Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

– إن الإنسان الذي يريد أن يستفيد من الرحمة الإلهية، لا بد أن يكون هو أيضاً مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية.. وأول دائرة من دوائر الرحمة، أن يرحم الإنسان نفسه.. ولكن ما معنى أن يرحم الإنسان نفسه؟.. أي أن يجعل نفسه متجانساً مع حركة الوجود، فكل شيء في هذا الكون من الذرة إلى المجرة في حركة تسبيح كوني دائب.. فالذرة تتحرك، والأجرام تتحرك؛ كل ذلك في خدمة الإنسان {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}.. فرب العالمين سخر كل ما في الوجود من أجل الإنسان؛ ولكن في مقام العمل، الإنسان من الكافرين؛ أي غير شاكر.

– رحمة الآخرين.. إذا أردنا أن نكون من الرحماء، لا بد أن نعلم أولاً أثر الظلم في الحياة.. رب العالمين هو العدل المطلق، بمقدار ما يظلم الإنسان غيره؛ يبتعد عن مصدر العطاء في هذا الوجود.. المؤمن لا يسب ولا يشتم، ولكن يلعن؛ تأسياً بالله -عز وجل- حيث أن رب العالمين يلعن الظالمين {أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ}.. الظالم بدرجة عليا أمثال فرعون، تشملهم لعنة كبيرة.. واللعن هو الطرد من رحمة الله، والإنسان عندما يلعن، أي يدعو ويطلب من الله -عز وجل- أن يطرد ذلك الإنسان الظالم من رحمته.. وعليه، فإن اللعن هو دعاء.. وهذا ليس فيه أي غضاضة، ولا أي فحش، ولا يؤاخذ الإنسان بذلك إذا كان يلعن من يستحق الظلم.. الظلم الكبير معه لعن كبير، ولكن ألا نحتمل أن الظلم الصغير بإزائه لعن صغير، يتناسب معه؟!.. فمن يظلم أمةً، ومن يظلم رسولاً، ومن يظلم وصياً؛ عليه لعنة كبرى.. ولكن الإنسان الذي يظلم زوجته، ألا يحتمل أن هنالك نسبة من نسب اللعن والطرد من رحمة الله، ينطبق على هذا الإنسان؟!.. هذا الاعتقاد يجعل الإنسان في حالة خوف وهلع، فالذي يطرد من رحمة الله -عز وجل- من الذي سيفتح له الأبواب، كما في مناجاة التائبين: (فإن طردتني من بابك، فبمن ألوذ؟.. وإن رددتني عن جنابك فبمن أعوذ)؟..

فإذن، إن الظلم في هذا الوجود، هو ظلمات يوم القيامة.. قد يصل الإنسان إلى درجة من الظلم، هذه الدرجة توجب له العذاب الذي لا يرد، ألا نطلب في أدعيتنا من الله -عز وجل- ألا يُحلل علينا غضبه: (اللهم!.. لا تؤمنا مكرك، ولا تكشف عنا سترك، ولا تصرف عنا وجهك، ولا تحلل علينا غضبك).. أي هناك غضب مقدر؛ ولكنه محجوب.. مثل الذي يُحكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ، وإذا ارتكب جريمة ثانية، كذلك يحكم عليه مع وقف التنفيذ.. ولكن في الرابعة والخامسة يجمعون له الأحكام السابقة، ويدخلونه السجن.. بعض الأوقات تكون المعاصي والذنوب هكذا.

– الظلم الزوجي.. إن هناك أسبابا لهذا الظلم الذي يقع بين الزوجين:
أولاً: سرية العلاقة: إن الحياة الزوجية دائرة مغلقة، والإنسان من أسر أسراره علاقته الزوجية.. ولهذا يقال: البيوت أسرار.. قد يكون الزوج سيئاً جداً، ولكن أمام الناس لا يرضى أن يُنقل عنه ما يخدش علاقته العائلية.. ولهذا عندما تتسرب الأخبار العائلية إلى الخارج، تبدو مثل دُمّلة وانفجرت، وإذا انفجرت لا تُبقي ولا تذر.. وخاصة في مجتمع لا يحفظ السر، فالإنسان المحسود الذي له وجاهة، عندما يقع في أزمة أخلاقية أو عائلية، ترى الكثيرون يصفون الحسابات معه، وهذا مجرب في حياة الأفراد.

فإذن، إن الحياة الزوجية بطبيعتها حياة مغلقة، ومن هنا لا يطلع على الأسرار الكثيرون.. إلا رجل الدين، أو القاضي، أو الوجيه، أو أهل الحل والعقد الذين بإمكانهم أن يتدخلوا في الأمر.. ولكن هذه الدائرة المغلقة من مرجحات، أو مسهلات التجاوز على الطرف الآخر.

