Search
Close this search box.
  • تدبر في سورة القيامة
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

تدبر في سورة القيامة

بسم الله الرحمن الرحیم

صورة نزع الروح في القرآن الكريم

إن للقرآن الكريم كلمة الفصل حول المصير الذي نحن جميعا صائرون إليه وهو الموت. إننا لا نعلم ما هو الموت وإن تحدثنا عنه لا يعدو الكلام النظري، ولكن القرآن الكريم هو عين الواقع. يبدو أن الإنسان تستل روحه تدريجيا عند الموت؛ فهو يرى أن ساقه قد ماتت ثم تموت بطنه وتتوقف الرئة والقلب عن العمل حتى تصل الروح إلى التراقي أو الحلقوم. قال تعالى: (كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ)[١] وقال عز وجل: (فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ)[٢]. إنه حقا أمر مخيف أن تنزع الروح تدريجيا لا أن تخرج دفعة واحدة ثم يرتاح بعدها الإنسان؛ إنه يذوق الموت جرعة جرعة.

ثم تقول الآية الشريفة: (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ)[٣]؛ أي من الذي يأتيه برقية يرجعه إلى الدنيا، فيظن أهله أنه يمكن إنقاذه. ثم تقول الآية: (وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ)[٤]؛ فهذا الرجل الذي كان عداء ورياضيا ماهرا تصبح رجلاه كالخشبتين، ولكن ما الذي يحدث؟ يقول: (إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ)[٥]؛ فهو يساق إلى الله عز وجل ويا لها من عاقبة؛ إنك قد كنت تذهب إلى بيت ربك – إلى المسجد – باختيارك ولكنك الآن تساق قسرا إلى الله عز وجل. وهنيئا لمن كان له موت اختياري، وقد ورد عن النبي (ص) أنه قال: (مُوتُوا قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا)[٦].

الاستعداد الدائم للموت

لقد سمعنا عن بعض علمائنا السلف أنه كان له قبر مصطنع في المنزل؛ كانت حفرة في البيت تشبه القبر، وكان يدخل في هذه الحفرة ليتذكر هذه العاقبة. وسوف نتناول مسألة الموت في نظر الأئمة (ع) وما ورد من روايات عنهم. إن النبي الأكرم (ص) قد عرج به إلى السماء، ورأى الجحيم والجنة وقد عبر كل هذه المراحل إلى الجنة، فعندما يخبرنا؛ يخبر عن علم.

الموت في نظر الإمام زين العابدين (عليه السلام)

لقد روي عن الإمام الجواد (ع) أنه قال: (قِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ مَا اَلْمَوْتُ قَالَ لِلْمُؤْمِنِ كَنَزْعِ ثِيَابٍ وَسِخَةٍ قَمِلَةٍ وَفَكِّ قُيُودٍ وَأَغْلاَلٍ ثَقِيلَةٍ وَاَلاِسْتِبْدَالِ بِأَفْخَرِ اَلثِّيَابِ وَأَطْيَبِهَا رَوَائِحَ وَأَوْطَإِ اَلْمَرَاكِبِ وَآنَسِ اَلْمَنَازِلِ وَلِلْكَافِرِ كَخَلْعِ ثِيَابٍ فَاخِرَةٍ وَاَلنَّقْلِ عَنْ مَنَازِلَ أَنِيسَةٍ وَاَلاِسْتِبْدَالِ بِأَوْسَخِ اَلثِّيَابِ وَأَخْشَنِهَا وَأَوْحَشِ اَلْمَنَازِلِ وَأَعْظَمِ اَلْعَذَابِ)[٧].

ضرورة تدبر سورة القيامة

إن هناك سورة في القرآن الكريم في الجزء التاسع والعشرين باسم سورة القيامة. ويجدر بجميع المؤمنين أن يتدبر في فراغه هذه السورة ولو على نحو شرح الألفاظ، ثم بعد ذلك يتعمق في التفاسير الموجودة بين أيدينا. عندما يصل الأمر إلى القيامة فإن القرآن يقول: (لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ)[٨]؛ فهذا الأمر على درجة من الوضوح لا يحتاج القرآن فيه إلى القسم.

ولكن ما الذي جعل رديفاً للقيامة في هذه السورة؟

يقول سبحانه: (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ)[٩]؛ وكأن مفتاح القيامة ومفتاح النجاح في النفس اللوامة. إن النفس المطمئنة هي لكبار الأولياء ولسيد الشهداء (ع) ولكن كن أنت وسطاً فلا تكن نفسك أمارة بالسوء ولا تكن مطمئنة؛ بل لتكن النفس لوامة؛ فمن امتلك النفس اللوامة يصل للمطمئنة بدرجة. وهنا يلعب مبدأ المراقبة دورا كبيرا. فلو كنت صاحب نفس لوامة لكنت بألف خير. والآية تبالغ في وصف اللوم؛ فكن لواماً لا لائماً. فإن آذيت أحداً اجبره باتصال هاتفي، أو أكلت مالا حراما فاجبره كذلك. وقد تكون زوجتك نائمة بجوارك وهي ممتلئة حزناً وكرها؛ فحركها قليلا وقل لها: يا فلانة، سامحيني قبل أن تنامين، وانتهى الأمر. وقد يتفق أن الإنسان مطلوب بالآلاف والملايين؛ فيتصل بصاحبه: يا فلان، أنا معسر أبرئني الذمة، فيقول له: أبرئتك.

