Search
Close this search box.
  • المهدي (ع) استمرار للخط الحسيني
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

المهدي (ع) استمرار للخط الحسيني

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الأبحاث المهدوية هي أبحاث عديدة إلا أنني سأذكر بعض هذه الأبحاث وأبينها. من هذه الأبحاث قضية طول عمر الإمام (عج). إنني في الحقيقة أستحي من إثارة هذا البحث؛ إذ هل يعقل من عاشق لجهة أو شخص يثبت له وجوده ثم يشكك فيه؟ هل رأى أحد منا الكهرباء أو الأثير أو الأمواج؟ كلا. إلا أننا نرى الأجهزة التي تعمل بها، ومن ينكر الكهرباء يشكك الناس في عقله.

إثبات طول عمر الإمام الحجة (عجل الله فرج) من القرآن الكريم

إن القرآن الكريم قد أسكت المشككين من خلال قصة النبي نوح (ع). يقول سبحانه عن مدة دعوة نوح (ع) لا عمره: (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا)[١]. تسعمائة وخمسون سنة هي سنوات الدعوة إلى الله عز وجل، وهي مدة طويلة عانى فيها نوح (ع) كثيرا، وفي إصراره وصبره هذا درس لجميع المؤمنين. إن البعض منا مثلا يحاول مع أولاده ومع زوجته وأحبته ومن يعز عليه أمره فترة من الزمن ثم ييأس بعد ذلك. إن نوح (ع) الذي لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً لم يؤمن معه إلا قليل. وقد قيل: أن القليل دون المئة.

معاناة نوح (ع) مع زوجه وقومه

ولو قسمت عدد تسعمائة وخمسين على على ثمانين رجل أو امرأة فكم سيكون العدد؟ وكم ستكون النسبة؟ إنها نسبة ضئيلة قياسا إلى نبي الله نوح (ع) الذي كان من أولي العزم.  زوجته آذته تعرفون زوجة نوح وزوجة لوط من المذمومات في القرآن الكريم الزوجة هكذا اصحابه هكذا واقعا نبي الله نوح ما تحمل دعا على من في الوجه الارض فار التنور وقيل سا سماء أقلعي إلى آخره رب العالمين أهلك البشرية لأنه ما عاد فيهم نفع.

وبين قوسين: (إنني سمعت رواية ترتبط بما بعد الطوفان وبعد أن استقرت سفينة نوح (ع) على اليبس. وإننا في باب الأخلاق والموعظة لا نحتاج إلى سند قطعي؛ وإنما السند مطلوب في القضايا الفقهية. فينقل: أن الله عز وجل بعد أن أهلك البشرية وعم الطوفان وجه الأرض – وبعض الجبال التي نشاهدها في الأفلام العلمية تحتوي قمة الجبل بعض الأحافير من الأسماك وغيرها من الموجودات التي يقال أنها من آثار الطوفان. وكذلك هي بعض الجبال المنحوتة في قمتها حيث يبدو أن المياه هي التي حفرتها – أمر نوح (ع) بصنع الفخار وكل الأرض كانت عبارة عن طين بعد غور الماء وانتهاء الطوفان.

فصنع الفخار ووضعها تحت الشمس ثم جاء الأمر الإلهي بكسر هذه الفخار؛ فتعجب نبي الله نوح (ع) كيف يأمره الله بذلك بعى هذا الجهد الجهيد والوقت المبذول. فقال: يا رب ما الحكمة من كل هذا؟ فيقال: أن رب العالمين أراد أن يلقن نوح (ع) درساً؛ يا نوح لقد أمرتنا بإهلاك البشرية وقلت ألا ندع منهم دياراً؛ ففعلنا والآن نأمرك بكسر الفخار يعز عليك ذلك؟ ويعني ذلك أن إهلاك البشرية لم يكن بالأمر الهين على الله عز وجل؛ فإن صحت الرواية نفهم أن لرب العالمين عناية بخلقه؛ فكيف إذا أسلم له الخلق وكيف إذا آمنوا وكيف إذا أصبحوا من المتقين؟ إن المؤمن لا يعلم قدره إلا الله عز وجل.

