- ThePlus Audio
علاقة السيدة الزهراء (ع) بأبيها المصطفى (ص)
بسم الله الرحمن الرحيم
علاقة الزهراء (س) بأبيها (ص)؛ العلاقة المتميزة التي لا نظير لها في التاريخ
إن علاقة الزهراء (ع) بأبيها رسول الله (ص) هو علاقة لا نتعقلها نحن، لأن هذه العلاقة تمثل القمة في علاقة الوالد بولده منذ أن خلق الله آدم إلى يوم القيامة. إنها العلاقة المثالية الأولى بين الأب والبنت. وعلاقتها بزوجها (ع) هي العلاقة النموذجية الأولى بين الزوج والزوجة. وهاتان العائلتان لا نظير لهم في التاريخ.
هناك الكثير من الروايات التي تبين هذه العلاقة الوطيدة بين النبي (ص) وبنته (ع) التي هي روحه التي بين جنبيه، وهي بضعة منه، وهي حبيبة أبيها. ولابد أن نقرر هنا؛ أن ما قاله النبي (ص) في شأنها لم يكن من منطلق الأبوة وإلا فإن كل بنت هي بضعة من أبيها؛ حتى وإن لم تكن العلاقة بينهما علاقة مميزة. من الطبيعي أن يكون الولد جزءا من الإنسان. وإنما أراد النبي (ص) أن يوصل معنى آخر، ويؤكد على حقيقة أخرى. وكذلك الأمر في قوله: حسين مني؛ لا بمعنى الحفيدية، إذ كل حفيد هو من الإنسان، وإنما هذا وحي من الله عز وجل.
عظمة الزهراء (سلام الله عليها) في يوم المحشر
وعبارة: (هِيَ رُوحِي اَلَّتِي بَيْنَ جَنْبِي)[١]، عبارة لا تقال لابنة عادية. وهذه العلاقة المميزة بين الأب والبنت تتجلى يوم القيامة بأبهى صورة. وبصورة عامة إن ساحة القيامة هي من الساحات التي تتبين فيها عظمة أئمة أهل البيت (ع). عندما تريد فاطمة (س) أن تجتاز فيقال لأهل المحشر: (غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ)[٢]؛ فغير المحارم لا يحق لهم النظر إلى فاطمة (ع). ومن هنا يحب بعض المؤمنين في دار الدنيا مصاهرة ذرية رسول الله (ص) عسى أن يحظى بنظرة إلى فاطمة (س) بعد أن تتكون علاقة المصاهرة. وذلك ممكن، فالزهراء (ع) من الممكن أن تطل بنظرتها الكريمة على ذريتها وأصهار ذريتها في موقف القيامة.
حوار بين الزهراء (سلام الله عليها) وبين أبيها (صلى الله عليه وآله)
ينقل الشيخ الصدوق رحمه الله حوارية في أماليه بين الزهراء (ع) وبين رسول الله (ص). تقول الرواية: (قَالَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ لِرَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ يَا أَبَتَاهْ أَيْنَ أَلْقَاكَ يَوْمَ اَلْمَوْقِفِ اَلْأَعْظَمِ وَيَوْمَ اَلْأَهْوَالِ وَيَوْمَ اَلْفَزَعِ اَلْأَكْبَرِ)[٣]؛ وهنا تشير الزهراء (ع) إلى موقف من مواقف القيامة. إن القرآن يبين لنا في دار الدنيا أن أعظم علاقة بين إنسانين هي علاقة الأم بولدها، وأعظم ما تكون هذه العلاقة عندما يكون الولد رضيعاً حيث تخ علاقة الأم بولدها قليلا عندما يكبر. فقد رأيتم كيف تجعل الأم رضيعها في حضنها؟ ولكن القرآن يقول عن ذلك الموقف: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى)[٤].
وفي هذا الموقف الرهيب تقول الزهراء (ع) للنبي (ص): أين ألقاك؟ فقال: (يَا فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلاَمُ عِنْدَ بَابِ اَلْجَنَّةِ وَمَعِي لِوَاءُ اَلْحَمْدِ وَأَنَا اَلشَّفِيعُ لِأُمَّتِي إِلَى رَبِّي قَالَتْ يَا أَبَتَاهْ فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ هُنَاكَ قَالَ اِلْقَيْنِي عَلَى اَلْحَوْضِ وَأَنَا أَسْقِي أُمَّتِي)[٥]. ولا تنافي هذه الرواية تلك الرواية المعروفة عن أمير المؤمنين (ع) أنه هو على حوض الكوثر. فما المانع أن يكون النبي (ص) هو الآمر وأمير المؤمنين (ع) هو الممتثل والساقي؟ إن رب العالمين هو الذي يجعل الناس في الجنة والنار، ولكن ذلك يجري على يد علي (ع)، وذلك من ألقابه (ع) أنه قسيم الجنة والنار.
