Search
Close this search box.
  • في رحاب الولادة الميمونة للإمام الرضا (ع)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

في رحاب الولادة الميمونة للإمام الرضا (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

جلب أروع حالات الزيارة من البعد

المقدم: فضيلة الشيخ، هل هناك كلمة توجهها لمشاهدينا الأفاضل قبل أن نبدأ بالحديث؟

أقول لمن حُرم الزيارة من قرب: إن المؤمن في الزيارة يحاول أن يوصل قلبه إلى ذلك المعصوم؛ فالزيارة من بعد في الخلوات قد تسبب لك ذلك. رحم الله أحد العلماء السلف، وهو سماحة آية الله بهجت، هذا العارف الفقيه يقول: كل آداب الزيارة مختصرة في كلمة واحدة: وهو أن تعيش حقيقة المعصوم وأن المعصوم حي يرزق ويسمع الكلام. فإذا كان المعصوم في نظر أحدنا هو الحي الذي يسمع الكلام ويرد السلام؛ فلا فرق عنده باب الحرم عن باب منزلك وبيتك. إنك عندما تقول: ترى مقامي؛ فلا يعني في هذه البقعة ترى مقامي، وإنما ترى مقامي أينما كنت من بلاد الله عز وجل. ولهذا نصيحتي للإخوة: أن لا يقطعوا الزيارة بهذا المعنى وخاصة عندما ترق قلوبهم، وتجري دموعهم. إن الإنسان أمام التلفاز في البث المباشر يحب أن يقول: يا ليتنا كنا معكم، وأقول: أغمض عينيك قليلاً وطر بروحك لكي تزور الإمام بكل وجودك وسيرد عليك السلام قطعاً وجزماً.

دروس من كرامات الإمام الرضا (عليه السلام)

فضيلة الشيخ، إن كرامات وألطاف الإمام الرضا (ع) كثيرة، منها قصته مع الجلودي. ما هي العبرة والدرس المستخلص من هذه القصة؟

أنقل لكم رواية يذكرها المجلسي في بحاره، وهي حقيقة رواية ملفتة جداً: دخل الجلودي على دار الرضا (ع) في المدينة، وكان الإمام لازال في أرض المدينة ولم يأت إلى أرض طوس، فقال له: لابد أن أدخل البيت، بيت من؟ بيت الرضا (ع) – وعلى الأرجح كانت هذه الحادثة بعد استشهاد الإمام موسى بن جعفر (ع) – وأسلب ما على النساء من حلي وحلل إلى آخره. فقال له الإمام (ع): (أَنَا أَسْلُبُهُنَّ لَكَ وَأَحْلِفُ أَنِّي لاَ أَدَعُ عَلَيْهِنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَخَذْتُهُ)[١]. أي سأدخل على النساء – نساء النبوة وبنات الرسالة – وأسلب ما عليهن وأقدمه لك. لا تدخل بيتنا. تقول الرواية: (فَلَمْ يَزَلْ يَطْلُبُ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُ لَهُ حَتَّى سَكَنَ فَدَخَلَ أَبُو اَلْحَسَنِ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَلَمْ يَدَعْ عَلَيْهِنَّ شَيْئاً حَتَّى أَقْرَاطَهُنَّ وَخَلاَخِيلَهُنَّ وَأَزْرَارَهُنَّ إِلاَّ أَخَذَهُ مِنْهُنَّ وَجَمِيعَ مَا كَانَ فِي اَلدَّارِ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ)[٢]. إنه منظر لو جسمته في بالك تعيش الحرقة. كيف الإمام استسلم لهذا الإنسان الذي في غاية الإجرام.

