Search
Close this search box.
  • دروس من سيرة النبي المصطفى (ص)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

دروس من سيرة النبي المصطفى (ص)

بسم الله الرحمن الرحيم

ذكر النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) عند أهل البيت (عليهم السلام)

ذكر النبي المصطفى (ص) حقيقة من المنعشات. إن الإنسان عندما يسمع ذكر من يحب؛ يهتز قلبه فرحاً، ولهذا عندما كان يسمع معصوم كالإمام الصادق (ع) اسم النبي (ص)؛ كان يتغير حاله. إن اسم النبي (ص) هو لفظ وحروف؛ ولكن هذه الحروف المتباركة كانت تثير المعاني في نفوس ذريته وفي نفوسنا نحن أمته بدرجة من الدرجات. وعلينا أن نتأسى بهم في ذلك.

ولهذا لا يتحمل المؤمن إلا وأن يكون في المنزل من ذريته، أو من أولاده، أو من أحفاده؛ من هو مسمى باسم نبينا محمد (ص) أو من باسم أحد مشتقات اسمه الشريف. وهذا من دواعي التودد إليه.

القرب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة

ولكن كيف نتأسى ونتخلق بأخلاقه ونكون في زمرته؟ إن قرب النبي (ص) وآله في الجنة هو المقصود. هب أنك بنيت منزلاً داخل مسجد النبي (ص)، فما الفائدة إذا كنت يوم القيامة بعيداً عنه؟ إن المهم أن نكون في مقربة منه؛ سواء على حوض الكوثر حيث أمير المؤمنين (ع) يسقي العطاشى، أو على باب الجنة، أو في مقعد صدق عند مليك مقتدر. اجعل طموحك في الدنيا أن تكون بهذه المرتبة.

إن أحد أصحاب النبي (ص) أعان النبي (ص) على أمر بسيط؛ لعله رفع له طابوقة مثلا، أو بنى له جداراً بسيطاً؛ فأراد من النبي (ص) أن يكون معه في الجنة. وليكن طموحك هذا. فما الفائدة من أن تبني بناءً كذائيا في دار الدنيا فتورثه أولادك وأنت يوم القيامة من الفقراء؟ هذا هو الطموح الأعظم.

كيف نصل لهذه الدرجة؟

يقول البعض: إذا قرأت الورد الفلاني، أو الدعاء الفلاني فستكون في رتبة النبي (ص)، وهذا ممكن؛ ولكن الدعاء والورد الذي يخرج من إنسان منسجم مع ما يدعو به. لسنا في مقام التحليل، فإن من الممكن أن يكون لرب العالمين عطايا يعطيها بعمل بسيط فتكون في درجة النبي (ص) كهذا الصحابي الذي بنى جداراً أو بناءاً للنبي (ص).

ولكن كلامنا هو في القانون العام، والجادة العامة. خذ هذه الكلمة مني، واجعلها في بالك إلى آخر العمر: بمقدار ما تتشبه بالنبي (ص) في صفاته في دار الدنيا؛ بنفس المقدار تكون قريبا منه في دار العقبى. إنها معادلة رياضية لا غموض ولا إبهام فيها. بنفس هذا القرب الصفتي تحصل على القرب المنزلتي، وتكون من أقرب الناس منزلاً للنبي (ص) يوم القيامة.

الاطلاع على سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله)

إن كنت في مدينتك من أرحم الناس، وإن كنت من الذين يقيمون الليل، وإن كنت من مقيمي الصلاة، وإن كنت كريما جواداً، وإن اجتمعت فيك هذه الخصال؛ فمن الطبيعي أن تكون قريبا يوم القيامة منهم، والمرء مع من أحب؛ طبعا المحبة الصادقة. ولهذا من الضروري أن نطلع على سيرة النبي المصطفى (ص). وعندما نقول: اطلع على سيرته؛ لا نعني أن تأخذ كتاباً كسيرة ابن هشام أو كتاب الطبري وغيره من المؤرخين، وتقرأ الكتاب صفحة أو صفحتين أو جزءاً أو جزئين ثم تجعله جانبا. أن نطلع على هذا السرد التاريخي من الممكن أن لا يغير فينا شيئا. ما الذي يتغير فيك عندما تقرأ تاريخ الحرب العالمية الأولى والثانية؟

عندنا بعض الأساتذة في الجامعة هم متخصصون في التاريخ، وعندما نقول لأحدهم: يا فلان، ما هو تخصصك في التاريخ؟ يقول مثلا: أطروحتي الجامعية أو الرسالة الجامعية هي حول سنوات معيشة النبي (ص) في مكة المكرمة؛ لأن حياة النبي (ص) يمكن دراستها في ثلاث مراحل؛ مرحلة مكة والهجرة ثم المدينة. والمدينة فيها عدة مراحل: تأسيس الدعوة، ثم تفاصيل الشريعة، ثم الأيام الأخيرة من حياته الشريفة المكللة بحديث الغدير.

