Search
Close this search box.
  • في رحاب رسول الله (ص)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

في رحاب رسول الله (ص)

بسم الله الرحمن الرحيم

مناشئ الأذى عند البشر

عندما يتعرض الإنسان للأذى؛ تكون  لهذه الأذية مناشئ ثلاثة تقريبا. هناك أذى يتعرض له الإنسان بتقصير منه، مثاله الواضح من يدخل إصبعه في خلايا النحل أو في جحر الثعبان، أو يؤذي إنساناً بريئا، فمن الطبيعي أن يرد عليه ذلك بالمثل. فبني آدم فيه خاصية رد الفعل. إن البعض يؤذي ابتداءً والبعض يؤذي انتقاماً. والذي يؤذي انتقاماً وقصاصاً غير ملوم، إن كان الأفضل أن يكون كما قال سبحانه: (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله)[١]، فذلك خير له، والصلح خير. ولكن إن آذاك مؤمن أو آذيته كما آذاك عموما هذا لا يعد من الإيذاء المذموم إذا كان الإيذاء شرعيا.

الإيذاء في الله

النوع الثاني من الإيذاء أن تتعرض للأذى من دون تقصير منك ولكن في دائرة الدنيا. مثلا أراد أن يتزعم قوماً بحق ويصبح رئيسا فيحسده البعض وكما يروى: (فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ)[٢]. ولكن حديثنا عن القسم الثالث من الإيذاء؛ فإن وقعت في هذه الدائرة من الإيذاء؛ اغتنم الفرصة. ما هي هذه الدائرة؟ أن تتعرض للأذى من دون تقصير منك وإنما يكون ذلك في الله، ولأنك مؤمن آذاك المؤذي. فإذا وصلت إلى هذه الدائرة يرتفع مقامك وتبلغ الدرجات العليا كلما اشتد إيذاءك في الله، وتكون ملحقا بالأنبياء والمرسلين، وهو قوله تعالى: (فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ )[٣].

النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وما تعرض له من الأذى

ومن أوذي في الله كان هو المدافع عنه. ومن هو على رأس هذه الطبقة؟ من هو الذي أوذي في هذه الأرض إيذاء لا نظير له؟ إنه الحبيب المصطفى محمد (ص)، حيث يعرف الجماعة تلك الرواية: (مَا أُوذِيَ نَبِيٌّ مِثْلَ مَا أُوذِيتُ)[٤] ولكن هذه الرواية الثانية شاهدنا وهي بالإضافة إلى ذلك تقول: في الله؛ أي ما أوذي أحد مثل ما أوذيت في الله. ومهم أن نلتفت إلى كلمة الإيذاء في الله عز وجل.

يستغفر لقومه وقد أراقوا دمه

حديثنا سيكون حول ما تعرض له رسول الله (ص) من الأذى. كان رسول الله (ص) أصبر الناس على أوزار الناس؛ فكم كان يتعرض للأذى ولكنه كان من أصبر الناس. وهذه الرواية ترقق قلب كل مسلم، وهذه الرواية إن قرأتها في الروضة المطهرة عند النبي (ص) وجرت دمعتك شفقة عليه؛ سل الله ما تشاء عندئذٍ. والرواية عن ابن مسعود، يقول: (كأني انظر إلى رسول الله (ص) يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه فأدموه)؛ أي أن هذا المنظر متكرر في التاريخ ولطالما أوذي الأنبياء، ولكن النبي (ص) هو ألطف الناس قلباً  – كان الأنبياء إذا آذوهم قومهم يصبرون –  يمسح الدم عن وجهه ويقول: (اَللَّهُمَّ اِغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)[٥]. كان من الممكن أن يمسح الدم ولا يقول شيئا، ولكنه – فدته نفوسنا – يمسح الدم ويستغفر  لقومه. ولو قال ما قال بعد البرء لكانت مزية له ولكنه كان يقولها وهو يمسح الدم عن وجهه. ولا ندري هل يصل أحدنا إلى هذه الدرجة أم لا؟

التعرض للأذى من قبل العم

يقول الراوي: (رَأَيْتُ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فِي سُوَيْقَةِ ذِي اَلْمَجَازِ عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ وَهُوَ يَقُولُ يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ قُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ تُفْلِحُوا وَأَبُو لَهَبٍ يَتْبَعُهُ وَيَرْمِيهِ بِالْحِجَارَةِ وَقَدْ أَدْمَى كَعْبَهُ وَعُرْقُوبَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ يَا أَيُّهَا اَلنَّاسُ لاَ تُطِيعُوهُ فَإِنَّهُ كَذَّابٌ)[٦]. وما ذكر صلاة ولا صوما ولا حجا وإنما كان يطلب وحدانية الله عز وجل. لإنه لم يقل: قولوا لا إله إلا الله فتكونوا من المسلمين، وإنما رغبهم بالفلاح. إن في العبارة دعوة إلى التوحيد مع بيان الجزاء أيضا والفلاح بقول مطلق يعني: في الدنيا والآخرة. وكعبيه وعرقوبيه هي منطقة الرجل ويبدو أنها كانت بادية فكان يرميها بالحجارة.

وهناك رواية أخرى لا أظن أن مؤمنا يتحمل سماعها لما فيها من الإساءة إلى النبي (ص). يقول الرواي: (رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الجاهلية وهو يقول: يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا لله تفلحوا، فمنهم من تفل في وجهه، ومنهم من حثى عليه التراب، ومنهم من سبه، فأقبلت جارية بعس من ماء فغسل وجهه ويديه وقال: يا بنية! اصبري ولا تحزني على أبيك غلبة ولا ذلا)[٧].

[١] سورة الشورى: ٤٠.
[٢] تحف العقول  ج١ ص٤٨
[٣] سورة النساء: ٦٩.
[٤] كشف الغمة  ج٢ ص٥٣٧.
[٥] إقبال الأعمال  ج١ ص٢١٢.
[٦] بحار الأنوار  ج١٨ ص٢٠٢.
[٧] ميزان الحكمة – محمد الريشهري – ج ٤ – الصفحة ٣٢٢٨.
Layer-5.png