُ إِنِّي وَاَللَّهِ لاَ أَمْحُو عَنْكَ شَيْئاً وَلَكِنْ مَهَّدَكَ اَللَّهُ فَلَئِنْ كُنْتَ صَادِقاً فَجَزَاكَ اَللَّهُ بِصِدْقِكَ وَلَئِنْ كُنْتَ كَاذِباً فَجَزَاكَ اَللَّهُ بِكَذِبِكَ وَاَللَّهُ أَشَدُّ نَقِمَةً مِنِّي)[٥]؛ فأنا منتقم بحد بشريتي والله عز وجل منتقم بإلهيته. فلا تبالي بأعدائك إن آذوك كثيرا، وقل: اللهم أنت تدافع عن الذين آمنوا. إن إمامنا المجتبى (ع) كانت هذه سيرته مع أعدائه؛ فإن اتفق أن آذاك أحدهم في المنزل؛ كأن ابتليت بأذى الزوجة والأولاد لا تنسى فضلهم عليك طوال العمر.
خلاصة المحاضرة
- إن آذاك أحد كثيرا وأردت الانتقام؛ فلا داعي لئن تتعب نفسك في الدعاء عليه كل ليلة في جوف الليل. انشغل بالمناجات مع رب العالمين، ولا تذكره إلا بالمغفرة ولا تطلب الانتقام، ولكن قل كلمة مرة واحدة: اللهم إني فوضت أمره إليك وانتهى الأمر.
- إن الإمام المجتبى المعصوم (ع) قد قال له أحدهم: إِنَّ فُلاَناً يَقَعُ فِيكَ فَقَالَ أَلْقَيْتَنِي فِي تَعَبٍ أُرِيدُ اَلْآنَ أَنْ أَسْتَغْفِرَ اَللَّهَ لِي وَلَهُ. إنه هو المقصر والمغتاب ولكن الإمام (ع) أخذها ذريعة لكي يستغفر لنفسه.