القراءة البناءة

المهم أنك ترى هذا الأستاذ الجامعي يذكر سيرة النبي (ص) في الجامعة لسنوات طويلة ولعل له كتابا مفصلاً في ذلك؛ ولكن عندما تنظر إلى سيرته لا ترى فيه شيئا من صفات النبي (ص). إنه إنسان غضوب، أو حسود أو حريص أو قاس، وكل صفات أبي جهل مجتمعة فيه. أن تكون متخصصاً في التاريخ مطلعاً على سيرة النبي (ص) هذا لا يكفي، وكذلك الأمر في سيرة الأئمة من ولده. هب أنك قرأت كتاب البحار من الجلد إلى الجلد – فهذه الأيام هو أكبر تأليف في تاريخ الإمامية في أكثر من مائة مجلد – وغصت فيه من أوله إلى آخره، ولم يكن بنائك على العمل؛ ما الفائدة من هذه القراءة؟

ولهذا أقول: اقرأ كتيباً ولو صغيرا – فلا داعي للمطولات – في سيرة النبي (ص) بعنوان التأسي. إن عامة الناس هذه الأيام قد اطلعوا على الشبكة العنكبوتية. فعندما يصاب أحدهم بمرض، وقبل أن يراجع الطبيب، يقول: دعني اطلع على هذا المرض بمقدار ما أفهم. والبعض منهم يستغني عن الطبيب ويقول: ما يفهمه الطبيب في الجامعة قد فهمته أنا من خلال التفحص في المواقع المختلفة. فمثلا تجد إنسانا مصابا بمرض مؤلم أو بمرض مميت عندما يقرأ عن هذا المرض؛ يقرأ سطراً سطراً بتمعن لأنه يريد دواءً، ويريد علاجاً، وكما يقال: يبحث عن أثر عملي لهذا المرض. فاقرأ التاريخ وسيرة النبي (ص) وأهل بيته وأنت تريد أن تستشفي وأن تتكامل.

تعالوا جميعا ننتقل إلى عصر النبي (ص) في مكة المكرمة ساعة الولادة؛ كيف ولد النبي (ص)؟ ومن أرضعه، وإلى آخره. ثم ننتقل إلى مرحلة أخرى عملية فنرى النبي (ص) عندما صار بالغاً وفي موقع الالتفات الناس إليه كيف كان؟ ولنحاول أن نأخذ درساً من هذه السيرة.

نزاهة النبي (صلى الله عليه وآله) وأمانته وأخذ العبرة منها

أولا: لنتأمل في هذه النزاهة التي عُرف بها والتي لُقب النبي (ص) بها في أيام الجاهلية، وقبل أن يبعث. إن النبي (ص) عاش أربعين سنة مع الجاهليين ولم يكن بينهم بعنوان النبي، وإنما كانوا يقولون: هذا ابن عبدالله، وهذا عمه أبو طالب، وهذا هو الشاب الذي ما عرفنا منه إلا جميلا. هكذا كان حال النبي (ص) قبل البعثة النبوية. إنه عندما اكتسب صفة الأمانة ثم صار نبياً؛ اعتمد على هذا التاريخ الطويل. لقد قضى ثلثي عمره في مكة مع الجاهليين.

لقد عرف بالأمين بينهم ولهذا عندما بُعث نبيا وقال لهم: لو أخبرتكم بخبر تقبلوه مني؟ قالوا: نعم، فلقد كنت قينا صادقا وكنت أميناً. فقال: ما دمتم تثقون بي؛ فإني أدعوكم لعبادة الواحد الأحد. ما الدرس العملي؟ وكيف نأخذ درسا من قطعة في التاريخ – حسب الظاهر – خاصة بالنبي (ص)؟ إنك قد تقول: إن النبي (ص) كان أميناً؛ فما هي علاقتي أنا بذلك؟ إن الدرس العملي هو: أنه من عُرف بالنزاهة، ومن عرف بالصفاء والنقاء؛ تساعده هذه المعرفة على إكمال مسيرته.

