Search
Close this search box.
  • تفسير سورة المؤمنون
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

تفسير سورة المؤمنون

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير الآيات الأولى من سورة المؤمنون

بدأت الآية الشريفة بقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ)[١]، ولم تخصص الآية الفلاح للدنيا أو للآخرة؛ بل ذكرت الآية الفلاح بصورة عامة؛ فهي تتحدث عن الفلاح بشقيه الدنيوي والأخروي. وقد بينت الآية الدرس الأول من دروس السعادة والفلاح وهو الإيمان. والسعادة هي ضالة أهل الدنيا التي فقدوها فهم يبحثون عنها في كل مكان إلا في الإيمان. فلا توجد سعادة ولا يوجد اطمئنان إلا في ظل الإيمان؛ لأن السعادة حالة من حالات القلب كالشعور بالراحة أو الحزن أو الاكتئاب أو الفرح وما شابه ذلك، والذي خلق القلب والنفس هو أدرى بما يضمن لهذا القلب ولهذه النفس السعادة والاطمئنان.

إشباع البدن والروح

فلا بد إذن من الرجوع إلى الوصفة الربانية التي تضمن من دون ريب السعادة لهذا القلب؛ الوصفة التي جاءت من قبل مقلب القلوب بل خالقها. ولكن أهل الدنيا أرادوا سعادة النفس من خلال سعادة البدن وذلك من إعطاء البدن كل ما يشتهيه من شهوات البطن والفرج وغيرها. وهاتان الشهوتان قد شغلتا أهل الدنيا جميعا وهم لا يعلمون أنه لا تسعد النفس بسعادة البدن. فأمعنوا وأسرفوا في إشباع حاجات البدن وتلبية رغباته ونسوا أن الروح والنفس بحاجة إلى غذاء كما يحتاج البدن إلى غذاء فلم يصلوا إلى بغيتهم من السعادة والاطمئنان حيث بقيت الروح جائعة تائقة إلى ما يشبع نهمها..!

الخشوع في الصلاة

ثم يذكر سبحانه صفة أخرى للمؤمنين في قوله تعالى: (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)[٢]. والصلاة فرع من فروع الدين المتعددة والتي لها أحكامها في الفقه. وإقامة الصلاة مقدمة على الخشوع فيها إلا أنه قد ذكر الأعلى ليكون الأدنى في ضمنه. والخاشع في الصلاة هو مقيم لها ومحافظ على أوقاتها ولذلك قال سبحانه في ضمن هذه الآيات التي تناول فيها صفات المؤمنين: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ)[٣].

والخاشع يستمع بالصلاة والحديث مع رب العالمين ومنية المحبين الذي أغلق أبوابه على محبيه في غير أوقات الصلاة؛ فلا يتجلى إلا للخواص من عباده بين فترة وأخرى، ولكنه قد فتح بابه للجميع في أوقات الصلاة. والخاشع في الصلاة هو ذلك العاشق الذي ينتظر الباب أن يفتح رسميا ليدخل على محبوبه ويقف بين يديه في اليوم والليل خمس مرات، ولذلك كان النبي (ص) يشتاق إلى الصلاة فيخاطب مؤذنه بلال أن أبرد، وكان الأئمة (ع) تتلون ألوانهم عند الوضوء قبل الصلاة، وذلك أن الصلاة إذن اللقاء برب الأرباب. وللعاصي أن يتكلف الخشوع في الصلاة حتى يصل إلى الخشوع حقيقة.

وقد ذكر سبحانه في آية أخرى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[٤]، وذلك أن الذي لا علم له بالله عز وجل ولا معرفة له لا يمكنه أن يخشى الله سبحانه، وإنما إيمانه إيمان تعبدي. وكما يقول علماء الأخلاق: إن العلم إذا لم يتحول إلى سكون واطمئنان في القلب، لا يسمى إيماناً. والذي يسلم إنما حصل له علم بالله جره إلى التسليم والإقرار به. ولكن الإيمان أرقى من العلم المجرد. فإذا لم يفوض القلب أمره إلى خالقه ويبقى في خوف من انقطاع الرزق وما شابه ذلك لا يعد مؤمناً بالله عز وجل، لأنه لم يحقق السكينة والاطمئنان في حياته.

الإعراض عن اللغو في الحياة

ثم يذكر سبحانه صفة أخرى للمؤمنين فيقول: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)[٥]. وليست كل صور اللغو محرمة من الناحية الفقهية. فيجوز للإنسان اللعب بما لا يعد قمارا من دون شرط ومرابحة. ولكن المؤمن يعرض عن ذلك لأنه من اللغو، والقرآن الكريم كالنجوم في مواقعها؛ فلم يقل سبحانه: للغو تاركون؛ بل معرضون. والمعرض هو الذي يعتقد بتفاهة الشيء فيعرض عنه بخلاف التارك الذي قد يكون متعلقا بالشيء الذي تركه طمعا أو خوفا أو حياء من الناس. ولذلك نرى أن الشريعة حرمت أكل الخبائث من الحشرات والبهائم والقاذورات وما شابه ذلك؛ إلا أنك لا تجد آية في القرآن على سبيل المثال قد حرمت أو زجرت عن أكل الحشرات لأن الناس بطبعها تنفر منها. والمؤمن يصل بإيمانه إلى درجة يشمئز من كل صور اللغو وإن أجبر على شيء منها حياء من الناس أو مداراة لهم كأن يشاركهم في مشاهدة بعض البرامج غير الهادفة وما شابه ذلك تراه يعيش في باطنه غليانا ويعد الثواني لانتهاء ذلك العمل اللغوي.

