Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

– {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} أو {مَلِك يَوْمِ الدِّينِ}، فإن هذه الآية فيها قراءتان: {مَالِكِ} و {مَلِك}، ولكل من الكلمتين معنى يغاير المعنى الآخر.. أما (المَلِك) فهذه الكلمة مأخوذة من المُلك، و(المالك) مأخوذة من المِلك وبينهما فرق.. المَلِك: هو ذلك الإنسان، أو ذلك الموجود الذي له الهيمنة على الشيء، من دون أن يكون مالكا له أيضا، كمَلِك المملكة، فهو يحكم شعبا، ويحكم المقدرات؛ ولكنه لا يملك مَن على وجه الأرض.. فهو مَلِك، وليس بمالك.. وفي بعض الأوقات، لا يكون الإنسان مَلِكا، بل يكون مالكا؛ أي مأخوذ من المِلك، لا من المُلك.

{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، هو مالك الوجود، ومالك العوالم.. ولكن لماذا خص يوم الدين، أي يوم الجزاء، يوم تنصب الموازين القسط ليوم القيامة في سورة الحمد؟.. لأنه يراد بنا أن ننتقل إلى عالمٍ آخر، فالقرآن الكريم يريد منا أن نكون كما قال عليٌ (عليه السلام): (هم والجنة كمن قد رآها، فهم فيها منعمون.. وهم والنار كمن قد رآها، فهم فيها معذبون، كأن زفير جهنم في أصول آذانهم).. ونحن مشكلتنا في هذا البتر، وهذا القطع، وهذه الاثنينية بين عالم الدنيا وعالم الآخرة. مع الأسف بعض الشباب الذي يذهب إلى الغرب، يقول: هي أربع سنوات وتنتهي، فلماذا لا أعيش حياتي ومتعتي في هذه البلدة، وعندما أرجع -إن شاء الله- سأكون عبداً صالحاً؟.. وبعض المؤمنين يقول: أرجع وأذهب إلى الحج، وتحت الميزاب، وعند الحطيم أستغفر ربي؛ فأكون قد جمعت بين المتعة الدنيوية وبين المغفرة الإلهية!.. هذا المنطق نوع استهزاءٍ بالله سبحانه وتعالى، ومن العجب أن فتاة لا تضمن إيمانها وعفافها، وتزج بنفسها في هذه الأماكن!.. نحن لا نمنع التعلم، ولكن بشرطها وشروطها، مع الأمن لا مع اليقين بالانحراف.. إن الناس يحتاطون في حياتهم الدنيا، فهم لا يتناولون منتوجاً غذائياً، مضى على انتهاء تاريخ صلاحيته يوما واحد، بل يرمون به في سلة المهملات.. ولكن عندما يأتي الأمر إلى الآخرة وإلى الدين وإلى السعادة الأبدية، فلا احتياط في ذلك!..

– إن الإنسان لو عاش في سفره وفي حضره هذا الربط بين عالم الدنيا وعالم الآخرة، لتغيرت صورة الحياة لديه رأساً على عقب.. ولهذا يقول تعالى في القرآن الكريم: {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ}.. فيوم القيامة يرى الإنسان واقع الأمور، ولكن الحقائق الأخروية موجودة أيضاً في الدنيا.. فعندما يأكل الإنسان مال اليتيم، فهو قد بلع شعبة من شُعب نار جهنم في الحياة الدنيا، بنص القرآن الكريم {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} .

– إن رب العالمين يمُن على خليله بأنه أراه ملكوت السماوات والأرض {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}.. فالقضية ليست عقوبة في الآخرة فحسب، وإنما في الدنيا أيضا!.. فعندما يغتاب الإنسان أحداً، يكون قد بنى كيانه من لحم الموتى، هذا الكيان الذي نبت على أكل لحم الموتى، ما الذي ينفع فيه؟.. هل ينفع فيه الذهاب للحج والعمرة؟!..

