Search
Close this search box.
  • ضرورة الحديث عن الموت والتهيئ له
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

ضرورة الحديث عن الموت والتهيئ له

بسم الله الرحمن الرحيم

اختلاف درجات الناس في الجنة

إن الحديث عن الموت والاستعداد له؛ كثيره قليل. إنه حديث عن حياة أبدية وبإمكان الإنسان أن يخلد في النعيم أو في العذاب أو يكون على الأعراف بينهما ينتظر الفرج. لقد رأيت في رواية؛ أن بعض أهل الجنة هم ضيوف على أهل الجنة؛ بمعنى أنه لا يملك داراً أو قصراً، فأعماله لم تكن كافية لدخول الجنة، ولكن كان له صديق مؤمن فأسكنه في قصره، فهو كالمستأجر في الحياة الدنيا. ولكن أين هذا من إنسان في الجنة يرى جمال المصطفى محمد (ص) وجمال آل النبي (ع) متى ما تمنى ذلك. وهذه كلها درجات.

اليوم عمل ولا حساب

وهذه القاعدة يعرفها الجميع: (فَإِنَّ اَلْيَوْمَ عَمَلٌ ولاَ حِسَابَ وَإِنَّ غَداً حِسَابٌ وَلاَ عَمَلَ)[١]. وقد روي عن النبي (ص) أنه قال: (فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ فَقَدْ قَامَتْ قِيَامَتُهُ)[٢]، وهو القائل: (إِذَا مَاتَ اِبْنُ آدَمَ اِنْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَصَدَقَةٍ جَارِيَةٍ)[٣].

لا تتشائم من حديث الموت

فلو أطلنا الحديث عن الموت وما بعد الموت؛ لا ينبغي أن يتشائم به أحد. فليس الكلام في التشائم، وإنما كلامنا في البرمجة والاستعداد. ومثاله في العساكر: أن قائد العسكر عندما يريد أن يهجم على مكان؛ يجمع الجنود ويقول: اصنعوا هكذا وافعلوا كذا، وهذا بالطبع ليس حديثاً زائداً وإنما هو تهيئة لهم. والمطلوب أن نحول هذا الكلام إلى قوة دافعة. إنكم رأيتم الشلالات في بعض البلدان. إن الشلال ينزل بقوة ويذهب هدراً ولكن في بعض البلدان يحولون هذه الطاقة المائية إلى طاقة كهربائية. فاجعل هذا الحديث بمثابة الشلال المحرك الذي يمدك بالطاقة.

لقد كان في حياة النبي (ص) من الصحابة من يستمع إلى ذكر الآخرة فيخر ميتا. وكذلك همام الذي طلب من أمير المؤمنين (ع) أن يصف له المتقين فكانت نفسه فيها. وبحسب الظاهر أنه مات أو أغمي عليه، فقال أمير المؤمنين (ع): (هَكَذَا تَصْنَعُ اَلْمَوَاعِظُ اَلْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا)[٤]؛ ولا نتوقع الآن الموت ولكن ليهزنا هذا الحديث من أعماقنا.

انتشل نفسك من هذا الواقع المرير

عندما تراجع كتب الأخلاق تجد عندهم مصطلح جميل؛ احفظ هذا المصطلح جيدا وإذا وصلت إلى هذه المرحلة؛ خر لله ساجداً شاكراً. وهذا المصطلح هو مرحلة اليقظة. فماذا يصنع النائم إذا استيقظ؟ بالطبع إنه يتحرك. ويذكر في بعض كتب الأخلاق: كن بمثابة إنسان كان نائما على مزبلة – أغمي عليه وسقط على مزبلة – وأفاق بعد ساعات وإذا به يشم الرائحة النتنة ويرى المناظر المقززة  ويشاهد من حوله الفيران والحشرات، فهرب من ذلك المكان سريعا. إنك إذا وصلت إلى هذه اليقظة ستمشي على عجل. وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ)[٥]؛ أي استيقظ من غفلتك؛ فإن استيقظت من غفلتك مشيت بقوة، وإلا فالنائم لو تكلمت معه إلى الصباح سوف لن ينتفع بهذا الحديث. فسل الله عزوجل أن يوقظك من نومة الغافلين. إن اليقظ لا يحتاج إلى واعظ؛ فهو يرى طريقه ويمشي فيه.

هناك مقولة جميلة تقول: إذا رأيتم العبد يسئل كثيرا عن التقوى وعن الطريق إلى الله ويبحث يميناً وشمالاً عن أستاذ؛ فاعلم أن هذا غير عامل، فلو كان عاملاً لما احتاج إلى سئوال كثير. إذا سألت فتاة امرأة عن كيفية الرضاع؛ تعلم تلك المرأة أن هذه غير متزوجة، أو أنها متزوجة ولكنها ليست والدة؛ فالمرضع لا تسئل عن كيفية الرضاع. إنك إذا دخلت الطريق إلى الله عزوجل؛ فسوف يكون قلبك دليلك؛ (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)[٦].

