Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

بركات الاستغفار..
أولاً: إن الاستغفار من الذنب مطلوب فيه المبادرة، فبعض الناس يستغفر من ذنب ارتكبه قبل سنة -مثلاً- أو قبل شهر، أو قبل أسبوع؛ هذا أمر جيد!.. روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (إنّ المؤمن ليذنب الذنب فيذكره بعد عشرين سنة، فيستغفر منه فيُغفر له؛ وإنّما ذُكّره ليُغفر له!.. وإنَّ الكافر ليُذنب الذنب؛ فينساه من ساعته).. ولكن الاستغفار السريع بعد الذنب مباشرة، من امتيازاته: أن ذلك الذنب لا يُكتب أصلاً، لا أنه يُكتب ثم يُكتب في مقابله: “غفر الله له”.. حيث أن هناك فرقاً بين ذنب لا يُكتب، وبين ذنب يُكتب ثم يُمحى.. يمكن تشبيه ذلك بالجدار الذي تُضرب فيه المسامير ثم تُنزع؛ هذا الجدار تبقى عليه آثار من الثقوب، فلا يعود أملس كما كان في السابق.. عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: (من عمل سيئة، أُجل فيها سبع ساعات من النهار، فإن قال: أستغفر الله الذي لاإله إلا هو الحي القيوم -ثلاث مرات- لم تُكتب عليه).. من يرتكب معصية، يُمهل فترة زمنية، فإن استغفر بعد المعصية مباشرة، أي بعد دقائق أو بعد ساعة مثلاً؛ فإن هذه الرواية تشمله قطعاً!..

ثانياً: إن الاستغفار غير المغفرة، له خاصيتان:

١. زيادة الرزق: يقول تعالى: ﴿قُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا﴾.. فإذن، إن الإنسان الذي يشتكي من الفقر؛ عليه أن يستغفر الله عز وجل!..

٢. إزالة الهموم: عن النبي (صلی الله عيه): (مَن كثرت همومه؛ فعليه بالإستغفار)!.. فرب العالمين لطيف بالمؤمنين، لا يؤجل عقوبته إلى نار جهنم؛ فمن يعصي الله عز وجل أو يذنب ذنباً؛ يرسل عليه سحابة من الهم والغم.. روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا أراد الله عزّ وجلّ بعبد خيراً فأذنب ذنباً؛ تبعه بنقمة، ويذكّره الاستغفار.. وإذا أراد الله عزّ وجلّ بعبدٍ شرّاً فأذنب ذنباً؛ تبعه بنعمة ليُنسيه الاستغفار ويتمادى به، وهو قول الله عزّ وجلّ: ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ بالنِعَم عند المعاصي)؛ كأن يكون هناك إنسان: جالس بين عائلته، ممتلئ بطنه، مسترخ في حديقته، ولعله في سفرة سياحية ممتعة؛ وإذا بقلبه ينقبض فجأة، ويكاد أن ينفجر؛ ولا يدري من أين أتى هذا الهم؟!.. إن رب العالمين بيده القلوب، روي عن رَسُولُ اللَّهِ (صلی الله عيه): (إِنَّمَا قَلْبُ ابْنِ آدَمَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ)، وفي رواية أخرى: (إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل، يقلبها كما يشاء) حزناً وسروراً.: فكما أن الله عز وجل يرسل على الإنسان فرحاً من دون سبب؛ يرسل عليه حزناً من دون سبب!.. لذا، فإن من يعاني من الهموم والغموم، أيضاً عليه أن يستغفر الله عز وجل!..

ثالثاً: إن هناك ثلاث فئات، لا يقربها الشيطان اللعين، كما روي عن النبي (صلی الله عيه): (ثلاثة معصومون من إبليس وجنوده: الذاكرون الله، والباكون من خشية الله، والمستغفرون بالأسحار)..

-(ثلاثة معصومون من إبليس وجنوده).. إن إبليس له معركة كرّ وفرّ مع بني آدم: فهو يحتل مملكة القلب، ولكن عندما يستغفر الإنسان ربه؛ فإنه يخنس وينهزم.. وهذه الأمور هي من صفاته وقد ذُكرت في سورة “الناس” ﴿الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ﴾؛ أي يذهب ويأتي، كما يقال في اصطلاح العساكر -هذه الأيام- مناوشات: أي تارة هذا يغلب، وتارة هذا يغلب!.. لذا، هناك ثلاث مملكات:

١. المملكة الشيطانية: وهي مملكة الفسقة والفجرة الذي احتلها إبليس.

