Search
Close this search box.
  • في رحاب ولادة ثامن أئمة الهدى (ع)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

في رحاب ولادة ثامن أئمة الهدى (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

مدى الاهتمام بزيارة المعصومين (عليهم السلام)

المقدم: ننطلق من كلماتكم الطيبة سماحة الشيخ، ونحن في ليلة ميلاد الإمام الرضا (ع) بماذا تحبون أن تفتتحوا هذا اللقاء المبارك؟

الشيخ: الواقع الإنسان يحتار من أين يبدأ هذه الليلة. فقد يحيط بنا شرف المكان وشرف الزمان لأننا في شهر من الأشهر الحرم؛ شهر ذي القعدة. إنني أعتقد أن الذي يتابع الحلقة من أي مكان في العالم؛ يعد من الزائرين. وتصلني أخبار بأن البعض أمام التلفاز تجري دمعته ويتمنى أن يكون في هذا المكان المبارك، ويذكرني ذلك بكلمة لأمير المؤمنين (ع) قالها في إحدى غزواته في جواب من قال له: كان أخي يود أن يكون معكم في المعركة. فقال له: (أَ هَوَى أَخِيكَ مَعَنَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَقَدْ شَهِدَنَا)[١]. وفي هذه الكلمة بشارة لنا؛ فالذين كان هواهم معنا وكانت أمنيتهم أن يكونوا في هذا المكان المبارك تحت القبة أو بجوار القبة الشريفة فليقروا عيناً لأنهم الليلة كلهم زوار الرضا (ع).

دروس من حياة أمهات الأئمة (عليهم السلام)

المقدم: لقد روي عن أم الإمام الكاظم (ع) أنه قالت لولدها: (يَا بُنَيَّ إِنَّ تُكْتَمَ جَارِيَةٌ مَا رَأَيْتُ جَارِيَةً قَطُّ أَفْضَلَ مِنْهَا وَلَسْتُ أَشُكُّ أَنَّ اَللَّهَ تَعَالَى سَيُطَهِّرُ نَسْلَهَا إِنْ كَانَ لَهَا نَسْلٌ وَقَدْ وَهَبْتُهَا لَكَ فَاسْتَوْصِ بِهَا خَيْراً فَلَمَّا وَلَدَتْ لَهُ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ سَمَّاهَا اَلطَّاهِرَةَ قَالَ فَكَانَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَرْتَضِعُ كَثِيراً وَكَانَ تَامَّ اَلْخَلْقِ فَقَالَتْ أَعِينُونِي بِمُرْضِعَةٍ فَقِيلَ لَهَا أَ نَقَصَ اَلدَّرُّ فَقَالَتْ لاَ أَكْذِبُ وَاَللَّهِ مَا نَقَصَ وَلَكِنْ عَلَيَّ وِرْدٌ مِنْ صَلاَتِي وَتَسْبِيحِي وَقَدْ نَقَصَ مُنْذُ وَلَدْتُ)[٢]. ألا يعكس هذا الخبر مزية من مزايا الأمهات الطاهرة؟

أقول للإمام (ع): هنيئا لكم بهذه الأم. ما هذه الأم التي تقول: أريد مرضعة لأن الإمام الرضا (ع) يرتضع لبناً كثيرا ووقتي مشغول بهذا المولود، فأعينوني بمرضعة لأجعل قسماً من وقتي لذكر الله عز وجل لأن علي ورد؟ ما هذا المستوى البديع؟ إن هذه السيدة تكتم أو الطاهرة كما سماها الإمام موسى بن جعفر (ع)؛ ينبغي أن تُجعل في عداد النساء الخالدات كمريم (ع). إن في حضنها الرضا (ع) ومع ذلك تفكر في عبادتها وفي أذكارها وأورادها. وهذه ظاهرة ملفتة وإن كانت ليست في مناسبة المولد ولكن هناك قسم من أمهات الأئمة (ع) هن من الجواري؛ فأم الإمام الرضا (ع) جارية.

أمهات أكثر الأئمة هن أمهات ولد

لماذا شركت أم الفضل في دم الإمام الجواد (ع)؟ من الغيرة والحسد. ونلاحظ أن أمهات الأئمة (ع) من الإمام الرضا (ع) حتى الأئمة اللاحقين أغلبهن من هذا الصنف، حتى أم إمامنا الحجة (ع) السيدة نرجس. وكأن الله – والله العالم – يريد أن يقول: نحن نضع الجوهرة في المكان المناسب؛ فالحسب والنسب والجمال والشهرة ليست بمقياس. لقد شاء الله عز وجل أني يأتي الإمام الرضا (ع) من هذه الجارية المباركة.

