Search
Close this search box.
  • شذرات من حياة الإمام العسكري (ع)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

شذرات من حياة الإمام العسكري (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

محنة العسكريين في الابتعاد عن مدينة النبي (صلى الل عليه وآله)

حديثنا هو حول إمامنا أبي محمد الهادي (ع). إن المحنة التي عاشها العسكريان (ع) هي من المحن التي لم يعشها آبائه الكرام. ولكل إمام محنته؛ فمحنة الإمام موسى بن جعفر (ع) تختلف عن ولده الرضا (ع) وعن حفيده الإمام الجواد (ع)، وكذلك محنة العسكريان مختلفة فهما أولا: حيل بينهما وبين مدينة آبائهما وأجدادهما. وتعلق الأئمة (ع) بالمدينة تعلق لا ينكر؛ إما لطيب الأرض ولما فيها من البركات، أو لوجود ذكريات آبائهم وقبر جدهم (ص) وجدتهم الزهراء (ع) التي نزورها على جهالة حيث لا نعلم بالتحديد مكانها وهل هي في البقيع أو في الروضة أو في حجرة النبي (ص). ولكن الأئمة (ع) يعلمون مكانها تحديداً. إننا نذهب إلى قبور أئمة البقيع المدينة لأيام وليالي ونعيش في هذه المدة القصيرة ما نعيش من المعاني؛ فكيف بالأئمة (ع) الذين فتحت لهم أبواب الغيب.

غربة العسكريين

لقد حيل بين الإمام الهادي والإمام العسكري (ع) وبين مدينة جدهما، وذلك يشبه ما تعرض له الرضا (ع) حيث أنه كان يعيش في مدينة غربة حتى لقب بغريب الغرباء؛ لأن قبره أبعد قبر من بين قبور أئمة أهل البيت (ع) عن المدينة.

ثانيا: إن الإمام الذي من المفترض أن يقود الأمة، ويحكم فيها، ويبين فيها الحلال والحرام، ويفسر القرآن، ويشرف على القضاء وغيره؛ يصبح حبيس منطقة تسمى العسكر في سامراء.

ابتعاد الإمام العسكري (عليه السلام) عن أصحابه

والمحنة الثالثة: أنه قد حيل بينه وبين أصحابه. لقد كانت عين الإمام على المحبين؛ ففي تلك الأيام انتشر التشيع ووصل إلى أبعد مدى. ففي عهد آخر الأئمة الإمام الحادي عشر وبعده الغيبة الكبرى بلغ التشيع مداه في كل أصقاع الأرض، وإذا بالإمام (ع) لا يمكنه أن يلتقي بمحبيه وأصحابه. كم كانت هذه القضية ثقيلة عليه؟ إن البعض كان يتحايل ويصل إلى أرض سامراء، ولم يتسير في أكثر الأحايين اللقاء المباشر فكان يكتفي الرجل بمشاهدة الإمام من بعد، ولعله كان يرى في نفسه خيفة.

ومع ذلك كان يصل إليه بعض أصحابه بطريقة أو بأخرى، وكان الإمام يخصهم بالعناية. إنك تارة تزور الحسين (ع) في أمن وعافية كهذه الأيام، ويرحب بك في الطريق وتُمد لك موائد الضيافة وهذا يختلف عن زمن الإمام الذي كانت الشيعة تزوره على خوف ووجل. يقول الرواي: (كُنْتُ أَقُولُ فِيهِمْ قَوْلاً عَظِيماً فَخَرَجْتُ إِلَى اَلْعَسْكَرِ لِلِقَاءِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَدِمْتُ وَعَلَيَّ أَثَرُ اَلسَّفَرِ وَوَعْثَاؤُهُ فَأَلْقَيْتُ نَفْسِي عَلَى دُكَّانِ حَمَّامٍ فَذَهَبَ بِيَ اَلنَّوْمُ فَمَا اِنْتَبَهْتُ إِلاَّ بِمِقْرَعَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَدْ قَرَعَنِي بِهَا حَتَّى اِسْتَيْقَظْتُ فَعَرَفْتُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ فَقُمْتُ قَائِماً أُقَبِّلُ قَدَمَهُ وَفَخِذَهُ وَهُوَ رَاكِبٌ وَاَلْغِلْمَانُ مِنْ حَوْلِهِ فَكَانَ أَوَّلُ مَا تَلَقَّانِي بِهِ أَنْ قَالَ يَا إِدْرِيسُ بَلْ عِبٰادٌ مُكْرَمُونَ لاٰ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ – فَقُلْتُ حَسْبِي يَا مَوْلاَيَ وَإِنَّمَا جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ هَذَا قَالَ فَتَرَكَنِي وَمَضَى)[١] . إنه يقصد أرض سامراء ويجازف لكي يسمع من إمامه موعظة، والإمام نبهه من دون أن يتلفظ وأنبأه بما في قلبه وكان نائماً فأيقظه فذكر له ما ذكر.