ثانياً: إدامة العشرة: قد يكون هذا السبب شيئا إيجابيا، ولكن -مع الأسف- يتحول إلى أمر سلبي.. بعض الأوقات عندما يسأل الرجل: لماذا ترفع صوتك على المرأة، وأنت أمام الناس في قمة الأخلاق، لا يسمع لك همسةً أو عراكاً، لا في وظيفة ولا في ملأ عام؟.. فإن أول جواب له هو: هذه الزوجة منا وفينا، هذه أصلاً لا أراها إنسانة أخرى أمامي.. وهذا سببه الحقيقي في مقام العمل إدامة العشرة.. فمرور الليالي والأيام، تجعل المرأة تتحول إلى أثاث من أثاث المنزل، وإلى عنصر من عناصر البيت.. أيضاً الزوج هذا يتحول إلى أعمدة من أعمدة المنزل.. وبالتالي، الإنسان كأنه لا يتعامل مع بشر مع إنسان، هذا أيضاً من موجبات التعدي في هذا المجال.

فإذن، إن كون الحياة الزوجية حياة سرية مغلقة، طبعاً هذه السرية مرغوبة عند الزوجين.. ولهذا بعض الأزواج أمام الناس يقول: هنيئاً لفلان وفلانة!.. هم عندما يسمعان يضحكان فيما بينهما ويقولان: يا من نشر الجميل وستر القبيح، لو اطلع الناس على ما نحن فيه لذهلوا!.. طبعاً هذه نعمة، أن يخفي الإنسان سيئاته أمام الآخرين؛ لأن وجاهة المؤمن من وجاهة الدين، ورب العالمين أوكل أمور المؤمن إلى نفسه، إلا أن يذل نفسه {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}.

كيف نصلح هذه العلاقة؟..
– إن الناس ثلاثة أقسام: قسم شباب لم يتزوجوا بعد، وهذا البحث يهمهم لأن (الوقاية خير من العلاج).. الإنسان عندما يعلم المشاكل المستقبلية، يقول: من الآن أنا أتهيأ لهذه المشاكل.. وقسم يعيش حياة زوجية سعيدة مستقرة -إن شاء الله- في اتجاه حياة علي وفاطمة، هذا البيت النموذجي.. إن أعلى منزل في تاريخ البشرية، هو بيت علي عليه السلام، قد تقول: فأين بيت رسول الله؟.. نقول: نعم، رسول الله زوجته خديجة، ولكن زوجة علي هي فاطمة الزهراء، خديجة -عليها السلام- تفتخر يوم القيامة بأن لها بنت أُعطيت مقام العصمة.. فإذن علي من ناحية معصوم، والزهراء من ناحية المعصومة الأخرى: أي أرقى منزل في تاريخ البشرية، لأنها سيدة نساء العالمين، والبيت الذي فيه سيدة النساء، هذا البيت هو سيد البيوت.. ولكن هناك قسما ثالثا: إما أن يعيش مشاكل كبيرة، أو مشاكل بسيطة.. لذا نطرح تساؤلات في هذا المجال، ونرى إجابة الشرع عليها.

السؤال الأول: المشكلة الكبيرة التي يشتكي منها الشباب، هي اختلاف المستويات الفكرية والثقافية بين الزوجين.. من الطبيعي أن الرجل باعتبار فرص التكامل متاحة له، يتدرج في مدارج التكامل العلمي: من ثانوية إلى بكالوريوس، إلى ماجستير، إلى دكتوراه، إلى ما فوق الدكتوراه.. وطبيعة حياة المرأة لا تسمح لها بذلك، هما تخرجا من الثانوية العامة، ودرسا الجامعة.. ولكن الرجل أكمل مسيرته، وهذه الزوجة انشغلت في أعمال المنزل وتربية الأولاد.. وكلما مرت عليها الأيام، كلما زادت توغلاً في شؤون المنزل، وتوقفت حركتها الثقافية التكاملية.. طبعاً انشغال الحياة لديها، قد يعيقها أيضاً عن الحركة التكاملية الروحية؛ لأنها هي أيضاً مشغولة في المنزل، ومشغولة بما يلهيها عن الله، وعن الثقافة، والترقي العلمي.. وبعد عشرين أو ثلاثين سنة، يكتشف الرجل أن هنالك شرخا وهوة عميقة بينه وبين زوجته، في الجانب العلمي والأكاديمي والفهمي.. ومن هنا يبدأ الاستكبار والاستعلاء، وقد يكون هناك بعض الأوقات تعريض.. كيف نعالج هذه المشكلة؟..

