Search
Close this search box.
  • عوامل الاستقامة في السير إلى الله
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

عوامل الاستقامة في السير إلى الله

بسم الله الرحمن الرحيم

عوامل الاستقامة في سيرنا إلى الله عز وجل

ما هي عوامل الاستقامة في سيرنا إلى الله عز وجل؟ يقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ)[١] وهناك الكثير من الآيات التي يمكن التعرف من خلالها على كيفية الوصول إلى الاستقامة المرجوة. وأسماء بعض هذه السور غريبة حيث تعرف بمشيبات النبي (ص)؛ فالذي عنده علم بكتب التفسير وعلوم القرآن يعلم بوجود سور تسمى بالمشيبات، منها سورة هود والواقعة والنبأ، وفي كل سورة موجب من موجبات شيب النبي (ص). وَ رَوَى أحد أصحاب النبي (ص) أنه قال للنبي (ص): (يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَسْرَعَ إِلَيْكَ اَلشَّيْبُ؟ قَالَ: شَيَّبَتْنِي هُودُ)[٢]. ولكن قد نعلم أن علة مشيب النبي (ص) من سورة الواقعة والنبأ يعود إلى ذكر شيء من العذاب فيهما ولكن ما هو السر في سورة هود؟

الآية التي شيبت النبي (صلى الله عليه وآله)

إن في سورة هود آية ينبغي أن تشيبنا أو تقلقنا على أقل التقادير. وهو قوله سبحانه: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ)[٣]؛ وهي بحق من الآيات المخيفة في القرآن الكريم وهي تدعو للاستقامة. والاستقامة تكون في حقول شتى منها؛ الاستقامة في ميدان القتال. فعندما يقتحم الجيش أرضا بدولة أو يستولي على قرية يقال لهم: لا تفرحوا كثيرا حتى نرى إلى متى يستطيعون الاستقامة أو بالمصطلح العسكري؛ يستطيعون تثبيت المواقع المسيطر عليها. ولذلك يقولون: إن تثبيت الموقع أهم من احتلال الموقع.

الاستقامة في الحياة الزوجية

أفهل من الصعب على الإنسان الاستقامة في شهر العسل وهو يستمع إلى لطيف الكلام ويستأنس بتلك الساعات؟ إنما الاستقامة الحقيقة هي بعد مرور عشرين سنة من الحياة الزوجية وصدور المزعجات من الزوجة والأولاد؛ فهناك تتبين جدارة المرء في الحفاظ على العش الزوجي رغم تلك المنغصات؟ وقد يسير الرجل في مضمار السباق أو عند الصعود إلى الجبل مستقيما مطمئنا ولكن لا يكفي ذلك وإنما ينبغي أن يحافظ على الاستقامة حتى النهايات.

كيف نستقيم في الطريق إلى الله عزوجل؟

نحاول في هذا البحث أن نأتي على أهم العناوين. فبحثنا هذا هو بحث استراتيجي ومفصلي أو مفتاحي ما شئت فعبر. إنما تكمن مشكلتنا الحقيقية في ذبذبة القلوب. فقد تذهب للحج وبين يوم العرفة وبين اليوم الذي تكون فيه قد وصلت إلى وطنك أربعة أيام أحيانا. فيوم العاشر هو يوم العيد ثم بعدها بيومين قد يصل البعض إلى أوطانهم أي: في الثالث عشر من الشهر. ثم يتذكر ما كان عليه في يوم عرفة ويرى نفسه في ذلك اليوم قد أصبح بعيدا عن ذلك الحال بعد المشرقين وهذه الذبذبة هي التي تزعج الإنسان وتؤذيه.

الحفاظ على المكتسبات الروحية

قد نجد من حولنا أفرادا لا يهتمون بتجارتهم وسيان عندهم الربح والخسارة وهم قلة بالطبع فقلما نجد في التجار أمثال ذلك؛ وإنما يحاسب التاجر الموظف أو العامل على الدرهم والدريهم ولا نجد تاجرا لا يفرح إن قيل له: ربحت أو لا يحزن إن قيل له: خسرت إلا أن يكون غير رشيد ولا عقل له. فإذا كان الإنسان حرص على تجارته المادية فالأولى به أن يكون حريصا على تجارته في عالم الأرواح. فهو يتألم ويبحث عن الأسباب إن رأى تراجعا في مكتسباته الروحية في شهر شوال بعدما صام شهرا كاملا في شهر رمضان قام لياليه.

