Search
Close this search box.
  • قبسات من حياة الإمام محمد الجواد (ع)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

قبسات من حياة الإمام محمد الجواد (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

ألقاب الأئمة (عليهم السلام)

إن الحديث عن إمامنا أبي جعفر محمد بن علي الجواد (ع) يمكن أن نجعله في محطات. المحطة الأولى: الحديث عنه بالاقتباس من لقبه الشريف. إن لقب الإمام (ع) هو الجواد وكنيته أبو جعفر. وإن التأسي بأئمة أهل البيت (ع) في مناسباتهم يكون ابتداء من التأسي بذلك اللقب الذي لقب به الإمام صاحب المناسبة. وإن كان الإمام مظهرا لكل الكمالات؛ فكل أئمتنا يكظمون الغيظ والإمام المجتبى هو الذي عرف بالحلم الحسني والإمام الباقر (ع) كان يتجاسر عليه المتجاسر فيرد عليه بأحسن القول، ولكن الذي لقب بهذا اللقب هو إمامنا موسى بن جعفر (ع) لشدة ما كظم غيظه. إنه كان إمام زمانه وإمام الإنس والجن ولكنه قضى عمره في ظلم المطامير وكان معذبا بحلق القيود. والظلم والغيظ الذي عاشه الإمام موسى بن جعفر (ع) لم يكن هيناً أبدا، وهو مما لا يمكننا تصوره.

إن الإمام الجواد (ع) هو مظهر الجود، ونحن نريد أن نتأسى به (ع) في أن نكون متشبهين به. ولكن ما هي درجات الجود؟ بالطبع إن الذي يؤدي واجبه الشرعي، ويؤدي خمس ماله وزكاته متعبد بدرجة من الدرجات، وقد يقال عنه جواد ولكن الجود – حقيقة – يكون عندما يتنفل الإنسان بالإنفاق، وأعني بالتنفل: الإنفاق المستحب. أن تدفع الخمس هذا أمر مفروض عليك، وأنت أصلا لا تملك الزائد وهذا الخمس ليس لك، وإنما أنت مستأمن تُرجع المال إلى أصحابه. وإنما تكون سخشا وجوادا عندما تنفق زيادة عما فرض عليك وخاصة مع الفقر والفاقة وهو قوله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)[١]. ولهذا يكون إنفاق الفقير من أفضل أنواع الإنفاق.

الإنفاق العلمي

والإنفاق بما أعطاك الله عز وجل من العلم جود أيضا. وينبغي لنا جميعا أن نتعرف على الحلال والحرام والذي لا ينهى عن المنكر ولا ينشر ما يعرفه من العلم؛ بخيل بما رزقه الله وهو ليس من قال عنهم: (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)[٢]. إن البعض يقضي باللهو واللعب الساعات وكذلك يقضي من الوقت على طعامه وشرابه؛ ولكن إذا أراد أحدهم أن يستشيره في أمر وهو خبير به بخل عليه بوقته.

وللأسف الشديد هناك من يريد أن يكتسب وجاهة من خلال قوله: ليس لدي وقت. وأنا لا أصدق كثيرا هذه الدعوى لأن صاحبها كثيرا ما يتلف وقته على الأباطيل. وهذه الجملة يقولها إنسان مشغول في الحقيقة لاعامة الناس الذي يجاملون في هذه الجملة في كثير من الأحيان. ، فلو أن مؤمنا أراد أن يأخذ من وقتك شيئا لمشورة أو لزيارة؛ لا تبخل عليه بعمرك.

ومن الجود؛ الجود بالنفس. ولا أعني الجود بالروح. إن الجود بالنفس يعني القتال، ويعني كذلك الاهتمام بالأبوين مثلا. قد تكون في المنزل تعيش مع الأبوين ولا تعطي من اهتمامك لوالديك أو لزوجتك أو لولدك؛ بمعنى أنه ليس لهم كما يقال مكانة في قلبك. إن المؤمن موجود يهتم بالآخرين، وكما يروى: (مَنْ لَمْ يَهْتَمَّ بِأُمُورِ اَلْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ)[٣]. لاتجعل جل همك دراستك وتفوقك وزيجتك وربحك وإلى آخره. اجعل للآخرين نصيباً في حياتك وهذا جود منك. أقله الاهتمام وأقصى الجود أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل الله عز وجل، وعلى رأس هؤلاء سيد الشهداء (ع) وأصحابه الميامين.