ولكن ما هو الهدف من وجود إمام غائب؟

وينبغي للجميع أن يعرف إجابة هذا السؤال؛ فلعل ولدك يسألك ذات يوم فأعد له الجواب. أولا: إن الإمام (ع) ليس بغائب وقضية المهدي قضية يتفق عليها المسلمون إلا أن الكلام في أنه ولد أم لم يولد بعد؟ وهذه القضية من ضروريات الدين.

لقد أعجبتني عبارة وهذه العبارة لم أسمعها من علمائنا، تقول: لا تقولوا الإمام المنتظَر وإنما قولوا الإمام المنتَظِر. إنه هو الذي ينتظرنا. وهناك فرق بين قائد هجر قومه وذهب إلى قارة بعيدة ولا يكترث بهم، وبين قائد يعيش في وسط الأمة وينتظر الأعوان والأنصار وينتظر النصاب. وهذا القائد لا يسمى قائداً غائبا. ولهذا ينقل: أن الإمام (عج) عندما يخرج؛ يقول البعض: هذا وجه مألوف وقد رأيناه سابقا. وبالطبع إن الإمام يرى أكثر ما يرى في المشاهد المشرفة، ولعله يرى في المجالس؛ فما المانع من ذلك؟ فالذي يستهوي الإمام؛ إما مجالس جده أو مشاهد آبائه. ووجوده بهذا المعنى الذي ذكرناه لطف وهو الأمر الذي حفظ لنا هذا الوجود المبارك.

ألسنا في الشدائد وفي الأزمات فرداً وجماعةّ وفي السلم أو في الحرب نلهج بذكره ونستغيثه ونقول: يا أبا صالح المهدي أدركني؟ وطالما أدركك وشملتك عنايته.

علة عدم قضاء الحاجات

واسمحوا لي بتذكير أمر قد لا يحتاج إلى كثير تذكير؛ إنك قد تذهب لزيارة المعصوم ولك حاجة تحت القبة الشريفة ثم ترجع وتقول: إن حاجتي قضيت ولم تقض..! وذلك أنك طلبت من الإمام مالاً أو فتاة أو أي شيء آخر فصغر الإمام حاجتي فرأيتها تافهة وانصرف قلبي عنها. إن أحدهم كان مغرماً بإحداهن إلى درجة العشق القاتل، وبعد التوسل يقول: كرهتها. فمن تصرف في قلبه؟

ولكن إن لم يعطك ما تريد فاعلم أن الحاجة في غير محلها. ليس من وظيفة الإمام أن يعطيك كل ما تريد. إن رب العالمين لا يعطيك كل ما تريد. هل أنت تعطي ولدك كل شيء؟ إذا بكى الطفل أمامك وأراد منك سكينا ها كنت لتعطيه؟ أم أنك تقوم بتقشير الفاكهة له و وتقدمها له؟ ويكفيك من الإمام أن يتصرف في فؤادك.

لا تجزم برؤية الإمام (عجل الله فرجه)

إن الإمام له أعوانه وأنصاره وها ما نفهمه من بعض ما ينقل. فإذا اتفق في يوم من الأيام التي كنت فيها تائها في صحراء قاحلة أن ترى أحداً أو شملتك عنايته؛ فلا تجزم ولا تقل: رأيت الإمام. إن بعض القضايا في الحقيقة ملفتة. قد يكون الإنسان في شدة ثم يرى أحداً لثوان معدودة ثم يلتفت فلا يراه فلا ينبغي له أن يجزم برؤية الإمام؛ بل للإمام أنصاره وأعوانه الذين يحركهم ويستخدمهم.

