Search
Close this search box.
  • دور المحبة في تحكيم العلاقات بين البشر
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

دور المحبة في تحكيم العلاقات بين البشر

بسم الله الرحمن الرحيم

المحبة في قلوب الناس

من منا لا يحب أن يكون محبوبا في الدائرة التي يعيشها ومن قبل المحيطين به. والزواج الموفق هو الزواج الذي قد بني على المودة والرحمة؛ فالمنزل الفاره والدابة السريعة والاصطياف وما شابه ذلك هي من المحسنات. فلو وجدت الأفة بينهما لأصبح الكوخ بمثابة قصر لهما. فلنبحث عن المودة والرحمة قبل أي شيء آخر.

كيف نجذب قلوب الناس إلينا؟

إن حديثنا هو حول كيفية جذب قلوب الناس إلينا، ولو طرح هذا الحديث في الجامعات وأمام قوم لا يؤمنون بالله كان الأمر في محله لأنه حديث عن ظاهرة كونية.

تجنب النزاع مهما أمكنك تجنبه..!

وقبل البدء بالحديث ينبغي للمؤمن أن يكون على حذر من إيجاد شرخ بينه وبين أهل بيته؛ فهو بحاجة إلى راحة بال لقيام الليل، فلو كان على خلاف مع زوجته فلن يوفق لقيام الليل وإن قام إليها قام متكاسلا يستصحب المعركة معه. وكذلك الأمر إن أتى إلى المسجد ودخل في نزاع مع أحدهم؛ فإنه سيصلي وذهنه في نزاع فليس ابن آدم كالحاسوب تدخل فيه قرصا وتخرج آخر بل يصبح الأمر جزءا من وجوده.

وقد روي عن الإمام الصادق (ع) ما ينبغي فعله إذا تنازع المؤمنان؛ فالمؤمن كذلك يتعرض للكثير من الأذى: (إِذَا تَنَازَعَ اِثْنَانِ فَعَازَّ أَحَدُهُمَا اَلْآخَرَ فَلْيَرْجِعِ اَلْمَظْلُومُ إِلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يَقُولَ لِصَاحِبِهِ أَيْ أَخِي أَنَا اَلظَّالِمُ حَتَّى يَقْطَعَ اَلْهِجْرَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبِهِ)[١]. وكم هذه النفسية هي نفسية راقية أن يقول لأخيه الظالم له: أنا الظالم ليقطع بينهما الهجران. وقد يقول قائل: بهذه الطريقة سيضيع حقي إذا. ولكن الأمر ليس كذلك حيث نقرأ في تكملة هذه الرواية: (فَإِنَّ اَللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى حَكَمٌ عَدْلٌ يَأْخُذُ لِلْمَظْلُومِ مِنَ اَلظَّالِمِ)[٢] فلا تعجل إذا في أخذ حقك ولا تجعل الله سبحانه أهون عندك من القاضي ومن الشرطة، فرب العالمين ينصر رسله في دار الدنيا وهو القائل: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)[٣]، ولا مانع فقهيا من المراجعة إلى هذه المراكز للتظلم ولا يكون ذلك سببا للتهاون في أخذ حقه ما أمكنه ذلك.

المحبة؛ ضمان الحياة الأسرية

إن أول تأثير لزرع المحبة في الحياة يكون على الحياة الزوجية. وهذا أمر ينبغي أن يهتم به الرجل والمرأة على حد سواء. إن المرأة الذكية الفطنة هي الذي تستولي على زوجها من خلال امتلاك قلبه لا من خلال مراقبة جهازه والتلصص والتجسس، وبذلك هي تضمن أن لا يفكر الزوج في ثانية ولا ثالثة.

