Search
Close this search box.
  • في رحاب الإمام علي الهادي (ع)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

في رحاب الإمام علي الهادي (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

الاقتداء بالإمام الهادي (عليه السلام)

من الأئمة الذين نتخذهم قدوةً في حياتنا كما نتخذ آبائه الكرام وأبنائه المعصومين (ع) هو الإمام الهادي (ع) جد إمام زماننا. إن المؤمن عندما يتشرف بزيارة العسكريين (ع) فإنما تكون زيارته تلك عوض عن لقاء إمام زمانه. إن لكل الأئمة مراقد نزورهم فيها إلا الإمام الثاني عشر، فأين نجده وأين نزوره؟ إن أقرب البقاع إليه (ع) منزل أبيه الإمام الهادي والإمام العسكري (ع) اللذين دفنا في منزلهما. وهذا المكان هو منزل الإمام (عج) وفيه سرداب الغيبة، وهذا السرداب ملحق ببيتهما في تلك الأيام. فالسراديب حتى في أيامنا هذه هي المكان الأنسب للمبيت فيها في الصيف لبرودتها. فأين يهذب الذي يريد أن يتلمس آثار إمام زمانه (عج)؟ إنه يقف أمام ضريح فيه أمه وفيه عمته وفيه والده وفيه جده. ويمكن القول أن الإمام الهادي (ع) ترتبط مناسبته – من هذه الناحية – بإمام زماننا (ع).

كرامات العسكريين (عليهما السلام)

لقد رؤي من الإمامين الهادي والعسكري (ع) الكرامات الكثيرة أسوة بآبائهما. ولكنما هي الكرامة؟ إن الكرامة فعل بشري ولكنه في أمر غير متعارف يتم بتمكين الله عز وجل الفياض. إن الذي يخرق القانون هو رب العالمين ولكن يجري على ذلك على يد بشر. ةقد يستغرب البعض مسألة الكرامات، والحال أن القرآن الكريم ذكر كرامة البشر وذكر صدور الكرامة من غير الأنبياء أيضا؛ بل من غير البشر كالعفريت من الجن الذي قال لسليمان: أنا آتيكك بعرش بلقيس قبل أن تقوم من مكانك، وكان عرش بلقيس في اليمن وسليمان في مسافة بعيدة منه.

إنكار كرامات المعصومين

وكما يقال: كانت هذه مناقصة من سليمان (ع) وقد انبرى لها أيضا أحدهم فقال: (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)[١]. فإذا قام العرفيت بكرامة قبلتها وإذا سمعت كرامة من أمير المؤمنين (ع) وذريته تستغرب منها؟ ليس ذلك من الإنصاف في شيء. إن البعض مع الأسف كأنه لا يقرأ القرآن الكريم، وذلك إن سمع كرامة غريبةً عن أئمتنا (ع) يسارع في إنكارها، وهذا ليس من الأدب. إن غير الموالي لا نتوقع منها القبول؛ ولكن أنت المعتقد بإمامة أئمة أهل البيت (ع)، والمعتقد بقضية الغدير؛ عليك أن لا تسارع إلى أنكار ما تسمع عنهم من الغرائب. وقد ورد في روايات أهل البيت (ع) إشارة إلى هذا المعنى، وهو قولهم: (ذروه في سنبله)[٢]. فإن لم تستوعبها، قل أنا الذي لا أفهم الرواية ولا تنكرها من أصلها فذلك من موجبات السخط والغضب.

قصة يونس النقاش ونجاته من القتل ببركة دعاء الإمام الهادي (عليه السلام)

بعد هذه المقدمة نذكر شيئا مما صدر عن إمامنا الهادي (ع) في هذا الباب وهي قضية معبرة. كان هنالك رجل يصنع الفصوص والخواتيم اسمه يونس النقاش، وكان يغشى الإمام الهادي ويخدمه. وتارة يمر الراوي يمر على الإمام مروراً، وتارة يأخذ منه العلم وتارة يخدمه. إن بعض أصحاب النبي (ص) كان هكذا. فإذا كان يرى النبي (ص) بحاجة إلى أمر كان يسارع إلى قضاء حاجته. وهنيئا ليونس الذي كان كان ملازماً للإمام وخادماً له.