من امتيازات إمامة الإمام الجواد (عليه السلام)

إن من امتيازات إمامنا الجواد (ع) أنه عبر عنه بعبارة لم ترد في باقي أئمة أهل البيت (ع)، وهي قول الرضا (ع): (لَمْ يُولَدْ فِي اَلْإِسْلاَمِ أَعْظَمُ بَرَكَةً مِنْهُ)[٤].وبالطبع إن هذه الرواية بحاجة إلى توضيح وتفسير. إن أمير المؤمنين (ع) هو أعظم الأئمة منزلة فكيف نجمع ذلك مع هذه العبارة؟ الله العالم ولد الإمام الجواد في تقدم سن إمامنا الرضا (ع) إلى درجة رق بعض أصحاب الرضا (ع) لإمامه، وكان يقولون له: (اُدْعُ اَللَّهَ أَنْ يَرْزُقَكَ وَلَداً فَقَالَ إِنَّمَا أُرْزَقُ وَلَداً وَاحِداً وَهُوَ يَرِثُنِي فَلَمَّا وُلِدَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِأَصْحَابِهِ قَدْ وُلِدَ لِي شَبِيهُ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ فَالِقِ اَلْبِحَارِ وَشَبِيهُ عِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ)[٥].

تأخر ولادته (عليه السلام)

إن الإمام الجواد (ع) ولد في فترة استغرب فيها بعض أصحاب الإمام الرضا (ع) من الإمام وكأنه لا عقب له، والحال أن النبي (ص) قد  بشر بالأئمة الاثني عشر، وهذا الإمام هو الثامن فأين التاسع من ولد النبي (ص)؟ عندما جاء الجواد تهلل الموالون بهذا المولود المبارك. وقد تسلم الإمام (ع) مقاليد الإمامة في صغر سنه.

تقول الرواية: (رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَدْ خَرَجَ عَلَيَّ فَأَحْدَدْتُ اَلنَّظَرَ إِلَيْهِ وَإِلَى رَأْسِهِ وَإِلَى رِجْلِهِ لِأَصِفَ قَامَتَهُ لِأَصْحَابِنَا بِمِصْرَ فَخَرَّ سَاجِداً وَقَالَ إِنَّ اَللَّهَ اِحْتَجَّ فِي اَلْإِمَامَةِ بِمِثْلِ مَا اِحْتَجَّ فِي اَلنُّبُوَّةِ قَالَ اَللَّهُ وآتَيْنٰاهُ اَلْحُكْمَ صَبِيًّا وَقَالَ اَللَّهُ حَتّٰى إِذٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى اَلْحِكْمَةَ وَهُوَ صَبِيٌّ وَيَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى وَهُوَ اِبْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً)[٦] .
إن الإمام (ع) بفضل الله عز وجل يعطى بعض المزايا. إن رب العالمين لا يطلع على غيبه إلا من ارتضى والإمام مرتضىً لعلم الله عز وجل.

الاعتقاد بالإمامة أمر عقلي

إن الذي لا يعتقد بالإمامة إنسان لا تفكير له. إن رب العالمين أعلم حيث يجعل رسالته، فبعد النبي (ص) بيوم كانت حاجة الأمة للإمام كحاجتهم للنبي (ص) حيث لم يغير شيء. الأمة هي الأمة والحاجة إلى المفسر وإلى القاضي وإلى القائد هي الحاجة نفسها. والذي يعين الإمام هو الذي يعين النبي؛ فالله أعلم يعني حيث يجعل وصايته. ولهذا قال الإمام في هذا المقام: (وآتَيْنٰاهُ اَلْحُكْمَ صَبِيًّا )[٧]. إنما يكون الحكم من قبل الله؛ سواء للنبي أو الوصي، فالملاك واحد. فقد يكلم الناس النبي في المهد فما المانع أن يكون كإمام الجواد (ع) إماماً في هذا العمر؟

