Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

– إن هذا العطاء الحسيني الذي هو كالشمس، عطاء عام شامل، ولكن هذا العطاء لمن تعرض له.. فكلنا غرقى، وكلنا هلكى، والحسين (ع) سفينة النجاة.. ولكن سفينة النجاة تنتشل من طلب النجاة، وإلا الذي لا يريد النجاة، والذي لا يستغيث بأهل النجاة، هذا الإنسان قد لا يغاث إلا تفضلاً.

– إن رب العالمين جعل سراً في ساعة الزوال، وجعل سراً في ليالي القدر، وجعل سراً في هذه الليالي المقترنة بذكر حبيبه الحسين (ع).. إن البعض قد لا يستوعب هذه الحقيقة: أنه لماذا نحن نصر على إقامة هذا العزاء بهذا الشكل؟.. والجواب يكمن في هذا المثل البسيط:

لو أن إنسانا بعث أحداً لقضاء حاجته، وهذا الإنسان ذهب مستصحباً أهله وعياله، وفي الطريق ومن أجل خدمته، ومن أجل قضاء حاجته لا لشيء آخر.. فأصابهم ما أصابهم.. فهو كإنسان له مشاعر إنسانية وله وفاء، ماذا سيعمل في مقام التعويض؟.. فلو كان ملكاً أو أميراً، وبيده المقدرات، فإنه يمنحه كل ما يمكن، حتى لو زاد الإنسان وفاءً، من الممكن أن يتنازل عن ملكه مثلاً.. ورب العالمين أمر حبيبه الحسين بما أمره.. وشاء أن يراه قتيلاً، فاستجاب.. وشاء أن يرى أسرته سبايا، فاستجاب.. ولكن ما جرى على سيد الشهداء كما نقرأ في زيارة يوم عاشوراء: (وجلت وعظمت مصيبتك في السماوات، وعلى جميع أهل السماوات).. لأنه ما أبقى لنفسه شيئاً من الطفل الرضيع، إلى علي الأكبر.. ومن أخيه، لأصحابه.. فقد قدم عائلته وأسرته، وعرضهم للسبي، لمصلحة عليا.

فعندما كانت السيدة زينب (ع) تزور جدها رسول الله (ص) مع علي (ع)، كان يأمر بتخفيف السراج أو إطفائه؛ لئلا يرى شخص زينب (ع)، وقد فرحت الزهراء (ع) باقتراح: أن يجعل جثمانها الطاهر في شيء يستر بدنها بعد الممات، كي لا يرى حجم بدنها.. وعلي (ع) يئن ويصيح عندما يسمع بهتك حرمة ذمية في بلاد المسلمين، فكيف بما جرى على ابنته زينب؟!.. إن القضية فوق التصور!.. بعض المراجع الكبار قال: بعض ما جرى على سيد الشهداء في يوم عاشوراء لم ينقل، ولم يصل إلينا وهو غير محتمل، لا تحتمله النفوس.. وبالتالي، فإن رب العالمين في مقام التعويض لا للحسين فحسب، بل لمحبيه، بل للباكين عليه، بل لمن يقيم عزائه!.. لأن الله -عز وجل- هو صاحب المصيبة.. هو الذي يعوض تفضلاً وتكرماً، ومن هنا كلهم سفن النجاة وسفينة الحسين أسرع، كلهم أبواب الهدى وباب الحسين أوسع.

هنيئاً لمن استغل هذه المواسم بشرطها وشروطها!.. ومن الشروط أن يفتح قلبه لتلقي الأنوار بأكبر سعة ممكنة، وأن يبقي هذا النور الذي يكتسبه في هذه الليالي والأيام.

– إن الحسين (ع) ختم حياته بالشهادة بل بالسعادة، والذي ميز أصحاب الحسين (ع) هي هذه اللحظات الأخيرة.. وإلا فإن الحر إلى ليلة العاشر، بل إلى يوم العاشر، كان عمره في الطاعة قصيرا، ولكن الفخر كل الفخر أنه ختم الحياة بنهاية سعيدة.. إن المؤمن عليه أن يسأل الله -تعالى- في ساعة الخلوات، أن يجعل ساعة قبض روحه وهو في أحسن حالة.