فجاءه يوماً وهو يرتجف من الخوف فقال: (يَا سَيِّدِي، أُوصِيكَ بِأَهْلِي خَيْراً)[٣]؛ أي أنا ذاهب إلى القتل لا محالة. فقال له الإمام: وما الخبر؟ ما الذي جرى؟ ما هذا الخوف الذي فيك؟ قال: عزمت على الرحيل فقد حكم علي بالإعدام. قال: ولم يا يونس؟ الإمام يقول: ولم يا يونس وهو متبسم كما تذكر الرواية، وكأنه يلاطفه. إنه جاء يودع الإمام إلى الأبد والإمام يتبسم في وجهه. قال يونس: (اِبْنُ بُغَا وَجَّهَ إِلَيَّ بِفَصِّ لَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ، أَقْبَلْتُ أَنْقُشُهُ فَكَسَرْتُهُ بِاثْنَيْنِ)؛ إنه قد استلم فصا لا يقدر بثمن وانكسر أثناء النحت، وموعد تسليمه غداً. ولكن لم الخوف من القتل؟ انظروا إلى الطغاة في أيام أئمتنا (ع).

يقول الرواي: (هُوَ مُوسَى بْنُ بُغَا، إِمَّا أَلْفُ سَوْطٍ أَوِ اَلْقَتْلُ). وما هي الجريمة؟ جريمته أنه أخطأ أثناء نحت الفص؛ ويعني أن هؤلاء يقتلون بأدنى شيء وبلا سبب وبلا ذنب. فقال له الإمام (ع): (اِمْضِ إِلَى مَنْزِلِكَ، إِلَى غَدٍ فَرَجٌ، فَمَا يَكُونُ إِلاَّ خَيْراً)؛ وهنا يطمئنه الإمام ويقول له: لا تخف ولا تحزن.

تقول الرواية: ( فَلَمَّا كَانَ مِنَ اَلْغَدِ وَافَى بُكْرَةً يُرْعَدُ، فَقَالَ: قَدْ جَاءَ اَلرَّسُولُ يَلْتَمِسُ اَلْفَصَّ. قَالَ: اِمْضِ إِلَيْهِ فَمَا تَرَى إِلاَّ خَيْراً.  مَا أَقُولُ لَهُ، يَا سَيِّدِي قَالَ: فَتَبَسَّمَ، وَقَالَ: اِمْضِ إِلَيْهِ وَاِسْمَعْ مَا يُخْبِرُكَ بِهِ، فَلَنْ يَكُونَ إِلاَّ خَيْرٌ. قَالَ: فَمَضَى وَعَادَ يَضْحَكُ. قَالَ: قَالَ لِي، يَا سَيِّدِي: اَلْجَوَارِي اِخْتَصَمُوا، فَيُمْكِنُكَ أَنْ تَجْعَلَهُ فَصَّيْنِ حَتَّى نُغْنِيَكَ. فَقَالَ سَيِّدُنَا اَلْإِمَامُ: اَللَّهُمَّ لَكَ اَلْحَمْدُ إِذْ جَعَلْتَنَا مِمَّنْ يَحْمَدُكَ حَقّاً). وباطبع إن الإمام (ع) دعى له في غيبته، فأصبحت النتيجة هذه.

الإمام حي يرزق

الإمام والشهيد كالإمام الحي. فإذا ذهبت إلى الإمام الهادي أو العسكري (ع)، ولك عويصة ولك مشكلة لا تعلم لها حلا ولا منها مخرجا، قل: يا مولاي، هذه حاجتي وأنت شهيد حي مرزوق، فأسألك قضاء حاجتي. وماذا جرى لهذا الطاغية حتى لان قلبه وتغيرت إرادته؟ تذكرنا هذه القصة بقصة فرعون الذي كان يذبح الأبناء؛ ولكن عندما رأى موسى (ع) أصبح يحب هذا الرضيع. فلا تقل: حاجتي بيد الظالم أو الظالم هددني. وليقل ما يقل فإن رب العالمين ببركة أوليائه يلين قلوب الظالمين لك.

