Search
Close this search box.
  • في رحاب ولادة الإمام الحسن المجتبى (ع) – الجزء 01
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

في رحاب ولادة الإمام الحسن المجتبى (ع) – الجزء 01

بسم الله الرحمن الرحيم

حوارية: ولادة الإمام حسن المجتبى (عليه السلام)

المقدم: سماحة الشيخ، ورد في الخبر: (لَمَّا حَضَرَتِ اَلْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ اَلْوَفَاةُ بَكَى فَقِيلَ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ تَبْكِي وَمَكَانُكَ مِنْ رَسُولِ اَللَّهِ (ص) اَلَّذِي أَنْتَ بِهِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (ص) فِيكَ مَا قَالَ وَقَدْ حَجَجْتَ عِشْرِينَ حِجَّةً مَاشِياً وَقَدْ قَاسَمْتَ رَبَّكَ مَالَكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ حَتَّى اَلنَّعْلَ وَاَلنَّعْلَ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِنَّمَا أَبْكِي لِخَصْلَتَيْنِ لِهَوْلِ اَلْمُطَّلَعِ وَفِرَاقِ اَلْأَحِبَّة)[١]. الآن سماحة الشيخ وإن كنا في ميلاده (ع) ولكن لا بأس أن نفتتح حديثنا في ما يتعلق بالقيامة؛ فما هو التعليق على هذا الحديث؟

الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. الحمدلله على هذه النعمة أن نكون في ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك وفي ليلة ميلاد الإمام المجتبى (ع) بجوار كريمة أهل البيت (ع). أولا: نحيي الإخوة المشاهدين الكرام وإن شاء الله سنزور عنهم جميعا بعد الفراغ من هذا اللقاء.

التشبه بألقاب الأئمة (عليهم السلام) في مناسباتهم

كما: تفضلتم قد لا يكون مستهل الحديث مناسباً ليوم الميلاد من ذكر بكائه ويوم القيامة؛ ولكن هذه حقيقة أن الإنسان عندما يتذكر القيامة ويتفاعل مع ذكر القيامة ينضبط في سلوكه تلقائياً. إن خوف القيامة هو الذي يجعل الإنسان منضبطاً في سلوكه. لقد سألتموني قبل اللقاء ونحن في الطريق: أنه هل ينبغي لنا أن نتأسى بهم في كل شيء؟ بالطبع لا نقول هذا المعنى؛ إذ أن التأسي بهم بهذا المعنى أمر لا يُنال؛ فهم المعصومون. ولكن ينبغي أن نتأسى بهم بقدر الإمكان.

وهنا اسمحوا لي بكلمة: ينبغي في مناسبات الأئمة (ع) كالإمام الجواد والمجتبى والرضا (ع) التركيز على لقب الإمام صاحب المناسبة والتشبه بذلك اللقب قدر الإمكان على أقل التقادير. فالمؤمن يأخذ من الرضا (ع) ويتشبه بلقبه فيكون راضيا بقضاء الله وقدره، ويكون ممن رضي الله عنه ورضي عن الله عز وجل.

إن الإمام المجتبى عرف بحلمه، وسيأتي ذكره بحلمه وصبره على أعدائه. حقيقة إن محنة الإمام المجتبى (ع) هي محنة متميزة من بين كل الأئمة (ع). فقد ابتلي بزوجة كانت أسوء نساء زمانها، وابتلي بأصحاب ما كانوا كأصحاب الحسين (ع) في البر والوفاء؛ بل  طعنوه وفعلوا به ما فعلوا، إلى آخره. والتأسي به (ع) يكون على قدر الإمكان كما ذكرت ذلك آنفا.

هل يخاف الإمام من هول المطلع؟

أما بالنسبة إلى فراق الأحبة وهول المطلع ينبغي أن نلتفت إلى أن هناك سؤال يتكرر دائما: لماذا يتكلم الأئمة (ع) بهذا اللحن؟ هول المطلع سيكون لمن؟ سيكون لأمثالنا نحن لا للمجتبى (ع) الذي هو سبط النبي الأكبر، وسيد شباب أهل الجنة. فأي هول مطلع له؟ عندما ينتقل من هذه النشأة فسوف تستقبله أمه الزهراء (س) وجده المصطفى (ص)؛ فلا خوف عليه. الآن فراق الأحبة نفسره مثلا بفراق الإمام الحسين (ع) وهذا ممكن ولكن بشكل عام؛ خذوها قاعدة: إن ما ورد في مناجاة أبي حمزة الثمالي، وفي أدعية زين العابدين (ع) وفي دعاء كميل مثلا، وفي كل مناجات الأئمة من ذكر للتوبة وللمعصية وللاستغفار والخوف من النار، وإلى آخره، إنما ورد ذلك من باب أولا: تعليم الأمة.