اختيار الأم قبل الزوجة

وأقول للشباب العزاب: إن أم الإمام الكاظم (ع) عندما أرادت أن تهب الجارية قالت: أنه سيجعل الله من نسلها مولوداً مباركاً. إن أمير المؤمنين (ع) يطلب من أخيه عقيل أن يخطب له امرأة ولدتها الفحولة من العرب. إنه يريد العباس من هذه الزيجة المباركة، وموسى بن جعفر (ع) يريد الرضا من زيجة الجارية. فسلوا الله عز وجل أن يجعل حياتكم باقية بذرية صالحة. لا تبحث عن الشكل والمظاهر، وسل الله عز وجل أن يسوق لك من يكون سبباً لصدقة جارية تجري لك بعد موتك.

مدى علاقة الإمام الرضا (عليه السلام) بمحبيه

المقدم: شيخنا العزيز، تقول الرواية الرضوية: (اَلْإِمَامُ اَلْأَنِيسُ اَلرَّفِيقُ وَاَلْوَالِدُ اَلشَّفِيقُ وَاَلْأَخُ اَلشَّقِيقُ وَاَلْأُمُّ اَلْبَرَّةُ بِالْوَلَدِ اَلصَّغِيرِ)[٣]، ونفهم من هذه الرواية أن علاقة الإمام بمحبيه أرقى مما نتصوره. أ ليس كذلك؟

إن هذه الرواية من الروايات البديعة جداً وقد أحسن الإخوة في العتبة الرضوية الاختيار في نقش جدران الحرم الشريف بهذه الرواية. أعتقد أن هذه الرواية – تقريبا – فيها رائحة الجامعة الكبيرة، وفيها تعريف للإمام. إن الذي يعتقد بهذه المضامين يأتي للإمام (ع) ويتفاعل معه أكثر من تفاعل الذي يأتي لقضاء الحاجة. رآني ذات يوم أحد المؤمنين في الحرم الشريف من طلبة العلم، فقال لي: يا فلان، إن كانت عندي حاجة وكنت قادرا على قضائها؛ هل تفعل؟ قلت: نعم اذا أمكنني ذلك. فقال: لا أريد منك شيئا، وإنما أردت أن أُسمع الإمام أنك بشر وزائر تقضي حاجتي؛ فكيف بالمزور؟ وهذه العلاقة الأريحية التي نؤكد عليها. إنه يتكلم مع الإمام بهذا الأسلوب الرقيق.

وينبغي أن نعيش هذه الأريحية في زياراتنا للأئمة (ع) وفي خطابنا لهم. والحمد لله إن الإخوة في مشاهد أهل البيت (ع) في بلاد الرافدين لا ينقصهم هذا المعنى؛ فقد رأينا وسمعنا بعض رقيقي العاطفة قد يكون في مستوى ثقافي متواضع؛ ولكن يأتي ويزور الإمام (ع) ويتكلم بكل أريحية ولطف. وقد ورد في خصوص الرضا (ع) في الكيفية التي نسلم بها عليه: (اَلسَّلاَمُ عَلَى غَوْثِ اَللَّهْفَانِ وَ مَنْ صَارَتْ بِهِ أَرْضُ خُرَاسَانَ خُرَاسَانَ)[٤]. إنني لما طرق سمعي هذا المعنى أحسست بحالة معينة؛ أي أن الإمام لا يغيث الإنسان العادي وإنما هو غوث اللهفان. فعليه؛ أينما كنتم من بلاد الله الواسعة سلوا الله عز وجل أن يلفت نظر الإمام إليكم.

مدى اعتبار حرز الإمام الجواد (عليه السلام)

المقدم: فضيلة الشيخ، هنالك ما يسمى بالأحراز المنسوبة إلى أهل البيت (ع)؛ فما قصة هذه الأحراز وخاصة مع اشتداد الخوف من الأسقام خصوصاً في أيامنا هذه والملفت أن من الأحراز حرز الإمام الجواد الذي كتبه للمأمون فما هو تعليقكم في هذا المجال؟