إعجاز قرآني

ثم يقول سبحانه: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ)[١٠]؛ وهنا بحث تفسيري طريف في هذه الآية. إن البصمات إنما اكتشفت حديثا  قبل سنوات قريبة. وقد أصبحت دائرة البصمات في المطارات إلى آخره، قضية عالمية وعلمية. إن المفسرين القدامى يقولون: إنما ذكر رب العالمين البنان؛ لئن عظام الأصابع عظام صغيرة بخلاف عظام الرجل وعظام الركبة والحوض فهي عظام كبيرة الحجم. وبإمكان رب العالمين أن يرجع العظام الصغيرة إلى مكانها فضلا عن الكبيرة.

ولكن تبين لنا أن ملايين البشر اليوم ليست لهم بصمة مشابهة؛ وكأن في الآية إشارة إلى هذه القضية، وقد خلق رب العالمين هذا الإعجاز في وجودك. ثم أول ما يقوله الإنسان في ذلك اليوم بعد أن يبرق البصر ويخسف القمر وتجمع الشمس والقمر، أين المفر؟ فهو عندما يرى الأهوال لا يقول: أين زوجتي وأولادي وإنما يقول: أين المفر؟ أريد مكاناً ألجأ إليه، ويبحث عمن يحميه في ذلك اليوم.

لا ملجأ منه إلا إليه

ثم يقول سبحانه: (كَلَّا لَا وَزَرَ)[١١]؛ فلا ملجأ اليوم. تصور في ذهنك – إن صح النقل – أن كل من على الأرض سوف تقبض روحه؛ حتى عزرائيل وميكائيل وإسرافيل (ع). إنما هو نفخ في الصور؛ ولكن من الممكن في مرحلة من المراحل أن لا يبقى حي في الوجود. وهنا يقول رب العالمين: لمن الملك؟ فهل هناك حي ليجيب، فالكل في سبات والكل قد قبضت روحه وهنا يجيب سبحانه  بنفسه فيقول: لله الواحد القهار.

هل يفعل الإنسان بعد موته شيئا؟

والله عزوجل سينبأ الانسان يومئذ بما قدم وأخر. قف للمسائلة فالآن نخبرك ماذا جرى وما قدمت وأخرت؟ فما قدم هو ما فعله بيده، وما أخر هو ما فعله بعد موته. وقد يسأل سائل فيقول: وهل يفعل الإنسان بعد موته شيئا؟ نعم. لقد روي عن النبي الأكرم (ص) أنه قال: (إِذَا مَاتَ اَلْإِنْسَانُ اِنْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ صَدَقَةٍ تَجْرِي لَهُ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)[١٢].فقد تموت فقيراً وتصبح بعد موتك غنياً؛ فيمتلأ مسجدك بالمصلين ويصبح ولدك بالغاً عالماً، وكتابك يقرأه الكثير بعد موتك. وقد يموت الإنسان غنياً وله من الصالحات كجبال تهامة ولكن قد سن سنة سيئة فينقص من أجره كلما عمل بها أحد إلى يوم القيامة؛ فهو قد أخر شيئا أصبح وبالاً عليه.

لا تخدع نفسك بما أنت أعلم به من غيرك..!

ثم يقول عز وجل: (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)[١٣]؛ فهو لا يحتاج أن ينبأ بما هو أعلم به. إنه عالم بمخازيه كما هو عالم بمحاسنه. إنما الآخرون يعلمون عملك من خلال سمعهم وبصرهم وأنت ترى قلبك وتعلم به علماً حضورياً. ويقال: أن الإحساس بالألم هو إحساس وجداني وكذلك هو الإحساس بالدرجات أيضا. فليقل الناس: أنك من أتقى الأتقياء، ولكنك أنت الذي تعلم ما أنت فيه. هنيئا لمن أقام محكمته الكبرى قبل يوم القيامة. لقد روي عن النبي (ص) أنه قال: (حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا)[١٤]، وروي عن إمامنا الكاظم (ع) أنه قال: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يُحَاسِبْ نَفْسَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ)[١٥].

[١] سورة القيامة: ٢٦.
[٢] سورة الواقعة: ٨٣.
[٣] سورة القيامة: ٢٧.
[٤] سورة القيامة: ٢٨-٢٩.
[٥] سورة القيامة: ٣٠.
[٦] بحار الأنوار  ج٦٩ ص٥٩.
[٧] بحار الأنوار  ج٦ ص١٥٥.
[٨] سورة القيامة: ١.
[٩] سورة القيامة: ٢.
[١٠] سورة القيامة: ٣-٤.
[١١] سورة القيامة: ١١.
[١٢] بحار الأنوار  ج٢ ص٢٣.
[١٣] سورة القيامة: ١٤.
[١٤] أعلام الدین  ج١ ص٣٣٩.
[١٥] محاسبة النفس  ج١ ص١٣.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن أول ما يقوله الإنسان في يوم القيامة بعد أن يبرق البصر ويخسف القمر وتجمع الشمس والقمر، أين المفر؟ فهو عندما يرى الأهوال لا يقول: أين زوجتي وأولادي وإنما يقول: أين المفر؟ أريد مكاناً ألجأ إليه، ويبحث عمن يحميه في ذلك اليوم.
Layer-5.png