من آثار وجود الإمام (عجل الله فرجه)

ومن آثار وجوده (ع) ما نقرأه في الأدعية والروايات: (وَ بِيُمْنِهِ رُزِقَ اَلْوَرَى وَ بِوُجُودِهِ ثَبَتَتِ اَلْأَرْضُ وَ اَلسَّمَاءُ)[٢]، وقولهم: (لَوْ لاَ مَا فِي اَلْأَرْضِ مِنَّا لَسَاخَتْ بِأَهْلِهَا)[٣]؛ لماذا خلق الله هذا الوجود؟ إن القرآن الكريم يجيبنا على هذا السؤال بقوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[٤]. إننا نقرأ في حديث الكساء بغض النظر عن سنده: (ما خلقت سماء مبنيّة، ولا أرض مدحيّة، ولا قمر يسري، ولا فلك يجري، إلاّ لأجل الخمسة الذين تحت الكساء)[٥] وروي: (لَوْلاَكَ مَا خَلَقْتُ اَلْأَفْلاَكَ)[٦]؛ أليست هذه المضامين مقبولة عندنا؟

وكمثال على ما ذكرنا: عندما يقام في المدرسة احتفال تكريمي للأوائل والمتميزين ويؤتى بالضيافة وتنصب المنصة ويؤتى بالزهور وتوضع الكئووس وما شابه ذلك؛ فيقال: لماذا هذه المظاهر؟ فيقولون: إنها لتكريم الأوائل. فالفائز الأول والتلميذ الأول والخريج الأول هو الذي يعطى الجائزة، ويقولون هذه الاحتفالية أقمناها لك، ثم للثاني والثالث، ومن ثم لذويهم الحاضرين، ثم للخدم والحشم. والكل يأكل ويشرب. إن مثالا عرفيا كهذا يحل مشكلة كبيره. إن الذي أحرز الجائزة الأولى في العبودية هو محمد (ص) والممتحن هو رب العالمين، ويليه في كسب المقام أمير المؤمنين والأئمة (ع) من ذريته. ثم أنا وأنت وأمثالنا نأتي في الدرجة التالية.

إنني أنقل لكم سؤالاً وجدانياً يجول في ذهني بين وقت وآخر. إنني لا أدري كم هو عدد البشر؟ إن رب العالمين يطلع على القارات الخمس أو الست فيرى المليارات في ساعة واحدة وفي لحظة واحدة؛ فكم من هؤلاء يمثلون عباد الله على وجه الأرض؟ إن الله سبحانه يقول: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا)[٧]؛ فخذ مصباحاً أو فناراً وابحث عن هؤلاء في الأرض كم هم؟ هل تتوقع منهم الملايين؟ ما أظن أنك تجد الآلاف. كم يعز على رب العالمين أن تكون هذه الأرض مسخرة للعباد ويغذيهم ويطعمهم ولكن يكون الذين حققوا الدرجات العليا الأقلون عدداً؟

عبادة الإمام (عجل الله فرجه)

إن على رأس الخليقة وعلى رأس العباد إمام زمانهم الذي هو محور حديثنا. لقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: (أَسْمَرُ اَللَّوْنِ يَعْتَادُهُ مَعَ سُمْرَتِهِ صُفْرَةٌ مِنْ سَهَرِ اَللَّيْلِ بِأَبِي)[٨]، وماذا يعني قوله بأبي؟ يعني أني فديتك بأبي وهو الإمام الصادق (ع). لا تقل: كيف يقول المعصوم لمعصوم آخر فديتك بأبي؟ هذه حركة رمزية أو تعبير مجازي. ويعتاده أي يمازجه. إن الإمام فيه سمرة ولكنها مشوبة بصفرة من سهر الليل.

إن الإمام عاش أكثر من ألف عام؛ من مئتين وستين من الهجرة إلى يومنا هذا. وكم حج؟ وكم اعتمر؟ وكم صام؟ وكم أحيا ذكر جده الحسين (ع)؟ إن من مزايا إمام زماننا أنه ليس هنالك إمام ولا معصوم؛ من النبي والذرية الطيبة (ع) عاش هذه العبادة الفعلية. إن أباه العسكري (ع) قتل في ريعان شبابه، والإمام الهادي (ع) قتل شاباً، وكذلك الإمام الجواد (ع). وهل عبادة الله هذه الفترة الطويلة أمر هين؟ ولو قدر للإمام العسكري (ع) أن يعيش عمر ولده لتعبد ولكن العبادة الفعلية مختصة به (ع).