انتهت القصة وذهب الرجل إلى أن يوم من الأيام أدخل على المأمون. جاء الإمام إلى أرض طوس وهذا الجلودي المجرم أدخل على المأمون والإمام ينظر إليه. ماذا يجري في قلب هذا الإنسان؟ يقول: أكيد أن الإمام سينتقم مني. فقال الإمام للمأمون: (هَبْ لِي هَذَا اَلشَّيْخَ)؛ أي اجعله لي، واعف عنه من أجلي. ويبدو أنه كان في أواخر عمره حتى معته بالشيخ. ماذا قال المأمون؟ قال: (يَا سَيِّدِي هَذَا اَلَّذِي فَعَلَ بِبَنَاتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مَا فَعَلَ مِنْ سَلْبِهِنَّ)؟

يبدو أن المأمون مطلع على القصة. يقول له: أ تريدني أن أعفو عن هذا الذي سلب بنات النبوة؟ فقال الإمام: نعم هذا طلبي منك. وإذا  سلمه للإمام انتهت القصة. كان الجلودي في مكان بعيد لا يسمع الحوار بين الإمام وبين المأمون، فقال له: (أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ وَ بِخِدْمَتِيَ اَلرَّشِيدَ أَنْ لاَ تَقْبَلَ قَوْلَ هَذَا فِيَّ)؛ ظن أن الإمام يأمره بالانتقام ولا يعلم أن الإمام يقول: هب لي هذا الشيخ. طبعا المأمون ما قصر قال: (يَا أَبَا اَلْحَسَنِ قَدِ اِسْتَعْفَى وَ نَحْنُ نُبِرُّ قَسَمَهُ ثُمَّ قَالَ لاَ وَ اَللَّهِ لاَ أَقْبَلُ فِيكَ قَوْلَهُ)؛ فقتله. إنه الإمام الذي شملت رأفته الجلودي. والإمام الرئوف ليس رئوفا بالزائرين وبالمحبين فحسب؛ بل رئوف بالجلودي وأمثاله. وهذه القصة أعتقد أن الذي سمعها مني سوف لن ينساها. إذا زرت الرضا (ع) قل: يا مولاي، هبني وأعتقني من ذنوبي. إن رأفتك وسعت الجلودي الذي نزعت من أجله خلاخيل وأزار النساء، وأنا الزائر قد جئتك من أرض المدينة – من حوالي ألفي كيلومتر، وإذا زرته من بغداد حوالي ألف كيلومتر مثلا – زائرا؛ فهل تخيبني؟

طرق وصول العبد إلى الرضا والتسليم

فضيلة الشيخ ذكرتم اقتباس صفة الرضا من الرضا بالقضاء والقدر؛ فكيف يصل العبد إلى هذه المرحلة؟

إن هذه مشكلتنا جميعا. إن الأمراض النفسية، والانتكاسات الباطنية، وكل هذا القلق والاضطراب هو لأننا نريد شيئا فلا نصل إليه، وكلما زادت الرغبات أو المطالب في حياة الإنسان ولم يصل إليها زادت الانتكاسات. فكل خيبة فيها انتكاسة. إن كانت عندي حاجتين، فقضيت إحداهما فستكون عندي انتكاسة واحدة؛ أما إذا تعددت حوائجي فكانت عندي عشرة مطالب في حياتي مثلا ولا أوفق لمعظمها طبعا هذه الانتكاسات تزداد وهي كالضرب على الرأس الإنسان، وسينهار في لحظة من اللحظات، ويفقد صوابه. ما هو الحل؟ أن أحقق كل رغباتي في الدنيا؟ هذا الأمر غير ممكن.

ما كل ما يتمنى المرء يدركه
تجري الرياح كما لا تشتهي السفن

أقول: بأن الإنسان المؤمن عليه أن يكون عاقلاً كيساً فطناً لا يوسع من دائرة رغباته كثيراً. وكما تقول القاعدة: إن لم يكن ما تريد فأرد ما يكون. وهناك قاعدة ثانية تقول: اللهم أعطني حاجتي التي إن أعطيتنيها لم يضرني ما منعتني وإن منعتنيها لم ينفعني ما أعطيتني. فلو أعطيتني ملك الدنيا وأنت غير راض عني؛ ما هي الفائدة منه؟