إن الإمام يتكلم ليعلمنا كيف نتكلم مع رب العالمين. إنه أسلوب تربوي تعليمي. ثانيا: في الواقع إن لأئمتنا (ع) حالات كالنبي (ص) الذي كان يقول: لي مع الله حالات. فعندما كان يتغير حالهم من الحال الأعلى إلى الحال العالي كان هذا عندهم بحاجة إلى استغفار. إنهم هكذا في شدة المراقبة. أي أن النبي الأكرم (ص) في حال المعراج وهو في السماوات العلى على مشارف الجنة أين؟ وعندما يأتي إلى الأرض ويحدث جفاة الجاهلية والأعراب أين؟ من المؤكد أن هناك تغير في الحال قيكون هذا الاستغفار من تبدل الأحوال. وفي هذه الرواية يريد الإمام (ع) أن ينبهنا على هذه النقطة؛ أننا سائرون إليها. وقد قلنا أن الإمام وضعه محرز، ولكن أنا وأمثالي هم من يعيش هذا الخوف؛ خوف الانتقال من نشأة إلى نشأة. هول المطلع يعني: أنا لا اعلم إلى أين أسير؟ هذا الخوف يجعلك تراقب سلوكك أكثر مما لو نسيت ذكر القيامة.

المقدم: تقول الرواية: (مَا بَلَغَ أَحَدٌ مِنَ اَلشَّرَفِ بَعْدَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مَا بَلَغَ اَلْحَسَنُ كَانَ يُبْسَطُ لَهُ عَلَى بَابِ دَارِهِ فَإِذَا خَرَجَ وَجَلَسَ اِنْقَطَعَ اَلطَّرِيقُ فَمَا مَرَّ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اَللَّهِ إِجْلاَلاً لَهُ فَإِذَا عَلِمَ قَامَ وَدَخَلَ بَيْتَهُ فَمَرَّ اَلنَّاسُ)[٢]. سماحة الشيخ: هل أن المهابة والجلالة إفاضة من الله تعالى؟

قبل أن أجيب على هذا السؤال الوجيه المبتني على رواية، وكفاصل أولي – كما يقال – أريد هذه الليلة أن أتوجه بقلبي وأنتم توجهوا بقلوبكم إلى الإمام المجتبى (ع) الذي يقل ذكره بالسنة مرة أو مرتين؛ في النصف من شهر رمضان أو في يوم استشهاده وهو أيضا مع جده المصطفى (ص) فلا يركز عليه بشكل كامل. في الحقيقة هناك جفاء منا جميعا تجاهه ونحن نعتذر من قلة ذكرنا للإمام المجتبى (ع) وكما يليق به؛ والحال أنه ممن قال عنه النبي (ص): إمامان قاما أو قعدا. وإمامان هي بصيغة التثنية، وكذلك سيدا شباب أهل الجنة، وريحانتاي من الدنيا.

إن للإمام المجتبى (ع) مزية هي ليست للإمام الحسين (ع). إن الإمام هو سيد الشهداء ولكن عندما كان يصلي الإمام المجتبى (ع) كان يصلي خلفه، ويجلس تحت منبره، وعندما كان يخطب هو وأخوه إمام الخلق ينظر إليه. طبعا هذه حالة نادرة أن يجتمع أخوان في زمان واحد؛ فباقي الأئمة (ع) كان يجتمع منهم الأب والولد؛ ولكن كان الإمام المجتبى (ع) والحسين (ع) أخوان في زمان واحد.

إن الملائكة في ليلة القدر تتنزل على الإمام المجتبى (ع). إن الإمام حقيقة مجهول القدر. هناك مقولة في أوساط المؤمنين: أنه من أراد من الله حاجة؛ فليتوسل بالإمام المجتبى لأن التوسل به قليل، وكأن الإمام يرضى ويفرح أن أحدنا يذكره ويتوجه إليه بالزيارة. وهنيئا لمن ذهب إلى أرض البقيع ووقف على قبره ودعى الله عز وجل.

أما بالنسبة إلى الجواب فأقول: نعم، إن المهابة من الله عز وجل. لقد روي عن الإمام الحسن المجتبى (ع) أنه قال: (إِذَا أَرَدْتَ عِزّاً بِلاَ عَشِيرَةٍ وَهَيْبَةً بِلاَ سُلْطَانٍ فَاخْرُجْ مِنْ ذُلِّ مَعْصِيَةِ اَللَّهِ إِلَى عِزِّ طَاعَةِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)[٣]. كلما ازداد المؤمن إيماناً وترقياً في عالم المعنى؛ فإن رب العالمين يلقي عليه من مهابته. الآن جرب أن تدخل على أحد العساكر أو على ضابط رفيع المستوى؛ تشعر عنده بحالة الخوف لا حالة الهيبة والرهبة الباطنية؛ فإذا تقاعد في اليوم التالي لا تسلم عليه حتى. في الأمس كان صاحب رتب ولأنه قد أقيل من عمله؛ انتهت المسألة. أما مرجع التقليد – كعينة مصغرة في زماننا – هو الوكيل العام لإمام زماننا (عج). إنك تدخل على المرجع وإذا بك ترى هيبة ليست فوقها هيبة. إنها هيبة الملوك والرؤساء، وهذه من الله عز وجل. إن المؤمن بحاجة إلى هكذا هيبة.