أولاً: علينا أن نناقش الجذور.. من قال بأن الترقي العلمي، والتخصص العلمي في الفيزياء، وفي الكيمياء، وفي الإدارة، وفي الحاسوب؛ هذا يعد فضلاً من الفضائل؟.. لا ننقص من قيمة العلم، فالنبي الأكرم (ص) أوصانا بطلب العلم ولو في الصين.. ولكن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، هذا العلم الذي به يمتاز الإنسان، وليس كل علم.. لعل هذه المرأة التي تستضعف، لها من العلم الذي في نظر الله علم نافع، أكثر من الأكاديمي الذي أصبح أستاذا من أساتذة الجامعة.. العلم الذي هو ملاك التفاضل، هو الذي يعبر عنه القرآن الكريم {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}؛ أي العلم الذي يورث الخشية، والذي يبكي الإنسان؛ لأن كل علم لا يبكي الإنسان، جدير ألا ينفعه.. وبعبارة أخرى: المرأة التي تعرف ربها جيداً، وتخاف من ربها، عندما تريد أن تعمل معاملة في السوق، تستبدل ذهبا بذهب -مثلا- إذا قيل لها: هذه معاملة ربوية؛ فإنها تتراجع بكل سهولة عندما تعلم أن هذا حرام.. المرأة التي تستسلم لأمر ربها عند الحلال والحرام، ولو على خلاف مزاجها، هذه عالمة، وهذه امرأة فاضلة!.. وأما الذي يترقى في سُلم العلم، و يزداد بُعداً عن الله -عز وجل- هذا الإنسان لا وزن له ولا قيمة له.. نعم حتى العلم الديني، إذا لم يكن معه خشية، قد يثمر العكس.

فإذن، إن النقطة الأولى أن نعلم أن التفاضل هو في التقوى.. وهذه المرأة لعل لتفرغها وكونها في المنزل، تصلي في أول الوقت، وتبر أبويها، وتتعب في تربية أولادها؛ فتكتسب من الشفافية والقرب من الله -عز وجل- ما لم يكتسبه الرجل في الجامعات، ولا في المعاهد العلمية.. وعليه، فإن هذا الشرخ الظاهري، لا ينبغي أن يعول عليه.

ثانياً: هذه المرأة التي من الممكن أن تكون توقفت حركتها التكاملية الروحية والثقافية، فهذا لأجل الزوج الذي كان شريكاً معها في إنجاب الذرية.. فهي خدمت الزوج، وما تحملته من الحرمان العلمي، وحتى الروحي في سبيل أن يكون أباً لأولادها.. هذا الولد غداً يتخرج، ويحمل لقب الأب، وكنية الأب.. فالناس تفتخر أن هذا ابن فلان.. وعلينا أن نعلم أن ما أصابها من الأذى، إنما هو أيضاً في سبيل أن يحقق الزوج الطموحات في هذه الحياة.

– إن هنالك عتبا وشكوى في هذا المجال: أن بعض الرجال في مقام العمل أنانيين، أيام الخطوبة والغرامات الزوجية نسمع ألفاظا وتعابير شاعرية، ولكن عندما يصل الرجل إلى مبتغاه يهمل هذه الزوجة تمام الإهمال حتى في الجانب العلمي.. ألا يدعي الزوج التفوق العلمي، أليس هو على صلة بمجالس العلماء وغيره، لماذا لا يعلم الزوجة معالم دينها؟.. عندما يرجع إلى المنزل، هي كم أعطته من الوقت؟.. حيث أن تحضير وجبة طعام بسيطة هذه الأيام تحتاج إلى ساعتين، وإذا كان هناك ضيوف فإن الأمر يحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير، وقد تعمل حتى آخر الليل، ألا تستحق منه ساعة شكر؟!.. يقول لها: تعالي أنتِ كنتِ اليوم مشغولة بالأعمال المنزلية، أنا أعددت لك المحاضرة، وسألقي عليكِ الدرس.. وبذلك يكون قد تفقه في دينه، ويتعلم الحديث والخطابة والتدريس.. وهذه المرأة تكون قد تعلمت معالم دينها، وفوق كل ذلك تحمد الله -عز وجل- لأنه أخيراً رأت الزوج، ولو في ضمن تدريس رسالة عملية.. حيث أن بعض النساء يتحسرن على أن تلقى هذا المُحيّا، ولو لمدة خمس دقائق في اليوم.. فهو طوال النهار مشغول بالعمل، وخاصة إذا كان مبتلى بوظيفتين لظروف الحياة القاهرة، فيأتي إلى المنزل ويكون الكلام بالإشارات.. تأتي له بالطعام، طبعاً الذي يأكل مع إرهاق النهار، وإذا به ينام على المائدة إلى يوم آخر، وهكذا الحياة.. هذه الساعة ساعة التدريس، تريحها في أنها رأت الزوج أخيراً، ولو ضمن ساعة من ساعات التدريس.. إذن، إذا كان هنالك شكوى من جهل المرأة في مسائلها وفي فهمها؛ فالأمر يعود إلى الزوج أيضاً، الذي لم يبذل جهده في هذا المجال.