– إن أصحاب الحسين (ع) فهموا فلسفة الموت، وفهموا فلسفة الحياة.. فجعلوا الساعة الأخيرة من حياتهم، مساوية لأفضل حالة هم عليها.. إن الموت السعيد أو الموتة الحميدة، غير مبتورة الصلة بعمل الإنسان في اليوم الأول من البلوغ.. فاليوم الأول بعد تمام التاسعة للبنت، واليوم الأول بعد إكمال الخامسة عشر للصبي؛ مرتبط بساعة الاحتضار.. نعم، إن القضايا مرتبطة بعضها ببعض، إن ذكر الموت ليس عبارة عن ذكر للفواتح.. فنحن نحتاج إلى ذكر الموت والبرزخ في حركة حياتنا.

فما المانع أن يتزود الشاب في ليلة الزفاف لساعة الموت، من خلال المستحب الوارد في تلك الليلة؟!.. إن الإسلام ربط ليلة الزفاف، بالليلة الأولى في القبر.. كما أن عمل ليلة الرغائب تأتي لمن صلاها في صورة شاب جميل، تخلصه من أهوال القيامة أو البرزخ، فما المانع أن تتحول صلاة ليلة الزفاف أيضاً إلى شاب جميل، يخلص صاحبها من أهوال البرزخ والقيامة.

– إنه يستحب للمؤمن أن يواظب على هذه المكفرات الثلاث: قراءة سورة الجمعة ليلة الجمعة، كفارة من الجمعة إلى الجمعة.. وغسل يوم الجمعة، كفارة من الجمعة إلى الجمعة.. وثالثاً المناجاة بين الطلوعين بما روي عن الصادق (ع): مَن قال يوم الجمعة حين يصلّي الغداة قبل أن يتكلم: (اللهم!.. ما قلت في جمعتي هذه من قولٍ، أو حلفت فيها من حلفٍ، أو نذرت فيها من نذرٍ، فمشيئتك بين يدي ذلك كله، فما شئتَ منه أن يكون كان، وما لم تشأ منه لم يكون.. اللهم!.. اغفر لي وتجاوز عني.. اللهم!.. مَن صلّيتَ عليه فصلواتي عليه، ومَن لعنتَ فلعنتي عليه).. كان كفّارةً من جمعة إلى جمعة، وزاد فيه مصنّف كتاب جامع الدعوات: ومَن قالها في كلّ جمعة وفي كلّ سنةٍ كانت كفارةً لما بينهما.. فعندما يقال: من دعا بهذا الدعاء أعطي هذه المزية، فالمقصود أن يكون الدعاء بشروطه المتعارفة.. حيث أن هنالك موانع، وهنالك شروط، وهنالك آداب.

– إن سورة الجمعة من المكفرات، ويستحب ليلة الجمعة ونهار الجمعة وصبيحة الجمعة أن نقرأها في صلواتنا.. {قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.. هنا قد يفهم من هذه الآية: إياك أعني واسمعي يا جارة.. أي أيها المسلم، وأيها الموالي، وأيها المحب، وأيها المعزى في أهل البيت!.. إذا كنت صادقا، فإنك لا تخاف الموت، بل تتمناه أيضا.

– إن البعض يبحث عن أولياء الله الصالحين، الذين لهم القدرة على كشف الشيء.. إن عالم الأرواح عالم عجيب وغريب!.. فمن الممكن للإنسان أن يؤثر في الطرف المقابل بتركيز نفسي؛ سلباً أو إيجابا، من خلال العين والحسد، والجن والسحر.. فكل هذه مفاهيم قرآنية.. ولكن المؤمن إنسان عاقل، وإنسان مثقف، وإنسان كما رباه القرآن الكريم، لا يتبع الظن، ولا يمشي وراء الأوهام والخيالات.. فإذا بمنام يقلب كيانه!.. أو ادعاء يغير وجهته في الحياة!..

