- ThePlus Audio
طلب العباد وجوائز الرحمن في المبعث النبوي الشريف
بسم الله الرحمن الرحيم
المبعث النبوي الشريف
من المحطات التي تنفتح فيها أبواب السماء، هي: مبعث النبي الأعظم (ص). إنه أعظم حدث على وجه الأرض. هناك أربعة أحداث مهمة في تاريخ البشرية. الحدث الأول: استخلاف آدم (ع) في الأرض. ولولا آدم لما كنا، وهذا تفضل إلهي أن جعل في الأرض خليفة. الحدث الثاني: بعثة النبي الأكرم؛ فلولا بعثة النبي (ص) لما وصلنا إلى خاتم الأديان السماوية، وكما قال سبحانه: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)[١]، والثالث: حادثة الغدير؛ فلولا الغدير لما تأسس خط الإمامة. تخيل أن النبي (ص) يذهب من هذه الدنيا من دون أن يوصي بشيء ولو لم يفعل لما تشرفنا بمعرفة الأئمة الاثني عشر. والحدث الرابع: ما جرى في أرض كربلاء مما حفظ الله الدين به وأبقاه، وهو قول النبي (ص): (أَنَا مِنْ حُسَيْنٍ وَحُسَيْنٌ مِنِّي)[٢].
فالبعثة النبوية في هذا السياق. ولهذا المؤمن في هذه المناسبة يحاول أن يبعث نفسه من جديد؛ بمعنى أن يطلب من الله عز وجل تحولاً في حياته. إن النبي (ص) انتقل في المبعث إلى عالم آخر عندما نزل عليه الوحي وبُعث للعالمين نبياً. فقل أنت في المبعث: يا رب، أرني شيئا جديداً في حياتي من تغيير يُعتد به في سلوكك، كأن تكون كثير الغضب فتصبح حليماً دفعة واحدة. سل الله عز وجل أن يبعثك هذا المقام المحمود كما نقل نبيه (ص) هذه النقلة النوعية. فإن كنت تميل إلى الشهوات وإلى النساء فسوف ترى في عشية وضحاها في قلبك إعراضاً. إن الذي يبتلى بمرض في معدته لا يشتهي الطعام أبداً، وإذا أصيب بنزيف داخلي يزهد في كل مأكول. وهذا مثال على أن أحدنا من الممكن في حركة سريعة أن يتغير. إن مثل الذي خرج من جاذبية الهوى والغضب كهذه الأفلاك الطائرة.
ماذا نريد من الله عز وجل في مناسبة المبعث؟
أولا: هناك عبارة في الدعاء الذي يُقرأ في هذه المناسبة، وهو: (اَللَّهُمَّ إِنِّي أَجِدُ سُبُلَ اَلْمَطَالِبِ إِلَيْكَ مُشْرَعَةً وَ مَنَاهِلَ اَلرَّجَاءِ لَدَيْكَ مُتْرَعَةً وَ أَبْوَابَ اَلدُّعَاءِ لِمَنْ دَعَاكَ مُفَتَّحَةً وَ اَلاِسْتِعَانَةَ لِمَنِ اِسْتَعَانَ بِكَ مُبَاحَةً)[٣]؛ إن كل هذه الفقرات من الدعاء هي في جو واحد وتدور في فلك واحد. ماذا تريد أن تقول هذه الجمل؟ إنها تريد أن تقول: إن هذه الأيام وليالي المناسبات هي أيام وليال يتنعم فيها الجميع. إنك قد تدخل على السلطان وتقدم الطلب تارة حينما يكون القصر الملكي مغلقا؛ فلو صِحت إلى الصباح لا تدري؛ هل يستجاب لك أم لا؟ ولكن عندما يقول الملك: إن اليوم هو عيدنا، ومن يأتي إلينا نعطيه في هذه المناسبة. فلو جاء السائل وطُرد، يقول: ما هكذا الظن بك. ولو سأل السائل ربه في مناسبة كمناسبة المبعث لأعطاه الله سبحانه؛ لأن هذه المناسبة هي أحد الأيام الأربعة التي خُصت بالصيام؛ أي فيها خصوصية ومناسبة. فالخطوة الأولى أن ترفع من مستوى طموحك وهمتك.
