Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

إن الإمام (ع) في مناجاته لربه في جوف الليل يقارن بين حالة السلب في الماضي الذي كان فيه وبين وحالة الإيجاب في الحاضر فيقول (ع) :

– (أَنَا الصَّغِيرُ الَّذِي رَبَّيْتَهُ..).. أي أنني كنت صغيراً فربيتني.. ومن المعلوم ما في صغر الإنسان من عناصر الضعف والمسكنة والحاجة إلى أبسط الأمور.. حتى قيل بأن أضعف المخلوقات عند الولادة هو بني آدم ، إذ أن الحيوان عندما يولد ، له ما يقّوم حركته ، ولكن الموجود الذي يحتاج إلى كل صغيرة وكبيرة هو بني آدم.

– (وَأَنَا الْجَاهِلُ الَّذِي عَلَّمْتَهُ..).. سبحانه وتعالى أخرجنا من بطون أمهاتنا ونحن لا نعلم شيئاً ، وشق لنا السمع والبصر والفؤاد ، وإذا بأحدنا يصل إلى فهم ملكوت السماوات والأرض !..

– (وَأَنَا الْوَضِيعُ الَّذِي رَفَعْتَهُ..).. إن الإنسان في مرحلة من مراحل عمره ، قد يعيش حالة من حالات الذلة أمام الخلق ، سواء بحق أو بغير حق.. ولكن الله عزوجل يرفع ذكر المؤمن بين عباده الصالحين ، فهذه سنته تعالى.. ومن أتم المصاديق لذلك ، أنه رفع ذكره حبيبه المصطفى (ص) ، وإذا بيتيم مكة الذي لا ناصر له ، يصل إلى درجة يسمع ذكره مع ذكر الله تعالى في اليوم على المنابر عدد من المرات.

– (وَأَنَا الْخَائِفُ الَّذِي آمَنْتَهُ، وَالْجَائِعُ الَّذِي أَشْبَعْتَهُ، وَالْعَطْشَانُ الَّذِي أَرْوَيْتَهُ، وَالْعَارِي الَّذِي كَسَوْتَهُ، وَالْفَقِيرُ الَّذِي أَغْنَيْتَهُ، وَالضَّعِيفُ الَّذِي قَوَّيْتَهُ، وَالذَّلِيلُ الَّذِي أَعْزَزْتَهُ، وَالسَّقِيمُ الَّذِي شَفَيْتَهُ، وَالسَّائِلُ الَّذِي أَعْطَيْتَهُ، وَالْمُذْنِبُ الَّذِي سَتَرْتَهُ، وَالْخَاطِئُ الَّذِي أَقَلْتَهُ، وَأَنَا الْقَلِيلُ الَّذِي كَثَّرْتَهُ، وَالْمُسْتَضْعَفُ الَّذِي نَصَرْتَهُ..).. نلاحظ أن الإمام (ع) يتأسى بجده الأكبر إبراهيم الخليل (ع) الذي ينسب كل هذه البركات إلى الله عزوجل : {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ }..

فإذن، هذه الحالة من المقايسة بين المراحل السابقة من حياة الإنسان وبين المرحلة الفعلية، من موجبات الشكورية والإحساس بمنة الله عزوجل ، ومما سيورثه قطعاً حالة الاستحياء من الله عزوجل ، إلى درجة يذهل عن شكر أي نعمة من هذه النعم ، فحتى الشكر الذي هو نعمة فهو يحتاج إلى شكر آخر ، لأن الله عزوجل وفقه لهذا الشكر ، وألهمه الشكر ، وأنطق لسانه بالشكر..

أضف إلى أن استحضار هذا الماضي ، الذي فيه الضعف والضلالة والعطشى والعرى، من موجبات رفع حالة العجب في الإنسان ، ذلك العجب الذي إذا دخل عمل عبد أفسده كما يفسد الخل العسل.

– (وَأَنَا الطَّرِيدُ الَّذِي آوَيْتَهُ..).. الإمام (ع) يشبه نفسه بعبد آبق.. ومن المعلوم أن العبد الآبق عادة – في الأزمنة القديمة- كان سبيله الوحيد عندما يذنب ، أن يهرب من مولاه ، ويسيح في الأرض.. ورب العالمين هو مأوى وملجأ كل عباده المذنبين ، فهو تعالى عندما يقبل توبتهم ويأخذ بيدهم ، فقد آواهم.. سبحانه من رب غفور رحيم !.. وهو القائل تعالى : {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}.. (التواب) : صيغة مبالغة أي هو كثير التوبة.. فلأنه يعصي كثيراً ، فيتوب كثيراً .. ومن هنا فرب العالمين يحبه من بين عباده.. ولقد علمنا أن أنين المذنبين أحب إلى الله من تسبيح المسبحين.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.