٢. المملكة الرحمانية: وهي مملكة الأئمة المعصومين (عليهم السلام).

٣. مملكة الكرّ والفرّ: وهي مملكتنا نحن.

إن هذه الرواية تشير إلى أن الإنسان من الممكن أن يصل إلى درجة تصبح مملكته محصنة، فلا يدخلها الشيطان.. وإن حاول أن يزعجه ويرميه بالسهام؛ ولكنه لا يستطيع احتلال تلك المملكة المحصنة، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾؛ هذه الآية فيها تخفيف، فقوله تعالى:

أ- ﴿مَسَّهُمْ﴾؛ أي لم يتغلغل فيهم.

ب- ﴿طَائِفٌ﴾؛ أي كأن هناك شيئاً يطوف عليهم طوفاناً، لا يستقر فيهم.

في الكافي، بإسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: ﴿إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾.. قال: (هو العبد يهمّ بالذنب، ثم يتذكر فيمسك، فذلك قوله: ﴿تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾).. ولكن من هم هؤلاء الثلاثة؟..

الفئة الأولى: (الذاكرون الله).. أي الذين يذكرون الله عز وجل بالمعنى الصحيح، فالقلب الذاكر هذا قلب معصوم؛ لأن المعصية من لوازم الغفلة:

١. إن الإنسان الذاكر عندما يعلم أن العمل الذي سيقوم به، هو حرام يثير غضب الله عز وجل؛ فإنه لا يُقدم عليه!.. فليس هناك عاقل يقدم على غضب الله عز وجل!..

٢. يقول تعالى: في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾.. من صفات عباد الرحمن، أنهم يذكرون الله كثيراً.

٣. روي عن رسول الله (صلی الله عيه): (إن الشيطان واضع خرطومه على قلب ابن آدم، فإن هو ذكر الله -تعالى- خنس، وإن نسي الله -تعالى- التقم قلبه).. يبتعد الشيطان عن القلب المؤمن، ولكن إذا غفل عن ذكر الله عز وجل؛ يلتقمه.. أي أنه يخنس بمقدار ما يذكر الإنسان ربه!..

٤. روي عن رسول الله (صلی الله عيه): (داووا مرضاكم بالصدقة، وادفعوا أبواب البلاء بالدعاء، وحصّنوا أموالكم بالزكاة؛ فإنه ما يصاد ما تصيد من الطير إلا بتضييعهم التسبيح).. أي أن الطير عندما ينشغل ويغفل عن ذكر الله عز وجل؛ يقع فريسة في يد الصياد!..

الفئة الثانية: (والباكون من خشية الله).. إن الفئة الأولى أي (الذاكرون الله) يبدو أنها حالة مستمرة، ولكن الذين يبكون من خشية الله عز وجل، هؤلاء يتولى رب العالمين قلوبهم من وقت لآخر!.. والبكاء يكون لعدة أسباب، منها:

أولاً: البكاء من الذنب.. إنه لمن الطبيعي أن الذي يعصي؛ يبكي.. فبعض العصاة بعد المعصية مباشرة يبكي بكاء مريراً، ولكن في اليوم الثاني يرجع إلى معصيته.. فإذن، هذا ليس بكاء من خشية الله!..

ثانياً: البكاء من الخشية.. إن البكاء من خشية الله عز وجل، يكون عند الإحساس بالعظمة.. فأغلب من يذهب لزيارة المعصومين، وخاصة بعد انقطاع فترة، فإنهم يبكون شوقاً للإمام؛ فهذا ليس بكاء على ذنب!.. وكذلك الأمر في الحج والعمرة: بعض من يرى الكعبة لأول مرة؛ تأتيه قشعريرة.. وهناك من يشعر كأنه رأى شيخاً كبيراً، أو التقى بالأنبياء والمرسلين!.. فالكعبة لها شخصية، ولهذا الأئمة (عليهم السلام) كانوا يسلمون على الكعبة وكأنه إنسان عظيم جالس!.. فإذن، هذه الحالة من الخشية: لا هي خوف، ولا هي طمع، ولا هي ندم على معصية؛ إنما هي إحساس بالعظمة!..

