- ThePlus Audio
التشبه بأخلاق النبي المصطفى (ص)
بسم الله الرحمن الرحيم
ضرورة الاطلاع على السيرة النبوية
إنني أطلب من المؤمنين دائما وإلى آخر العمر – وكلما استعجلوا كان ذلك خيرا لهم – أن يأخذوا دورة مطالعة سريعة في سيرة النبي الأكرم (ص). إن في هذه الأيام كل ما تريده من الكتب تجده في جهازك؛ فالطلع عليه بدلاً من الاطلاع على ما لا ينفع. خذ جولة في بابين؛ الأول: حول سنن النبي (ص). ولصاحب الميزان كتاب باسم سنن النبي (ص)؛ فاطلع من خلاله على سنة نبيك (ص) وكيف كان يصنع وكيف كان يعيش؟ والروايات في هذا المقام مذهلة وخير ما ينقل سنته وسيرته هو ما روي أمير المؤمنين (ع) عندما وصف النبي (ص) وصفاً مفصلاً يذكره المجلسي في بحاره.
العمل بسنن النبي (صلى الله عليه وآله)
ولأحد العلماء كلمة جميلة، يقول: اعمل بسنن النبي (ص) ولو لمرة واحدة في العمر كله؛ أي اعمل بجميع سننه. واطلع كذلك على كرائم أخلاقه، وانظر كيف كان خلق النبي (ص) حتى قال عنه سبحانه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[١]. ولنتوقف عند هذه الآية قليلا؛ عندما يذكر تعالى تهمة الكفار وفريتهم أن النبي (ص) مجنون ومفتون وما شابه ذلك يبين أنه على خلق عظيم. ولا أدري كيف يتهم عقل الكل بالجنون. وهنا يقول سبحانه أن النبي (ص) ليس بعاقل فحسب وإنما على خلق عظيم.
الخلق العظيم
وانظروا إلى دقة القرآن الكريم في تعبيره. أولا: إن الجملة فيها (إن) التأكيدية، والجملة اسمية في عرف البلاغة. والجملة الاسمية أقوى من الجملة الفعلية، هذا ثانيا. وثالثا: في الجملة (لام) التأكيد، لعلى خلق. رابعاً: لم يقل: أنت لك خلق، أو معك خلق، وإنما استعمل على وهي أداة الاستعلاء. وهي كما يقول أحدنا: ركب على دابته؛ أي يسوقها كيف ما شاء. والخلق بالنسبة إلى للنبي الأعظم كمطية يركبها، وسجية ثابته له. ثم قال: الخلق، وتذكر كتب الأخلاق أن الخلق ملكة نفسانية لا صفة عابرة. فقج ينفق أحدهم في موقف ما؛ مالاً وفيرا في سبيل الله فلا يمسى كريماً، وإنما الكريم من كانت هذه سجيته إلى وقت مماته. إنك ترى بعض الأطفال الصغار ممن لا يعقل بعد في الخامسة والسادسة من العمر فيه كرماً، فيطلب طفل منه في عمره شيئاً فيعطيه. فهو من الصغر أصبحت فيه هذه السجية.
أقول: حاول أن تصل إلى الملكة في صفاتك. وإذا وصلت إلى هذه المرحلة فإن هذه الصفات لن تفارقك. وهناك كلمة جميلة للأخلاقيين يقولون: إذا صار الخلق ملكة صدرت الأفعال بسهولة وبلا تكلف. عندها تنفق بلا معاناة وبلا مجاهدة وتغض بصرك بلا مجاهدة لأن العفة صارت لك ملكة وسجية.
ثم من هو القائل: إنك لعلى خلق عظيم؟
إنه جبار السماوات العظيم. إن رب العالمين عندما يقول: هذا عظيم يعني عظيم حقيقةً. إن الذي يطلع على اللغة العربية يفهم القرآن أكثر من غيره. إن النكرة هنا للتعظيم، فهو لم يقل: الخلق العظيم، وإنما قال: على خلق عظيم، وهذه النكرة تفيد التعظيم. وباختصار فإن: (إن) ثم (اللام) ثم (على) ثم (خلق) ثم (عظيم)؛ كلها تدل على عظمة أخلاق النبي المصطفى محمد (ص).
