Search
Close this search box.
  • الاقتداء بالصديقة الصغرى السيدة زينب (ع)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

الاقتداء بالصديقة الصغرى السيدة زينب (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

السيدة زينب (سلام الله عليها) ملحقة بالمعصومين

الحديث عن زينب الكبرى (ع) حديث عن شخصية ملحقة بالذوات المعصومة. إن الذوات المعصومة هم الأربعة عشر، وهذا العدد المبارك هم أئمة أهل البيت (ع) إضافة إلى أمهم فاطمة (س) وجدهم رسول الله (ص). هؤلاء نجوم الأرض وخير من خلق الله عز وجل. ونحن نعلم أن هذه الرسالة الخاتمة مستمرة إلى يوم القيامة؛ ولهذا عبر النبي عن نفسه أنه الذي قد بُعث والساعة كهاتين؛ أي هذه الرسالة ستنتهي بالقيامة.

وهؤلاء هم حملة الرسالات السابقة. إن أمير المؤمنين (ع) هو حامل علم القرآن والقرآن ناسخ للتوراة والإنجيل، وحامل علم الكتاب الأرقى والناسخ؛ أعظم رتبة من حامل الكتاب المنسوخ. وهذا كلام برهاني منطقي. ولكن بعد هذه الذوات الطاهرة هنالك بعض الشخصيات الملحقة بالمعصومين (ع)؛ أي هم في رتبة تالية. من هذه الشخصيات المباركة؛ علمان، وقمران زاهران، ونجمان منيران؛ ففي الرجال هنالك مولانا أبو الفضل العباس (ع) وهو الذي وصل إلى درجة؛ يفتخر المعصوم به. وأقول بكل جرأة: عندما يقول الإمام (ع) عن عمه العباس: نافذ البصيرة، صلب الإيمان فلأن في ذلك فخر وافتخار بهكذا عم.

لماذا السيدة زينب (سلام الله عليها) هي الشخصية الأولى بعد أمها الزهراء (سلام الله عليها)؟

وأما في النساء فمولاتنا زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين (ع). إن هذه المرأة أيضا ملحقة بهذه الذوات المعصومة؛ بمعنى ـنها بلغت مبلغاً عظيما في الكمال والفضل. وإذا قلنا أنه بعد ظهور الإسلام، وبعد البعثة النبوية لم تظهر شخصية بعد الزهراء (ع) كهذه السيدة الجليلة ما قلنا شططاً.

من هي المرشحة لكي تكون في الدرجة التالية لفاطمة (ع)؟ فإن كان الملاك هو الصبر؛ فالصبر الزينبي يضرب به المثل كما ذهب صبر أيوب مثلاً. فإن وجدت هذه الأيام امرأة صابرة تقول عن صبرها أنه زينبي. وإن كان الكلام في العفة والوقار؛ فعفة زينب وخدر زينب هو أيضا مما يضرب به المثل.

وهناك رواية معروفة أنه عندما أراد أمير المؤمنين (ع) أن يزور قبر حبيبته فاطمة؛ أخذ معه الحسنين (ع) وزينب (س) وأمر بإخفاء الإضاءة؛ لئلا يُرى شخص زينب (س). إن أمير المؤمنين (ع) كان حريصاً كابنته في أن لا يُرى منها حتى خيالها. فإن كان الملاك هي العفة؛ فهي على رأس العفيفات في التأريخ. وإن كان الملاك العبادة والانقطاع إلى الله عز وجل؛ فصلاتها في ليلة الحادي عشر نعم الشاهد على ذلك.

هناك عبارة منقولة كوصية ولا نستبعدها؛ فما المانع من أن يكون سيد الشهداء (ع) قد طلب منها عند وداعها أن تذكره في صلاة ليلها؟ ما المانع من أن تذكر أخاها في كل قيام وخاصة في ذلك القيام الذي لا نظير له في ليلة الوحشة في ذلك الميدان الموحش؟ كيف صلت (س) في تلك الليلة؟

وإن كان الملاك في التقدم والفضل والعلم والفضيلة والبيان والمنطق؛ فإن زينب (س) كانت تالية لأمها فاطمة (س) في خطبتها الفدكية التي ترشح منها شيء من علمها. وهذه السيدة الطاهرة قد بينت خطبتها في الكوفة والشام أيضا معالم فضلها.

وعندما خطبت زينب (ع)؛ قال أحد الرواة عندما سمع كلامها، والذي يبدو أنه كان مأنوساً بكلام أمير المؤمنين (ع): كأنها تتكلم على لسان علي (ع)؛ فالمنطق منطق علوي. ولا نستبعد أن لحن صوتها رغم كونه لحناً أنثوياً كان شبيهاً للحن أمير المؤمنين (ع)؟

وبإمكاننا بمختلف المقاييس أن نجزم أن هذه السيدة هي الأولى بعد أمها فاطمة (ع). وكما أن أئمة أهل البيت (ع) افتخروا بعمهم العباس (ع)؛ ما المانع أنهم كانوا يفتخرون بعمتهم زينب الكبرى (ع)؟ إن المعروف على ألسنة المتوسلين هذه الأيام وفي غير هذه الأيام أنه من أراد أن يتودد إلى إمام زمانه (عج)؛ ينشاده بعمته زينب (ع). فكم لها موقع عظيم في نفوس أئمة أهل البيت (ع) جميعاً؟

ولكن كيف يمكن التأسي بهذه السيدة العظيمة

لقد رسمنا ببياننا هذا لوحة عن هذه الهبة الإلهية لفاطمة وعلي (ع). إن الولد البكر لهما هو أبو محمد الحسن المجتبى (ع) والفتاة المتميزة لهما هي هذه السيدة الطاهرة. أما من موارد التأسي بها والاقتداء؛ موقفها في مجلس الطاغية يزيد. إن التي كانت تستنقص قدره امرأة أسيرة. امرأة مفجوعة بإخوانها وأولادها. امرأة تحملت مشاق السفر من أرض كربلاء إلى أرض الشام. وهي مع ذلك عندما تقف أمام الطاغية؛ تحتقر قدره.

