Search
Close this search box.
  • السفر إلى الله عزوجل
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

السفر إلى الله عزوجل

بسم الله الرحمن الرحيم

معرفة قيمة الوقت

إن الكثير منا للأسف الشديد لا يدرك أهمية الوقت وقيمته. إن لو اشتريت ساعة ثمينة ثم طلبها منك أحد لا تعرفه فإنك ستمتنع عن إعطائها إياه، وتقول: من أنت حتى أعطيك ساعاتي الثمينة؟ وقد يمتنع عن أعطاء هذه الساعة الثمينة لزوجته أو لأخيه أو من له حق عليه. ولكن أو تعلم أن أحدنا يعطي عشرات الساعات القيمة من عمره لمن لا يستحقها؟ تلك ساعة يدوية ثمينة تبخل بها ولكن ساعة العمر التي توازيها الأبدية تبذلها لكل من هب ودب؟

تغيير الواقع من خلال اليقظة

قد يتبرع البعض بتكاليف السفر إلى دولة مكلفة لصحابه ليأنس معه. إنه يدفع له مالاً ويصرف له وقته في مقابل أنس فان. ولذا لا بد أن يجعل الإنسان في باله مصطلحا يستعمله علماء الأخلاق والسير إلى الله عز وجل في كتبهم وهو مصطلح اليقظة. قد يستيقظ المرء على واقعه فيرى أن واقعه ليس على ما يرام فيسارع في إصلاحه. وقد تقول: إن واقعي جيد فلماذا تخيفيني؟ أين هو النقص في حياتي؟ ويكفي أن نضع اليد على الصلاة اليومية لنرى كم هو بحاجة إلى إصلاحها وإعادة النظر فيها؟ وقس عليها سائر الأفعال والعبادات.

الصلاة مقياس القرب من الله عز وجل

أليست الصلاة لقاء الله عز وجل؟ فاسأل نفسك هل أنك مقبلا على الله عز وجل في هذه الصلاة من أولها إلى آخرها؟ إن البعض يفكر في كل شيء إلا في الإقبال على الله عز وجل. وأنا أسمي هذه الصلاة بالفاضحة. لو أنك ذكرت للناس أنه بين وبين فلان علاقة وطيدة وهو يحبني كثيرا ثم ذهبت بهم إلى فلان فلم يرد عليك السلام أو رد عليك بفتور أما كانوا ليقولوا لك: إنك خدعتنا إن الرجل لا يعرفك جيداً؛ بل هو ساخط عليك؟ ليدعي أحدنا ما يدعي، فعند الصلاة يتبين صدق دعواه من كذبه، ويتبين مستوى علاقته بالله عز وجل.

عندما تمر فريضة على كبار المؤمنين والخاشعين ثم لا يقبل فيها يكاد يموت هماً وغماً ويقول: لماذا طردني رب العالمين في صلاتي هذه؟ فإذا لم يستيقظ لصلاة الفجر فتلك عنده كارثة الكوارث. والحال أن البعض ينام بين الطلوعين ويقول: رفع القلم عن النائم حتى يستيقظ وعن الطفل حتى يبلغ إلى آخره فهو يحفظ الرواية جيدا ولكنه لا يدري أنه يستشم من النوم عن الصلاة دائما رائحة الطرد. فقد يمر عليه شهر كامل يلقى عليه النوم فهل نسي مناجاة الإمام السجاد (ع): (اَللَّهُمَّ إِنِّي كُلَّمَا قُلْتُ قَدْ تَهَيَّأْتُ وَتَعَبَّأْتُ وَقُمْتُ لِلصَّلاَةِ بَيْنَ يَدَيْكَ وَنَاجَيْتُكَ أَلْقَيْتَ عَلَيَّ نُعَاساً إِذَا أَنَا صَلَّيْتُ)[١].

السبيل إلى الله والمآب

إن السفر إلى الله عز وجل سفر لابد منه، ولهذا السفر مبدأ ومنتهى. ونحن نريد أن نتعلم آداب هذا السفر. لقد بحثت في محركات البحث عن قوله تعالى: (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا)[٢] وكنت أظن أنها آية واحدة إلا أنني وجدت أن هذه الآية وردت في سورتين؛ الإنسان والمزمل، وهناك آية ثالثة وردت بلفظ آخر وهو قوله تعالى: (فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا)[٣]ويكون السبيل في مقابل المآب عادة. والسبيل هو الطريق أو الشارع والمآب هو منزلك والمقصد. فتعني الآية: من شاء أن يتخذ إلى ربه مقصداً ومنتهى وغاية.