صلوات الله على إمامنا الجواد (ع). قطعا الإمام يفرح بذكر ولده. لقد كنت أبحث في حرز الإمام الجواد (ع) كبحث علمي، ووجدت: أن الحرز كتبه الإمام الجواد (ع) للمأمون وهو قاتل أبيه. وفي الليلة السابقة من إعطائه الحرز كان قد هم بقتل الإمام الجواد (ع) في حال سكر. فقال له الإمام الجواد (ع): كما أن هذا الحرز دفع عني القتل البارحة؛ عليك بهذا الحرز. أي هو حرز للحفظ، حتى أن بعض العلماء شككوا في الرواية، وقالوا: كيف الإمام (ع) يعطي الحرز لقاتل أبيه؟ وهنا جوابان؛ الجواب الأول: لأنه في منتهى الكرم. لماذا سمي الجواد؟ لأن جوده لا يتصور، وإلا فكلهم أهل الجود. والجواب الآخر هو: أن هذا الحرز لأجل أنه غزى الروم؛ وكلما غزى غزوة انتصر فيها. إن الإمام لم يكتب هذا الحرز كرامة له، وإنما لأجل غزواته من باب نصر المسلمين.

التفكر بالله اعلى من بعض العبادات

المقدم: فضيلة الشيخ، تقول الرواية: (لَيْسَتِ اَلْعِبَادَةُ كَثْرَةَ اَلصِّيَامِ وَ اَلصَّلاَةِ وَ إِنَّمَا اَلْعِبَادَةُ كَثْرَةُ اَلتَّفَكُّرِ فِي أَمْرِ اَللَّهِ)[٥]، وقد قال تعالى: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ)[٦]. ما المراد هنا بكثرة التفكر في أمر الله تعالى ولماذا قُدم على العبادة؟

إنها رواية رضوية. والتفكر في أمر الله يعني التفكر في خلق الله وما يريده منك وما يقيك من غضبه؛ أي كل ما يعود إلى الله عز وجل. وهذا مما يطلب من المؤمن في جوف الليل؛ إذ يستحب عند القيام لصلاة الليل قراءة هذه الآيات تحت السماء قبل صلاة الليل، وفيها لذة. إن المؤمن إنسان متفكر؛ بل كثير التفكير ودائم الفكر، وقد كان أبوذر، ولقمان هكذا. إن الذي يحب أن يصل للمقامات العليا لابد أن يستعين بجناحين؛ جناح العبادة من الصيام والصلاة، وجناح التفكر في أمر الله عز وجل. لقد روي عن الإمام الجواد (ع) أنه قال: (اَلْقَصْدُ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى بِالْقُلُوبِ أَبْلَغُ مِنْ إِتْعَابِ اَلْجَوَارِحِ بِالْأَعْمَالِ)[٧]؛ أي عندما تأتي عند الرضا (ع) وتجلس في زاوية وتفكر في الإمام وظلامة الإمام فتجري دمعتك؛ هذا خير من أن تصلي الصلوات وأنت ساهٍ.

أفضل النصائح للشباب وخاصة في هذا الوقت

المقدم: فضيلة الشيخ، نحن كشباب وخصوصا في هذه الأيام والأمواج عاتية بمختلف أشكالها نريد منكم نصيحة تهدونها إلينا من جوار الإمام الرضا (ع).

إن ابتلاء الشاب عادة ما يكون بالشهوة وابتلاء كبار السن بالغضب؛ يكبر سنه فيصبح سريع الغضب. وابتلاء الشباب بالشهوة. وملخص الكلام في هاتين الكلمتين: (مَنْ غَضَّ طَرْفَهُ أَرَاحَ قَلْبَهُ)[٨]؛ هكذا قال أئمتنا (ع). إن معظم مشاكل الشباب هذه الأيام هي من الشهوة، ومنشأ الشهوة التفاعل الشهوي في القلب، ومنشأ التفاعل الشهوي في القلب هذه النافذة المفتوحة على كل حلال وحرام وهي العين. إن مشكلتنا ليست في غض البصر في الشارع، وإنما غض البصر من هذا الجهاز الذي بيدك الذي يفتح نافذة إلى العالم بكل أباطيله.

إن الشاب الذي غض بصره قد يعاني في أول الطريق وخاصة إذا كان مع صحبة سيئة ولكن بعد فترة يكون مصداقا لهذه الرواية: (غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ تَرَوْنَ اَلْعَجَائِبَ)[٩]. فيصل الإنسان إلى درجة يرى فيها ما لا يراه الشباب العاديون؛ أي يرى ما وراء الطبيعة، ويرى لذة في صلاته وفي عبادته. لقد سمعت البعض من الشباب يقول: أنا لا أعاني من موضوع الشهوة، وإنما أريد أن أصل إلى مقام ضبط الخيال؛ يعني أنه قد تجاوز الغضب والشهوة ويريد أن يصلي صلاة خاشعة. إن مشكلته في الغفلة عن الله عز وجل لا في هذه المحرمات الشبابية.