التخلق بأخلاق النبي (صلى الله عليه وآله)
وهنا انتهى الحديث عن الآية ولكن كما يقال في اصطلاح العلماء تبصرة: ما كان خلقه عظيما لنفسه. إن بعض الناس له ملكات طيبة ولكنه متصومع. والنبي (ص) لم يكن هكذا. وإنما قال: (إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ اَلْأَخْلاَقِ)[٢]؛ أي أن هذا خلقي ولكنني أريد من الأمة أن تصل إلى مقام الخلق العظيم بقدر الإمكان. لقد عاش النبي (ص) في مكة ثلاثة عشر سنة، ثم في المدينة عشر سنوات من عهد الجاهلية. وصحيح أن الجاهلية انتهت بعد الإسلام ولكنه كان يعيش مع الجاهليين في مكة. فكم هي المدة بين الجاهلية في مكة وبين بدر وأحد؟ لقد وصل بهم الحال أن يقول أحدهم: كنا رعاة الإبل – ويا ليتهم كانوا يرعون الإبل، وإنما كانوا يقاتلون على الجراد وغيره – فأصبحنا نرعى النجوم والشمس. يعني؛ ننظر إلى السماء متى يصبح الفجر لنصلي، ومتى يأتي منتصف الليل لنتهجد، ومتى تزول الشمس لنصلي الظهرين وهكذا. وهكذا أخرج خير أمة من هذه الأمة.
تأسى بالنبي (ص) على الأقل في هذه الصفة، وكن عنصر خير، ومربياً لأسرتك ولزوجتك ولأولادك. إن النساء ربات البيوت لا يسهل لهن الاتصال بالعلماء والجمعة والجماعات عادة؛ فكن عنصر خير في بيتك. فإن كان لك طفل مراهق أو ولد شاب لم يكتمل عقله ولم تتم أخلاقه؛ تأسى بالنبي (ص) في هذه الصفة وتمم مكارم الأخلاق عنده. ولكن من الذي يتمم؟ إن فاقد الشيء لا يعطيه. تأسى أولا أنت بالنبي (ص) في هذه الأخلاق الحسنة.
أداة تأديب النبي (صلى الله عليه وآله)
هناك رواية معروفة وهي قول النبي (ص): (أَدَّبَنِي رَبِّي فَأَحْسَنَ تَأْدِيبِي)[٣]. ولكنني اطلعت على رواية أخرى والذي وهي عن الإمام الصادق (ع) يقول فيها: (إن الله عز وجل أدب نبيه على محبته)[٤]؛ أي أن الأداة التي أدب بها رب العالمين نبيه (ص) هي أداة المودة والمحبة. وبعبارة أخرى إذا أردت أن تصل إلى المقامات العليا سل الله عز وجل أن يزرع فيك المحبة؛ فإن أحببت الله عز وجل تفانيت في القرب منه. إن مشكلتنا هي أن حب الدنيا شغلنا، ولا يجمع الله حبين في قلب واحد. وإذا أصبح النبي (ص) نبياً محموداً فذلك لأن الله عز وجل جعل حبه في قلبه.
مقام المحبة
قد تقول: كيف أصل إلى مقام المحبة؟ إن الأمر إليك بالاتباع والتضرع؛ فهما جناحان تطير بهما. كن مطيعاً في كل ما أمرك به الشرع ونهاك عنه أولا. وثانيا: تضرع إليه. إن إمامنا زين العابدين (ع) ترك لنا كنزين من الكنوز؛ مناجات المريدين ومناجات المحبين. لا تقرأهما إلا وأنت مستو وناضج. فإذا أحسست في قلبك فراغاً في عالم الغيب أو شوقاً لله عز وجل؛ ناجي رب العالمين بمناجات المريدين ومناجات المحبين. ولو أن هذه المحبة هي وقف على الأنبياء والأوصياء لما ذكر إمامنا زين العابدين (ع) هذا المعنى.
خلاصة المحاضرة
- قد تقول: كيف أصل إلى مقام المحبة؟ إن الأمر إليك بالاتباع والتضرع؛ فهما جناحان تطير بهما. كن مطيعاً في كل ما أمرك به الشرع ونهاك عنه أولا. وثانيا: تضرع إليه. إن إمامنا زين العابدين (ع) ترك لنا كنزين من الكنوز؛ مناجات المريدين ومناجات المحبين.
- لأحد العلماء كلمة جميلة، يقول: اعمل بسنن النبي (ص) ولو لمرة واحدة في العمر كله؛ أي اعمل بجميع سننه. واطلع كذلك على كرائم أخلاقه، وانظر كيف كان خلق النبي (ص) حتى قال عنه سبحانه: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
- إن النساء ربات البيوت لا يسهل لهن الاتصال بالعلماء والجمعة والجماعات عادة؛ فكن عنصر خير في بيتك. فإن كان لك طفل مراهق أو ولد شاب لم يكتمل عقله ولم تتم أخلاقه؛ تأسى بالنبي (ص) في هذه الصفة وتمم مكارم الأخلاق عنده.