إن من أراد الوصول إلى الغاية لابد أن يمشي في هذا الطريق. إن هذه آية من القرآن الكريم وليست رواية في الكافي أو البخاري فلماذا البعض يتذبذب وينتكس في هذا الطريق؟ إنه في شهر يكون في أفضل حال وفي شهر آخر في أسوء حال. أو يكون حاله في الوطن غير حاله في السفر فهو ليس على وتيرة واحدة لأنه ليس على الطريق وعلى السبيل، إنه لم يتخذ إلى ربه سبيلاً بعد. فأن تكون متبعداً أيام الزيارة وأيام المشي وأيام الحج والعمرة أمر جيد، ولكن هل لك سبيل وطريق تمشي عليه وهل هلك خطة عمل واضحة؟

المراقبة المتصلة

لقد جمعتني بأحد علماء السلف المتخصصين في هذا الطريق خلوة، فقال لي كلمة عابرة ولكنها لم تكن كذلك، إنها كلمة جامعة مانعة وفي الصميم، وقد أخذت هذه الكلمة بنحو الفتوى لأنه كان فقيها، إنه قال لي: من لم يراقب نفسه مراقبة متصلة لا يصل إلى مقام. وضع خطاً تحت كلمة المتصلة.

فقد تراقب نفسك خارج المنزل لأنك تخشى من الفضيحة الاجتماعية، وتحب أن تكون وجيها عند الناس مثلا، ولكنك إذا دخلت المنزل نزعت ثوب المراقبة واستبدلته بثوب الغفلة والنوم. فتتكلم مع زوجتك بغلظة، وعندما يقال لك: أين حسن الخلق؟ تقول: إنني حسن الخلق ولكن مع الآخرين. والحال أن كل ما يقال عن حسن الخلق، وعن الإكرام والاحترام يكون الأولى به الأهل والعيال. ك

قد يتعذر البعض ويقول: إننا أسقطنا التكلف بيننا ونحن نتصرف مع بعضنا البعض بكل أريحية. ولكن أليس إدخال السرور على المؤمن هو إخال للسرور على الله عز وجل؟ فإن أدخلت على أهل بيتك سرورا فقد أدخلت السرور على الله لأنهم مؤمنون وليس بالضرورة البحث عن فقير في الشارع أو ملهوف في قارة بعيدة. فالزوجة الملهوفة هي أولى من غيرها بإخال السرور عليها.

إن سيد الشهداء (ع) رأى عبدا يؤاكل كلبا فيأكل هو ويطعم الكلب معه، فقال له الحسين (ع): ماذا تصنع وما هذه الحركة التي قمت بها؟ ولو كان يرمي عظماً للكلب لما لفت النظر. فقال: أريد أن أدخل السرور على هذا الكلب فلعل الله عز وجل ينقذني مما أنا فيه.  وكانت حاجته الخلاص من سيده اليهودي. فقال له الإمام: تعال معي حتى نذهب إلى اليهودي. فقال لليهودي: أطلق سراح هذا الغلام يعني أعتقه. فقال اليهودي: فداء لخطاك يا أبا عبدالله..! لقد جئتني لأعتق هذا العبد ولأخلصه فهأنذا خلصته وملكته البستان الذي يعمل فيه. كن دقيقا في تصرفاتك.

دور المواسم العبادية في السير إلى الله

ولكن كيف نصل من ميناء الذات إلى ميناء اللقاء الإلهي؟ ولا يمكن الوصول إلا من خلال السفن الشراعية. ولكن لماذا  الشراعية دون غيرها؟ لأننا ننتظر الرياح الموسمية وهي شهور الطاعة والعبادة أمثال شهر رمضان وشهري محرم وصفر. إن المؤمن ينبغي أن تكون له جامعية فيما يأتي من العبادات والأذكار.

الاكتفاء بالذكر اللساني عن العمل والمجاهدة

إن البعض يغلب عليه الذكر ونسميهم الذكريون. إنني لأعجب من شاب أو مراهق يرتكب المعاصي ثم يأتينا يطلب ذكرا للخلاص منها. لقد أتاني شاب كان ممن يصلي خلفنا في المسجد، وقال لي: يا فلان..! ما من حرام إلا وقد ارتكبته. فدعونا له بالتوفيق والتوبة، ولكن يبدو أن رب العالمين عاجله بالموت في ريعان شبابه ضنا به وشفقة عليه من ارتكاب المعاصي الكثيرة لو بقي حيا. إن الموت قد يكون في بعض الأحيان نعمة على صحابها. فلو فقد أحدكم شاباً لا يحزن عليه كثيرا وإن كان له الحق أن يتألم؛ ولكن ليضع في الحسبان ألو بقي هذا الشاب حياً لكثرت معاصيه ولكانت الحياة وبالا عليه. أليس إمامنا زين العابدين (ع) يقول: (فَإِذَا كَانَ عُمُرِي مَرْتَعاً لِلشَّيْطَانِ فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَ مَقْتُكَ إِلَيَّ)[٤]؛ فما لي والدنيا إذا كانت توجب لي المزيد من المعاصي.