– إن أحد العلماء في النجف الأشرف كانت له حساسية مفرطة من الغيبة. في يوم من الأيام، تورط في استماع الغيبة.. يقول: سمعت الغيبة، نمت ليلاً، وإذا بي أرى في عالم النوم أني آكل لحم الميتة.. استيقظت من النوم، وإذا بهذه القطعة في فمي.. يقول: لفظت قطعة اللحم النتن من فمي.. ولكن ما الفائدة بقي النتن في فمي، لدرجةٍ لم أقدر على الخروج من المنزل، بقيت حبيس المنزل لعدة أشهر، وأنا لا يمكنني الخروج من النتن الذي يفوح من فمي.. فرب العالمين أراه ملكوت الحرام (الغيبة).

– إن النظر إلى (المومسات) يُقسي القلب، هي في الدنيا ملكة جمال، ومزينة ومتطيبة، ولكن في جوفها قيحُ جهنم، وهذا القيح لا يخرج إلا في عرصات القيامة.. فالدنيا ستر، ورب العالمين لو كشف الحجاب لنا، لكنا جميعاً مؤمنين، ولصرنا كلنا أنبياء.. ورب العالمين {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا}.. فبلاد الغرب أجمل البلدان، من حيث: المعالم، والنساء، والطبيعة…الخ، فرب العالمين يُملي لهم ليزدادوا إثماً، فهذه سنته، (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة، لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون).

– إن على المؤمن أن يربط بين السلوك اليومي وبين الملكوت، فالذي يتعامل مع الربا، يرى بأنه كسب الآلاف والملايين بربح بسيط –مثلاً- يخرج وهو يرقص فرحاً.. ولكن ما ملكوته في القرآن؟.. {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا…}؛ أي مجنون!.. لذا على المؤمن أن يسأل ربه أن يريه هذا الملكوت عند الهم بالحرام.

– كيف نقاوم الحرام، وخاصة الحرام المعهود؟.. هذه الأيام المحرمات كلها تؤدي إلى النساء: نظراً، واستماعاً، وغزلاً، ومحادثة،ً و..الخ.

إن المعادلة بسيطة جداً: البعض يعالج المعلول، ولا يعالج العلة.. يعالج الحُمى، ولا يعالج الجرثومة التي دخلت في دمه!.. فمن يريد العلاج، عليه أن يخرج الجرثومة من بدنه.. وذلك من خلال النظر إلى واقع الحرام، وإلى ملكوت الحرام، وإلى مؤقتية هذه الدنيا.

– إن اللانهاية إذا قسمت على المحدود، يكون الجواب: لانهاية.. فالحياة الأبدية إذا قسمت على ستين سنة حياة؛ معنى ذلك أن كل ساعة من ساعات العمر قيمتها لا نهاية..{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ}، يدخل المؤمن الجنة فرحا آمنا، يطرق أبواب الجنة، ويقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ}.. وقد ورد في الروايات: ( أن المؤمن تأتيه التحف من الله، من الحي الذي لا يموت إلى الحي الذي لا يموت).. فهذه غاية ليس وراءها مرمى!.. فالذي يظن هذه النظرية، هل يضيع شبابه وراء السراب!..

– إن الإنسان بعض الأوقات يعيش حالة السرابية، فمثلا: أحد الشباب تعلق قلبه بفتاة، ولم تنفع معه النصيحة.. وعندما تكلم معها وجد أنها متزوجة!.. وأحدهم كان يحيي الليل أمام البناية التي تسكن بها فتاته، وينتظر إلى أن تفتح الستارة، وينظر إليها ثم يذهب إلى منزله، وبقي على هذا الحال أربع سنوات.. بعض الناس هكذا يفعل في حب الفانيات.. ولكن هل هذا هو حال المؤمن؟.. بينما الله -عز وجل- يقول: (كذب من أدعى محبتي، فإذا جنه الليل نام عني!.. أليس كل حبيب يخلو بحبيبه؟!.. ها أنا ذا مطلع على أحبائي إذا جنهم الليل)!.. فمن أين للإنسان أن يعلم أن في ذلك مصلحة له؟.. ومن قال: أنه سيكون سعيداً إذا تزوج هذه الفتاة؟.. ومن قال: بأن الله سيعطيه ذرية طيبة منها؟.. ألا يخاف أنها لا تنجب، أو تنجب أطفالا معوقين، أو تنجب أطفالا ولكن رب العالمين لا يبارك في هذه الذرية!.. وكذلك فمن أين له العلم، أنه إذا صرف النظر عن هذه الفتاة، أن رب العالمين لا يزوجه بأفضل منها، فلماذا هذا الإصرار؟.. إن الإصرار فرع اليقين، والإنسان لا يقين له بعواقب الأمور!..