تخيل شابا أعزبا لم يتزوج بعد. والأعزب كما هو المعروف في مهب الرياح؛ فلديه شهوة مشتعلة، وليست له زوجة تطفئ غريزته، وهذا الشاب حقيقة في معرض الزلل وخاصة في زماننا هذا. فهو عندما يشتهر بالنزاهة يمدحنه النساء. إننا نسمع بعض الأخوات في موسم الحج يمدحن بعض الكوادر فيقلن: فلان أكرم به وأنعم، وعندما تسألهن عن علة مدحهن له يقلن: عندما يحدثنا يطرق برأسه إلى الأرض، ولا يحدق في وجوه النساء. وعندما يتقدم هذا الشاب إلى ابنتها، أو إلى كريمته، يقول: هذا الشاب قد جربناه في السفر وهو إنسان أمين. فالذي عُرف بالنزاهة والأمانة؛ لو طلب بنتاً يُزوج، وطلب شريكاً يُشارك، وإذا أراد أن يكون جاراً يرحب بقدومه.

ماذا نريد أن نقول؟ أقول: إن النزاهة والصفة الطيبة؛ مقدمة للتأثير. إن الوالد النزيه الأمين عندما يجلس أمام التلفاز لا ينظر إلى الحرام. ولو جاء منظراً محرما سرعان ما يقلب القناة إلى قناة أخرى. وهذا الوالد عندما ينصح ابنه نصيحة بليغة يقبل منه. كم أتأسف عندما تأتيني رسائل كثيرة من بنت تشتكي على أبيها أو شاب يشتكي على أبيه يقول: أنا شاب مراهق أجاهد نفسي ووالدي بلغ من العمر ما بلغ؛ ولكننا نتفاجئ أنه أمام منظر محرم. ماذا أصنع؟ أ أنهاه عن المنكر، وأدخل معه في خصومة؟ إن هذا لا يليق بي وأنا ابنته. فكيف أتعامل مع والدي؟ إن الفتاوى مطلقة في النهي عن المنكر وهي لكل أحد حتى لو كان مرتكب المنكر أبوك أو أمك؛ طبعا بالأسلوب الذي يؤثر.

النزاهة في العمل

حاول أن تكون كالنبي (ص) في دائرة عملك وفي بيئتك. حاول أن تكتسب هذه الصفة. إن من أكبر موجبات الخذلان – أقولها عن تجربة – لمن يذهب إلى بلاد الغرب ويكون عمله مع غير المسلمين؛ فيسرق هنا، ويخون هناك، ويعمل بما يوهن الدين حتى يقولون: هذا مسلم وهذا الإسلام لا طاقة لنا به. أو أنت في غير بلاد الكفر في بلاد المسلمين في دائرة عملك معروف بأنك منتسب إلى مدرسة أهل البيت (ع)، وأنت من شيعة جعفر (ع) ويقال: هذا المنتسب إلى علي (ع) هكذا صنع وفعل. وقد وصلنا إلى درجة – مع الأسف في القلب شجون – أن الكثيرين هذه الأيام يفضلون خادمة غير مسلمة، ويقولون: غير المسلمات أكثر أماناً من المسلمات. ما هذا الصيت الذي انتشر؟ إن هذا مما يحز في قلب النبي (ص)؛ أن يكون الإنسان كما يقال: شيناً عليهم لا زيناً لهم.

إن من صفات النبي (ص) التأقلم مع الظروف المختلفة ومع الأشخاص المختلفين. إن النبي الأكرم (ص) عاش مع أسوء الأمم والحضارات، إن كانت لهم حضارة أصلا. لقد كنت أنظر في تفسير سورة القلم وإقسام رب العالمين بما يسطرون؛ فرأيت أن في بيئةً مكة التي هي مهد الحضارة في وقتها، وفيها كانت المعلقات السبع، والحجاج يفدون إليها وكانت لهم رحلات إلى الشام واليمن، ومع كل موجبات التفوق الموجودة؛ كان الذين يستطيعون الكتابة في مكة ثلاثون فقط في كل مكة. فأيام النبي الأكرم في مكة؛ كان الذي يكتب عدده حدود الثلاثين في الآلاف المؤلفة؛ أي أن المدنية صفر، والحضارة صفر.

تأقلم النبي (صلى الله عليه وآله) مع الجاهليين

ولولا القرآن الكريم ما صدقنا بوأدهم البنات. لو قيل أن هذه الأيام هناك غابة في أدغال أفريقيا والأمازون؛ أحدهم عندما يأتيه بنت يدفنها وهي حية لا نصدق ذلك. ولكن هؤلاء الجاهليون قال عنهم سبحانه: (أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ)[١]؛ أي أنهم بلغوا القمة في القسوة، والقتل، وإلى آخره.