فإذا ألقى عليك رب العالمين هيبة ومحبة الإنسان فسترتاح في حياتك كثيرا. لماذا يعصيك ولدك؟ لأنه لا يهابك. إذا رزقت الهيبة ونهرته عن المنكر فسوف يرتدع، وإذا رزقت المحبة فسوف تحبك زوجتك من دون أن تعطيها مالا وفيراً وذهباً وحلياً. إن المؤمن يحتاج إلى هذه الخصلتين؛ أن يكون مهاباً فيسمع كلامه، وأن يكون محبوباً وهذه المحبة هي التي ألقيت على موسى (ع). من أحبه؟ فرعون زمانه. قال تعالى: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي)[٤] وإلى آخره. ومن اللطيف أن موسى (ع) لما قام على فرعون قال له فرعون: (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ)[٥]؛ أنا الذي ربيتك بيدي والآن تقوم علي؟

المقدم: سماحة الشيخ إن من حلم الإمام الحسن (ع) ما روي: (أَنَّ شَامِيّاً رَآهُ رَاكِباً فَجَعَلَ يَلْعَنُهُ وَاَلْحَسَنُ لاَ يُرَدُّ فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ اَلْحَسَنُ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَضَحِكَ وَقَالَ أَيُّهَا اَلشَّيْخُ أَظُنُّكَ غَرِيباً وَلَعَلَّكَ شُبِّهْتَ فَلَوِ اِسْتَعْتَبْتَنَا أَعْتَبْنَاكَ وَلَوْ سَأَلْتَنَا أَعْطَيْنَاكَ وَلَوْ اِسْتَرْشَدْتَنَا أَرْشَدْنَاكَ)[٦] إلى آخر الرواية. كيف نتأسى بالإمام المجتبى (ع) في حلمه الذي اشتهر عنه؟

إنه حديث ذو شجون. هناك قسم كبير من المؤمنين قد أعانهم رب العالمين على شهوته ولكنه لم يسيطر على غضبه. إن المثلث الذي يقضي على الإنسان له ثلاثة أضلاع هي: الشهوة والغضب والوهم أي الوسواس. إن الوهم يوجب الوقوع في بعض الزلل وكذلك الشهوة. وغالب المؤمنين هم من أهل التقوى والورع تقريبا، ومعاضي الشهوة منتفية عندهم وخاصة المحصن منهم؛ يعني شهوته تحت السيطرة ووهمه كذلك تحت السيطرة؛ فهو يظن شيئاً ولا يتبعه، وإذا ظننت فلا تمض.

ولكن مشكلة غالب المؤمنين الآن – غير المؤمن في حل وكله في حال يرثى له – في الغضب. وكما يقال: إن المؤمن لا يخلو من حدة. إن المؤمن المثالي يستمتع بترك المحرمات، وبتعبير أحدهم: ترك اللذة فيها عين اللذة لأولياء الله عز وجل. ولكن المؤمنين العاديين عندما يرتدع عن الحرام يرى في قلبه أذية وضجرا. عندما نقول لأحدهم: بأن هذا لا يجوز، وهذا حرام، أو نأمره بالصلوات الواجبة وبصيام شهر رمضان، وبدفع خمس المال، وإلى آخره يتبرم من كثرة القيود. ولهذا طبع بعض المؤمنين يميل إلى الغضب.

وأنا في الحقيقة ما رأيت في أهل الحلم من له هذا الحلم الحسني الذي ذكرته؛ إن أحدنا لو قيل له: على رأسك قشة؛ يكاد يغمى عليه، فكيف بإنسان هكذا يسب ويلعن والإمام يضحك معه ثم يقول: لعلك شبهت؛ أي يلقنه الحجة. أنت تريد أن تعلن إنساناً آخر ولكن اشتبهت بي؛ أي يريد أن يعطيه حجة شرعية. ما هذا الحلم العظيم..! إن الذي يريد أن يكون هذه الليلة في زمرة الذين يستشفعون بشفاعته؛ فالطريق إلى ذلك باعتقادي التشبه به في صفة الحلم.

[١] مکارم الأخلاق  ج١ ص٣١٦.
[٢] بحار الأنوار  ج٤٣ ص٣٣٨.
[٣] مستدرك الوسائل  ج١١ ص٢٥٨.
[٤] سورة طه: ٣٩.
[٥] سورة الشعراء: ١٨.
[٦] مناقب آل أبي طالب ج٤ ص١٩.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن المثلث الذي يقضي على الإنسان له ثلاثة أضلاع هي: الشهوة والغضب والوهم أي الوسواس وغالبا ما يسيطر المؤمن على شهوته وأوهامه ولكن يبقى في حيرة من أمره عند الغضب..!
Layer-5.png