Search
Close this search box.
  • النفس الأمارة بالسوء
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

النفس الأمارة بالسوء

بسم الله الرحمن الرحيم

الاستفادة من الحضور في المساجد والعبادات

إن الكثير منا يتردد إلى المساجد؛ يصلي فيها ويعبد ربه ويخرج منه كمن يدخل إلى المستشفى ويبقى فيها لساعات ولكن لا يقابل فيها طبيبا ثم يخرج منها. أو يرى الطبيب ولكن لا يكشف عليه أو يكتب له الطبيب الدواء فلا يشتريه أو يشتريه ويرميه جانبا بدل استعماله وفي كل هذه الحالات هل يتوقع الشفاء؟ بل يرجى للمريض الشفاء إذا مر بهذه المراحل وأخذ العلاج واستعمله. فلو أدمنت الحضور في المساجد وأدمنت قيام الليل والصلاة ثم بلغت من العمر ما بلغت ولم تر تغييرا جوهريا في نفسك فأنت كمن دخل المستشفى ولم يأخذ العلاج فهو لا زال غارقا في الشهوات المحرمة والآفات المردية كالحسد وغيره. ومهما ترقى الإنسان في مدارج العبادة ثم لم يرى تميزا في علاقته مع ربه؛ فعليه أن يعيد النظر في جميع حساباته.

معايير تصنيف الناس في الدنيا ومعايير تصنيفهم في الآخرة

يقسم الناس في أيامنا هذه على حسب جنسياتهم وأموالهم وشهادتهم الجامعية؛ فيقال: فلان طبيب أو خريج أو و من البلد الفلاني أو هو أعزب أو متزوج وما شابه ذلك من التقسيمات التي تعود إلى البدن لا الروح. ولكن ما هي تقسيمات النفس البشرية وهل فكرت فيها؟ إن القرآن الكريم قد ذكر ثلاثة أنفس: اللوامة والأمارة والمطمئنة. وإن نفسك تقسم بهذه التقسيمات بعد موتك. يقول سبحانه: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ)[١]؛ فساعة الموت يقال عنك: مطمئن أو لوام أو أمار. ولا بد أن نفكر في الشهادة التي سنحوزها في ساعة الموت؛ فهي الشهادة المعتبرة وقد قال سبحانه: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ)[٢] وهو الكتاب الأبدي.

ولم يرد في القرآن الكريم ذكر هذه التقسيمات الثلاثة للنفس إلا مرة واحدة، فقد ذكر سبحانه النفس الأمارة والمطمئنة واللوامة مرة واحدة. لقد ذكر سبحانه في كتابه: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)[٣] وصاحب هذه الكلمة هو يوسف الصديق (ع) ولم يقل كلمته هذه في الجب حيث لا كان صغيرا أو في قصر زليخا في عنفوان شبابه أو في السجن حيث كان في أول أيام الامتحان وإنما قال هذه الكلمة في آخر يوم من الامتحان حيث كان قد خرج من الجب وقاوم زليخا وقضى فترة من الزمن في السجن وعندما اضطر الملك لمن يأول له رؤياه وقال: (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ)[٤] ولكنه أرجع رسول الملك حيث لم يكن ليرضى أن يخرج من السجن وهو لم يأخذ البراءة بعد ولم تعد إليه كرامته؛ فهو نبي ومؤمن اتهم زورا بالتحرش بامرأة العزيز. فقال: (فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ)[٥].

يوسف (عليه السلام) يطالب بإثبات برائته

وهنا جمع الملك النسوة وقال لهن: (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ)[٦]؛ وقد اعترفت زليخا بما فعلت ولكن بعد هذه السنوات الطويلة. وهنا قال يوسف: (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ)[٧]؛ فلقد كنت في قصر زليخا ولكن لم أخن العزيز. فالدرس الأول: أن يكون الإنسان خائفا بالغيب وله ظاهر جيد فليشكر الله على ذلك ولكن كيف هو في الخلوات؟

وهل كان يبقى ذكر يوسف (ع) خالدا لو استسلم لشهوته في تلك الليلة بعد أن قالت له: هيت لك؟ وهل ذكرناه بعد آلاف السنين وخلده القرآن الكريم من خلال سورة باسمه؟ ولذلك على الشاب أن ينظر إلى المدى البعيد ولا يبع الأول والآخر في خلوته مع أجنبية أو عند ذهابه إلى الغرب. لقد قال لي طالب: أنهم في الغرب يأكل خنزيرا صغيرا بمرور الزمن حيث نأكل قطعة هنا وقطعة هناك وإذا بنا في هذه المدى الدراسية قد تناولنا خنزيرا كاملا من حيث لا نشعر أو ينظر ما ينظر ويرتكب ما يرتكب في تلك البلاد وهو غافل عن قوله تعالى: (وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ)[٨].

النفس الأمارة

وإن من الآيات العجيبة: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)؛ أي يا أيها الملك إنني لم أخن ولكن الأرضية موجودة في النفس والذي أنقذني هي رحمة الله عز وجل. وقد وقع بحث بين العلماء في هذه الآية وأمثالها من الآيات كقوله تعالى: (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ)[٩]، وهل أن الإنسان مجبور أم ماذا؟ وبالطبع أن الإنسان ليس مجبرا وإنما هذه هي الطبيعة البشرية وبإمكان الإنسان مخالفتها. إنك تستطيع أن تقفز في الهواء والحال أن الجاذبية تشدك إلى الأرض كما تسقط التفاحة الأرض. ولا يمكن للإنسان أن يطير إلا إذا امتلك جناحين.

ولذلك يبين لنا النبي يوسف (ع) مقتضى هذه النفس البشرية التي ينبغي أن لا نخدع بها. فقد جاءني أحدهم وقال لي: لقد كنت مستقيما مدة من الزمن طويلة حتى ظن الناس بي خيرا كثيرا ولكنني فجأة خرجت من الدين أصلا وكان مستغربا من ذلك. إن الشيطان يجعلك تغفل عن نفسك؛ فقد تترقى قليلا وتأتيك دمعة من هنا وصلاة خاشعة من هناك فتظن بنفسك خيرا والحال أن عليك دائما أن تتذكر قول يوسف (ع) وتقول: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)؛ ولم يقل: آمرة بل بالغ في القول وقال: أمارة..!

[١] سورة الفجر: ٢٧-٢٨.
[٢] سورة الإسراء: ١٣.
[٣] سورة يوسف: ٥٣.
[٤] سورة يوسف: ٥٠.
[٥] سورة يوسف: ٥٠.
[٦] سورة يوسف: ٥١.
[٧] سورة يوسف: ٥٢.
[٨] سورة يوسف: ٥٢.
[٩] سورة الأنبياء: ٣٧.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • قال لي أحدهم: لقد كنت مستقيما مدة طويلة حتى ظن الناس بي خيرا وفجأة خرجت من الدين أصلا وكان مستغربا من ذلك. إن الشيطان يجعلك تغفل عن نفسك فقد تترقى قليلا وتأتيك دمعة من هنا وصلاة خاشعة من هناك فتظن بنفسك خيرا بل عليك أن تتذكر قول يوسف وتقول: وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء.
Layer-5.png