Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

(اَللّـهُمَّ !.. افْتَحْ لي فيهِ أَبْوابَ فَضْلِكَ ، وَأَنْزِلْ عَلَيَّ فيهِ بَرَكاتِكَ ، وَوَفِّقْني فيهِ لِمُوجِباتِ مَرْضاتِكَ ، وَاَسْكِنّي فيهِ بُحْبُوحاتِ جَنّاتِكَ ، يا مُجيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرّينَ !).

لو أن أدعية شهر رمضان كلها تحققت في حياتنا فهل يبقى نقص في سلوكنا اليومي وفي سعادتنا وكمالنا ؟.. لا بأس الإنسان يجدد عهده بهذه الأدعية في غير شهر رمضان ، ليتذكر الطلبات التي طلبها من الله عزوجل.. والاقتراح : أن في شهر رمضان في ليالي القدر ، أو في ساعة من ساعات الالتفات إلى عالم الغيب ورقة القلب وخشوع القلب ، لا بأس الإنسان يقول : يا ربي، لو تستجب لي مضامين أدعية الأيام ، فإنه يكفيني ذلك !.. فلو تستجاب مضامين هذه الأدعية في ليلة القدر ، لكنا من الفائزين حق فوزه !..

– (اَللّـهُمَّ !.. افْتَحْ لي فيهِ أَبْوابَ فَضْلِكَ ، وَأَنْزِلْ عَلَيَّ فيهِ بَرَكاتِكَ…) :

من الملاحظ التعبير بـ(أنزل) للبركات ، و(افتح) للأبواب ؛ ومعنى ذلك أن هنالك بركات ، ولكنها غير منزلة ، وقد ورد في الحديث عن أمير المؤمنين (ع) : (استنزلوا الرزق بالصدقة).. فالرزق مقدر ، ولكنه كالسحاب ، وكالطير في الهواء ، يحتاج إلى أداة لاصطياده.. إن الله عزوجل قدر للإنسان المؤمن بركات كثيرة ، وهناك عدة أوسمة ذهبية ، أوسمة تجعله في مصافّ مقدمي العبادة عند الله عزوجل ، ولكنها أوسمة معلقة على أمور.. فإن الله عزوجل في ليلة القدر ، أو في الحج ، أو في العمرة ، أو في خشوع في صلاة ليل…؛ يعطي الإنسان وسام القرب ، ولكن لو أن الله عزوجل رأى فيه زللاً ، أو رأى فيه غضباً ، أو رأى فيه عدواناً ، أو رأى فيه سوء خلق ، أو رأى فيه حدة في القول أو الفعل ، أو رأى فيه بخلاً ، أو ما شابه ذلك من آفات النفس ؛ فإنه يوقف هذا العطاء..

وعليه، فإن ينبغي للإنسان بدلاً من الإكثار من موجبات الفيض ، أن يفكر في موانع الفيض ، فإنه إذا رفع الموانع فإن المقتضيات كثيرة.. فالله عزوجل -كما في قوله تعالى : {وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِه}- يستحث عباده حثاً ، لأن يشتروا من خزائن فيضه ، فخزائن الله عزوجل لا مشتري لها !.. خزائن عظيمة جداً !.. أين الذين يبحثون عن خزائن الله عزوجل ؟.. قيل للإمام السجاد (ع) : إن الحسن البصري يقول : ليس العجب ممن هلك كيف هلك ، وإنما العجب ممن نجا كيف نجا.. فرد الإمام (ع) ذلك وقال : (أنا أقول : ليس العجب ممن نجا كيف نجا ، وإنما العجب ممن هلك كيف هلك ، مع سعة رحمة الله).. فالنجاة أمر سهل ، لأن رحمة الله عزوجل غامرة لكل شيء ، ولكن المشكلة في أننا لا نتوصل إلى هذه الخزائن ، كما يشير قوله تعالى : {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} ، فإن فضل الله عزوجل مقدر ، يحتاج إلى موجب واستحقاقية وقابلية ، فإذا رفع الإنسان المؤمن الموانع -موانع الباطن والظاهر- فإنه تنهمر عليه فيوضات الله عزوجل..