ولكن كيف نحافظ على مكاسبنا في شهر رمضان وفي الحج والعمرة وأيام إقامة عزاء الحسين (ع) وفي الأربعين أو في زيارة المشاهد المشرفة بصورة عامة؟ إن الإجابة عن هذا السؤال المهم يحتاج إلى عدة خطب لا خطبة وخطبتين. ولكن سنجيب عنه بصورة إجمالية. إن أول ما ينبغي الاهتمام به هو تحديد الهدف. فالذي يسير سيرا عشوائيا لا يصل إلى بغيته ولا يحقق هدفه. وتارة يمشي لمجرد المشي وتارة يكون سيره وجريه في ميدان السباق ما يسمى بالعدو، ففي هذه الحالة يكون له هدف يبذل جهدا لتحقيقه. وتارة يتسلق الإنسان هضبة أو تلة صغيرة بلا هدف لمجرد شم الهواء وهو يختلف عمن يريد أن يصل إلى قمة الجبل.

لكن ما هو الهدف الذي ينبغي لنا تحقيقه؟

إن الهدف واضح وهو قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[٤]. إنما الدنيا دار ممر أو كشجرة جلست تحت ظلها ساعة. لقد كنت في العمرة ذات يوم وقلت لمن معي من المؤمنين كلمة يذكرونني بها حتى الآن. لقد قلت لهم: لو رأينا أحد من معنا من المعتمرين متوجها إلى السوق وسألناه: هل أكملت الطواف والسعي؟ ثم قال لنا: لا، لم أفعل. وقلنا له: إذا لماذا أنت ذاهب إلى السوق؟ فقال لنا: أذهب لشراء سطل من الصبغ لكي أصبغ الغرفة التي أنا فيها. ماذا سيكون جواب من معه؟

ألا يقال له: هل فقدت عقلك لتنشغل بصبغ الغرفة عن الطواف والسعي وقد جئت للعمرة ليوم أو يومين؟ إن حال البعض في هذه الدنيا كهذا المعتمر الذي شغله الصبغ فإذا انتهى وقته؛ يرجع من دون طواف وسعي ومن دون إكمال عمرته. هذا وقد روي عن أهل البيت (ع): (فَخُذُوا مِنْ مَمَرِّكُمْ لِمَقَرِّكُمْ)[٥].

أهمية النية في حياة المؤمنين

فينبغي للمؤمن أن يكون فطنا؛ يربط كل فعل يقوم به بالباقي ولا تحتاج القضية إلى أكثر من نية. فقد تنام الليل غافلا أو واعيا وفي الحالتين تأخذ من النوم بغيتك ولكن يحتاج الأمر إلى وضوء حتى لا تكون من الغافلين. وينام الواعي ليتقوى على قيام الليل وعبادة النهار والغافل ينام بلا هدف. وكذلك الأمر في العمل والدوام؛ فنحن نداوم في اليوم ثماني ساعات هذا إن لم نسرق منها؛ فلنجعلها لله سبحانه فنقول يا رب: إنني أعمل كي أؤمن لعيالي ما يحتاجون إليه وكذلك اربط كل شيء بالهدف حتى الغداء والعشاء. فلا تكلفك النية شيئا. فلو صليت بين الركن والمقام وتوضأت بماء زمزم وما نويت الصلاة قربة إلى ربك كانت صلاتك باطلة. إن النية مسألة قلبية وليس أحد ملزم بتلفظها ولكنها هي روح العمل.

فاجعل كل حركة وسكنة قربة إلى الله عزوجل من وقت البلوغ إلى أن تموت. ويأتينا بعض المؤمنين ويقول: إنني أخاف أن أنسى ذلك. والحال أن بإمكانه أن يقول: أنا منذ اليوم نويت هذه النية وليقل: يا رب إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لك. ولا بأس في أن يجدد النية احتياطا. فإذا كنت في مسجد الشجرة ونويت للحج فلا بأس إن جددت النية في المواقف كلها؛ فترمي بنية وتسعى بنية وتقف في عرفة بنية.

[١] سورة الانشقاق: ٦.
[٢] تفسير نور الثقلين  ج٥ ص٥١٣.
[٣] سورة هود: ١١٢.
[٤] سورة الذاريات: ٥٦.
[٥] نهج البلاغة  ج١ ص٣٢٠.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • أفهل من الصعب على الإنسان الاستقامة في شهر العسل وهو يستمع إلى لطيف الكلام ويستأنس بتلك الساعات؟ إنما الاستقامة الحقيقة هي بعد مرور عشرين سنة من الحياة الزوجية وصدور المزعجات من الزوجة والأولاد؛ فهناك تتبين جدارة المرء في الحفاظ على العش الزوجي رغم تلك المنغصات…!
  • ينبغي للمؤمن أن يكون فطنا؛ يربط كل فعل يقوم به بالباقي ولا تحتاج القضية إلى أكثر من نية. فقد تنام الليل غافلا أو واعيا وفي الحالتين تأخذ من النوم بغيتك ولكن يحتاج الأمر إلى وضوء حتى لا تكون من الغافلين. وينام الواعي ليتقوى على قيام الليل وعبادة النهار والغافل ينام بلا هدف.
Layer-5.png