وكأن الزهراء (س) تريد أن تستدرج أباها لتعلم مواطن تواجد النبي الأكرم، فقال له: (قَالَتْ يَا أَبَتَاهْ إِنْ لَمْ أَلْقَكَ هُنَاكَ قَالَ اِلْقَيْنِي عَلَى اَلصِّرَاطِ وَأَنَا قَائِمٌ أَقُولُ رَبِّ سَلِّمْ أُمَّتِي قَالَتْ فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ هُنَاكَ قَالَ اِلْقَيْنِي وَأَنَا عِنْدَ اَلْمِيزَانِ أَقُولُ رَبِّ سَلِّمْ أُمَّتِي)[٦]. عندما توضع موازين القسط يؤخذ حتى أرش الخدش. فإذا مررت بدابتك فخدشت بها دابة الغير؛ أي سيارة الغير، ففي موقف القيامة يؤخذ منك حتى أرش هذا الخدش، وغرامة الخدشة هذه. ولعل صاحب الدابة يقول: لا أرضى حتى تعطيني كذا من حسناتك؛ فالموقف رهيب ومخيف.
وأخيرا قالت: (فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ هُنَاكَ)؟ لا عند الجنة ولا عند الميزان ولا عند الصراط؟ فلك يا رسول الله موقف آخر؟ قال: (اِلْقَيْنِي عَلَى [عِنْدَ] شَفِيرِ جَهَنَّمَ أَمْنَعُ شَرَرَهَا وَلَهَبَهَا عَنْ أُمَّتِي فَاسْتَبْشَرَتْ فَاطِمَةُ بِذَاكَ).
الاتكال على الشفاعة
قد يرتكب البعض من المحبين الخطايا اتكالا على الشفاعة، ونقول لهذا الصنف: نحن لا نعلم ما هي الموازين ومتى تشملك الشفاعة؟ ألم يقل الصادق (ع): (إِنَّ شَفَاعَتَنَا لاَ تَنَالُ مُسْتَخِفّاً بِالصَّلاَةِ)[٧]؟ إن الشفاعة أم مسلم ولكن لمن؟ وكيف؟ إن العاقل يعمل ما بوسعه؛ فإن زلت به قدم تشمله الشفاعة فتنقذه.
ادخر شفاعتك للمقامات العليا
ختامه مسك؛ ادخروا الشفاعة للمقامات. هناك فرق كبير بين أن يستنقذ النبي (ص) إنساناً من نار جهنم ويدخله الجنة – وهذا عظيم – وبين إنسان يقف على باب الجنة، وهو من أهل الجنة بعمله ولكنه في أدنى درجة منها، فيرى رسول الله (ص) فيقول له: يا نبي الرحمة، أقسم عليك بحق حبيبتك فاطمة (س) أن تجعلني في درجتك في الجنة. لو قبل النبي (ص) هذه الشفاعة؛ لأصبحت في جوار النبي (ص) أبد الآبدين.
خلاصة المحاضرة
- ادخروا الشفاعة للمقامات. هناك فرق بين أن يستنقذ النبي (ص) إنساناً من نار جهنم ويدخله الجنة، وبين إنسان يقف على باب الجنة، وهو من أهل الجنة بعمله ولكنه في أدنى درجة منها، فيرى رسول الله (ص) فيقول له: يا نبي الرحمة، أقسم عليك بحق حبيبتك فاطمة (س) أن تجعلني في درجتك في الجنة.
- قد يرتكب البعض من المحبين الخطايا اتكالا على الشفاعة، ونقول لهذا الصنف: نحن لا نعلم ما هي الموازين ومتى تشملك الشفاعة؟ ألم يقل الصادق (ع): (إِنَّ شَفَاعَتَنَا لاَ تَنَالُ مُسْتَخِفّاً بِالصَّلاَةِ)(ثواب الأعمال و عقاب الأعمال ج١ ص٢٢٨.)؟ إن العاقل يعمل ما بوسعه؛ فإن زلت به قدم تشمله الشفاعة فتنقذه.