لقد جعلت يزيد كحثالة من حثالات هذا الوجود، وتكلمت معه وكأنها هي حاكمة زمانها. من أين هذه القوة؟ إن الدرس من هذا الموقف هو: أنه من اتصل بعالم الغيب، ومن اتصل قلبه بمدد من السماء، ومن توكل على الله عز وجل حق التوكل، ومن رأى بأن الله يدافع عنه؛ يكتسب هذه القوة.

يأتينا أحيانا بعض المؤمنين، وله شكوى في قلبه، وهم وغم يريد أن يوكل محامياً؛ فنقول له: يا فلان، لا تنسى قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)[١]. إن المحامي والمدافع عن المؤمن هو رب العزة.

الاتصال بالله سر قوتها

فإن واجهت في حياتك العلمية صعوبة من الصعوبات، وإن ابتليت بظالم أو عدو غاشم – وكلنا له عدوه؛ فإذا لم تجد عدواً بشرياً فيكفيك الشيطان الأكبر إبليس الذي أقسم على غواية بني آدم، وأنت أمام إبليس ضعيف البنية – ثم اتصلت بمبدأ الغيب فسوف ترى أن كيد الشيطان كان ضعيفا؛ لا لكل أحد وإنما لمن استمسك بالعروة الوثقى. فإن أردت أن تكون زينبياً في مواجهتك للأعداء؛ كن على نهجها في الاستمداد والاستعانة برب العزة والجلال.

من موارد التأسي بهذه السيدة الطاهرة؛ أنها جمعت بين أنواع التكليف. ففي جوف الليل في أرض كربلاء في المقتل ليلة الحادي عشر كانت وظيفتها المناجاة، ولكن في مجلس الطاغية كانت وظيفتها أن ترفع صوتها عالياً لا باللحن وإنما بالمنطق والقوة.

إن البعض هو مأنوس بالليل وعبادات الليل، ولكنك تراه في النهار متاكسلاً لا يقدم ولا يؤخر شيئا. وترى البعض زعيماً سياسياً له ما له من النشاط؛ فإذا جن عليه الليل نام نومة الغافلين. إن أردت أن تكون زينبياً؛ كن كزينب (س) في قيام الليل هكذا وفي النهار هكذا. لقد كانت هي (ع) متأسية بأبيها الذي قيل عنه:

جُمِعَت في صِفاتِكَ الأَضدادُ
فَلِهَذا عَزَّت لَكَ الأَندادُ

زاهِدٌ حاكِمٌ حَليمٌ شُجاعٌ
ناسِكٌ فاتِكٌ فَقيرٌ جَوادُ

خلود السيدة زينب (سلام الله عليها)

وأخيراً أقول: من منا لا يريد حسن الذكر بعد موته في دائرة المؤمنين؟ من منا لا يريد صدقة جارية بعد موته؟ يقال: (إِذَا مَاتَ اَلرَّجُلُ اِنْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)[٢]، ولكن ما هذا الخلود الذي كتبه الله عز وجل لهذه السيدة؟

بالله عليكم ألسنا في شهري محرم وصفر نبكي على مصائبها بمقدار ما نبكي على الحسين (ع)؟ أما العشرة الأولى من محرم فيغلب فيها ذكر الحسين (ع)؛ ولكن أيام الأربعين الحديث عن زينب (س) وعن سبيها وعن شجاعتها وعن خطبها وعن صبرها. لقد تقاسمت مع الحسين (ع) خلود الذكر. وقالوا: أن الحركة الحسينية وهذه النهضة؛ حسينية الحدوث وزينبية البقاء؛ كما أن الإسلام محمدي الحدوث حسيني البقاء.

شريكة الحسين (عليهما السلام)

إن زينب (س) هي شريكة للحسين (ع)؛ فكما أن الإسلام حفظ بدم الحسين (ع)، ولولاه لضاع الدين، وكما تشير إلى ذلك الكلمة المعروفة: إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي؛ فيا سيوف خذيني؛ فكذلك استقام بلسان زينب (س) وبخطبها. إن كل حركة إلى يوم القيامة، وكل صلاة تصلى، وكل حج يُحج، وكل شهر رمضان يُصام هو ببركة الحسين (ع) وأخته (س). هذه المرأة التي ستظهر يوم القيامة ولها من الفضل ما لا يعلمه إلا الله عز وجل.

[١] سورة الحج: ٣٨.
[٢] إرشاد القلوب  ج١ ص١٤.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • زينب (س) هي شريكة للحسين (ع)؛ فكما أن الإسلام حفظ بدم الحسين (ع)، ولولاه لضاع الدين؛ فكذلك استقام بلسان زينب (س) وبخطبها. إن كل حركة إلى يوم القيامة، وكل صلاة تصلى، وكل حج يُحج، وكل شهر رمضان يُصام هو من بركتهما.
  • إن التي كانت تستنقص قدر يزيد الملعون؛ امرأة أسيرة. امرأة مفجوعة بإخوانها وأولادها. امرأة تحملت مشاق السفر من أرض كربلاء إلى أرض الشام. وهي مع ذلك عندما تقف أمام الطاغية؛ تحتقر قدره.
Layer-5.png