Search
Close this search box.
  • جهاد النفس
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

جهاد النفس

بسم الله الرحمن الرحيم

الجهاد الأكبر؛ جهاد النفس

إن الجهاد الأصغر هو أثر من آثار الجهاد الأكبر. ومن لم يجاهد نفسه باطناً سوف لن يدفع مالاً ولن يقدم نفساً. إن الحديث هو عن العلة والسبب الذي يوجب كل هذه المنجزات الخارجية.

إن قواعد الحياة الزوجية هي التي تحفظ الزواج من الضياع وعدم الانضباط. إن القاعدة تقيد، ولهذا تجد من أضبط العلوم علم الرياضيات لئن فيه قواعد ثابتة لا مسامحة فيها. ولو شرقت أو غربت وصعدت إلى الأفلاك والمجرات لوجدت أن الاثنين مع الاثنين يساوي أربعة وهذه هي القاعدة وهذه خاصيتها وهي عامة لا استثناء فيها.

ليكن باطنك كالحديقة لا الغابة

إن باطن بعض الناس باطن لا بأس به؛ ولكنه بمثابة الغابة التي فيها أشجار نافعة وفيها أشجار ضارة. وهناك فرق بين الحدائق وبين الغابات إن الحديقة تحظى برعاية وتكون منسقة. فهناك من يرعاها من كل أبعادها. فينبغي لك أن تحول باطنك إلى حديقة لا إلى غابة. إن الشيطان قد يغري البعض بأن يلفت نظره إلى الجانب الإيجابي في نفسه وينسيه الجانب السلبي. قد تمدح المرأة زوجها فتقول: إن زوجي رجل طيب فهو ينفق ماله ويوسع علينا في كل شيء، ولكنه يرتكب الحرام الفلاني…! أي طيب هذا؟

إن النظر إلى زاوية مشرقة في النفس هو من عمل الشيطان. فإذا مدحك أحد على صفة فيك لا تفرح بذلك، بل عليك أن تفرح إن قال لك: أن فيك العيب الفلاني وهذا مدعاة للتغيير. فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (أَحَبُّ إِخْوَانِي إِلَيَّ مَنْ أَهْدَى إِلَيَّ عُيُوبِي)[١].

قواعد جهاد النفس

إن هناك مصطلحات متداولة في فن الإدارة وفن القيادة وفن التطوير وهي كلها قائمة على أمرين. الأمر الأول: القناعة الذهنية والأمر الثاني: الرغبة الباطنية. والأمر الثالث: الإصرار العملي. فلا تفلح في عمل إلا إذا جمعت الذهن المقتنع والقلب المحب والجوارح المثابرة.

وهذه القواعد تنطبق على جهاد النفس أيضا. القناعة أولا وهو أن يسأل الإنسان نفسه: لماذا أنا مطالب بمجاهدة نفسي؟ إن ثمرة جهاد النفس هو القلب السليم، الذي عليه مدار الثواب والعقاب غداً في عرصات القيامة. وإنما النظر يكون إلى القلب لا إلى الأبدان. لقد قال سبحانه: (وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ)[٢]؛ أي هذا القلب السليم الذي مكانه في الصدور. إن من يعتقد بالقبر والقيامة لابد وأن يجاهد نفسه، لأن هذه الثمرة تنفعه إلى أبد الآبدين.

ثمرة جهاد النفس

إن بعض الموظفين يبدأ في سن الأربعين ببناء المنزل وإلا فإن الشاب الموظف حديثاً لا أمل له بالبناء وقد يستغرق بناء المنزل خمس سنوات. ثم إن متوسط الأعمار في هذه الأيام الستين والسبعين، فهو يبني منزلا لعشرين سنة فقط. إن هذا الجهد الجهيد هو لعشرين سنة. فأين هذا من إنسان يجاهد نفسه فيكسب الثمرة الأبدية. والأبدية أمر لا تستوعبه عقولنا؛ فكلما وضعت حداً فإن الأبدية ما وراء ذلك.

لا حد لجهاد النفس تقف عنده

ثم يأتي دور السعي الحثيث. يقول سبحانه: (وَجَاهِدُوا فِي الله حَقَّ جِهَادِهِ)[٣] ويقول: (فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ)[٤]؛ فالقاعدة الأولى هي: إياك وإياك أن تجعل لنفسك سقفاً للرضا عن النفس؛ فمن رضي عن نفسه ورأى أنهع على خير سوف لن يتقدم، وإنما يتقدم الذي نفسه متهمة عنده. إن بعض الناس تجري في الخلوة دموعه لما يتذكر من سابق أيامه ويرى أنه لم يقدم شيئا.

