Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

س١/ هذا الموضوع لا شك أنه على درجة من الأهمية.. فيا ترى لماذا اختصصتم هذا البحث بالحديث في هذا اللقاء؟..
إن الحديث حول الشيطان من الأبحاث الاستراتيجية المهمة جداً.. قلنا أكثر من مرة: بأن الإنسان السائر إلى الله هو في سفر، والمسافر له زاده، ومنعطفاته في الطريق، وقد يعترضه قطاع الطرق.. ولا شك بأن الذي يسافر إلى الله تعالى، كأنه أعلن الحرب على الشياطين، ومن هنا تجتمع عليه الشياطين -كما جاء في الروايات الشريفة- (إن الشياطين أكثر على المؤمنين من الزنابير على اللحم)!..
إن الشيطان يتميز بأمور كثيرة، تؤهله لأن يكون هو المنتصر في أغلب الأحوال، ومنها:
* الخبرة العريقة: فلو أن إنسانا يمارس تخصصاً في أي من الفنون سنوات قليلة، وإذا به يتقنه.. فكيف بالشيطان، وهو له خبرة ممتدة منذ آلاف السنين، بالإضافة إلى تفرغه في مجال الغواية والإفساد في الأرض!..
* جريانه من ابن آدم جريان الدم في العروق: كما أنه ليست هنالك خلية من خلايا جسم الإنسان، إلا والدم يصل إليها.. وكذلك أيضاً بنفس النسبة ترى الشيطان يجري في نفس الإنسان!..
ولنتصور معركة غير متكافئة في القوى، أضف إلى كونهم أعداء غير مرئيين.. كيف تكون المواجهة!.. ولهذا ينبغي الالتفات بأن المعركة جداً قوية.. وأن أغلب الضحايا طوال التاريخ استحوذ عليهم الشيطان؛ فأنساهم ذكر الله.

س٢/ ترى هل تطرحون مثل هذه المواضيع على موقع السراج؟..
في الواقع بعد أن تعرفنا على عالم الإنترنت، وجدنا أنه وسيلة ثقافية مذهلة، وليس من المنطقي منع الناس من استخدام هذه الشبكة، التي هي بلا شك نافعة جداً.. فارتأينا العمل بسياسة البديل، عن طريق إغناء الساحة الإسلامية بالمواقع المفيدة.. وبعد ملاحظة أن الحقل الأخلاقي غير مشبع، حيث الأغلبية تدور حول السياسة، والفقه، والثقافة العامة، وغيره.. عملنا هذا الموقع (السراج في الطريق إلى الله)، وبحمد الله تعالى بعد سنوات من الجهد المبذول، أصبح ساداً لفراغ جيد في هذا المجال.

س٣/ ما هي سبل الشيطان لإيقاع الإنسان في حبائله؟..
الشيطان له طريقان لغواية بني آدم:
الأول: العمل في عالم الشهوات: قال تعالى: {وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء}، و{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ}، و{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ}.. لهذا مما يؤسف حقاً هو تكالب الناس على هذا المجال.. فنجد آلاف البشر يجتمعون في دور الفساد والأسواق، وفي غيره.. إلا أنه يحتاج إلى جهد جهيد، فيما لو اقتضى الأمر لاجتماعهم في حلقة أو مسجد!..
الثاني: العمل في عالم الأفكار والمبادئ: وما يؤكده ظهور بعض المظاهر المنحرفة طوال التأريخ: الشيوعية، والماسونية، والبهائية.. وأيضاً سوء الظن، والإيقاع بين المؤمنين، والخوض في عالم الشبهات.. ولولا أن القرآن الكريم ذكر هذه الآية: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ}.. أي أن الشيطان يتدخل في فكر الإنسان؛ ليمنعه من تأدية أي عمل صالح بإيحاءاته المختلفة.. كما نلاحظ هنا في تخويفه إياه من مسألة الإنفاق، ووعده له بالفقر.

