Search
Close this search box.
  • الميلاد الميمون للإمام الحسين (ع)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

الميلاد الميمون للإمام الحسين (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

حديثنا هو حول ميلاد سيد الشهداء (ع)، وخير الكلام ما كان تعليقاً على نص مبارك. يقول الشيخ في المصباح: (خَرَجَ إِلَى أَبِي اَلْقَاسِمِ بْنِ اَلْعَلاَءِ اَلْهَمَدَانِيِّ وَكِيلِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّ مَوْلاَنَا اَلْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وُلِدَ يَوْمَ اَلْخَمِيسِ لِثَلاَثٍ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ فَصُمْهُ وَاُدْعُ فِيهِ بِهَذَا اَلدُّعَاءِ)[١]. وليست هنالك إشارة واضحة جداً أن هذه الزيارة منسوبة إلى المعصوم ولكن هذا المعنى نحتمله عندما تُذكر هذه الزيارة في هذا الكتاب القيم، وهذا الاحتمال وارد.  وعلى كلٍ فإن العبارات فيها مضامين عالية. ولا بأس أن نأخذ جولة في هذه المضامين.

لقد ورد في هذا الدعاء: (اَلْمَوْعُودِ بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ اِسْتِهْلاَلِهِ ووِلاَدَتِهِ)[٢]. عادة عندما يولد للإنسان مولود؛ تكون الولادة مقترنة بالفرح والسرور. ولكن إمامنا الحسين (ع) اقترنت ولادته بالبكاء أيضا. إن النبي الأكرم (ص) وأباه أمير المؤمنين (ع) وأمه فاطمة (ع) يعلمون نهاية هذا المولود، وهم عند الولادة يتذكرون ساعة الشهادة. ولهذا اقترنت ولادته بالبكاء. ونلاحظ هذا المعنى إجمالاً في ميلاد الإمام الجواد (ع) لأنه أول إمام يقتل في أيام شبابه؛ فأشار الرضا (ع) عند ولادته إلى مقتله.

بكاء السماوات والأرض على سيد الشهداء (عليه السلام)

وقد ورد في هذا الدعاء: (بَكَتْهُ اَلسَّمَاءُ وَمَنْ فِيهَا والأرض وَمَنْ عَلَيْهَا)، وهذه العبارة قد لا يستوعبها من لا يستوعب حقيقة الإمامة والوصاية جيداً. أولا: إننا نعلم من خلال القرآن الكريم أن هذه الوجودات الصامتة ظاهرا – في واقعها – ناطقة عابدة مسبحة، وقد خاطب رب العالمين السماوات والأرض فقال لهما: (ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)[٣]. فهناك منطق، وهناك فهم. وكلنا يعلم قصة النمل والهدهد. إن هذه الحشرة وهذا الطير ملحقان – بمعنى من المعاني – بالجمادات بحسب الظاهر؛ فهذا الطير لا يعقل والحائط لا يعقل. ولكن انظروا إلى هذا الفهم؛ فعندما جاء سليمان (ع) علمت هذه النملة من هو الجائي وحذرت النمل منه وقالت: (لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)[٤]، وقد وضعت لهم تبريراً بقولها: (وهم لا يشعرون)؛ أي هذا الذي يأتي لا يشعر بما يعمل، ولذلك ادخلوا مساكنكم.

ثم يأتي هذا الطير ليخاطب نبي الله سليمان ويقول: (أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ)[٥]. ما هذا الكلام البليغ الرائع؟ فللهدهد هذا الفهم وهذا التحليل، وهو أن هناك امرأة تملكهم وهم يعبدون غير الله عز وجل. وهذه النملة تشخص من هو في الوادي، والسماوات والأرض تقول: أتينا طائعين، فما المانع بعد هذا الفهم الكوني أن يكون سيد الشهداء (ع) محطاً وموضعاً لبكاء الكائنات؟ إن الذي ألهم النمل، وألهم الهدهد، وأنطق السماوات والأرض؛ ما المانع من أن يلهمها مصيبة الحسين (ع)؟

فلا عجب أن مطرت السماء دماً في مقتله (ع)، ولا عجب أن يرى الناس دماً عبيطاً تحت الحجر بمناسبة مقتله، ولا غرابة أن أم سلمة رضوان الله عليها ترى بأن تلك التربة تحولت إلى دم في القارورة بوعد وبميعاد من النبي الأعظم (ص). إن سيد الشهداء الحسين (ع) في السماوات أكبر منه في الأرض؛ هكذا نفهم من الرواية النبوية. إن الحسين (ع) هو امتداد نسبي للنبي فهو ابنه والنبي الاكرم يقول: حسين مني؛ أي امتداداً رسالياً. وهذا المقام ينبغي أن نستوعبه جيدا.