– إن الشباب هذه الأيام يجاملون عندما يقولون: يهمنا دينها وتقواها.. حيث أن أول ما يسأل عن المظهر الجمالي، ثم عن الدين وباقي الأمور.. فالشاب عندما ينظر لهذه المرأة، ويدخل حبها في الأعماق، بعض الأوقات بوجه وأغلب الأوقات لعله بلا وجه؛ عليه أن ينظر إلى عقلها من ناحية، وإلى جيناتها الوراثية من ناحية أخرى.. فالجينات الوراثية تلعب دورا وأيما دور!.. لماذا يقولون: (تخيروا لنطفكم، فإن العرق دساس)، و(إن الخال أحد الضجيعين).. بعض الشباب إذا رأوا بنت يتيمة مسكينة، يخشى عليها من الانحراف في المجتمع، يتبرع ليتزوج منها حصانة لها.. ولكن إذا كان هنالك خياران، ننتخب الزوجة الصديقة، لا الزوجة التي تشبع جانب من الوجود، ذلك الجانب الذي سرعان ما يصاب بالرتابة.

السؤال الثاني: من مناشئ الخلاف الكبرى هذه الأيام، البعض يقول: الزوجان كأنهما تفاحة بشقيها، ورب العالمين جمعنا.. ولكن الحقيقة كل واحد فاكهة، وكل واحد نصف فاكهة، وعلينا أن نتأقلم، وأما قول: نحن نصفان اتحدنا.. هذا الكلام في الدواوين يُقبل، أما في الحياة العملية فإنه لا يُقبل.. كل إنسان له مزاج، وله نكهة، وله خاصية، وله توجهات.. على كل حال الفخر كل الفخر أن نجعل نصف برتقالة مع نصف تفاحة يتلاءمان.. لو سلمنا جدلاً أنه صارت هناك معجزة، وأصبحا كأنهما كل واحد نصف تفاحة، ذاك في الهند والمرأة في السند، ثم التقيا وأصبحا تفاحة كاملة!.. هب أن الأمر كذلك، ولكن ماذا نعمل، فنحن نعيش في مجتمع، والإنسان مدني بطبعه: هنالك أبوان للزوجة، وهنالك أبوان للزوج.. ماذا نعمل مع هذا الجو، الذي في بعض الأوقات يقع بينهما تنافس؟.. الزوجة ملتئمة مع الزوج، ولكن أم الزوج في عالم والزوج في عالم آخر.. وإذا كان الأبوان والأبوان متلائمين، يأتي دور العمة والخالة، والأخت والأخ.. في كل الأمم إذا أُريد أن يضرب المثل في الخلاف والشجار، فإنه يضرب بين الزوجة وبين أم الزوج.. هذا في تاريخ الأمم، إلا من عصمه الله.

والداعي إلى ذلك الخلاف موجود، فعلماء النفس يرون أن هنالك داعيا لهذا الخلاف.. وهو أن هناك أماً تعبت على ابنها ١٨ سنة، أو عشرين سنة.. وإذا به يتعرف على فتاة في الجامعة، ويتزوجها.. وإذا بالأم المسكينة سُحب البساط من تحت رجليها، ولا ترى ولدها.. فهو يعيش مع زوجته إما قلباً وبدناً، وإذا كان مع الأم ظاهراً، فقلبه مع الزوجة، وخاصة في الأيام الأولى.. ولهذا هنا يأتي دور العمل لوجه الله، عندما يُقال لهذه الأم: صحيح أنتِ الآن تعبتِ، والولد ذهب إلى حيث يريد.. ولكن الخطأ في النية، حيث أن الأم من أول يوم نظرت إلى هذا الشاب وكأنه عبد بين يديها، وكأنها تملكته، وكأنها اشترته، طبعاً عندما يذهب تتألم.. أما إذا كانت النية: يا رب، أنا ربيت هذا الولد ليكون سعيداً في حياته، ليتزوج وليذهب بعيداً.. المهم إذا كان اغترابه خيرا له فليذهب، وإذا كان انفصاله في بيت خيرا له فليفعل (مروا ذوي القرابات، أن يتزاوروا ولا يتجاوروا).. بعض الأمهات عندهن إصرار أن يكون كل الأولاد مع زوجاتهن يحومون حولها كما تحوم الفراشة، من قال أن هذا راجح؟.. نعم بعض الأوقات يكون التباعد خيرا من التجاور، بعض الأوقات البعد يورث المودة والمحبة.. إذا كانت الأم نيتها ذلك؛ فإن رب العالمين يبارك لها في ذلك.