ورد عن الرسول (ص) أنه قال : (أخلصْ قلبك يكفك القليل من العمل).. ومن المعلوم في كتاب الكافي أن هناك ما يسمى بباب الاقتصاد في العبادة.. فالمؤمن لا ينبغي أن يرهق نفسه بالعبادات الثقيلة ، بل ينبغي أن يقتصد في العبادة ، وإذا اقتصد في العبادة بقلب سليم ، فتحت له الأبواب.. فالأولياء والصالحون الذين حازوا على رتبة سلامة القلب ، لم يتعبوا أبدانهم كثيراً.. وقد ورد في الحديث المعروف عن الإمام الجواد (ع) : أن (القصد إلى الله بالقلوب أبلغ من إتعاب الجوارح بالأعمال).. فإن العمل الصالح كالبذرة ، والقلب السليم كالأرض الخصبة.. فبذرة واحدة من الورد ، تسقط في أرض خصبة ، تعطي الورود.. وبذور كثيرة ، في أرض سبخة ، لا تنبت شجراً ولا كلأً..

إذن، علينا أن نفكر في موجبات انغلاق الأبواب.. فإنه كما ورد عن الإمام الصادق (ع) : (إذا دعوت فظنَّ حاجتك بالباب).. فالحاجة خلف الباب ، ولكن الباب مسدود.. الحاجة في السماء ، ولكنه يحتاج إلى استنزال لهذا الرزق الإلهي..

(يا مُجيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرّينَ !) :

نحن مع الأسف عندما يُقرأ دعاء المضطرين : {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} ، فإنه يتبادر إلى الذهن أن المعني هو الإنسان المبتلى في بدنه أو في ماله.. والحال أن الإنسان المبتلى بالبعد عن ربه ، الذي يريد أن يركز في صلاته فلا يفلح ، الذي يريد أن يستدر دمعة فلا ينجح ، الذي يريد أن يقرأ سورة من كتاب الله عزوجل فينتابه النعاس والتعب ؛ أليس هو إنسان مضطر حقيقةً ، وعليه أن يجأر إلى الله عزوجل ؟!.. لماذا الإنسان المبتلى بالسجن المادي يدعو باضطرار ، وهذا الإنسان المحبوس في سجن المادة والشهوات لا يرى نفسي مضطراً ؟!.. لو عاش الإنسان حقيقة الاضطرار في حرمانه من بركات عالم الغيب ، لتعامل الله عزوجل معه معاملة المضطرين.. ومن المعلوم أنه قسم من الأولياء في التأريخ كانوا في فترة من فترات حياتهم على طريق الضلال والانحراف ، وفي لحظة من اللحظات أصبحت لهم طفرة ونقلة في الحياة.. كذلك اللص الذي كان يترقب ظلام الليل ليتنقل في البيوت من سطح إلى سطح ، فسمع تالي القرآن : {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} ، فإذا به يقول : بلى قد آن !.. لحظة من اللحظات انفتحت له الأبواب..

ولهذا يقال أن السير المعنوي أسهل من السير المادي السياحي.. فالسير المادي يحتاج إلى قطع المنازل ، بينما في السير المعنوي هناك ما يسمى باختزال المراحل -باختصار المنازل-.. والمؤمن بإمكانه أن يختصر المنازل في ليلة واحدة ، وما ذلك على الله بعزيز !.. كما أن الله عزوجل يصلح أمر وليه صاحب الأمر (عج) في ليلة واحدة ، كذلك يصلح أمر عباده المؤمنين في ليلة واحدة.. رزقنا الله تلك الليلة ، فتلك ليلة القدر العظمى في حياة الإنسان !..

اللهم اغفر لنا ذنوبنا ، ويسر أمورنا !.. إنك على كل شيء قدير.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.