وأما الخطوة الثانية: ماذا نعمل حتى نصل ونأخذ ونتنعم بجوائز السلطان؟ يقول الدعاء: (وقَدْ نَاجَاكَ بِعَزْمٍ الِإِرَادَةِ قَلْبِي)[٤]؛ فأن تقرأ دعاء طويلاً وأنت في حال سهو ولهو أين؟ وأن تناجي رب العالمين بقلبك أين؟ ولهذا إمامنا زين العابدين (ع) في مناجاته يقول: (إِلَهِي إِنْ كَانَ اَلنَّدَمُ عَلَى اَلذَّنْبِ تَوْبَةٌ فَإِنِّي وَعِزَّتِكَ مِنَ اَلنَّادِمِينَ)[٥]؛ فقد ترتكب حراما فتجري عبرتك خجلاً، وتقول مرة واحدة: استغفر الله فيغفر الله ذنبك وهو خير لك من أن تأخذ سبحة بألف حبة وأنت تقول: استغفر الله لاهيا ساهيا. إن قلبي هو الذي يناجيك يارب؛ فإن طاوعني لساني فبخ وإن لم يطاوع فقد عملت بالأصل؟
ماذا تريد؟
وينبغي أن نلتفت إلى أننا في كل حوائجنا لا بد وأن نضع على رأس تلكم الحوائج قبل الدعاء، وبعد الدعاء: الصلاة على النبي وآله (ع)، وتضيف إليها وعجل فرجهم؛ فهذه هي الغاية القصوى. وثانيا: أن تطلب خير الدنيا والآخرة؛ فهل يبقى شيء بعد هذا؟
كيف نصل لهاتين الحاجتين؟ يقول الدعاء: (أَسْأَلُكَ بِكُلِّ دَعْوَةٍ دَعَاكَ بِهَا رَاجٍ بَلَّغْتَهُ أَمَلَهُ)[٦]؛ أي: يا رب، أنا لا كيف يدعوك عبادك الصالحون، وماذا يطلبون؛ ولكني أعلم أنهم قد وصلوا إليك وأنا أدعوك بدعائهم. ثم يقول: (أَوْ صَارِخٌ إِلَيْكَ أَغَثْتَ صَرْخَتَهُ). ولا أدري من الصارخ وماذا يريد؟ ولكنني إجمالاً أسألك بدعاء الصارخين. ثم يقول: (أَوْ مَلْهُوفٌ مَكْرُوبٌ فَرَّجْتَ عَنْ قَلْبِه)؛ فإني أسألك بدعاء هذا الملهوف الذي لا أعرفه. ويقول: (أَوْ مُذْنِبٌ خَاطِئٌ غَفَرْتَ لَهُ أَوْ مُعَافًى أَتْمَمْتَ نِعْمَتَكَ عَلَيْهِ). إلى أن تقول: (وَ لِتِلْكَ اَلدَّعْوَةِ عَلَيْكَ حَقٌّ وَ عِنْدَكَ مَنْزِلَةٌ)؛ أي يا رب، أنا لا أعلم كيف أدعوك وبما أدعوك؛ ولكن عندك إجابة للملهوفين والمضطرين والراغبين؛ فيا رب، كما أجبت لهم استجب لي، وبما سألوك أسألك.
خلاصة المحاضرة
- إن النبي (ص) انتقل في المبعث إلى عالم آخر عندما نزل عليه الوحي وبُعث للعالمين نبياً. فقل أنت في المبعث: يا رب، أرني شيئا جديداً في حياتي من تغيير يُعتد به في سلوكك، كأن تكون كثير الغضب فتصبح حليماً دفعة واحدة. سل الله عز وجل أن يبعثك هذا المقام المحمود.