بماذا عوض الله عز وجل الحسين (عليه السلام)؟

انظروا إلى الدروس والعبر في هذه الزيارة، منها: (اَلْمُعَوَّضِ مِنْ قَتْلِهِ أَنَّ اَلْأَئِمَّةَ مِنْ نَسْلِهِ)، وكلنا يعلم أن الحسنين في رتبة واحدة، والمديح لهما هو على حد سواء. فهما كما عبر عنهم النبي (ص)؛ ريحانتاي من الدنيا، وسيدا شباب أهل الجنة، وإمامان قاما أو قعدا. وكما تلاحظون التعبير بالمثنى وبالتثنية؛ ولكن قد جعل رب العالمين مزية للمجتبى وجعل مزية للحسين الشهيد بكربلاء. ما هي مزية المجتبى (ع)؟ أنه إمام في هذه الأمة ومن بين المأمومين أو قل: على رأسهم سيد الشهداء (ع). أمر المجتبى في زمان حياته كان نافذاً على أخيه؛ كما أن أمر أمير المؤمنين (ع) كان نافذاً على الحسنين (ع) في أيام حياتهما. وأما مزية الحسين (ع) أن الأئمة من نسله؛ فإمامنا السجاد (ع) ومن بعده من الأئمة هم من ذرية الحسين (ع).

ثم يقول الدعاء: (وَاَلشِّفَاءَ فِي تُرْبَتِهِ)[٦]. لم تقع في تاريخ البشرية مصيبة على بشر كما وقعت على الحسين (ع). ويحيى (ع) الذي هو أقرب الناس في طريقة قتله إلى الحسين (ع) حيث قطع رأسه لم تتعرض عياله إلى السبي. وما وقع عليه بعد القتل لم يقع على نبي ولا وصي. ولهذا خُص بمزية ليست لنبي ولا وصي. ما هي هذه المزية؟ أن الشفاء في تربته. راجعوا كتب الفقه لتلاحظوا أنه لا يجوز تناول أي تربة؛ لا تربة النبي ولا تربة أمير المؤمنين (ع) ولا تربة أي إمام معصوم آخر إلا تربة الحسين (ع). ومن مزاياه: (اَلْفَوْزَ مَعَهُ فِي أَوْبَتِهِ وَاَلْأَوْصِيَاءَ مِنْ عِتْرَتِهِ)[٧]. وكلنا يعلم أن الإجابة الخاصة تحت قبته.

مناجاة الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء عندما كثرت عليه الأعداء

لقد كان للإمام الصادق دعاء في اليوم الثالث من شهر شعبان، وينبغي للموالي التأسى بإمامه الصادق في دعائه، يا له من دعاء..! في اليوم الثالث من شهر شعبان يلهج الإمام الصادق بمناجات هي مناجات الحسين (ع) في يوم عاشوراء عندما كثرت عليه الأعداء، فكان يقول: (أَدْعُوكَ مُحْتَاجاً وأَرْغَبُ إِلَيْكَ فَقِيراً وأَفْزَعُ إِلَيْكَ خَائِفاً وأَبْكِي إِلَيْكَ مَكْرُوباً وأَسْتَعِينُ بِكَ ضَعِيفاً وأَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ كَافِياً)[٨]، وكل هذه  الكلمات هي إظهار للفقر والعجز والتواضع. أي يا رب، تراني بين عصبة قليلة. من كان مع الحسين (ع) ومع الأصحاب؟ عدد لا يعتد به. معه النساء ومعه الأطفال. ولكن إمامنا يقول: يا رب أنت القوي، وأنت القادر، وأنت الناصر؛ انظر إلى ضعفي وإلى قلة.

فكيف استجاب له رب العالمين وماذا صنع بهذا العبد الصالح وبهذا الولي وبوصي رسول الله وبمحيي آمال الأنبياء؟ لقد رفع اسمه في الخالدين. ثم يقول في ختام الدعاء: (فَاجْعَلْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا فَرَجاً وَمَخْرَجاً بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ اَلرَّاحِمِينَ)[٩].وأنت أيضا في الشدائد الهج بهذا الدعاء بحالة حسينية، واحفظه حتى إذا ما وقعت في أزمة أو وقعت في شدة لهجت به. ثم قل في آخر الدعاء: اللهم اجعل لي من أمري فرجا ومخرجا. وأي فرج وأي مخرج أعظم من أن تطلب الدعاء لفرج وليه الأعظم؛ ذلك الإمام الذي لا ينسى جده صباحاً ومساءاً.

[١] بحار الأنوار  ج٥٣ ص٩٤.
[٢] المصباح (للکفعمی)  ج١ ص٥٤٣.
[٣] سورة فصلت: ١١.
[٤] سورة النمل: ١٨.
[٥] سورة النمل: ٢٢.
[٦] بحار الأنوار   ج٩٨ ص٣٤٧.
[٧] بحار الأنوار   ج٩٨ ص٣٤٧.
[٨] المصباح (للکفعمی)  ج١ ص٥٤٣.
[٩] بحار الأنوار   ج٩٨ ص٣٤٧.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • وكلنا يعلم أن الحسنين في رتبة واحدة، والمديح لهما هو على حد سواء. فهما كما عبر عنهم النبي (ص)؛ ريحانتاي من الدنيا، وسيدا شباب أهل الجنة، وإمامان قاما أو قعدا. ولكن قد جعل رب العالمين مزية للمجتبى ومزية للحسين (ع). إن مزية الحسين (ع) هي أن الأئمة من نسله.
  • عادة عندما يولد للإنسان مولود؛ تكون الولادة مقترنة بالفرح والسرور. ولكن إمامنا الحسين (ع) اقترنت ولادته بالبكاء أيضا. إن النبي الأكرم (ص) وأباه أمير المؤمنين (ع) وأمه فاطمة (ع) يعلمون نهاية هذا المولود، وهم عند الولادة يتذكرون ساعة الشهادة. ولهذا اقترنت ولادته بالبكاء
Layer-5.png