التقصير في العبادة

إن البعض منا لا بأس به في العبادة وإن كانت عبادتنا لا تمثل شيئا، فما عبدنا الله حق عبادته وما عرفناه حق معرفته. لقد رأيت هذه الرواية منقوشة على باب أحد المساجد؛ فمن يدخل المسجد يقرأ هذه الرواية: (مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ)[٢]؛ فلا تتبجح بعبادتك إذ أن هذه العبادات لا تمثل شكراً إلا لشيء يسير من نعم الله عز وجل عليك.

ولكن كيف يمكننا أن نعوض هذا التقصير؟ إننا مقصرون في العبادة، ولكن أئمة أهل البيت (ع) في روايات عديدة؛ بدءا من النبي الأكرم إلى الإمام الحجة روحي له الفداء رواياتهم متضافرة في أن المؤمن المثالي بعد كونه مؤمناً متقياً مصليا وإلى آخره؛ لا بد وأن يكون محسناً، وهو قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا)[٣] في الجانب الفردي، وفي الجانب الاجتماعي، (وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ). إن المتقي بلا إحسان ناقص؛ كما المحسن بلا تقوى. فبعض الكفرة والفجرة لهم ما يقال: خدمات للإنسان ولكنه لا يعرف شيئا من عالم الغيب، وهذا الإنسان موجود ناقص.

باب المعروف وأصحابه

فإذت إذا أردت أن تكون متبعاً لإمامك أبي محمد (ع) فاعمل بهذه الرواية الواردة عنه، والتي يرويها أحد أصحاب الإمام (ع) يقول: (سَمِعْتُ أَبَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: إِنَّ فِي اَلْجَنَّةِ لَبَاباً يُقَالُ لَهُ اَلْمَعْرُوفُ – لاَ يَدْخُلُهُ إِلاَّ أَهْلُ اَلْمَعْرُوفِ)[٤] أنت لتدخل مدينة راقية أو عاصمة من العواصم فتجد في كل زاوية منظرا والبيوت فيها غير متشابهة، وكما يقال: فيها أحياء متعددة ولكل حي بصمته وسمته. وكذلك الجنة هي هكذا؛ حيث فيها أحياء مختلفة ولكل حي بابه، ومن دخل هذا الحي لابد وأن يدخل من بابه. وإن أرقى المناطق في الجنة وأرقى الطبقات – إن صح التعبير – هو حي النبي وآله (ع) أو حي بني هاشم.

ولكن لمن هو هذا الباب؛ باب المعروف؟

يقول: (لاَ يَدْخُلُهُ إِلاَّ أَهْلُ اَلْمَعْرُوفِ). فأهل صلاة الليل من دون معروف لا يدخلون هذا الباب، وكذلك أهل الجهاد وغيرهم. يقول الرواي: (فَحَمِدْتُ اَللَّهَ فِي نَفْسِي وَفَرِحْتُ بِمَا أَتَكَلَّفُهُ مِنْ حَوَائِجِ اَلنَّاسِ)[٥]. وتارة يقوم الإنسان بالإحسان بنفسه وتارة يحض الآخرين على الإحسان كما ورد ذلك في علة دخوله أهل سقر النار أنهم لم يكونوا يحضون على طعام المسكين.

والتعبير دقيق؛ أتكلف من الحوائج. فمرة في جيبك مبلغ وفير تعطي درهماً منه لفقير، وهذا لا يسمى تكلفا. وإنما التكلف فيه معاناة وتبذل من أجله ماء وجهك، وتعطي مبلغا وفيرا. إن الراوي هو أبو هاشم وهو من كبار أصحابه وقد مر ذلك في قلبه ولم يخبر به الإمام، ولكن أئمتنا (ع) يسير عليهم معرفة ما تنطوي عليه الضمائر وما هو مكنون في الغيب كما كان عيسى (ع) يخبر بما يدخرون في بيوتهم وما يأكلون كما يقول القرآن الكريم.

