Search
Close this search box.
  • في رحاب الإمام محمد الباقر (ع)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

في رحاب الإمام محمد الباقر (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

أحب المجالس إلى الله عز وجل

إن من أحب المجالس إلى الله عز وجل مجلس يحيى فيه ذكر أهل بيت النبي (ع). إن ذكر أهل البيت (ع) هو ذكر الله، وتقديسنا وتعظيمنا هو لعظيم منزلتهم عنده. ولهذا فإن الزيارة الجامعة هي من أفضل الزيارات متنا ومضمونا. ومما ورد في هذه الزيارة بشأنهم: (اَلتَّامِّينَ فِي مَحَبَّةِ اَلله)[١]. إن المحبة الإلهية لهم ومحبتهم لله. وليس هذا التعبير تعبيرا هينا. إن قيمة الإنسان بتعلقه بالله عز وجل، وقد وصل أئمة أهل البيت (ع) مرحلة تامة في المحبة الإلهية، ومن كان قلبه محلاً للحب الإلهي لا يقدر قلبه بثمن، ولا يقاس بصاحب هذا القلب أحد.

حق الأئمة (عليهم السلام) على الشيعة

إن حديثنا هو حول علم من أعلام الهداية، ونور من أنوار الملكوت؛ ألا وهو إمامنا الباقر (ع). إن الإمامين الباقر والصادق لهما حق عظيم علينا. إن لجميع الأئمة (ع)حق علينا، ولكن لظروف زمنية وتاريخية ترشح منهما العلم الكثير. إن الإمام الباقر (ع) سُمي بهذا الاسم لأنه شق العلم شقاً، وأظهره إظهاراً، وقد روى معنى هذا الاسم جابر الجعفي عندما سُئل عن اسم الباقر (ع).

لماذا سمي الإمام (عليه السلام) بالباقر؟

إن الذي يشق التراب ليستخرج الكنوز المغطاة بالتراب ويظهرها يسمى باقراً. والزارع بمعنى من المعاني باقر؛ لأنه يشق الأرض ويستخرج منها البركات. إن الإمام (ع) شق العلم شقاً، وأظهره بعد الخمول.

حال الأئمة (عليهم السلام) قبل الإمام الباقر (عليه السلام)

إن الإمام زين العابدين (ع) وهو والده قد قضى شطرا من حياته في زمان يزيد بن معاوية لعنه الله، وشطر من حياته بعد استشهاد أبيه وجميعنا يعلم كيف كان حاله بعد استشهاد والده، وما لاقى من الهم والغم والضيق بعد أبيه. فالإمام السجاد (ع) لم تثنى له الوسادة، وسيد الشهداء أيضا لم يكن بعد استشهاد أخيه المجتبى طليقاً في المدينة إلى أن أخرج منها وقتل في أرض كرب وبلاء.

ولقد كان الإمام المجتبى (ع) مبتلىً بخذلان أصحابه، وقضايا حربه معروفة مع خصمه. وأما أمير المؤمنين (ع) جلس لسنوات في المنزل وعندما جاءته الخلافة ابتلي بحرب القاسطين والناكثين والمارقين. ونستطيع القول – تقريبا – أن الإمام الذي لم يبتلى بهذه الأمور، ولم يحبس ولم يحارب ولم ينفى كالإمام الرضا (ع) ولم يحبس كحفيده موسى بن جعفر (ع) هو الإمام الصادق والباقر (ع).

الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة

وهكذا كانت الظروف التي مرت عليهما، ولو أن كل إمام مر بظرفيهما لترشح منهم العلم كما ترشح منهما (ع). وعموماً؛ إن أئمة أهل البيت (ع) جميعهم قد ترعرعوا وتربوا في الأحضان الطاهرة وانتقلوا من الأصلاب المطهرة إلى الأرحام الطاهرة. أما الأصلاب فهي أصلاب آبائهم بدءا بالنبي (ص) وهو جدهم الأكبر ثم أمير المؤمنين (ع) وهكذا. فهم من حيث أصلاب الرجال كانوا في الأصلاب الشامخة، ومن حيث الأمهات كانوا في الأرحام المطهرة.

عظمة مقام والدة الإمام الباقر (عليهما السلام)

إن هذه الواقعة في حياة والدة الإمام الباقر (ع) شاهدة على ما نذكر. إن الإمام الباقر (ع) وهو يمدح والدته – ومن أدرى بمزايا الوالدة من الولد – يقول: (كَانَتْ أُمِّي قَاعِدَةً عِنْدَ جِدَارٍ فَتَصَدَّعَ اَلْجِدَارُ وَسَمِعْنَا هَدَّةً شَدِيدَةً فَقَالَتْ بِيَدِهَا لاَ وَحَقِّ اَلْمُصْطَفَى مَا آذَنُ لَكِ فِي اَلسُّقُوطِ فَبَقِيَ مُعَلَّقاً إِلَى اَلْجَوِّ حَتَّى جَازَتْهُ فَتَصَدَّقَ أَبِي عَنْهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ)[٢]؛ تأملوا في عمق معرفتها بمقامات أهل البيت (ع). إن السقوط لا يكون إلا بإذن الله، وما تسقط من ورقة إلا بإذنه، وهذا الجدار كان على وشك السقوط على والدة المعصوم، وكانت لرب العالمين عناية بهذه السيدة الطاهرة. ومع أنها نجت من هذه الحادثة تصدق عنها الإمام مائة دينار. وقد ذكرها الإمام الصادق (ع) يوماً فقال: (كَانَتْ صِدِّيقَةً لَمْ يُدْرَكْ فِي آلِ اَلْحَسَنِ عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ اِمْرَأَةٌ مِثْلُهَا)[٣]، وكانت النتيجة أن الله عز وجل استخرج منها هذه الذوات الطاهرة.