وكان في مكة ما يعرف بذوات الأعلام. إننا هذه الأيام نقول أن العاصمة الفلانية فيها بيوت للدعارة. وفد كان في مكة بيوت عليها أعلام الزنى وغير ذلك. فهل بقي شيء؟ هذه ثقافتهم، وهذا علمهم، وهذا قتلهم، وانحرافهم. ما بقي شيء من الصفات الرذيلة. ولكن النبي (ص) فدته نفوسنا عاش معهم أربعين عاما.

ولكن كيف عاش النبي (ص) معهم؟ تأقلم. لا تقل أن البيئة فاسدة ومفسدة، ولا تقل: أنا في بلاد الغرب، ولا تقل: في العمل زميل كذائي، ولا تقل: أنا في منطقة منحرفة، ولا تقل: أنا في جامعة مختلطة، ولا تقل: أنا أسير الشبكة العنكبوتية. كن بطلاً، وكن علماً، وكن معلماً، وكن جبلاً في هذه المستقنعات القذرة. ما المانع من ذلك؟

فلا تتذرع بالبيئة وبالزمان، ومع الأسف فإن شبابنا هذه الأيام ذريعتهم هو قولهم: أنا الغريق فما خوفي من البلل. إن النبي الأكرم (ص) عاش مع أعتى الخلق ومع ذلك بلغ ما بلغ من القمة.

عبادة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قبل البعثة

ثم هل تتوقع أن النبي (ص) كان ينام في منزله قبل البعثة؟ ماذا كانت أحواله في المسجد الحرام؟ إنني لا أعتقد أن أحدنا هذه الأيام بعد كذا من القرون وهو حول الكعبة مثلا أن تكون حالته أفضل من النبي (ص). حاشا أن يكون كذلك. صحيح أن القرآن ما نزل والحج ما شرع، والكعبة مليئة بالأصنام، وبين الصفا والمروة مجمع الآلهة الصنمية؛ ومع ذلك عاش النبي (ص) ما عاش من الأجواء.

كم من الجميل عندما أذهب برفقة الإخوان إلى دولة أجنبية وأكون في مكان يشرب فيه الخمر مثلا أو كنت في مطار من المطارات وما وجدت مكاناً للصلاة إلا في مكان أمامك الخمر والسكارى، قل: يا رب، أريد أن اصلي بين يديك في بيئة الغافلين، وأتقرب إليك بذلك. إن الآخرين لا يستحون من الحرام؛ فكيف أستحي من الواجب؟ سأصلي وأنا شامخ الأنف.

ولهذا رأيت بعض المؤمنين في بلاد الغرب في مطاراتهم في حدائقهم حتى في دوائرهم، وفي طائراتهم يصلي صلاة خاشعة وكأن لا أحد أمامه. كن متحدياً كالنبي الأكرم (ص) الذي كان يصلي ويتعبد بما كان يتعبد وإن كنا لا ندري تفاصيل عبادته وهو بين الأصنام. ولعله كان يبكي من خشية الله عز وجل.

[١] سورة النحل: ٥٩.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • ذكر النبي ص من المنعشات. إن الإنسان عندما يسمع ذكر من يحب؛ يهتز قلبه فرحاً، ولهذا عندما كان يسمع معصوم كالإمام الصادق (ع) اسم النبي (ص)؛ كان يتغير حاله. إن اسم النبي (ص) هو لفظ وحروف؛ ولكن هذه الحروف المتباركة كانت تثير المعاني في نفوس ذريته وفي نفوسنا نحن أمته بدرجة من الدرجات
  • إن قرب النبي (ص) وآله في الجنة هو المقصود. هب أنك بنيت منزلاً داخل مسجد النبي (ص)، فما الفائدة إذا كنت يوم القيامة بعيداً عنه؟ إن المهم أن نكون في مقربة منه؛ سواء على حوض الكوثر حيث أمير المؤمنين (ع) يسقي العطاشى، أو على باب الجنة، أو في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
  • خذ هذه الكلمة مني، واجعلها في بالك: بمقدار ما تتشبه بالنبي (ص) في صفاته في دار الدنيا؛ بنفس المقدار تكون قريبا منه في دار العقبى. إنها معادلة رياضية لا غموض ولا إبهام فيها. بنفس هذا القرب الصفتي تحصل على القرب المنزلتي، وتكون من أقرب الناس منزلاً للنبي (ص) يوم القيامة.
Layer-5.png