فالذي يخاف من الجن، أو العين، أو السحر، فإن الشريعة جعلت معوذات في القرآن الكريم من أجل أن تقيه ما يخاف منه.. ولكن يجب أن يكون التعوذ بتوجه، كأن يقوم الإنسان في جوف الليل، ويغتسل ويصلي ركعتين لله عز وجل، ثم يستعذ بالله.. أما عندما يأخذ الإنسان السبحة، ويسبح ألف مرة من دون توجه، فإنه من الطبيعي أن لا يحصل على أثر؛ لأنه لم يذكر ولم يستعذ بالله.. بينما عندما يذهب إلى الدجال فقد استعاذ به حقيقةً.. فهو قطع مسافات طويلة من بلد إلى بلد، وفي يده الأموال الوفيرة للوصول إليه.

إن الإمام السجاد (ع) يقول في مناجاته: (اللهم!.. إن إبليس عبد من عبيدك، ناصيته بيدك، يراني من حيث لا أراه، وأنت تراه من حيث لا يراك.. اللهم!.. أنت تقدر على أمره كله، ولا يقدر من أمرك على شيء.. اللهم!.. إن أرادني بشر فاردده، وإن أرادني بكيد فكده، أدرء بك في نحره، وأعوذ بك من شره).. فالجن بين يدي سليمان (ع) كالأسرى {مقرنين بالأصفاد}.. فهل سليمان يقيد الجن، ورب العالمين لا يقيد لك الجن؟!..

إذا أراد الإنسان أن يكتشف بأنه ولي لله، فلينظر إلى هذا المقياس.. ليس فقط أنه لا يخاف الموت، فهذه مرحلة بسيطة.. ولكن أيضا إن لم يكن في ذمته حقوق، قال رسول الله (ص): (إنّ ما قلّ وكفى، خير مما كثر وألهى)!.. فالمال نعم العون، ولكن لمن كان أهلاً لذلك. أي إذا لم يله هذا المال صاحبه، فالخير فيه.. فالرسول الأكرم (ص) استغل مال خديجة في الدعوة.. فلولا أموال خديجة، لما انتشر الإسلام، هذا المال قدمته رخيصاً بين يدي النبي (ص).. والزهراء (ع) طالبت بفدك؛ دعماً لعلي وأصحاب علي.

فإذن، إن الإنسان الذي يتمنى الموت، هو الولي؛ لأنه أعد له العدة.. فالموت بكلمة واحدة: هو ستار وضع بين المحب وحبيبه.. فمثلا: قديما كان الشاب لا يرى الفتاة التي يريد أن يقترن بها إلا بعد العقد.. فإن الشاب إذا قيل له بأن عروسه تملك مواصفات الجمال والكمال -لأن الجمال وحده لا يغري، وبينما شيء من الجمال مع العقل الوافر، هذا الذي يغري في الفتاة- فإن هذا الشاب يعد اللحظات، حتى يصل إلى رفع الستار، ليلتقي بذلك الوجود، الذي طالما انتظره؟!.. فاللسان يعجز عن وصف الموت، حيث لا يمكن بيان عوالم البرزخ بلسان أهل الدنيا، فالأمر يحتاج إلى لغة غير موجودة في الأرض.

– إن المحبة الإلهية للعبد لا يمكن أن توصف.. فالإمام زين العابدين (ع) بيّن شطراً من هذه المحبة عندما دخل مكة وقد أجدب أهلها.. قال ثابت البناني: كنت حاجّاً مع جماعة من عباد البصرة، فلمَّا دخلنا مكّة رأينا الماء ضيِّـقاً، وقد اشتدَّ بالناس العطش لقلة الغيث.. ففزع إلينا أهل مكـة والحُجَّاج يسألوننا أن نستسقي لهم، فأتينا الكعبة وطفنا بها ثمَّ سألنا الله خاضعين متضرعين بها فَمُنِعْنَا الإجابة.. فبينما نحن كذلك إذا نحن بفتى قد أقبل وقد أكربته أحزانه، وأقلقته أشجانه، فطاف بالكعبة أشواطاً ثم أقبل علينا فقال: يا مالك بن دينار، ويا ثابت البناني، ويا أيوب السجستاني، ويا .. ويا، حتى عدَّنا وعدَّ من جلس معنا، فقلنا: لبيك وسعديك يا فتى. فقال: أما فيكم أحد يحبّه الرحمن؟.. فقلنا: يا فتى، علينا الدعاء وعليه الإجابة. فقال: أبعدوا عن الكعبة، فلو كان فيكم أحد يحبّه الرحمن لأجابه، ثم أتى الكعبة فخرَّ ساجداً فسمعته يقول –في سجوده–: سيدي، بِحُبِّك لي إلا سقيتهم الغيث.. قال ثابت: فما استتم كلامه حتى أتاهم الغيث كأفواه القرب.. قال مالك بن دينار: فقلت: يا فتى، من أين علمت أنه يحبك؟..