وعليه أقول: بأن الرضا بالقضاء والقدر؛ ليس الرضا بالمعنى العامي الساذج، هو: ألا يتبرم الإنسان ويرضى بالقضاء. إن البعض يقول: وما هي وجه الحيلة إذا لم نقبل بهذا الأمر، ونرضخ للواقع؟ وهذا لا يسمى رضا؛ وإنما رضوخ للأمر. في الواقع إن الذي لا حيلة له ولا قوة يقول: هذا قدرنا وهذا قضائنا؛ أما الرضا الحقيقي هو ما قالته زينب (س): ما رأيت إلا جميلاً. فالإمام الرضا (ع) هو مظهر الرضا بهذا المعنى. يعني إنسان يفقد جوار المصطفى وأمه الزهراء ويبتلى بجوار المأمون العباسي ولا قياس بينهم، ويُجلب من أرض المدينة في أصعب الظروف. إننا عندما نرحل من مطار النجف إلى مشهد؛ تستغرق الرحلة ساعتين أو الساعة ونصف الساعة حيث الضيافة والطائرة السريعة؛ لا كما جاءوا بالإمام (ع). كم قضى الإمام من أرض المدينة إلى أرض طوس من الليالي في الطريق؟ ولقد جيء به مخفوراً. فتارة تكون الرحلة سياحية أو ميسرة، وهناك احترامات وتشريفات ومرافقة؛ وتارة يأتي ملقى القبض عليه، ومهدد بالقتل وهذا هو معنى مخفورا، وأنه لابد من أن يستجيب للمأمون وإلا قتل في المدينة.

أقول: بأن هذا الذي تحمله الرضا (ع) أيام حياته درس لنا جميعا. انظر إلى مشهد الرضا (ع) طول التاريخ وهي مصانة. هناك الكثير من المآسي التي حلت بأرض كربلاء، وبأرض النجف، وما جرى في أرض العراق من أيام العباسيين والأمويين معروف؛ بينما أرض خراسان التي حل بها الإمام الرضا (ع) – حسب علمي – ما شهدت مآسي أو مجازر – إن صح التعبير – أو هدم للقبة الشريفة. يبدو أن هذه البلدة معززة ومكرمة منذ أيام الرضا (ع)، وأصبحت ملاذاً للشيعة طوال التأريخ.

المصلحة في عدم استجابة الدعاء

فضيلة الشيخ؛ هناك الكثير ممن يقصد مواليه وخصوصا الرضا (ع) لأخذ الحاجة من حرمه مع الزيارة؛ فهل ترون في ذلك بأسا؟

إنه سؤال حساس وأرجوا من الإخوة أن يتحملونني على هذا الجواب؛ لأن البعض قد يقول مثلا: نحن نأتي للزيارة وقضاء الحوائج وإن تظاهرنا بخلاف ذلك. إننا نأتي بدافع الحب فقط؟ كما نقرأ ذلك في زيارة موسى بن جعفر (ع) عندما يقول الشاعر:

يا سمي الكليم جئتك أسعى
والهوى مركبي وحبك زادي

إن الحب زادنا بنسبة معينة وقسم منه الحوائج. هل رجع أحدهم من مشهد وهو إلى حد ما كئيب؟ وقد يقول الرجل: أخذت نصف الحوائج مثلا أو ربع الحاجة لا كل الحاجة، والبعض يعتب ويقول: ذهبت لزيارة الرضا كذا مرة من أرض الحجاز وغيرها وما أخذت حاجتي. وهذه حالة غير طيبة.

اجعل زيارتك شوقاً وحباً للإمام (ع). تخيل إنسانا يزور والدته المريضة يوميا مثلا وكلما ذهب إليها يقول: يا أماه أعطيني مبلغاً من المال. ماذا تقول الأم؟ تقول: جئت لقضاء حوائجك أو جئتك شوقا الي؟ نحن نزور الأب أو الأم أو الخالة والعمة حبا وشوقا، وعندما يصل الأمر للموالي وأصحاب الحقوق ومن هم أعز علينا من آبائنا وأمهاتنا؛ تكون لدينا قائمة للحوائج، وإذا أعطينا الحاجة لا نأتي ثانية؛ وإلا فنعتب في الباطن. اجعلوا الأصل في الزيارة المحبة لا قضاء الحاجة، وفي يوم آخر قل: علمك بحالي يغني عن سؤالي وانتهى الموضوع. وهنا يتولى الإمام الأمر.