والمحبة هي التي تضمن الحياة الأسرية. هناك الكثير ممن يربون أولادهم من خلال النظر. لقد سمعت ولعل الأمر مذكور في كتاب حياة الحيوان وهو كتاب معروف: أن الحيوانات تربي أولادها من خلال النظر إليها؛ فهي تفهم مشاعرها حبا وبغضا من خلال النظر. وقد جعل رب العالمين في وجهك خاصية حيث يبين الغضب في الوجه من خلال صعود الدم إليه وإحمراره وخروج العين من حدقتها. لقد رأيت في مجلس من المجالس عالم يحوم أولاده حوله كالفراشات التي تحوك حول الشموع وكنت أتعجب من شدة حنوهم عليه والتغزل به وملاطفته وهذه هي النتيجة الطبيعية للحب؛ فلو أراد هذا الأب أن ينهى أولاده عن منكرا كانت تكفي منه نظرة واحدة ليذوب الأولاد خجلا. فإذا وجدت المحبة لا فرق في ذلك أن تكون أبا أو صاحب شركة أو دائرة أو مهندس فبذلك تملك قلوب من تحت يدك ولا داعي للدخول معهم في صراعات تنتهي إلى الضرب والسب أحيانا.

وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي

لقد ذكر العلماء في تفسير قوله تعالى: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي)[٤]: أن أم موسى (ع) التي أوحى إليها الله سبحانه؛ تغير وجهها وحزنت عند ولادته فقد روي عن الإمام الباقر (ع) أنه قال: (لمّا وضعت أمّ موسى بموسى – عليه السّلام – نظرت إليه، وحزنت عليه، واغتمّت وبكت وقالت يذبح السّاعة! فعطف اللّه الموكّلة بها عليه، فقالت لأمّ موسى: مالك قد اصفرّ لونك!؟ فقالت: أخاف أن يذبح ولدي. فقالت: لا تخافي. وكان موسى لا يراه أحد إلاّ أحبّه)[٥]. فقد أحبته القابلة وأحبه فرعون وزوجته، وكم سيكون سعيدا لو وصل أحدنا إلى هذا المقام؟

حوار بين داوود وسليمان (عليهما السلام) حول المحبة

وهذا البحث هو بحث استراتيجي. ومن اللطيف ما دار بين داوود وبين سليمان (ع) من حوار وهما نبيان عظيمان. واليهود يريدون هدم بيت المقدس لئنهم يزعمون أن تحته هيكل سليمان (ع) فهم يدعون حب هذا النبي الذي نعتبره نحن من أنبيائنا. فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (سَأَلَ داودُ النَّبِيُّ سُلَيمانَ عليه السلام ـ وأرادَ عِلْمَ ما بَلَغَ مِنَ الحِكمَةِ ـ قالَ: أيُّ شَيءٍ أحلى؟ قالَ: المَحَبَّةُ، هِيَ رَوحُ اللّه ِ بَينَ عِبادِهِ)[٦]. والمحبة بين الزوج وزوجته وبين المرء وأولاده وبين الرجل وعماله تنتهي في يوم ما وتنتهي المحبة المرء وزملائه في العمل عند التقاعد وإنما قمة المحبة هي المحبة بين العبد وربه وحقيقة يذوب الإنسان خجلا عندما يقرأ مناجاة المريدين والمحبين للإمام زين العابدين (ع)، فما هذه العلاقة الرقيقة بينه وبين ربه في قوله: (فيا نعيمي وجنتي)؟ فنحن نقرأ هذه العبارة بخجل فأي نعيم وأي جنة وإمامنا (ع) هكذا قوله.

[١] الکافي  ج٢ ص٣٤٤.
[٢] الکافي  ج٢ ص٣٤٤.
[٣] سورة الحج: ٣٨.
[٤] سورة طه: ٣٩.
[٥] تفسير كنز الدقائق  ج٨ ص٣١٢.
[٦] جامع الأحاديث للقمّي: ص١٩٣.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • ينبغي للمؤمن أن يكون على حذر من إيجاد شرخ بينه وبين أهل بيته؛ فهو بحاجة إلى راحة بال لقيام الليل، فلو كان على خلاف مع زوجته فلن يوفق لقيام الليل وإن قام إليها قام متكاسلا يستصحب المعركة معه. وكذلك الأمر إن أتى إلى المسجد ودخل في نزاع مع أحدهم؛ فإنه سيصلي وذهنه في نزاع.
  • عليك أن تبني العلاقة بينك وبين أولادك على أساس المحبة؛ فلو كان الحب حاكما في الأسرة لكان يكفي من الوالد نظرة واحدة للولد الذي يرتكب خطأ أو يأتي منكرا لكي يرتدع عن فعله ويرعوي عن إتيانه.
Layer-5.png