حاول أن تحول علاقتك بالإمام من علاقة نظرية عقائدية وما شابه إلى علاقة وجدانية؛ وذلك بأن تستشعر وجوده المبارك. لقد سمعت من أحد الخطباء المهدويين الذين قل في العلماء مثله أن يكون مهدويا من رأسه إلى قدمه، أنه قال: دعيت في سنة من السنوات لكي أرقى المنبر في المسجد المجاور لحرم الرضا (ع) مسجد گوهرشاد. وكنت آليت على نفسي في شهر رمضان المبارك ألا أتكلم إلا عن إمام زماننا في كل ليلة من لياليه عدى ليالي المصيبة والشهادة.

قصة شاب لم يتحمل فراق إمام زمانه (عجل الله فرجه)

فرأيت شاباً في المجلس وأنا أذكر الإمام (ع) فيبكي ويتفاعل بصورة يثيرني تفاعله ويحركني – والخطيب يتفاعل مع تفاعل جمهوره – وأراه في كل ليلة يقترب من المنبر. فسألته ذات يوم عن عمله وعنوانه لكي أزوره في نهاية الشهر. فقال لي: لي دكان في المحل الفلاني، فذهبت إليه بعد الشهر الكريم ورأيته مغلقاً. سألت الجيران عنه فقالوا: لقد أتى بعد شهر رمضان ولكن كان في حالة من الذهول، وكأن فكره في عالم آخر؛ فأغلق محله وذهب ولم يعد.

وفي يوم من الأيام صادفته في الطريق فأخذني بالأحضان ودعا لي كثيرا، وقال: ماذا صنعت بي؟ لقد هيجتني وذكرتني بإمام زماني (عج) فذهبت أفتح المحل ولكن قلبي لم يطاوعني، وقلت: أين أنا وأين العمل؟ فذهبت إلى جبل من الجبال المحيطة بمشهد الرضا (ع) واعتكفت في ذلك الجبل اطلبه وأبكي لفارقه، ولم أعد أتحمل البشر إلى أن أدركتني عنايته. إنه لم يذكر ما الذي جرى له، ولكن اللطيف أن هذا الشاب قال لي: لقد أصبحت لا أتحمل العيش بعده؛ يعني طلبت من الله أن يقبضني إليه، فهذا العشق يحرقني وقد ضاقت الدنيا بي. ثم توفي بعد أيام فتوليت كفنه وغسله وتدفينه.

ماذا يصنع العشق بالإنسان. وقد تقول لي: ما الفائدة؟ فقد ذهب هذا الشاب. ليس الأمر كذلك؛ فقد ادخر الله عز وجل هذه الوجودات كما نقرأ ذلك في دعاء العهد: (اَللَّهُمَّ إِنْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ اَلْمَوْتُ اَلَّذِي جَعَلْتَهُ عَلَى عِبَادِكَ حَتْماً مَقْضِيّاً فَأَخْرِجْنِي مِنْ قَبْرِي)[٩] وهل أنا وأمثالي من يخرج من قبره لنصرته أم هؤلاء وأمثالهم من العاشقين الحقيقيين؟

[١] سورة العنكبوت: ١٤.
[٢] زاد المعاد  ج١ ص٤٢٢.
[٣] المناقب  ج٤ ص١٦٧.
[٤] سورة الذاريات: ٥٦.
[٥] غرر الأخبار  ج١ ص٢٩٨.
[٦] الأنوار في مولد النّبی (ص)  ج١ ص٥.
[٧] سورة الفرقان: ٦٣.
[٨] فلاح السائل  ج١ ص١٩٩.
[٩] زاد المعاد  ج١ ص٥٤٢.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • لقد أعجبتني عبارة وهذه العبارة لم أسمعها من علمائنا، تقول: لا تقولوا الإمام المنتظَر وإنما قولوا الإمام المنتَظِر. إنه هو الذي ينتظرنا. وهناك فرق بين قائد هجر قومه وذهب إلى قارة بعيدة ولا يكترث بهم، وبين قائد يعيش في وسط الأمة وينتظر الأعوان والأنصار.
Layer-5.png