الذكر والمراقبة

فهل إذا قلت مائة مرة: يا رقيب؛ تصبح رقيباً ومحاسباً؟ إن الأمر أعظم مما تظن. إن الإنسان إذا كان مبتلى بخمسين مرض هل سيتعافى إذا قال: يا طبيب؟ بل عليه أن يهذل إلى الطبيب ويتبع ما يطلبه منه. عليك أن تراجع نفسك وتتوسل إلى الله عز وجل، وتذكر الله كثيرا فالذكر حسن وراجح ولكن بشرط أن يكون هذا الذكر في الطريق العام جنبا إلى جنب المراقبة.

سيد الأذكار

ومن الأذكار النافعة التي بإمكان الإنسان أن يأتي بها في مجالس الغافلين التي يضطر إلى الذهاب إليها كعرس أخيه أو أخته أو ما شابه ذلك من المناسبات؛ قول لا إله إلا الله سيد الأذكار. فاغتنم هذا الذكر في الساعات التي تقضيها في هذه المجالس والتي تذهب سدى في كثير من الأحايين. انطق بلا إله إلا الله وأطبق شفتيك حيث لا يعلم بك أحد؟ فقد شاء الله عز وجل أن يعجل كلمة الإسلام كلها لام وألف تقريبا.

ذكر الصلاة على النبي وآله (عليهم الصلاة والسلام)

إن سيد الأذكار التوحيدية لا إله إلا الله، ولكن عند التوسل بأهل البيت (ع) لا نجد ذكرا أشرف من الصلاة على محمد وآل محمد (ع) والإكثار منه. يقال: بأن الصلوات من بعض الجهات هي أقوى من التهليل – لا أقول أن الصلوات هي كلمة الإسلام – حيث أنك بلا إله إلا الله تتكل على قدرتك؛ ولكنك في الصلاة على النبي وآله (ص) توسط النبي وأهل بيته (ع) وتطلب منهم أن يأخذوا بيدك. وكأنك تقول: إنني أصلي عليكم وأنتم صلوا علي من باب المبادلة، ومن باب: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[٥].

قد يسأل سائل فيقول: هل من المعقول أن يصلي النبي (ص) علينا؟ نعم. إن النبي ليس أعلى من الله عز وجل ومع ذلك يصلي عليك وذلك قوله سبحانه: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ)[٦]. إنك قد تصلي على النبي (ص) طوال العمر مليون مرة، ولو صلى النبي عليك مرة واحدة كان ذلك كافيا لكي يقلب كيانك.

هل ينفع الذكر بلا توجه؟

هل ذكر أحدنا بلا توجه أمام التلفاز وهو ينظر إلى مسلسل أو إلى مباراة أو إلى ما شابه ذلك من البرامج ينفعه؟ هل يمكنه أن يكمل ذكر عاشوراء مثلا أمام التلفاز؟ إن آراء العلماء متضاربة حول هذه المسألة. يقول البعض منهم: إن الذكر كالدعاء، والذي لا يدعو لا ذكر له. إن ولدك إذا قال: إنني عطشان أو لم يقل حتى فإنك ستبادر أو الأم إلى سقيه لأنك تعلم أنه يعي ما يقول ويعني ذلك. ولكن النائم أو المغمى عليه إن طلب ماء أو شيء آخر لا تكترث لقوله ولا تعبأ به لأنه لا يعي ما يقول. فإذا أمسكت بيد السبحة وقلت: استغفر الله وأتوب إليه ولم تكن نادما فأنت لست من المستغفرين، وإنما حالك حال النائم عندما يطلب شيئا.

ويقول طائفة من العلماء: أن الإنسان وإن كان فكره مشغولا وقلبه معرضا فلا بأس أن ينشغل بالذكر اللساني فإنه لا شك خير من العدم. أيهما أفضل؛ أن يمضغ الإنسان علكة أو أن يهلل؟

وذهب قسم من علماءنا إلى أن الذكر اللساني من دون توجه يشبه الزارع الذي قد زرع القمح ولكن فسد قمحه فهو وإن كان لا يحصد من الزرع ما كان يتوقعه إلا أنه يجد في السنبلة من الحب ما يعوض عليه شيئا من خسارته؛ كأن يجد في السنبلة عشرون حبة بدل المائة. أي لو أنك رددت ذكرا لألف مرة من غير توجه ولكنك توجهت مرة واحدة لكان ذلك خير لك من العدم. قد تقول مائة مرة:  السلام عليك يا أباعبد الله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك  من دون توجه وأنت في الطريق تنظر يمنة ويسرة إلا أنك تقولها مرة بتوجه؛ فهذه المرة ستنفعك. إن قيمة الذكرفي مقدار ما يقرب العبد إلى الله عز وجل.