– {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.. قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}، ولم يقل: (نعبدك ونستعينك)؛ لأنه في اللغة العربية: تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر.. أي أنت المعبود لا معبود سواك، وهذا إدعاء كبير.. ولهذا يقول العلماء: عندما تقرأ الحمد، اقرأها بنية السورة (حمدية)، فعندما تقرأ القرآن، لا تنو على أنه كلامٌ لك.. إنما اقرأ ما أنزل على النبي.

– إن ساعة ولادة الطفل الأول، هي ساعة جميلة يترقبها الأبوان.. ولكن عندما يضم الأب طفله لأول مرة، فإن أول إحساس يعيشه هو إحساس الأبوة، والمسئولية: فتارة يغلب عليه الحنان، وتارةً يغلب عليه خوف المسئولية.. فهذا الطفل له نفقة، وله مستقبل، هل يوفق لذلك؟.. ويتسائل: هل هذا الولد قرة عينٍ له، كموسى لأم موسى؟.. أو شرٌ له، كابن نوح لنوح!..

– إن الطالب عندما يتخرج، ويجد وظيفة؛ فإنه يلتزم بالدوام من الساعة الثامنة صباحاً –مثلاً- لأنه يرى نفسه موظفاً.. هل في يوم من الأيام عشنا إحساس العبودية؛ أي أننا عبيد الله -عز وجل-؟.. إن العبيد لهم أحاسيس واضحة، فعندما جاء بعض الناس أمام عليٍ -عليه السلام- يعظمونه قال: (لماذا تعظموني تعظيم الجبابرة)؟.. هل في يوم من الأيام لقّنا أنفسنا بأننا عبيد؟.. والعبد لا حرية له في التصرف: فمثلا: هذه العين مخلوقة له، وأنا عبدٌ له، فعندما تمر فتاة يقول الرب: أنا صاحب العين، وأنا صاحب هذه الفتاة وخالقها.. اصرف عينيك عنها!.. يجب على العبد أن يقول: سمعاً وطاعةً!.. دون مِنة، وهذا الأمر لا يحتاج إلى جهاد عظيم.

– وإذا ربح العبد مليون دينار: عليه أن يدفع مائتي ألف للمرجع الذي يقلد، فهذا المال ليس له.. مئة ألف للسادة الكرام، ومئة ألف لصاحب الأمر، فالعبد ليس حراً، عليه أن يدفع هذا المال.. إن البعض يدفع مبلغا للمرجع، ويمن عليه أنه دفع له الحقوق الشرعية.. إذا كان لهذا العبد شريك في المال، والشريك طالب بحقه.. عندما يعطي المال للشريك، وخاصة إذا كان متأخرا، عليه أن يدفعه وهو في حالة خجل.. وهناك من يقسّط سهم الإمام، بينما يجب الدفع فورا عند المطالبة!.. إن الإنسان لو يعيش العبودية، عندئذٍ تنتهي كل مشاكله.. فيترك الحرام بسهولة جداً، وبلا تكلف، وبلا أي مشقة في هذا المجال.