قال: لو لم يحبني لم يستزرني، فلما استزارني علمت أنه يحبني، فسألته بحبه لي فأجابني.. ثم ذهب عنَّا وأنشأ يقول:
مَن عَرَفَ الرَّبَّ فلم تُغنِهِ معرفة الرَّبِّ فَذَاكَ الشَّقِي
مَا ضَرَّ في الطاعة ما نَالَهُ في طاعةِ اللهِ وما ذَا لَقِي
مَا يصنع العبدُ بغير التُّقَى والعِزُّ كُل العِزِّ للمُتَّقِي

– إن الإنسان إذا حج بيت ربه، يصبح حبيب الله عز وجل، فكيف إذا أضاف إليه ما أضاف؟.. وكيف إذا ترقى في عبادة الله عز وجل، ليستجمع كل الطاعات الأخرى؟.. فحب رب العالمين لعباده حب لا يوصف.. وهذه الرواية تؤكد هذا الحب:

فأوحى الله إليه قد أمرتُ السماوات والأرض أن تطعك، فمُرهما بما شئت، وقد كان قارون أمر أن يغلق باب القصر، فأقبل موسى فأومأ إلى الأبواب فانفرجت ودخل عليه.. فلما نظر إليه قارون علم أنه قد أوتى بالعذاب، فقال: يا موسى!.. أسألك بالرحم التي بيني وبينك.. فقال له موسى: يا بن لاوي لا تردني من كلامك، يا أرض خذيه، فدخل القصر بما فيه في الأرض، ودخل قارون في الأرض إلى الركبة، فبكى وحلّفه بالرحم.
فقال له موسى: يا بن لاوي لا تردني من كلامك، يا أرض خذيه!.. فابتلعته بقصره وخزائنه، وهذا ما قال موسى لقارون يوم أهلكه الله.
فعيّره الله بما قاله لقارون، فعلم موسى أن الله قد عيره بذلك، فقال: يا رب!. إن قارون دعاني بغيرك، ولو دعاني بك لأجبته.
فقال الله: يا بن لاوي لا تردني من كلامك!..
فقال موسى: يا رب لو علمت أن ذلك لك رضىً لأجبته.

فقال الله تعالى: يا موسى!.. وعزتي وجلالي وجودي ومجدي وعلو مكاني!.. لو أن قارون كما دعاك دعاني لأجبته، ولكنه لما دعاك وكلته إليك.
فإذن، إن الله واجب الوجود، وصفاته غير محدودة، ومن صفاته حب عبده.. والعبد ممكن الوجود، ومن صفاته حبه لربه.. ولكن أين حب العبد لربه كممكن، وأين حب رب العالمين لعبده، وهو الذي لا حد لوصفه!..
– إن قضية الموت قضية منطقية جداً، إذا أزيح هذا الستار، انتهى الأمر، وتم اللقاء بين المحب وحبيبه.. إذا وصل الإنسان إلى رتبة من الرتب، لنفترض أنها (س) عندئذ يكون له تنزيلات كبرى، فالإنسان إذا وصل إلى هذه الرتبة، يكفيه القليل من العمل.. فهذا الإنسان حتى لو ما صلى صلاة الليل، وحتى لو ما صام في النهار المستحب، فهذا الإنسان أموره لا بأس بها.