ذكر مستعجل في الشدائد والأزمات

من الأذكار المهمة والمختصرة وذات التأثير الكبير التي إن قلتها بتوجه أغنتك عن الأدعية المفصلة عندما تكون في الشدة أو في أزمة مالية أو أزمة أمنية أو ما شابه ذلك هو قولك: (إلهي قد ترى ما أنا فيه – قد بمعنى التحقيق – ففرج عني ما أنا فيه). إن من يغرق في البحر لا يذكر قصيدة مثلا وإنما يكتفي بكلمة واحدة وهي: أنقذوني. إن الذكر إذا صار مركزاً يكون له وزن عند الله سبحانه.

اغتنم شغفك بالذكر

إن البعض له شغف بهذا العالم، وله جوع باطني. فإن رأيت في قلبك عطشا معنويا فإياك وإياك أن تفوته أو تتهاون به.  إن رب العالمين قد أيقظك وأعطاك شهية للذكر فاغتنم الفرصة التي قد لا تتكرر. لا تقل: إنني بحمد الله في حالة جيدة؛ فقد تكون غداً في أسوء حال. إن قلبك اليوم يدفعك إلى المجالس ولكنك لا تعلم بعد سنة بأي حال تكون. هذا وانتكاسات آخر الزمان معروفة فقد يصبح العبد مؤمنا ويغدو كافراً.

الأنس بالذكر والوحشة من الخلق

إن البعض قد يحول هذا الذكر إلى جلسة أنس برب العالمين، وذلك أن يأخذ زاوية في المنزل أو في مكان لا يراه أحد وينشغل بالذكر. ونصيحتي العملية للذاكرين هو الجلوس في مكان مريح، ولا داعي للتكلف. إن موسى (ع) لما سقى البنتين تولى إلى الظل ولم يدع ربه في الشمس. ولهذا فإن بعض المؤمنين في يوم عرفة لا يتوجه ويقول: إن الخيمة لم تكن مناسبة والجو كذلك كان حاراً. خذ مكانا مريحا في المنزل أو في الحديقة أو على شاطئ البحر، وأغمض عينيك واشتغل بالذكر سواء اليونسي أو التهليل أو الصلاة على النبي وآله (ع) أو زيارة عاشوراء. وبذلك تصل إلى فترة تستلذ بالذكر وتود أن حالك ذلك الدهر كله.

ومثاله سجينا في زنزانة نبتت له جناحان فهو يطير بهما ويحلق عاليا في الفضاء فإذا قيل له: سترجع بعد ساعة كم سيكون عندها حزيناً؟ إن بعض المؤمنين يرى الدنيا سجنا كبيرا؛ فالدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر فهو يرجع من العمل من عند الزملاء الغافلين، أو يخرج من عند العاصين أو يرجع من السوق الذي يرى فيه ما لا يعجبه وإنما هو مجبر على الذهاب إليه ليشتري بضاعة لأهل بيته، فهو يرجع إلى المنزل مسرعا، ويستلقي في مكان ليعود إلى باطنه ويحلق.

ومثال آخر هو الذي يمشى على الحبل لا ينظر إلا إلى الأمام، وإذا نظر إلى الأسفل قد يسقط أو يصاب رأسه بالدوار. إن ذاكر الله عز وجل عندما يصلي يخاف من أن ينظر يميناً وشمالا بقلبه لأنه يخشى أن تسلب منه الحالة التي هو فيها. ولهذا أهل الذكر هم كمن وصفتهم الرواية الشريفة: (تَنَعَّمُوا بِعِبَادَتِي فِي اَلدُّنْيَا فَإِنَّكُمْ تَتَنَعَّمُونَ بِهَا فِي اَلْآخِرَةِ)[٧]، إن حال أهل الذكر في الدنيا حال أهل الجنة التي وصف سبحانه أن من أعظم ما يتحفهم به عو رضوانه.