أيها الشاب، إذا خرجت شعرة بيضاء في وجهك ورأيتها في المرآة خذ زاوية وقل: هذا نذير الموت وهذا نذير الشيب. لقد بدأ العد التنازلي. كم يثابر الإنسان في الحياة لأجل أمور مادية وعقائد باطلة. إنك عندما تقرأ سيرة المترفين والأثرياء ترى أن الذي يجمعهم جميعا المثابرة. لقد سمعنا – وهو أمر ليس بغريب – في أيام المد الشيوعي الإلحادي الذي انتهى به المطاف ولله الحمد في مزبلة التاريخ؛ أن البعض من هؤلاء كان يثور لأجل العمال، ولأجل الطبقة الكادحة والمساواة ولأمثال هذه الشعارات، وعندما كان يلقى القبض على أحدهم ويحكم عليه بالإعدام من الأنظمة المعاكسة لهم كالأنظمة الرأس مالية مثلا؛ كان يذهب إلى المشنقة ويقبل حبل الإعدام. وهذه الأيام حدث ولا حرج عمن يعرض نفسه للموت اتباعاً للهوى والباطل. لماذا يستميت أهل الباطل في باطلهم ولا نقوم نحن في مقام العمل بتهذيب هذه النفس والمجاهدة في الله حق جهاده؟ واذكر دائما ما روي عن أمير المؤمنين (ع): (مَنِ اِعْتَدَلَ يَوْمَاهُ فَهُوَ مَغْبُونٌ)[٥].

فرق الجهاد في سبيل الله عن الجهاد في الله

من القواعد إخلاص النية. وهنا بحث عميق نشير إليه سريعاً. ما هو معنى قوله سبحانه: (جَاهَدُوا فِينَا)[٦]؟ إن الإنسان يجاهد في سبيل الله تارة يريد بذلك أن تنتشر الدعوة ويرى نصراً في الأمة وهذا أمر جيد وهذا الجهاد هو جهاد في سبيل الله عز وجل. ولكن الله الجهاد في الله؛ أن يجعل الإنسان بغيته رضى الله عز وجل لا يبحث في جهاده عن ثمرة معجلة.

لماذا صار النبي نوح (على نبينا وآله وعليه السلام) من أولي العزم؟

إن نوح (ع) كان من كبار الأنبياء، وهو أبو البشرية الثاني بعد آدم (ع) وهو لم يرد إلا وجه الله عز وجل. ولو كانت عينه على الأتباع والأنصار لهرب من مهمته ولطلب من الله سبحانه أن يقيله. إنه دعى قومه إلى الله وفي الله ألف سنة إلا خمسين عاماً؛ لا ينظر إلى من خلفه وإلى عدد الأعوان، وقد قال سبحانه: (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ)[٧]. ويقال أن القليل هنا: هم أقل من المائة، فلعلهم كانوا ثمانين. وسفينة نوح (ع) لم تكن أسطولاً عملاقاً فكم كانت لتحمل هذه السفينة من المؤمنين؟ لقد استهزئ بنوح (ع) وسخروا منه ولكن عينه كانت على رضى الله عز وجل، ومن كانت هذه همته لا يبحث عن النتائج ولا يريد المكاسب.

لا تنتظر المكاسب المعجلة

إن البعض من الرجال والنساء يقول: إنني بحمدالله واظبت على المسجد، وأقمت الليل وذهبت إلى الحج، وخمست المال، وإلى آخر ذلك، ولكنني ما رأيت شيئا في نفسي. وماذا تريد؟ إولا؛ إن توفيقك لإقامة العبادة نعمة لا تضاهيها نعمة. إن البعض في قرارة نفسه يطلب بعض المزايا، وما لك والمزايا؟ كن لله عبداً.

توجد هناك بعض المحلات التي عندما تشتري منه سلعة يعطيك نقطة. ثم تجتمع هذه النقاط لتصل إلى حد معين تستحق منهم جائزة يعطونك إياها، وقد تكون آخر نقطة تكتسبها من خلال بضاعة رخيصة اشتريتها ولكنها هي التي تكمل لك النقاط.  إن رب العالمين يجمع لك النقاط كذلك. فصلاتك نقطة وحجتك نقطة وكذلك سائر أعمالك وإذا في ليلة من الليالي تعطى الجائزة، وقد لا تعطاها إلا قبل الموت بفترة قصيرة وهو المطلوب.

