Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن من الأمور التي يبتلى بها المؤمن في حياته العملية، مسألة الغضب.. فالإنسان لا يخلو من مثير أمامه، فهو يغضب من أي شيء يراه أو يسمعه لا يرضيه.. ومن الطبيعي أن الإنسان لا يرضى عن كثير من الأقوال، وكثير من الأفعال.. ولكن الحل لا يكمن في عدم إثارة ما يوجب الغضب، فكل إنسان له طريقته في الحياة، وله رأيه.. ولا يمكن أن نجعل الناس كلهم في اختيارنا، وتحت أمرنا.. فرب العالمين على عظمته، الناس لا يسمعون كلامه؛ فكيف ببني آدم؟!.. وعليه، فلا بد من التأقلم.

أنواع الغضب:

أولاً: الغضب الرحماني.. وهو الغضب الذي يكون من أجل الانتصار للدين.. فموسى (ع) من أنبياء أولي العزم؛ أي من كبار الأنبياء، وهو كليم الله -عز وجل- ولكن انظروا إلى شديد غضبه!.. {وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ}؛ وأخوه هارون هو أيضاً نبي من أنبياء الله -عز وجل-.. الغضب كان غضباً رسالياً، فالقرآن الكريم يقول عن غضب موسى (ع): {وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ}.. ولكن لابد من الانتباه إلى أن منشأ الغضب قد يكون رحمانياً، ولكنّ تنفيذه شيطاني!.. فكما هو معلوم: هناك مراتب للنهي عن المنكر.. عن الرسول الأكرم (ص): (من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وهذا أضعف الإيمان)!.. فإذا أمكن النهي بالقول، يجب ألا تستعمل اليد!.. مثلاً: إذا رأى الأب منكراً في ابنه، أو في زوجته.. هذا الغضب بحق، ولكن كيف ينفذ هذا الغضب؟.. يجب أن ينفذه: بالنصيحة، وبالنهي، لا بالضرب.. البعض يدخل الشيطان في جلبابه، ويوسوس له: بما أنك غضبت لله -عز وجل- انتقل للنهي باليد، دون أن تمر من خلال النهي القولي.

ثانياً: الغضب الشيطاني.. أما الغضب الذي عادة نحن نغضبه، فهو الانتصار للذات.. أغلب الغضب هذه الأيام، غضب شخصي: سواء كان الغضب إلهياً، ودخل فيه الشيطان.. أو كان الغضب شيطانياً من أصله.. إن هذا الغضب مشكلته، أنه يستولي على وجود الإنسان.. فالشهوة والغضب قوتان، إذا دخلتا وجود الإنسان؛ جلسا مجلس العقل.

إن بعض المواد تجتمع مع بعضها البعض، ولكن الخل لا يجتمع مع العسل.. فالخل عبارة عن مادة حامضة، والعسل مادة حلوة لذيذة، إذا تم جمع الخل والعسل، لا الخل يبقى خلاً، ولا العسل يبقى عسلاً.. يقول النبي (ص): (الغضب يفسد الإيمان، كما يفسد الخل العسل).. العسل فيه شفاء، ولكن إذا كان هناك كأس: نصفه عسل، ونصفه خل؛ من يشرب هذا الكأس؟..

إن الإنسان الغاضب يخرج من طوره، ومن هيئته.. ولهذا فإن أول عمل يقوم به عندما يهدأ غضبه، -إن كان مؤمناً- يعتذر، وثم في مقام التوجيه، وفي مقام جلب رضا الشخص، يقول: لست أنا الذي غضبت، بل الشيطان تلبّس بي.. إنّ تلبّس الجنّ مشكوك فيه؛ فهذا فيه وهم في كثير من الحالات.. أما تلبّس الشيطان؛ فهذه حقيقة، قال رسول الله (ص): (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق).

آليات العمل؟..

إن أئمة أهل البيت (ع) يبينون لنا آليات العمل.. يقول أبو جعفر (ع): (إن الرجل ليغضب، فما يرضى أبدا حتى يدخل النار.. فأيما رجل غضب على قوم وهو قائم، فليجلس من فوره ذلك؛ فإنه سيذهب عنه رجز الشيطان.. وأيما رجل غضب على ذي رحم، فليدن منه فليمسه؛ فإن الرحم إذا مست سكنت).

١- تغيير الحالة.. يقول الإمام الباقر (ع): (فأيما رجل غضب على قوم وهو قائم، فليجلس من فوره ذلك؛ فإنه سيذهب عنه رجز الشيطان).. الإمام ذكر عينة، وإلا فإن الخروج إلى الحديقة، أو الاغتسال، أو الوضوء؛ هذه أيضاً من المصاديق.. المهم أن لا يبقى في مجلس مع من غضب عليه.

٢- مس الرحم.. إن الذي يغير حالته أثناء الغضب، يذهب عنه رجس الشيطان، هذا بالنسبة للأجانب، أي إذا اختلف الإنسان مع شريكه، أو مع صديقه.. ولكن إذا كان الذي غضب عليه من أرحامه: الأم أو الأب، أو الأخ.. يقول الإمام (ع): (وأيما رجل غضب على ذي رحم، فليدن منه فليمسه؛ فإن الرحم إذا مست سكنت).. إذا كان الذي يغضب عليه أخاه، أو ابن عمه؛ فليحتضنه؛ فإن الغضب يزول بذلك.. أما بالنسبة إلى الزوجة، هي ليست من الأرحام، ولكن لا ننسى المودة والرحمة بينهما.

٣- كظم الغيظ.. إن الإنسان عندما يكظم غيظه، فإن رب العالمين يعطيه مكافأة سريعة، فيجد حلاوة الإيمان في قلبه.. يقول تعالى في كتابه الكريم: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.. ولهذا الذي لا يغضب فيعفو؛ هذا ليس فخراً.. إنما الفخر عندما يكون هناك شعلة مشتعلة في الباطن، ولكن لا يبدي ذلك، ويكظم غيظه!.. فكيف إذا كظم غيظه، وأحسن إلى الطرف الآخر؟.. هذا العمل هو قمة الخلق للإنسان المؤمن!..

الخلاصة: أن الإنسان عندما يغضب، عليه أن يُدخل هذا الغضب في المختبر: فإن كان إلهياً؛ يغضب بالطريقة التي يرضى عنها الله عز وجل.. وإن كان شيطانياً؛ يكظم غيظه.. فإن فعل ذلك يُعطى جائزة وهي حلاوة الإيمان في قلبه، قال النبي (ص): (ومَن كظم غيظاً؛ ملأ الله جوفه إيماناً).. والجائزة الأخرى: أن الله -عز وجل- لا يحلل عليه غضبه.. من منا لم يرتكب الأخطاء تجاه ربه؟.. فمن كظم غيظه؛ رب العالمين أيضاً يعامله بالمثل؛ فيعفو عنه.. قال الباقر (ع): (مَنْ كظم غيظاً وهو يقدر على إمضائه، حشا الله قلبه أمناً وإيماناً يوم القيامة…).

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.