أهل الفكر والمطالعة

فأما أهل الذكر فقد عرفناهم. وغير هؤلاء طائفة نسميهم أهل الفكر. وأهل الفكر هو الذي يقول إنني أحب أن أتثقف وأكون واعياً فهو يشتري الكتاب تلو الكتاب حتى إنه ليتبجح بمكتبته التي تحوي مثلا خمسة آلاف كتاب. وهكذا يستمر في القراءة إلى أن يتحول بعد فترة إلى مكتبة متنقلة، ولكنك عندما ترى صلاته لا ترى تميزا فيها. إنه قد قرأ عشرات الكتب ولكنك تجد إنسانا ريفيا بسيطا يصلي أفضل منه. إن كثرة مطالعة الكتب للبعض تساوي كثرة الحجب. ألسنا نقرأ في المناجاة الشعبانية: (حَتَّى تَخِرَقَ أَبْصَارُ اَلْقُلُوبِ حُجُبَ اَلنُّورِ)[٨].إن بعض الحجب ظاهرها نورانية ولكنها حجب على أي حال.

أهل الخير

وأما الطائفة الثالثة هم هواة الخدمة. ترى الرجل منهم يؤسس مبرة ولا هم له سوى مساعدة الأيتام ولكنه مبتلى بالمعاصي. إنني أتعجب من بعض المؤمنين ممن خدماته قد عمت الآفاق في جميع القارات وله كتاب فيه مشاريعه العالمية؛ إلا أنك عندما تجلس معه يغتاب منافسه، ويقول: إن المبرة الفلانية كذا وكذا. لا زال المسكين يعيش في عالم الأرض والمعصية حيث لم تشفع له خدمته الإنسانية.

فالذكار قد يذكر الله ويصلي بإدبار وكذلك قارئ الكتب وصاحب المؤسسات الخيرية. ولكنك تستطيع أن تجمع بينها. فكن ذاكرا في وقت الذكر وطالبا للعلم في وقت طلب العلم وكن ممن يرفع الهم والغم عن هذه الأمة.

[١] البلد الأمین  ج١ ص٢٠٥.
[٢] سورة الإنسان ٢٩.
[٣] سورة نبأ: ٣٩.
[٤] الصحیفة السجادیة  ج١ ص٩٢.
[٥] سورة الرحمن: ٦٠.
[٦] سورة البقرة: ١٥٦-١٥٧.
[٧] الکافي  ج٢ ص٨٣.
[٨] الصحیفة العلویّة  ج١ ص١٨٥.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • ترى الرجل صاحب مبرة لا هم له سوى مساعدة الأيتام إلا أنه مبتلى بالمعاصي. إنك ترى أن خدماته عمت الآفاق في جميع القارات إلا أنك عندما تجلس معه يغتاب منافسه، ويقول: إن المبرة الفلانية كذا وكذا. لا زال المسكين يعيش في عالم الأرض والمعصية حيث لم تشفع له خدمته لتنتشله من واقعه المرير.
  • نصيحتي للذاكرين الجلوس في مكان مريح، ولا داعي للتكلف. إن موسى لما سقى البنتين تولى إلى الظل ولم يدع ربه في الشمس. ولهذا فإن بعض المؤمنين في يوم عرفة لا يتوجه ويقول: إن الخيمة لم تكن مناسبة والجو كان حاراً. خذ مكانا مريحا في الحديقة أو على شاطئ البحر، وأغمض عينيك واشتغل بالذكر.
  • من الأذكار المختصرة ذات التأثير الكبير التي إن قلتها بتوجه أغنتك عن الأدعية المفصلة في الشدة أو في أزمة مالية أو أزمة أمنية أو ما شابه ذلك هو قولك: إلهي قد ترى ما أنا فيه ففرج عني ما أنا فيه. إن من يغرق في البحر لا يذكر قصيدة مثلا وإنما يكتفي بكلمة واحدة وهي: أنقذوني.
  • إن البعض له شغف بهذا العالم، وله جوع باطني. فإن رأيت في قلبك عطشا معنويا فإياك وإياك أن تتهاون به. إن رب العالمين قد أيقظك وأعطاك شهية للذكر فاغتنم الفرصة التي قد لا تتكرر. لا تقل: إنني بحمد الله في حالة جيدة؛ فقد تكون غداً في أسوء حال.
  • قد يسأل سائل فيقول: هل من المعقول أن يصلي النبي (ص) علينا؟ نعم. إن النبي ليس أعلى من الله عز وجل ومع ذلك يصلي عليك وذلك قوله (أولئك عليهم صلوات من ربهم). إنك قد تصلي على النبي (ص) طوال العمر مليون مرة، ولو صلى النبي عليك مرة واحدة كان ذلك كافيا لكي يقلب كيانك.
Layer-5.png