قصة جابر بن عبدالله الأنصاري مع الإمام الباقر (عليه السلام)

لقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (إِنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله اَلْأَنْصَارِيَّ كَانَ آخِرَ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ رَجُلاً مُنْقَطِعاً إِلَيْنَا أَهْلَ اَلْبَيْتِ)[٤]، ومن الطبيعي أن يكون جابر كذلك. وهنيئاً له فقد رأى النبي وأمير المؤمنين (ع) وهو الذي زار قبر الحسين (ع) في قصة الأربعين. إن جابر كان يعلم ما هذه الذوات الطاهرة. وهذا الرجل قد لقي الإمام الباقر (ع) في بعض سكك المدينة، فقال له يا غلام من أنت؟ ويبدو أنه كان في حداثة سنه. فقال إمامنا الباقر (ع): (اِسْمِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ)[٥]. نور بعد نور وهم الشموس الطالعة.

تقول الرواية: (فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ قَالَ يَا غُلاَمُ أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ ثُمَّ قَالَ أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ فَقَالَ شَمَائِلُ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاَلَّذِي نَفْسُ جَابِرٍ بِيَدِهِ)[٦]. من يقول هذا الكلام؟ لا يقوله شاعر وإنما يقوله من رأى رسول الله. ثم قال له: (بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَبُوكَ رَسُولُ اَللَّهِ يُقْرِئُكَ اَلسَّلاَمَ)[٧]. ومن الطبيعي أن يعلم النبي (ص) بأن جابر سيدرك الإمام الباقر (ع).

فقال الإمام الباقر (ع): (عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ اَلسَّلاَمُ مَا دَامَتِ اَلسَّمَاوَاتُ وَاَلْأَرْضُ وَعَلَيْكَ يَا جَابِرُ بِمَا بَلَّغْتَ اَلسَّلاَمَ)[٨]، وفي الحقيقة ينبغي أن يسجل اسم جابر بهذا الموقف في ديوان الخالدين. تقول الرواية: (ثُمَّ كَانَ جَابِرٌ يَأْتِيهِ فَيَجْلِسُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُعَلِّمُهُ فَرُبَّمَا غَلِطَ جَابِرٌ فِيمَا يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ وَيُذَكِّرُهُ فَيَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ وَيَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِ وَكَانَ يَقُولُ يَا بَاقِرُ يَا بَاقِرُ يَا بَاقِرُ أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّكَ قَدْ أُوتِيتَ اَلْحُكْمَ صَبِيًّا)[٩].

[١] من لا یحضره الفقیه  ج٢ ص٦٠٩.
[٢] المناقب  ج٤ ص١٩٠.
[٣] بحار الأنوار  ج٤٦ ص٢١٥.
[٤] اثبات الهداة  ج١ ص٢٤٦.
[٥] اثبات الهداة  ج١ ص٢٤٦.
[٦] الخرائج و الجرائح  ج١ ص٢٧٩
[٧] الخرائج و الجرائح  ج١ ص٢٧٩.
[٨] بحار الأنوار  ج٤٦ ص٢٢٥.
[٩] بحار الأنوار  ج٤٦ ص٢٢٥.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن من أحب المجالس إلى الله عز وجل مجلس يحيى فيه ذكر أهل بيت النبي (ع). إن ذكر أهل البيت (ع) هو ذكر الله، وتقديسنا وتعظيمنا هو لعظيم منزلتهم عنده.
  • إن الزيارة الجامعة هي من أفضل الزيارات متنا ومضمونا. ومما ورد في هذه الزيارة بشأنهم: التّامّين فِي محبة الله. إن المحبة الإلهية لهم ومحبتهم لله. إن قيمة الإنسان بتعلقه بالله وقد وصل أهل البيت (ع) مرحلة تامة في المحبة الإلهية، ومن كان قلبه محلاً للحب الإلهي لا يقدر قلبه بثمن
  • إن الإمام الباقر (ع) سُمي بهذا الاسم لأنه شق العلم شقاً، وأظهره إظهاراً، وقد روى معنى هذا الاسم جابر الجعفي عندما سُئل عن اسم الباقر (ع). والذي يشق التراب ليستخرج الكنوز المغطاة بالتراب ويظهرها يسمى باقراً. إن الإمام (ع) شق العلم شقاً، وأظهره بعد الخمول.
Layer-5.png