إن أم موسى حملت بنبي وهو موسى -والنبي والوصي وهو طفل رضيع، فيه سيماء النبوة والوصاية- طفل كموسى في حضن أمه، وإذا بالوحي يأتيها أن اقذفيه في البحر {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ}.. أي قلب كان في جوف أم موسى؟.. {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، نعم أصبحت من الموقنات، ورمته في البحر بأمر الله -عز وجل-.. وأنتِ أيتها الأم لا نقول: ارمِ الولد في البحر، ولكن قولي: يا بني أينما ذهبت أطع الله -عز وجل-، كن عبداً لله وليس لي، أينما ذهبت اعمل بمقتضى عبودية الله عز وجل.

كيف نتعامل مع أهل الزوجين؟..

– إن الإنسان عليه أن يترفع عن سفاسف الأمور، ليس كل كلام ينبغي أن يرد عليه.. بعض الكلام ينبغي أن يُجعل في خانة العدم وكما قيل {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}، {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا}.. إذا المتكلم غير جاهل، فإن الجواب هو: إذا قال كلاماً وهو في حال غضب، فهو جاهل.. هو عالم، ولعله مرجع تقليد؛ ولكن في ساعة الغضب، عامله معاملة الجهلة، لا تأخذ بكلامه.. واسكت ما دام كلامه لا يعكس الواقع: كلام باطل يُقال، أو تهمة تقال، فلم تتفاعل وتتأثر؟.. أحد المراجع الكبار قيل له: إن هنالك لغطا حولك، فقال لهم: إن هذا الكلام الذي لا واقع له، هذا الكلام عبارة عن أمواج هوائية لا يؤذي أبداً.. أما الضرب فإنه يؤلم.

– إن على المؤمن عندما يسمع كلاماً، أو تهمة، أو إهانة، أو فحشاً؛ يحاول أن ينظر إلى ما وراء الأكمة: إن كان هنالك إشكالية صحيحة، وانتقاد وجيه؛ فليصلح أمره ولا يغضب.. وإذا كان الكلام باطلا، يقول: إلهي!.. لك الحمد أن هذا الكلام لا وزن له.. بل المؤمن بعض الأوقات يفرح بغيبته، عندما يسمع أنه اغتيب يقول: الحمد لله على رصيد الآخرة، وخاصة إذا كان الذي يغتابه من كبار المؤمنين، يقول: الحمد لله الذي أعطاني رأس مال هذا اليوم.. ولهذا بعض المؤمنين يتعمد أن لا ينتقم لنفسه، يغتابه فلان يقول: جزاه الله ألف خير، هذا يحمل زادي إلى الآخرة، وإذا جاء يوم القيامة يقول: يا فلان اغتبتني ولا أرضى عنك حتى تعطيني ثواب حجتك في هذه السنة.. يوم القيامة وخاصة المؤمن المتورط، لا يرضى إلا بأغلى الأثمان حتى يرضى عن خصومه.. فإذن إذا كان هذا هو المنطق، فإننا لن نتأذى من كلام الآخرين، بل نقول: مرحباً بمن يغتابني، ومرحباً بمن يتهمني.. ولكن التهمة ثقيلة، المؤمن يحاول أن يصلح المفهوم، لأن التهمة قد تسقطه اجتماعياً.. والمؤمن ليس له الحق أن يعطي سمعته تلوكها ألسنة الآخرين.. فإذن، إن الحل سهل جداً {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ}.

– إن هذه الجملة من خطبة النبي (ص): (هو شهر عند الله أفضل الشهور) هذه العبارة جداً بليغة.. كلمة (عند الله)؛ أي أيها الناس، بنظركم أنتم التجار الصيف أفضل الشهور، وأول السنة الميلادية أفضل الشهور حيث المعاملات الدولية؛ ولكن عند الله أفضل الشهور هو شهر رمضان.. إذن عند الله شيء، وعند البشر شيء آخر!..

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.