س٤/ قصص القرآن الكريم خير عبرة للناس، ومنها قصة يوسف (ع) وأخوته.. فكيف دخل الشيطان في هذه العائلة؟..
* إن الجمال اليوسفي، وحب يعقوب (ع) الأخاذ له، أوقعت في نفوس الأخوة حالة الحسد.. وبالتالي، فإن الشيطان استغل هذه الحالة أيما استغلال!.. مما لا شك فيه أن الحسد يوقع الإنسان في حالة اللاتوازن من اللاوعي والتفكير الجنوني.. منقول في كتب الأخلاق هذه القصة -التي إن صحت، لدل على جنونية هذه الحالة- أن أحدهم بلغ من الحسد مبلغه على جاره، فتعب على غلام وأكرمه ونعمه.. حتى ما إذا كبر طلب منه أن يقتله على سطح جاره ليتهم بقتله فيقتل!.. سبحان الله!.. هذا ما يورثه الحسد من شقاء لصاحبه دنيا وآخرة.
* يوسف (ع) مع أنه قال: {مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي}.. ولكن هذا لا يفهم أنه شريكاً معهم في القضية، بل هو كان ضحية للشيطان ووقع كيده عليه.. ومن هنا نورد هذه الحقيقة المهمة جداً: أن الشيطان إذا يئس من إنسان رأى فيه بادرة خير -كما يئس من الأنبياء والمخلَصين- يحوم ويحوم ليكلَّب عليه من هم حوله.. كما جاء في الروايات، عن الإمام الصادق (ع): (ولو أنّ مؤمناً على قُلّة جبل لبعث الله عزّ وجلّ إليه شيطاناً يؤذيه)!.. حيث أن الإنسان من الممكن أن يسيطر على نفسه، ولكن الشيطان له السيطرة على من يحوم حوله.. ولهذا المؤمن عليه أن يصلح نفسه والبيئة التي يعيش فيها؛ لئلا يكون للشيطان موضع قدم في حياته.

س٥/ دائماً نحن نتحدث عن إيقاع الشيطان بالإنسان المؤمن، فماذا عن العكس، أي إيقاع الإنسان بالشيطان؟..
واقعاً هذا يحتاج إلى بطولة!.. والذي يستطيع أن يوقع الشيطان هو بالفعل بطل من أبطال هذا الوجود!.. وقطعاً هذا لا يكون إلا لمن هم في حصن الله الحصين.. ألا وهم المخلَصين.

س٦/ يقول الله تعالى: { إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}.. فكيف يكون ذلك، مع العلم بأنه سبب كل الويلات والشرور في حياة البشرية؟..
هنالك تفسيران بالنسبة لهذا الوصف:
الأول: أنه ضعيف قياساً إلى الجهة التي نركن إليها ونلتجئ بها، وهو رب العالمين الذي خلقه وخلقنا جميعاً.. إذ أن من المعلوم إذا كان الإنسان في دار السلطان وبجواره، فهو يأمن من كيد الأعداء، فلا يعطيه بالاً، ويجده ضعيفاً، أمام قوة من اعتصم ولاذ به.
الثاني: أسلوبه الضعيف في الغواية: وهو انتهاج طريق التزيين والتضليل، وإراءة الأمور بخلاف الواقع.. وهذا لا يعمل شيئا مع إنسان على مستوى من النباهة، والبصيرة الإلهية في رؤية الأمور.. ولهذا نحن أمرنا أن ندعو بهذا الدعاء: (اللهم!.. أرنا الأشياء كما هي).

س٧/ قال تعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}.. نلاحظ أن الشيطان الرجيم يقسم بعزة الرب تعالى -وياله من قسم عظيم ومخيف!- بتصديه لغواية بني لآدم.. إلا أنه استثنى طائفة منهم وهم المخلَصين.. فيا ترى من هم هؤلاء؟..
المخلِص هو: هو الذي نوى المشي في درب الإخلاص، ساعياً باذلاً جهده.
المخلَص هو: هو ذلك المخلِص الذي كدح وتعب: بكاء في جوف الليل، وعملاً بالنهار.. حتى دخل دائرة الجذب الإلهي، بأن أدخله المولى حصنه المنيع، واصطفاه، وأراد أن يصنعه على عينه.
وخير مثال على من دخلوا دائرة الاصطفاء الإلهي هو مريم (ع)، {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً}.

س٨/ ما تعليقكم على حالة استكبار الشيطان ورفضه للسجود لآدم (ع)؟..
إن تكريم أي مخلوق منتسب إلى الله عز وجل -كالنبي المصطفى (ص) وآله الأطهار (ع)- هو بأمر من الله عز وجل، ولا ضير فيه أبداً.. كما أن الله أراد أن يكرم آدم من خلال حركة مختصة به وهي السجود، كذلك بالنسبة للأولياء والصالحين.. أما أن يجعل الإنسان لنفسه منهجاً في مقابل الله عز وجل.. فهذه قطعاً حالة إبليسية مرفوضة شرعاً.

س٩/ يقول الله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}.. ما هو المقصود بالقرين هنا؟..
* هنالك مفهوم خاطئ شائع ومتداول بين الناس وهو: نسب كل الحوادث والأزمات التي تطرأ على الإنسان، إلى قرين جني، أو كتابة عمل، أو طلسم.. مما يؤدي إلى حالة اللجوء إلى المحتالين والمشعوذين، ودفع الأموال الطائلة لهم.. وقطعاً هذا حركة جهولة، لا تسمن ولا تغني من جوع!..
* أما المفهوم الصحيح، فهو المتضمن لمعنى الآية الكريمة: بأن الإنسان يصل بتماديه في الباطل وانحرافه عن الجادة، إلى مستوى الاقتران بالشيطان -والعياذ بالله- بحيث يكون رفيقه ملازماً له في كل أحواله، وهذه مرحلة خطيرة جداً.