ولذلك نرى من المؤمنين العاديين من يصفي حساباته في آخر عمره ويموت فجأة بعد أن يقوم بعمل مميز. فمن الذي حوله؟ من الذي أعطاه هذه النقاط وجمعها له؟ فلا تيأس فإن المهم أن تموت على أحسن حال. إن بعض كبار السن ومع الأسف يقولون: إننا أيام الشباب كنا أفضل حالا وإقبالا؟ ويقول: بعض الطلاب الذين درسوا في الخارج: أنهم في الغرب في أيام الدراسة كانوا أحسن حالاً وأكثر مقاومة للمنكر وذكرا لله عز وجل. ثم تخرجنا وتزوجنا وأنجبنا وبنينا؛ فشغلتنا الدنيا وما فيها. ولا ينبغي للمؤمن أن يكون كذلك.

ولذلك نحن نقرأ في الدعاء: (وَاِجْعَلْ أَوْسَعَ أَرْزَاقِنَا عِنْدَ كِبَرِ سِنِّنَا وَأَحْسِنْ أَعْمَالَنَا عِنْدَ اِقْتِرَابِ آجَالِنَا)[٨]؛ فهنيئا لمن عاش هذا المد التصاعدي قبل الموت بأيام أو أشهر وصار متألقاً.

هذه جائزتك بعد كل فريضة وعبادة

إن هناك جائزة لو فتحت عين البصيرة لرأيتها بعد كل فريضة. إنك بعد موسم الحج وبعد شهر رمضان وبعد كل عبادة تعطى هذه الجائزة. إنها راحة البال ونورانية الباطن. إنك تخرج من باب المسجد فتجد حلاوة في وجودك، وتشعر ببرد المغفرة. بالله عليك..! هل تجد هذا الإحساس في الأعراس مثلا، أو في دواوين المترفين أو في سياحة لذيذة تذهب فيها إلى قمة جبل أو تشاهد فيها الأنهار التي تجري من تحتك؟ لا يمر يوم أو يومين إلا وقد اعتادت عينك تلك المناظر.

ومن الطريف أنك عندما تذهب إلى المصائف وتقول لأهل البلد: هنيئا لكم بهذا المكان؛ فأنتم طوال السنة تستمتعون بالهواء العليل وبهذه الأزهار والورود. فيقولون لك: نحن لا نرى جمالاً في بلدتنا؛ فإننا قد فتحنا عيوننا على هذه المناظر. ولو عشت أنت معهم فترة من الزمن لزال عنك ذلك الجمال.

ولكنك تأتي إلى المسجد دائما ورغم كل التهديدات التي قد تعترضك؛ لأنك ترى حلاوة في باطنك. إن أفضل الأعمال أحمزها؛ فكلما كان التحدي للحضور في المساجد كبيرا كانت هذه الصلاة تقربك أكثر فأكثر إلى الله عز وجل. وكلما ازداد التحدي ازداد العبد إصراراً، فهو يقول: يا رب، إنك تراني قد أتيتك على رغم كلام أهل الدنيا فكلامهم لا يهز كياني.

ولهذا قد جعل لنا رب العالمين عيداً بعد شهر رمضان، وعيداً في موسم الحج لنعيش هذه الفرحة الباطنية. إن الرجل ليقوم الليل وهو يترنح يميناً وشمالا من ثقل النوم فيتوضأ فيذهب عنه النعاس، فيصلي وهو يقول لأهل الدنيا: هذه اللذة ليست في قواميسكم، إنكم أهل الليالي الحمراء حلالا كانت أو حراما فكل شيء ينتهي عند الصباح ويجمع الفراش؛ إلا أن أهل القيام يعيشون في النهار على هذه اللذة. إنهم خلوا بربهم في جوف الليل فكاسهم من نور جماله.

[١] الکافي  ج٢ ص٦٣٩.
[٢] سورة العاديات: ١١.
[٣] سورة الحج: ٧٨.
[٤] سورة التغابن: ١٦.
[٥] مجموعة ورّام  ج٢ ص١٧٣.
[٦] سورة العنكبوت: ٦٩.
[٧] سورة هود: ٤٠.
[٨] المصباح (للکفعمی)  ج١ ص٥٣٥.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن باطن بعض الناس باطن لا بأس به؛ ولكنه بمثابة الغابة التي فيها أشجار نافعة وفيها أشجار ضارة. وهناك فرق بين الحدائق وبين الغابات إن الحديقة تحظى برعاية وتكون منسقة. فهناك من يرعاها من كل أبعادها. فينبغي لك أن تحول باطنك إلى حديقة لا إلى غابة.
  • إن هناك جائزة لو فتحت عين البصيرة لرأيتها بعد كل فريضة. إنك بعد موسم الحج وبعد شهر رمضان وبعد كل عبادة تعطى هذه الجائزة. إنها راحة البال ونورانية الباطن. إنك تخرج من باب المسجد فتجد حلاوة في وجودك، وتشعر ببرد المغفرة. فهل تجد هذا الإحساس في الأعراس أو في الدواوين؟
Layer-5.png