هل نتمنى الموت؟

إن الله سبحانه يقول عن علة عدم تنمي الموت من قبل البعض: (وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ)[٧] ويقول في سورة البقرة: (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[٨] وإن كانت عندنا أبحاث أخرى تبين أنه لا ينبغي تمني الموت؛ بمعنى أن تطلب الموت من الله عزوجل ذلك؛ بل قل: يا رب اجعل موتي لقاءً. إن المطلوب هو ألا تخاف من الموت. فإذا ظهرت فيك علامة مرضية عاقبتها الموت؛ لا تضطرب، واعلم أنها علامة طيبة. لقد نقل لي أحد أستاذتنا: أنه أصيب بمرض توقع أنه مرض قاتل ففرح لذلك. ولما علم أن الغدة حميدة حزن كثيرا، وقال: كنت أظن أنني سأسافر.

لقد روي عن النبي (ص) أنه قال: (لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ اَلْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ وَلْيَقُلْ: اَللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ اَلْحَيَاةُ خَيْراً لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ اَلْوَفَاةُ خَيْراً لِي)[٩]؛ فللأسف الشديد هناك البعض من النساء إذا وقعت في مصيبة، تقول: يا ليت الموت أعدمني وهكذا هم بعض الرجال. ثم يبين النبي (ص) ما ينبغي فعله في هذه الحالات من الأمور العقلانية، ويشبه هذا الدعاء ما ورد في دعاء إمامنا زين العابدين (ع) حيث يقول: (وَعَمِّرْنِي مَا كَانَ عُمُرِي بِذْلَةً فِي طَاعَتِكَ، فَإِذَا كَانَ عُمُرِي مَرْتَعاً لِلشَّيْطَانِ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ)[١٠].

وكن جاداً في دعائك، ولا يكن دعائك كدعاء الملهوفة أو المرأة المضطربة. عن أبي محمد العسكري عن آبائه عليهم السلام قال: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ قَدْ سَئِمْتُ اَلدُّنْيَا فَأَتَمَنَّى عَلَى اَللَّهِ اَلْمَوْتَ فَقَالَ تَمَنَّ اَلْحَيَاةَ لِتُطِيعَ لاَ لِتَعْصِيَ فَلَأَنْ تَعِيشَ فَتُطِيعَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَمُوتَ فَلاَ تَعْصِيَ وَلاَ تُطِيعَ)[١١]؛ وخاصة إذا كان الإنسان صفر اليدين من الحسنات.

صفقة القرن

لو جاءك عزرائيل (ع) وقال لك: هل أنت مستعد لتأتي معي؟ ألا تقول: تقول يا ملك الله ويا أمين الأرواح أمهلني أعمل شيئا يعتد به؟ ففكر الآن هل عملت شيئا يعتد به؟ إن الصلاة والصيام والحج من لوازم العبودية والكثير يشترك معك في هذه العبادات، ولكن ما هو الشيء المتميز الذي عملته؟ هل كفلت يتيما لوجه الله؛ فربيته وزوجته وآمنته؟ هل بنيت مسجدا مباركا؟ فبعض المساجد تبنى فتهجر أو تقع بيد أناس لا أخلاق لهم. هل خلفت كتابا نافعا؟ إن البعض قد كتب موسوعات، وهي قد تكون عن المرء مسافة مترين ولكن لا يدنو إليها ولا يقرأها، فما قيمة هذه التأليفات؟ ولكن كتاب كالمفاتيح لا يخلوا منه بيت. وأنا – واقعا – أغبط صاحبه فكلما دعوت له سهم في دعائك. حاول طوال عمرك أن تعقد صفقة القرن؛ صفقة تجعلك سعيداً أبد الآبدين.

[١] الکافي  ج٨ ص٥٨.
[٢] إرشاد القلوب  ج١ ص١٨.
[٣] منیة المرید  ج١ ص١٠٣.
[٤] نهج البلاغة  ج١ ص٣٠٣.
[٥] سورة الحديد: ١٦.
[٦] سورة البلد: ١٠.
[٧] سورة الجمعة: ٧.
[٨] سورة البقرة: ٩٤.
[٩] بحار الأنوار  ج٧٩ ص١٧٦.
[١٠] الصحیفة السجادیة  ج١ ص٩٢.
[١١] بحار الأنوار  ج٦ ص١٢٨.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن بعض أهل الجنة هم ضيوف على أهل الجنة؛ بمعنى أنه لا يملك داراً أو قصراً، فأعماله لم تكن كافية لدخول الجنة، ولكن كان له صديق مؤمن فأسكنه في قصره، فهو كالمستأجر في الحياة الدنيا. ولكن أين هذا من إنسان في الجنة يرى جمال المصطفى محمد (ص) وجمال آل النبي (ع) متى ما تمنى ذلك.
  • إن المطلوب أن نحول الحديث عن الموت إلى قوة دافعة. إنكم رأيتم الشلالات في بعض البلدان. إن الشلال ينزل بقوة ويذهب هدراً ولكن في بعض البلدان يحولون هذه الطاقة المائية إلى طاقة كهربائية. فاجعل هذا الحديث بمثابة الشلال المحرك الذي يمدك بالطاقة.
  • لو جاءك عزرائيل وقال: هل أنت مستعد للرحيل؟ ألا تقول: تقول يا ملك الله أمهلني أعمل شيئا يعتد به؟ ففكر الآن هل عملت ذلك الشيء؟ إن الصلاة والصيام من لوازم العبودية والكثير يشترك معك فيها، ولكن ما هو الشيء المتميز الذي عملته؟ هل كفلت يتيما لوجه الله؛ فربيته وزوجته؟ هل بنيت مسجدا؟
Layer-5.png