نصيحة للشباب

المقدم: فضيلة الشيخ، هل من كلمة أخيرة في مولد الإمام الرضا (ع)؟

إن ابتلاء الناس هذه الأيام هو بهذه الجائحة. تأتينا اتصالات ورسائل من الناس أنها تعيش هذه الأيام في ضيق واكتئاب وفي قلق، وأصبحت الدنيا كأنها سجن كبير، وخاصة البيوت مع حظر التجوال على الأقل ليلاً. في الحقيقة إن البعض يعيش حالة وأزمة نفسية قوية جداً، وعندما نسأل الجميع نرى أن الكل متحير في نهاية هذه الأزمة؛ فحتى مسئولي الصحة العالمية يقولون: نحن لا نعلم متى ينتهي هذا الوباء.

جائحة كورونا

أقول: هذه فرصة سلبية للبعض وإيجابية للبعض الآخر. هناك روايات تقول: (كُونُوا أَحْلاَسَ بُيُوتِكُمْ)[١٠]، وهذه الأيام هو وقت العمل بهذه النصحية. إننا نعلم إلى أين تذهب البشرية. ومن أول قرن العشرين وحتى القرن السابق؛ لم تمر البشرية بحيرة مثل هذه الحيرة اقتصاداً وعملاً. فالوظائف متأرجحة بين الرفض والإدامة، وكل شيء كما يقال مجمد بكل معنى الكلمة.

فهل هذا الإنسان بهذه الظروف يعصي الله عز وجل؟ أنت في ضيق مادي، وخط الفقر يتدنى، ولعل معظم البشرية تتجه إلى الفقر الذي قد يفقد فيه حتى الطعام الذي يسد الرمق؛ ومع ذلك لا تتوجه إلى الله عز وجل؟ استعيذوا بالله بهذه الاستعادة الصباحية: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ)[١١]. إنه سبحانه هو الذي بيده أزمة الأمور.

[١] بحار الأنوار  ج٣٢ ص٢٤٥.
[٢] بحار الأنوار  ج٤٩ ص٤.
[٣] الکافي  ج١ ص١٩٨.
[٤] بحار الأنوار  ج٩٩ ص٥٢.
[٥] تحف العقول  ج١ ص٤٤٢.
[٦] سورة آل عمران: ١٩١.
[٧] كشف الغمة  ج٢ ص٣٦٨.
[٨] غرر الحکم  ج١ ص٦٦٣.
[٩] بحار الأنوار  ج١٠١ ص٤١.
[١٠] الغيبة (للنعمانی)  ج١ ص١٩٦.
[١١] سورة هود: ١١٠.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

• إن الشاب الذي غض بصره قد يعاني في أول الطريق وخاصة إذا كان مع صحبة سيئة ولكن بعد فترة يكون مصداقا لهذه الرواية: (غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ تَرَوْنَ اَلْعَجَائِبَ) . فيصل الإنسان إلى درجة يرى فيها ما لا يراه الشباب العاديون؛ أي يرى ما وراء الطبيعة.
• التفكر في أمر الله يعني التفكر في خلق الله وما يريده منك وما يقيك من غضبه؛ وفي كل ما يعود إليه إن المؤمن كثير التفكير ودائم الفكر، وقد كان أبوذر، ولقمان هكذا. إن الذي يحب أن يصل للمقامات العليا لابد أن يستعين بجناح العبادة من الصيام والصلاة، وجناح التفكر في أمر الله عز وجل.
• إن ابتلاء الشاب عادة ما يكون بالشهوة. والحل في هاتين الكلمتين: (مَن غَضَّ طَرفهُ أراحَ قَلبَه)؛ هكذا قال أئمتنا ع. إن معظم مشاكل الشباب هذه الأيام هي من الشهوة، ومنشأ الشهوة التفاعل الشهوي في القلب، ومنشأ التفاعل الشهوي في القلب هذه النافذة المفتوحة على كل حلال وحرام وهي العين.
• ينبغي أن نعيش الأريحية في زياراتنا للأئمة (ع) وفي خطابنا لهم. والحمد لله إن الإخوة في مشاهد أهل البيت (ع) في بلاد الرافدين لا ينقصهم هذا المعنى؛ فقد رأينا وسمعنا بعض رقيقي العاطفة قد يكون في مستوى ثقافي متواضع؛ ولكن يأتي ويزور الإمام (ع) ويتكلم بكل أريحية ولطف.

Layer-5.png