يقول أبو هاشم: (فَنَظَرَ إِلَيَّ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَقَالَ نَعَمْ فَدُمْ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ فَإِنَّ أَهْلَ اَلْمَعْرُوفِ فِي اَلدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ اَلْمَعْرُوفِ فِي اَلْآخِرَةِ جَعَلَكَ اَللَّهُ مِنْهُمْ يَا أَبَا هَاشِمٍ وَرَحِمَكَ)[٦]؛ أي لك الحق أن تفرح. إن بعض الناس تستهويه العبادة فترة من عمره ثم يفتر كأن يصلي الليل شهراً أو شهرين ثم يتوقف، أو يكون من أهل المعروف فترة من عمره ثم يتكاسل، وهنا يؤكد الإمام على الدوام والاستمرار على الطاعة.

أهل المعروف في الآخرة

ولكن ماذا يعني الإمام أن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة؟ أليس هذا قولا مكررا؟ إن أهل المعروف في الآخرة هو الذي يمشي في عرصات القيامة ويحسن إلى هذا وذاك. يقول: أنت كم ينقصك من الحسنات حتى تدخل الجنة؟ فيقول: أنا أريد ألف حسنة، فيقول: خذ من جيبي وادخل الجنة، وكما قال سبحانه: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)[٧]. أو يجد من تساوت حسناته وسيئاته وصاحبنا كريم يقول له: إنني أملك الملايين من الحسنات؛ فخذ حسنة مني، ويبحث في القيامة عن المتورطين. وأول من يبحث عنه أبيه وأمه وزوجته وأولاده، ويبحث عن جيرانه وعن إخوانه في الله.

وهذه مزية ما فوقها مزية. ثم إن الإمام دعا له. نحن عندما نقول: جزاك الله خيراً مجاملة؛ قد لا يعطي رب العالمين شيئا للطرف المقابل، ولكن المعصوم عندما يقول مثلا: طيب الله ريحك كما قال لجون فبعد موته تحقق ما قال، وملأت رائحته الطيبة الآفاق. إن الإمام العسكري (ع) قال لأبي هاشم: جعلك منهم يا أباهاشم ورحمك. وليس كل واحد معروفه مقبول ومؤيد من قبل العصوم؛ فعندما يجري الله على يدك معروفاً قل: يا رب، اجعلني من أهل المعروف لتأخذ الجائزة؛ ألا وهي أن تدخل باب الجنة ولك معروف في الآخرة.

[١] بحار الأنوار  ج٥٠ ص٢٨٣.
[٢] الإختصاص  ج١ ص٣٤٥.
[٣] سورة النحل: ١٢٨.
[٤] كشف الغمة  ج٢ ص٤٢٠.
[٥] بحار الأنوار  ج٧١ ص٤١٤.
[٦] بحار الأنوار ج٧١ ص٤١٤.
[٧] سورة آل عمران: ١٨٥.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • من محن الإمام العسكري أنه قد حيل بينه وبين أصحابه. لقد كانت عين الإمام على المحبين؛ ففي تلك الأيام انتشر التشيع ووصل إلى أبعد مدى. ففي عهد آخر الأئمة الإمام الحادي عشر وبعده الغيبة الكبرى بلغ التشيع مداه في كل أصقاع الأرض، وإذا بالإمام (ع) لا يمكنه أن يلتقي بمحبيه وأصحابه.
  • لقد حيل بين الإمام الهادي والإمام العسكري (ع) وبين مدينة جدهما، وذلك يشبه ما تعرض له الرضا (ع) حيث أنه كان يعيش في مدينة غربة حتى لقب بغريب الغرباء؛ لأن قبره أبعد قبر من بين قبور أئمة أهل البيت (ع) عن المدينة.
  • ما أعظم هذه المحنة أن الإمام الذي من المفترض أن يقود الأمة، ويحكم فيها، ويبين فيها الحلال والحرام، ويفسر القرآن، ويشرف على القضاء وغيره؛ يصبح حبيس منطقة تسمى العسكر في سامراء.
Layer-5.png