علم الإمام الهادي (عليه السلام) بحال شيعته

هناك رواية أخرى في هذا المجال تبين كرامة أئمة أهل البيت (ع). يقول أبو هاشم وهو من خيار أصحاب الإمام الهادي (ع): (أَصَابَتْنِي ضِيقَةٌ شَدِيدَةٌ فَصِرْتُ إِلَى أَبِي اَلْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَأَذِنَ لِي فَلَمَّا جَلَسْتُ قَالَ يَا بَا هَاشِمٍ أَيُّ نِعَمِ اَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكَ تُرِيدُ أَنْ تُؤَدِّيَ شُكْرَهَا قَالَ أَبُو هَاشِمٍ فَوَجَمْتُ وَلَمْ أَدْرِ مَا أَقُولُ لَهُ)[٤]؛ يعني شغلتك مصيبتك ولكن هناك نعم من الله عليك متى تؤدي شكرها؟ بتعبير علماء النفس: انظر إلى النصف الملآن لا الفارغ.

فقال له الإمام الهادي (ع): (رَزَقَكَ اَلْإِيمَانَ فَحَرَّمَ بِهِ بَدَنَكَ عَلَى اَلنَّارِ، وَرَزَقَكَ اَلْعَافِيَةَ فَأَعَانَكَ عَلَى اَلطَّاعَةِ وَرَزَقَكَ اَلْقُنُوعَ فَصَانَكَ عَنِ اَلتَّبَذُّلِ)[٥]؛ فأنت إنسان سالم، وهذه السلامة هي نعمة وأنت إنسان قانع لا تحتاج إلى أن تريق ماء وجهك أمام الآخرين. ثم قال له: (يَا بَا هَاشِمٍ إِنَّمَا اِبْتَدَأْتُكَ بِهَذَا لِأَنِّي ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَشْكُوَ إِلَيَّ مَنْ فَعَلَ بِكَ هَذَا وَقَدْ أَمَرْتُ لَكَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَخُذْهَا)؛ أي أنني علمت ما في قلبك قبل أن تقول شيئا، ولإنني بادرت ببيان ما في فؤادك. ويبدو من سياق الرواية أن أبا هاشم يخاف من أحد، ولهذا الإمام يقول له: ظننت أنك تريد أن تشكو إلي من فعل بك هذا.  ثم الإمام (ع) أمر له بعطاء وما أرجعه خائباً.

الإمام هو يد الله الباسطة وعينه الناظرة

والدرس العملي من هذه الرويات أولاً: إن أئمتنا (ع) هم مظاهر قدرة الله عز وجل، وأمير المؤمنين (ع) هو يد الله الباسطة، وعينه الناظرة وكل أولاده الكرام هم كذلك. فإذا ذهبت إلى زيارتهم؛ توقع منهم كل خير، واذكر الحاجة وانصرف وهم يتولون قضاء حاجتك ولكن في وقتها وبشروطها. لا تستعجل، فلعل الذي ابطأ عنك هو خير لك. وقد لا يعطيك الإمام (ع) ما تريد، ويعطيك ما هو خير لك مما طلبت منه.

[١] سورة النمل: ٤٠.
[٢] سورة يوسف ٤٧.
[٣] الأمالي (للطوسی)  ج١ ص٢٨٨.
[٤] من لا یحضره الفقیه  ج٤ ص٤٠١.
[٥] الأمالی (للصدوق)   ج١ ص٤١٢.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن أئمتنا (ع) هم مظاهر قدرة الله عز وجل، وأمير المؤمنين (ع) هو يد الله الباسطة، وعينه الناظرة وكل أولاده الكرام هم كذلك. فإذا ذهبت إلى زيارتهم؛ توقع منهم كل خير، واذكر الحاجة وانصرف وهم يتولون قضاء حاجتك ولكن في وقتها وبشروطها. لا تستعجل، فلعل الذي ابطأ عنك هو خير لك.
  • إن المؤمن عندما يتشرف بزيارة العسكريين (ع) فإنما تكون زيارته تلك عوض عن لقاء إمام زمانه. إن لكل الأئمة مراقد نزورهم فيها إلا الإمام الثاني عشر، فأين نجده وأين نزوره؟ إن أقرب البقاع إليه (ع) منزل أبيه الإمام الهادي والإمام العسكري (ع) اللذين دفنا في منزلهما.
Layer-5.png