– إن الموت الهنيء سهل جداً.. ولكن بشروط، ومن هذه الشروط امتلاك (س).. وهذه الرواية التي نقلت عن النبي (ص)، تدل على أن حب آل البيت (ع) من موجبات السعادة في القبر: بينا رسول الله (ص) في ملأ من أصحابه، وإذا أسود تحمله أربعة من الزنوج ملفوف في كساء يمضون به إلى قبره، فقال رسول الله (ص): عليّ بالاسود!.. فوُضع بين يديه فكشفَ عن وجهه ثم قال لعلي عليه السلام: يا علي!.. هذا رباح غلام آل النجار، فقال علي عليه السلام: والله ما رآني قط إلا وحجل (أي رفع رجلاً وقفز على الأخرى فرحا) في قيوده وقال: يا علي!.. إني أحبك .. فأمر رسول الله (ص) بغسله، وكفّنه في ثوب من ثيابه، وصلى عليه وشيّعه والمسلمون إلى قبره، وسمع الناس دويّا شديدا في السماء، فقال رسول الله (ص): إنه قد شيّعه سبعون ألف قبيل من الملائكة، كل قبيل سبعون ألف ملك، والله ما نال ذلك إلا بحبك يا عليّ!..

ونزل رسول الله (ص) في لحده ثم أعرض عنه ثم سوى عليه اللبن، فقال له أصحابه: يا رسول الله!.. رأيناك قد أعرضت عن الأسود ساعة سويت عليه اللبن.. فقال: نعم، إن ولي الله خرج من الدنيا عطشانا، فتبادر إليه أزواجه من الحور العين بشراب من الجنة، وولي الله غيور، فكرهت أن أحزّنه بالنظر إلى أزواجه، فأعرضت عنه.

إن بعض الناس يلزم زوجته بالتزين، ليلتذ بنظر الناس إلى زوجته.. نعم هنالك من يدعي الإسلام، ويدعي الإيمان، ويدعي الذهاب إلى أماكن الطاعة، ولعله يصلي جماعة، وإذا رأى من زوجته تزيناً محرماً، يقول في قلبه: لتكن زوجتي متميزة بين النساء، ويفتخر بنظر الناس إلى زوجته!.. بينما النبي (ص) الذي هو أولى من المؤمنين بأنفسهم، كره أن يحزن ذلك العبد بالنظر إلى زوجاته من الحور العين!..

– إن النبي (ص) في المعراج كان يتكلم مع الله عز وجل: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}.. وإذا بهذا النبي ينزل وينزل وينزل، وفي المدينة في مسجده، يأتي ذلك الأعرابي الجلف، وينادي النبي باسمه ويرفع صوته أمامه.. والبعض كان يعمل ما فيه هتك للنبي المصطفى (ص)، وهو صابر على ذلك.. بينما الإنسان إذا أعطي في ليلة من الليالي هبة معنوية؛ كرقة في القلب، أو إذا رجع من الحج بزخم روحي، فعندما يأتي إلى المنزل فإنه يقسو على أهله وعياله.. فهو لا يتحمل هذا النور، وينكمش عن الناس، ولا يعطي حق الأبوين وغيرهم.. ولذا فإنه من الطبيعي أن تسلب هذه النعمة منه، لأنه ليس أهلاً لذلك.. بينما النبي (ص) كان يتفاعل مع أصحابه ومع الناس، وينظر إلى ما يحتاجه الآخرون.

إن الحسين (ع) في يوم عاشوراء كان على بدنه أثران: أثر يبكي، وأثر يفرح.. الأثر الذي يبكي آثار السنان والرماح، والأثر الثاني آثار الجراب على بدنه الطاهر، حيث كان يتفقد الفقراء في المدينة.. هذا سلوك أهل البيت (ع): الجمع بين الانشغال بالله عز وجل، في سفرة، أو في تألق روحي.. وفي التنزل إلى مستوى عامة الناس، قضاءً الحاجة، وأمراً بمعروف، ونهياً عن منكر.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.