-{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} من منا ليست له أزمة في حياته؟.. كلنا أصحاب أزمات: إما في الأنفس، وإما في الأبدان، وإما في الأهل، وإما في الأولاد، وإما مع المجتمع.. لذا على العبد أن يتخذ الله -عز وجل- أنيساً له في ساعات الرخاء، كي تقول الملائكة عندما يناديه في الأزمات: (هذا صوتٌ كنا نسمعه) فالشاب الذي يصلي ركعتين في ليلة الزفاف -ليلة الغفلة- ويطيل في هاتين الركعتين، ويأمر عروسه أيضاً أن تصلي، ودموعهما تجريان على وجنتيهما.. فعندما يُبتلى هذا الشاب يقول: يا رب!.. أنا لست بزبون جديد، أنا زبونك دائماً؛ ليلة الزفاف ذكرتك بركعتين، وعلى سرير المستشفى أيضاً ذكرتك بركعتين.. الرب هو الرب، والعبد هو العبد.. على المؤمن أن يسجل مواقف بطولية كهذه مع رب العالمين.. إن الذين وصلوا إلى درجة من درجات التكامل، وضعوا أرجلهم على شهوةٍ من الشهوات.. فيوسف -عليه السلام- بمُجاهدة واحدة، وإذا به ينتقل إلى درجة الخلود.

– لماذا اكتسب يوسف الخلود؟.. لأنه قال: بسم الله الرحمن الرحيم {ربي السجن أحب إلي}.. لم يقل: السجن أنفع لي، أي ليس زليخة وخلوتها والأبواب المغلقة والشبابية المشتعلة في كفة، والسجن في كفة.. بل يا رب لذتي في السجن، لا تقاس بلذتي في قصر زليخة.. وهنا البطولة.

{اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ}.. هو طلب للإيصال إلى المطلوب؛ أي اللهم!.. أوصلني إلى الهدف.. بخلاف أن تقول: اهدنا إلى الصراط: بمعنى أرنا الطريق.. وإراءة الطريق أمر، والإيصال إلى آخر الطريق والهدف أمر آخر. فالإنسان ليس عنده مشكلة مع الأحكام الشرعية، وذلك بفضل الرسائل العملية، ومراجعة العلماء. ولكن ماذا يعمل مع الموضوعات الخارجية؟.. فهو على مفترق طرق: هل يدرس هنا أو يذهب إلى الغرب؟.. هل يتزوج هذه الفتاة أو تلك؟.. هل يوالي هذا الإنسان أو ذاك؟.. هل يحب هذا العالم أو العالم الآخر؟.. أسئلة الاستفهام مليئة في حياتنا في كل شيء، فكل شيء له بدل، وكل شيء له ضد، ماذا نعمل؟.. بعض الأوقات يمشي الإنسان مشية معينة، وبعد عشرين سنة يجد نفسه في اتجاه معاكس (السائر على غير هدى، لا تزيده كثرة السير إلا بُعداً).

– إن العلاج في: {اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيم}؛ أي يا رب أريد منك الهداية، لا في الأحكام، بل في الموضوعات.. لذا على المؤمن عندما يدخل مدينة أو قرية أن يقرأ هذا الدعاء الذي أوصى به الرسول الأكرم (ص) للإمام علي (ع): (اللهم!.. ارزقني خيرها، وأعذني من شرها.. وحببنا إلى أهلها، وحبب صالح أهلها إلينا).. وإذا نزل منزلا يقول: (اللهم أنزلنا منزلا مباركاً وأنت خير المنزلين)، فإنه يرزق خيره ويدفع عنه شره.. ويستحب أن يدعو بما يلي: (اللهم!.. اجعل لنا من لدنك نوراً نمشي به في الناس، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور).

– يستحب قراءة سورة (القدر) في الركعة الأولى، والتوحيد في الثانية.. لأن سورة القدر مرتبطة بأهل البيت عموماً، وبصاحب الأمر -عليه السلام- خصوصاً.. لأنه في ليلة القدر {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ}.. فلكل مُتنَزِل مُتنزل عليه، ولكل طائرة مطار، ولكل نازل منزل.. وفي كل عصر هنالك حجة، يقول الإمام الصادق (ع): (لو بقيت الأرض بغير إمام، لساخت).. فإذن، إن الملائكة تتنزل على صاحب الأمر (عج).. ولهذا فإن على الذين يشتكون من الشقاوة، وضيق الرزق، أن يخاطبوا إمامهم -صلوات الله وسلامه عليه- ليكون شفيعاً لهم عند الله: (اللهم!.. إن كنت أثبت اسمي في ديوان السعداء، فلك الحمد ولك الشكر.. وإن كنت أثبت اسمي في ديوان الأشقياء، فامح شقائي، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب).

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.