يقول أحد العلماء الأجلاء: أنت زرت الرضا (ع) وطلبت منه الحاجة وما أعطاك الحاجة؛ فتعتب في قلبك ثم يأتيك الإمام يوم القيامة – إنه يذكر القضية كسيناريو متصور – ويقول لك: يا فلان لم تعتب علي؟ في دار الدنيا طلبت مني داراً بمائة متر مثلا وأنا طلبت من الله عز وجل أن يمد في عمرك عشر سنوات. أين هذا ومن ذا؟ أنت لم تطلع على ذلك ورجعت من مشهدي بالخيبة وقلت: ما أعطاني منزلا، أو عقاراً أو زوجة والحال أنه طلب من الله أن يمد في عمرك، أو يدفع عنك البلاء عشر سنوات بلياليها، وبقدرها وبحجها وبأربعينياتها. ولهذا ينبغي أن يكون أحدنا مؤدباً عندما يزور البقاع الطاهرة، ويوكل الأمر إليهم، ويقول: اقضوا حاجتي بما ترونه مناسبا.

طرق كسب بركات الأئمة (عليهم السلام)

فضيلة الشيخ الكثيرون محرومون من هذه الزيارة فكيف يمكن حيازة بركات المشاهد من بعد؟

أنا دائما اذكر مثال الذين حظوا بالبركة من دون حضور حسي منهم أويس القرني الذي اشتاق إليه النبي (ص). إن الصحابة كانوا مع النبي (ص) وما اشتاق إلى بعضهم أو ما أبدى مشاعره لهم، والبعض كانوا معه من مكة إلى المدينة، ولعلهم عاشروا النبي (ص) عشرين سنة، وما أبدى هذا الشوق لهم. أما أويس الذي دخل المدينة ولم يلتقي برسول الله (ص) لأنه كان على موعد مع أمه، وترك زيارة النبي (ص) لأن النبي (ص) لم يكن في المدينة ورجع وفاء بالوعد؛ أصبح بعد وفاة النبي (ص) ممن يلتمس منه الدعاء لما ذكر النبي من مزاياه.

إنه ما التقى بالنبي (ص) في أيام حياته ولهذا هناك فرقة من الناس يسمونهم الأويسية؛ أي صار البعض ينتسب إليه كسلسلة. فهم بحسب زعمهم جماعة يقولون: نحن وصلنا للكمالات من دون أستاذ ولذا يسمونهم الأويسية. كما أن أويس من دون أستاذ وصل للكمال.

كن كأويس. إن حرمت زيارة الرضا (ع) لتكن زيارتك له من بعد. ومن باب الطرفة أقول: إن أحدهم – أنا أعرفه جيدا باسمه – في الأزمنة الغابرة قبل خمسين أو ستين سنة أراد أن يزور الحسين (ع) من خلال المناطق الغربية ككرمانشاه وغيرها وهي مناطق ثلجية؛ فداهمهم الثلج وما تمكن من زيارة الحسين (ع) ورجع خائبا؛ فبشروه بطريقة ما، أنه سنعوضك خيراً. ما الذي جرى؟ رزقه الله ولداً صار من المراجع الفعليين. ولو زار الحسين (ع) في وقت آخر لعله لم يعطى هذه الهبة؛ ولكن لأنه حرم الزيارة ورجع وهو محروق الفؤاد أعطاه مثل هذه الهبة. لقد كان من عوام الناس ولكن جعل الله في ذريته مرجع من مراجع التقليد الفعليين. ومعنى ذلك: أنه يمكن أن تكون الزيارة منتجة من دون لقاء حسي بالمعصوم.

[١] عيون الأخبار  ج٢ ص١٥٩.
[٢] بحار الأنوار  ج٤٩  ص١٦٤.
Layer-5.png