وتختلف صور اللغو من فرد لآخر. فقد تكون بعض البرامج التخصصية لأصحاب ذلك التخصص مفيدة ولغيرهم غير مفيدة وإنما ينبغي للمؤمن أن يبحث عن الأمور اللاغية ليجتنبها. ويمكن القول بكلمة شاملة: أن كل نظرة لا عبرة فيها في من اللغو أو السهو وكذلك الأمر للأقوال التي لا حكمة فيها ولا نفع يرجى منها للدين أو الدنيا.

تأدية الأمانة

ثم تصل الآيات في ذكرها لهذه الصفات إلى قوله سبحانه: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)[٦]. وليست الأمانة فقط تلك الودائع التي تودع عند الإنسان من المال وغيره. وإنما الزوجة والأولاد كذلك من الأمانات عند الإنسان. فكما يحافظ الإنسان على الخشوع في صلاته ويعرض عن اللغو في حياته ويحافظ على عفة فرجه وإلى آخر تلك الصفات؛ يحافظ على رعاية هذه الأمانة. وكما يقول الشاعر العربي:

وَما المالُ وَالأَهلونَ إِلّا وَديعَةٌ                وَلا بُدَّ يَوماً أَن تُرَدَّ الوَدائِعُ[٧]

وقد روي عن النبي (ص) أنه قال: (مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ أَلْقَى كَلَّهُ عَلَى اَلنَّاسِ مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ ضَيَّعَ مَنْ يَعُولُ)[٨]؛ أي مطرود من رحمة الله تعالى.

ثم يقول سبحانه عن أصحاب هذه الصفات: (أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[٩] والحال أن الجنة بكر لم يدخلها أحد قبلهم ولم يسكن قصورها أو يتمتع بنعيمها قبلهم أحد فكيف يكونون وارثون لها والإرث إنما يكون للشيء الذي يصل الإنسان عن غيره؟ والإجابة على هذا السؤال: هو أن الجنة كانت بمعرض الجميع وكان بإمكان الجميع الدخول إليها ولكن هناك من قصر ودخل النار. أما المؤمنون فهم من أصحابها ومن أهلها وورثة قصور أهل النار التي لو أطاعوا الله لدخلوها.

وقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (مَا خَلَقَ اَللَّهُ خَلْقاً إِلاَّ جَعَلَ لَهُ فِي اَلْجَنَّةِ مَنْزِلاً، وَفِي اَلنَّارِ مَنْزِلاً، فَإِذَا سَكَنَ أَهْلُ اَلْجَنَّةِ اَلْجَنَّةَ وَأَهْلُ اَلنَّارِ اَلنَّارَ نَادَى مُنَادٍ: يَا أَهْلَ اَلْجَنَّةِ أَشْرِفُوا فَيُشْرِفُونَ عَلَى أَهْلِ اَلنَّارِ، وَتُرْفَعُ لَهُمْ مَنَازِلُهُمْ فِيهَا ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: هَذِهِ مَنَازِلُكُمُ اَلَّتِي فِي اَلنَّارِ لَوْ عَصَيْتُمْ اَللَّهِ لَدَخَلْتُمُوهَا، قَالَ: فَلَوْ أَنَّ أَحَداً مَاتَ فَرَحاً لَمَاتَ أَهْلُ اَلْجَنَّةِ فِي ذَلِكَ اَلْيَوْمِ فَرَحاً لِمَا صُرِفَ عَنْهُمْ مِنَ اَلْعَذَابِ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍيَا أَهْلَ اَلنَّارِ اِرْفَعُوا رُءُوسَكُمْ، فَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ فَيَنْظُرُونَ إِلَى مَنَازِلِهِمْ فِي اَلْجَنَّةِ وَمَا فِيهَا مِنَ اَلنَّعِيمِ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَذِهِ مَنَازِلُكُمُ اَلَّتِي لَوْ أَطَعْتُمْ رَبَّكُمْ لَدَخَلْتُمُوهَا، قَالَ: فَلَوْ أَنَّ أَحَداً مَاتَ حُزْناً لَمَاتَ أَهْلُ اَلنَّارِ حُزْناً)[١٠].

[١] سورة المؤمنون: ١.
[٢] سورة المؤمنون: ٢.
[٣] سورة المؤمنون: ٩.
[٤] سورة الفاطر: ٢٨.
[٥] سورة المؤمنون: ٣.
[٦] سورة المؤمنون: ٨.
[٧] لبيد بن ربيعة.
[٨] الکافي  ج٤ ص١٢.
[٩] سورة المؤمنون: ١٠-١١.
[١٠] تفسير نور الثقلين  ج٣ ص٥٣١.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • قد ذكر الله سبحانه في مستهل سورة المؤمنون من صفات ينبغي للمؤمنين الحرص على الاتصاف بها ليكونوا من ورثة الجنة، منها: الخضوع في الصلاة، والإعراض عن اللغو بجميع صوره، وتأدية الزكاة، وحفظ الفرج والعفة، وحفظ الأمانات بجميع صنوفها ومنهم الأهل والعيال والمحافظة على أوقات الصلوات.
Layer-5.png