والغريب – بحسب ما نقرأ في التاريخ – أن البعض وقف على إمامة الإمام الصادق (ع) وهم من اعتقد بإسماعيل، والبعض وقف على الإمام موسى بن جعفر وهم الواقفية، والبعض وقف على الإمام علي بن الحسين زين العابدين زهم الزيدية، ولكن لم نسمع فرقة يعتد بها وقفت على إمامة الرضا (ع) ولم تقبل ولاية الجواد (ع). إذ يبدو أن الأمة بلغت مبلغا من النضج الفكري والفهم لتستوعب إمامة الإمام الجواد (ع) وهو أول ائمة أهل البيت (ع) استلاماً لمقاليد الإمامة في هذا العمر المبارك.

عزة الإمام الجواد (عليه السلام)

وهناك رواية تبين جرأة الإمام (ع) واعتماده على العزة الإلهية؛ فلله العزة ولرسوله. تقول الرواية: (اِجْتَازَ اَلْمَأْمُونُ بِابْنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَهُوَ بَيْنَ صِبْيَانٍ فَهَرَبُوا سِوَاهُ فَقَالَ عَلَيَّ بِهِ فَقَالَ لَهُ مَا لَكَ مَا هَرَبْتَ فِي جُمْلَةِ اَلصِّبْيَانِ قَالَ مَا لِي ذَنْبٌ فَأَفِرَّ وَلاَ اَلطَّرِيقُ ضَيِّقٌ فَأُوَسِّعَهُ عَلَيْكَ تَمُرُّ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ فَقَالَ مَنْ تَكُونُ قَالَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ)[٨]. وكان الإمام الجواد وحتى الإمام الهادي يكنى بابن الرضا؛ لأن الإمام الرضا (ع) ذاع صيته في الآفاق، فيقال لحفيده أيضا ابن الرضا. ولما هرب الأطفال إلا هو من الطبيعي أن تكون للخليفة ما له من الخدم والحشم فأمر هؤلاء أن يأتوا به. وقد أثار منطق الصبي فضول المأمون فأراد أن يتعرف عليه فأجابه الإمام بصورة كأنه يريد أن يذكره بسلسلة الذهب.

[١] سورة الحشر: ٩.
[٢] سورة البقرة: ٣.
[٣] الکافي  ج٢ ص١٦٤.
[٤] الخرائج و الجرائح  ج١ ص٣٨٤.
[٥] بحار الأنوار  ج٥٠ ص١٥.
[٦] بحار الأنوار  ج٥٠ ص٣٧
[٧] سورة مريم: آية ١٢.
[٨] المناقب  ج٤ ص٣٨٨.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن التأسي بأئمة أهل البيت في مناسباتهم يكون ابتداء من التأسي بذلك اللقب الذي لقب به الإمام صاحب المناسبة. وإن كان الإمام مظهرا لكل الكمالات؛ فكل أئمتنا يكظمون الغيظ والإمام المجتبى هو الذي عرف بالحلم الحسني، ولكن الذي لقب بهذا اللقب هو إمامنا موسى بن جعفر (ع) لشدة ما كظم غيظه.
  • إن الذي لا يعتقد بالإمامة إنسان لا تفكير له. فالله أعلم حيث يجعل رسالته، فبعد النبي بيوم كانت حاجة الأمة للإمام كحاجتهم له في حياته. فالأمة هي الأمة والحاجة إلى المفسر والقاضي وإلى القائد هي الحاجة نفسها. والذي يعين الإمام هو الذي يعين النبي؛ فالله أعلم يعني حيث يجعل وصايته.
  • بحسب ما نقرأ في التاريخ أن البعض وقف على إمامة الإمام الصادق (ع) وهم من اعتقد بإسماعيل، والبعض وقف على الإمام موسى بن جعفر وهم الواقفية، والبعض وقف على الإمام علي بن الحسين زين العابدين زهم الزيدية، ولكن لم نسمع فرقة يعتد بها وقفت على إمامة الرضا (ع) ولم تقبل ولاية الجواد (ع).
Layer-5.png