Search
Close this search box.
  • في رحاب الإمام الحسن العسكري (ع)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

في رحاب الإمام الحسن العسكري (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

الأئمة (عليهم السلام) ومرارة الحبس

من الأئمة (ع) ثلاثة قد حبسوا ولاقوا مرارة الحبس. وهم الإمام موسى بن جعفر (ع) والعسكريان (ع). ولكن هناك فرق في كيفية حبسهم؛ فحبس إمامنا موسى بن جعفر (ع) كان حبساً ممتداً واضحاً، ولكن الإمامين العسكريين قد حبسا وضيق عليهما بجعلهما تحت المراقبة، وتحت الإقامة الجبرية. وكما نقرأ في زيارة إمامنا موسى بن جعفر (ع): (وَاَلْمُعَذَّبِ فِي قَعْرِ اَلسُّجُونِ، وَظُلَمِ اَلْمَطَامِيرِ)[١]، كذلك نقرأ في زيارة الإمام العسكري (ع) ما فيه إشارة إلى هذا المعنى؛ أي الإمام الممتحن، والمبتلى بالبلية العظمى.

حرمان الأمة من الأئمة (عليهم السلام) لإنكارهم الغدير

ولكنه الله عز وجل يظهر عظمة الإمام في كل الأحوال؛ طليقاً كان أو حبيساً. ولو تأملنا في ما تعرض له الإمامين العاشر والحادي عشر؛ لرأينا كم هذه البلية وهذه المحنة كانت عظيمة؟ فكم يفصلهما عن أمير المؤمنين (ع)؟ إن ما وقع عليهما وحرمان الأمة منهما كان من أجل أن الأمة خالفت نص الغدير. متى كانت حادثة الغدير، ومتى كان وفاة الإمام العسكري؟ لقد يقتل دون الثلاثين من عمره في عنفوان شبابه. ولو أن الإمام عاش لعاش ضعف هذا العمر كعمر أجداده؛ ولكنه بتر عمره واستشهد في منتصف الطريق. وكان في الحبس فيما تبقى من عمره الشريف.

فكيف استفادت الأمة منه؟ إن الإمام الذي لو طويت له الوسادة؛ بث في الأمة من العلوم كالصادقين (ع)، ولو كان العسكريان (ع) في المدينة لانتشر منهما العلم كما انتشر من قبل آبائه الطاهرين؛ ولكنهما حبسا وأقصيا وجعلا تحت الإقامة الجبرية.

تنبأ الإمام العسكري (عليه السلام) بقتل المهتدي العباسي

كان الإمام (ع) محبوساً في حبس المهتدي من الخلفاء العباسيين، وكان معه في الحبس أبو هاشم الجعفري، وقد كان من خيار الموالين. إن هذا الحبس هو جنة له. إنه يصبح ويمسي وهو ينظر إلى إمام زمانه، وكم صلى خلفه، وكم استفاد من علمه؟

يبدوا أن في ليلة من الليالي أراد هذا الطاغية أن يقوم بجريمة ما، ولعل هذه الجريمة كانت قتل الإمام (ع). إن الإمام في الحبس وتحت سيطرته وفي يده؛ فيكفي أن يأمر الجلاد في ساعة سكر بقتل الإمام العسكري (ع). فقال الإمام لأبي هاشم وقد أشار
إلى نية المهتدي: (وَقَدْ بَتَرَ الله عُمُرَهُ وَجَعَلَهُ اَللَّهُ لِلْقَائِمِ مِنْ بَعْدِهِ)[٢]؛ أي للخليفة من بعده. يقول أبوهاشم: (فَلَمَّا أَصْبَحْنَا شَغَبَ اَلْأَتْرَاكُ عَلَى اَلْمُهْتَدِي فَقَتَلُوهُ وَوُلِّيَ اَلْمُعْتَمَدُ مَكَانَهُ وَسَلَّمَنَا الله)[٣].

ساعة الصفر الإلهية..!

وهنا لابد من وقفة تأملية؛ فليس المراد أن نذكر التاريخ فقط. إن الله سبحانه قد أمهله هذه المدة ولم ينتقم منه؛ ولكن في ليلة من الليالي بتر عمره. وفي هذا درس لي ولك. بالطبع إننا لسنا كالمهتدي؛ فأين هؤلاء وأين نحن الموالون؟ ولكن احتمل لزلة ما أو لخطأ ما أو لظلم ما يحلل عليك غضبه وسخطه. فإذا رأيت النعم الإلهية تتوالى عليك وأنت تعصيه فاحذره؛ فقد يقلب عاليها سافلها في ليلة، فلا تأمن مكر الله.

التحول من شر خلق الله إلى خير خلق الله

كان والد إمام زماننا (عج) الإمام تحت وصاية رجل اسمه صالح بن وصيف، وهو السجان الذي كان الإمام في حبسه. تقول الرواية: (دَخَلَ اَلْعَبَّاسِيُّونَ عَلَى صَالِحِ بْنِ وَصِيفٍ عِنْدَ مَا حُبِسَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالُوا لَهُ ضَيِّقْ عَلَيْهِ وَلاَ تُوَسِّعْ فَقَالَ لَهُمْ صَالِحٌ مَا أَصْنَعُ بِهِ قَدْ وَكَّلْتُ بِهِ رَجُلَيْنِ شَرَّ مَنْ قَدَرْتُ عَلَيْهِ فَقَدْ صَارَا مِنَ اَلْعِبَادَةِ وَاَلصَّلاَةِ وَاَلصِّيَامِ إِلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ)[٤]؛ لقد جلس شر خلق الله بجواره فانقلب إلى خير خلق الله عبادة. وقد اتفق أن وقع ما يشابه هذه الواقعة لإمامنا موسى بن جعفر (ع) عندما بعث له تلك المرأة فأصبحت عابدة ساجدة.

التربية الصامتة

ما هو الدرس العملي؟ أخذنا الدرس الأول، نأخذ الآن الدرس الثاني. إن المؤمن الصالح – بالطبع إن الإمام فى أعلى الهرم – أيضا له قدرة على التأثير ليس في الكلام فحسب؛ بل إن وجوده لطف، ومبارك. ولهذا لا يحتاج الأب الصالح إلى أن يرفع صوته في المنزل كثيرا، ولا يحتاج إلى الغلظة والقسوة. إن الإنسان الصالح مؤثر في بيئة عمله، ويربي أولاده بنظرته، ويجعل الله له وداً في القلوب أينما يمشي، ومثله كمثل المسيح: (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ)[٥].

[١] مصباح الزائر  ج١ ص٣٨١.
[٢] الغيبة (للطوسی)  ج١ ص٢٢٣.
[٣] الخرائج و الجرائح  ج١ ص٤٣١.
[٤] الإرشاد  ج٢ ص٣٣٤.
[٥] سورة مريم: ٣١.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • لو تأملنا فيما تعرض له الإمامين العاشر والحادي عشر؛ لرأينا كم هذه البلية وهذه المحنة كانت عظيمة؟ فكم يفصلهما عن أمير المؤمنين (ع)؟ إن ما وقع عليهما وحرمان الأمة منهما كان من أجل أن الأمة خالفت نص الغدير. متى كانت حادثة الغدير، ومتى كان وفاة الإمام العسكري؟ لقد يقتل دون الثلاثين من عمره في عنفوان شبابه. ولو أن الإمام عاش لعاش ضعف هذا العمر كعمر أجداده؛ ولكنه بتر عمره واستشهد في منتصف الطريق. وكان في الحبس فيما تبقى من عمره الشريف.
Layer-5.png