س١٠/ كيف دخل الشيطان الجنة ووسوس لأبينا آدم (ع)، وهو قد طرد منها.. ثم هل هو كان حاضراً بعينه، أم كانت الوسوسة في الفكر.. ثم هل أن آدم كان يعرف الشيطان؟..
* هنالك رأيان في هذا المجال هما: هل أن هذه الجنة هي جنة الخلد، أم أنها إحدى جنان الأرض؟.. والبعض قد يرجح الأول استناداً لقوله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً}.. ثم إن الشيطان لم يكن ممنوعاً من دخول الجنة؛ نظراً لأن آدم (ع) كان في موضع اختبار، حيث أمر بعدم الاقتراب من تلك الشجرة المنهية.. ومن المناسب هنا أن نلفت إلى دهاء الشيطان ومكره في عملية الإغواء، وكيف أنه جاء لآدم (ع) من زواية حساسة!.. بأن قال: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى}.. فآدم استذوق الجنة بما فيها من ألوان النعيم المادي، أضف إلى طعم التجليات الإلهية، وحلاوة القرب الإلهي.. ومن هنا نلتمس هذا الدرس البليغ: أن لكل إنسان منفذ مناسب لدخول الشيطان.
* إن الحوارية الموجودة في القرآن الكريم بين الشيطان وآدم، كاشفة على أنه كان في مطلع المواجهة.. ثم أن تشكل الشيطان أمر غير مستبعد، نحن نلاحظ في التأريخ كيف كان يتجسد للأنبياء، ومنهم نبينا الأكرم (ص)، حيث تجسد في دار الندوة تارة، وأخرى في معركة بدر.. أي أن للشيطان القدرة على أن يكيّف نفسه، ويظهر في مظاهر عديدة.
* من المؤكد أن آدم (ع) كان يعرف على كل حال أن الشيطان وجود غير وجوده.. ولكنه لم يكتشف خبثه بعد، حيث كان على البراءة الفطرية، فلربما لم يرَ له معصية قبل ذلك وخاصة أنه أقسم، كما جاء في القرآن الكريم: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}.. فلم يكن يخطر في بال آدم (ع) أن موجوداً يمكن أن يصل به الحد إلى الكذب في القسم.. ثم أنه معلوم أن آدم (ع) بعد أن التفت إلى خبث الشيطان، تاب إلى الله عز وجل، وأصبح من كبار البكّائين.

س١١/ هل من طرق تشجع الإنسان على استمرارية الهمة العبادية بعد شهر رمضان المبارك؟..
على كلٍّ القضية واضحة جداً!.. من يريد الحفاظ على برد العفو الإلهي، عليه أن يبقي على مسبباته، كما هو الحال لمن يريد أن يعيش حالة الارتياح في الغرفة المكيفة، تراه يكون حريصاً على أن يكون جهاز التكييف شغالاً، وبمجرد أن يطفأ الجهاز، يعيش حالة الضيق والتبرم.. والأمر كذلك بالنسبة للتجليات الإلهية على قلب الإنسان، فهو يحتاج أن يبقي لنفسه بعض من تلك الأمور، التي كان يلازمها في شهر رمضان -ولو على أقل التقادير- يلزم نفسه بقراءة خمسين آية يومياً، ويواظب عل صلاة الليل، ولو بأدنى صورها: بركعتي الشفع، والوتر.

س١٢/ عادة ما يكون للشيطان حيل خفية، بحيث يصور للإنسان مسألة الاشتغال العبادي مقابل الاهتمام بالواجبات الأخرى، أو قد يوقعه في أمور أخرى غير محببة، مثل: الرياء، والعجب، والتعالي، وغيره.. فكيف لنا أن نشخص تلبيسات إبليس؟..
إن الكشف عن الحيل الشيطانية من الأمور المهمة جداً.. أي أن يقشر الإنسان ظاهر القضية، ويصل إلى اللب الشيطاني.. إن من أخوف آيات القرآن هذه الآية: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}.. إنسان يتعب ويكدح سنين طوال، ثم بعدها يتبين أنه في طريق أعوج فكرياً، أو سلوكياً، وأنه كان عقلاً للشيطان من دون أن يشعر!.. وعليه، فإنه يلزم أن يكون الإنسان فطناً لبقاً في ترتيب سلم الأولوية من حيث الأهم فالمهم، بألا ينشغل بالجانب العبادي على حساب الاهتمام بالواجبات الأخرى: سواء كان قضاء لحاجة مؤمن، أو تفريج لكربة مكروب، أو إغاثة لملهوف، أو القيام بالأمور العائلية.. وأيضاً الابتعاد عن كل ما يوجب له الوهن في طريقه إلى الله تعالى، من جميع المفاسد، والرذائل الأخلاقية المحبطة للعمل.