الفئة الثالثة: (والمستغفرون بالأسحار).. يبدو أن الاستغفار بالسحر له خاصية الكيمياء التي كانت تقلب الفلز إلى ذهب، أو ما يُسمى بالكبريت الأحمر.. فخاصية السحر تكمن في:

أولاً: هو ساعة تدني المعاصي؛ لأن المعاصي عادة تكون في أول الليل، ومنتصفه إلى أواخره.. فالعصاة: كأهل الرقص والطرب والمجون، قبيل الفجر بساعة يستلقون كالموتى.. لذا، فإن ساعة السحر، تكون ساعة نقاء الطبيعة المعنوية.

ثانياً: إن الذاكرين لله عز وجل في ساعة السحر قليلون، فعندما يطلّع رب العالمين على الأرض، يرى أن القائمين في الأسحار هم نسبة قليلة جداً، بينما النسبة الأكبر على هذه الكرة الأرضية من القطب إلى القطب، هي التي تغط في نوم عميق!.. هؤلاء المستغفرون بالأسحار، يرفعون أيديهم إلى السماء وهم يكررون: العفو!.. العفو!.. العفو!.. ودموعهم على خدودهم، لذا فإن رب العالمين يباهي ملائكته بهذا المنظر، روي عن رسول الله (صلی الله عيه): (كل عين باكية يوم القيامة إلا أربعة أعين: عين بكت من خشية الله، وعين فُقئت في سبيل الله، وعين غضّت عن محارم الله، وعين باتت ساهرة ساجدة، يباهي بها الله الملائكة ويقول: انظروا إلى عبدي!.. روحه عندي وجسده في طاعتي، قد جافى بدنه عن المضاجع، يدعوني خوفاً من عذابي، وطمعاً في رحمتي، اشهدوا أني قد غفرت له).. وقد خصهم القرآن الكريم بالذكر، حيث يقول تعالى: ﴿..وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ﴾؛ فالاستغفار بالسحر يخرق الحجب!..

الخلاصة:
١. إن هؤلاء هم الفئات الثلاث المعصومون من إبليس: الذاكر لله، والباكي من خشية الله، والمستغفر بالأسحار.

٢. إن هؤلاء -أي الفئات الثلاث- من أولياء الله عز وجل، وولي الله من شؤون الله!.. وإذا صار العبد من شؤون الله عز وجل؛ فإن رب العالمين يتكفل حمايته: فلو غفل، أو دخل الشيطان مملكته؛ فإن رب العالمين يطرد الشيطان من قلبه؛ لأن هذا القلب هو له وإن غفل أو سها؛ ولكنه قلب ذاكر لله عز وجل، باك من خشيته، مستغفر بالأسحار.

٣. يقال أن من يقرأ آية الكرسي؛ فإن الملائكة تحفظه، ولكنه إذا وصل إلى عدد معين؛ فإن رب العالمين هو الذي يتكفل عبده بالحماية.. عنه (صلی الله عيه): (من قرأ آية الكرسي مرّة، محي اسمه من ديوان الأشقياء.. ومن قرأها ثلاث مرّات، استغفرت له الملائكة.. ومن قرأها أربع مرّات، شفع له الأنبياء.. ومن قرأها خمس مرّات، كتب الله اسمه في ديوان الأبرار.. ومن قرأها ست مرات، استغفرت له الحيتان في البحار، ووقي شرّ الشيطان.. ومن قرأها سبع مرّات، اُغلقت عنه أبواب النيران.. ومن قرأها ثماني مرّات، فتحت له أبواب الجنان.. ومن قرأها تسع مرّات، كفي همّ الدنيا والآخرة.. ومن قرأها عشر مرّات، نظر الله إليه بالرحمة، ومن نظر الله إليه بالرحمة، فلا يعذّبه).. وفي رواية: (مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلَمْ يَقْرَبْهُ شَيْطَانٌ حَتَّى يُصْبِحَ).. إن كانت قراءة آية الكرسي تحمي الإنسان؛ فكيف بالاستغفار بالأسحار، والبكاء من خشية الله عز وجل؟!..

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.