س١٣/ ما هي أفضل السبل لعلاج مرض الوسواس؟..
أقترح أمران:
الأول: عدم الاعتناء بالشك بمحاولة المكابدة، والعمل بعكس ما يأتي به الشيطان لمدة زمنية معينة، ولتكن ثلاثة أيام مثلاً.
الثاني: إن لزم الأمر مراجعة أخصائي نفسي إذا لم ينفع الأول، فلربما تنفع العقاقير الطبية، فقد يكون هنالك خلل ما في الجسم؛ مما يسبب هذه الوسواس.

س١٤/ قال تعالى في سورة يس :{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ}.. ما المقصود بعبادة الشيطان في هذه الآية؟..
العبادة نوعان: هنالك العبادة الاعتقادية، باتخاذ شريك من دون لله عز وجل في العبادة.. وهنالك أيضاً الإشراك العملي.. ولعل الأغلبية واقع في هذا الشرك؛ نظراً لخفائه، كما جاء عن الرسول الأكرم (ص): (الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة السوداء، على صفاة سوداء، في ظلمة الليل)!..
ومن الجميل المهم أن نلتفت إلى هذه الآية الإعلامية من الرب جل وعلا، الذي يريد أن يبين لنا مدى عداوة الشيطان الرجيم، وكيف أننا اتخذناه إلهاً من دون الله تعالى، ولم نلتزم بالتحذير الإلهي.. أو يعقل أن يتبع الإنسان عدوه الذي يزج به إلى الهاوية؟!.. ثم إن الله تعالى يقول في آية أخرى: {أََفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} إشارة إلى عبادة الهوى أيضاً، وليس فقط العبادة الشيطانية.. جاء في الحديث: (من أصغى إلى ناطق، فقد عبده.. فإن كان الناطق يؤدي عن الله عزَّ وجلَّ، فقد عبد الله.. وإن كان الناطق يؤدي عن الشيطان، فقد عبد الشيطان).

س١٥/ يا حبذا لو تفضلتم بتفسير مبسط لسورة الناس؟..
كأن الله تعالى أراد في سورة الناس والفلق، الاعتماد على حوله وقوته.. وهذه حقيقة أنه {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا }.. فالإنسان مهما حاول، وحرص، وانتبه، وكشف تلبيسات إبليس؛ فإنه يحتاج إلى مدد إلهي.. قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ}.. فالرب هو المربي، والملك هو الفعال لما يشاء في مملكته، والإله هو المعبود.. نلاحظ أن القرآن الكريم استعمل الألفاظ الدالة على الهيمنة، والحكومة في مجال الاستعاذة.. ولكن -مع الأسف- نحن عندما يأتينا الشيطان، نكتفي بالتلاوة اللفظية المجردة؛ غافلين عن المعاني العميقة في ذلك.

س١٦/ ما هي العلاقة بين الإنسان، والشيطان، والملائكة؟..
* إن الإنسان قد يترقى في عالم القرب من الله عز وجل، حتى يكون كما ورد في هذا الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها).
* وكذلك هو الحال بالنسبة للشيطان، فقد يتجلى في فعل الإنسان إلى درجة أنه يصبح لسانه الذي يتكلم به، قال علي (ع) موبخاً لرجل تجاوز في الحديث معه: (ويحك!.. إنّ لكلّ أجل وقتاً لا يعدوه، وسبباً لايتجاوزه.. فمهلاً لا تعد لمثلها، فإنّما نفث الشيطان على لسانك).
* ولا يخفى أن المؤمن عند الله عز وجل، قد يكون أفضل من الملائكة: سئل الصادق (ع): الملائكة أفضل أم بنو آدم؟.. فقال: (قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع): إنّ الله عزّ وجلّ ركّب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركّب في البهائم شهوةً بلا عقل، وركّب في بني آدم كلتيهما.. فمن غلب عقله شهوته، فهو خيرٌ من الملائكة.. ومن غلب شهوته عقله، فهو شرٌّ من البهائم).. كما أن الفاسق يصل إلى درجة من المقت، حتى الشيطان نفسه لا يقبله!..

س١٧/ نرجو التوضيح ما هو المقصود بجنة الأعمال أو نار الأعمال؟..
يعني أن أعمال الناس خيراً وشراً، تتجسد أمامهم في عالم البرزخ، وفي عرصات القيامة.. قال تعالى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}.. لم يقل: (ستحيط بالكافرين)، وهنا إشارة إلى التلازم بين تبعات العمل السيئ وصاحبه.. فالذي يأكل مال اليتيم؛ يشعل في قلبه ناراً من نيران جهنم.. وهكذا الأمر بالنسبة لبقية الذنوب.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.