Search
Close this search box.
  • الإخلاص والانقطاع إلى الله تعالى عند الإمام السجاد (ع)
Layer-5-1.png
عناوين المحاضرة
عناوين المحاضرة
Layer-5.png
Layer-5-1.png

الإخلاص والانقطاع إلى الله تعالى عند الإمام السجاد (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

الإمام زين العابدين (ع) وما لاقى من مصائب

حديثنا في رحاب إمامنا علي بن الحسين زين العابدين وقرة عين الساجدين (ع). إن إمامنا في أذهاننا هو مظهر الصبر والابتلاء ومثال التحمل في طريق الأسر، وما أعقب ذلك من المحن والبلاء، وهذا كله صحيح. إن الإمام (ع) هو من البكائين، ومن الشخصيات النادرة في تاريخ البشرية. فلقد اجتمعت عليه المحن التي لولا مقام الإمامة، ولولا ما في صدره من الاسم الأعظم، ولولا الترشيح الرباني له لما تحملها، وهي مما لا يتحملها بشر؛ فما رآه الإمام (ع) ليس بالهين.

عندما أراد علي (ع) أن يعقد الرداء على فاطمة (ع)؛ أنَّت وضمت الحسنين (ع) إلى صدرها، ونادى مناد: ارفعهما عن صدر فاطمة فلقد أبكيا والله ملائكة السماوات. فإذا كانت الملائكة تبكي لمنظر ارتماء الحسنان على صدر فاطمة (س)؛ فكيف بزينب (ع) وهي مرتمية على صدر أخيها؟ وكيف بإمامنا زين العابدين (ع) يدخل القبر فيرى ما يرى؟

ما يميز المعصوم عن غيره

إن الذي يميز الإمام (ع) عن غيره بالإضافة إلى الصبر؛ معرفته بالله عز وجل. هذه المعرفة المكنونة هي التي تميز المعصوم عن غيره، وهي علة تحليق المعصوم وتميزه في صلاته بين يدي الله عز وجل. ولهذا نقول في زيارات الأئمة: (أشهد أنك قد أقمت الصلاة). وليس معنى ذلك أن الإمام كان يصلي، فإن عامة الناس يصلون، وإنما نعني بذلك: أنك صليت كما يحب الله ويرضى، تلك الصلاة التامة الخاشعة البليغة إلى آخره. إن أعلى درجات المعراج كان في صلاة المعصوم.

وإننا لا نستبعد أن معراج النبي (ص) في صلاته لم يكن بأقل من معراجه في السماوات العلى، وهذا السريان وهذا المعراج كان جسمياً وروحياً؛ ولكن كان أيضا للنبي (ص) حالات لا يحتملها نبي مقرب ولا ملك مرسل. وهي مقامات تشبه ما قاله جبرئيل: (لَوْ دَنَوْتُ أَنْمُلَةً لاَحْتَرَقْتُ)[١]. لقد وصل النبي (ص) في عالم المعراج إلى هذا المقام المميز، وللمعصومين جميعهم في صلواتهم هذا العروج المتميز.

انقطاع الإمام في صلاته وإعراضه عن إنقاذ ولده الباقر (عليه السلام) في تلك الأثناء

الشاهد على ذلك هذه الرواية التي هي من الروايات البديعة في سيرة إمامنا زين العابدين (ع). إن معرفة هذه المقامات تعيننا على التفاعل العاطفي معه. تقول الرواية: (إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ قَائِماً يُصَلِّي حَتَّى وَقَفَ اِبْنُهُ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَهُوَ طِفْلٌ إِلَى بِئْرٍ فِي دَارِهِ بِالْمَدِينَةِ بَعِيدَةِ اَلْقَعْرِ فَسَقَطَ فِيهَا فَنَظَرَتْ إِلَيْهِ أُمُّهُ فَصَرَخَتْ وَأَقْبَلَتْ نَحْوَ اَلْبِئْرِ تَضْرِبُ بِنَفْسِهَا حِذَاءَ اَلْبِئْرِ وَتَسْتَغِيثُ وَتَقُولُ يَا اِبْنَ رَسُولِ اَللَّهِ غَرِقَ وَلَدُكَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ لاَ يَنْثَنِي عَنْ صَلاَتِهِ وَهُوَ يَسْمَعُ اِضْطِرَابَ اِبْنِهِ فِي قَعْرِ اَلْبِئْرِ)[٢]؛ هذا والولد هو من سيكون لاحقاً الإمام من بعد أبيه، وله ملكات الإمامة فعلا؛ ثم يستغيث في البئر والإمام يسمع صوته ولكنه لا يقطع صلاته.

بالطبع إن الأم خرجت عن طورها وقالت كلمة اعتذرت عنها لاحقا وهو قولها: (مَا أَقْسَى قُلُوبَكُمْ يَا أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اَللَّهِ)[٣]، والإمام يصلي بطمأنينة وإقبال. وهذه الحركة خاصة بالمعصوم؛ وإلا لو كان أحدنا مكان الإمام؛ من المفروض أن يسارع إلى إنقاذ ابنه، ولكن الإمام يأخذ التكليف من ذلك العالم؛ كما كان للخضر تكليفه في خرق السفينة وقتل الغلام.

تقول الرواية: (فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاَتِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا إِلاَّ عَنْ كَمَالِهَا وَإِتْمَامِهَا)، ولعل الإمام عقب بعد الصلاة؛ فهكذا هو تمام الصلاة. وبعد ذلك تقول الرواية: (ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهَا وَجَلَسَ عَلَى أَرْجَاءِ اَلْبِئْرِ وَمَدَّ يَدَهُ إِلَى قَعْرِهَا وَكَانَتْ لاَ تُنَالُ إِلاَّ بِرِشَاءٍ طَوِيلٍ)؛ وهنا أعمل الإمام قدرته الإلهية، وهؤلاء هم أبناء من شق له القمر.

تقول الرواية: (فَأَخْرَجَ اِبْنَهُ مُحَمَّداً عَلَيْهِ السَّلاَمُ عَلَى يَدَيْهِ يُنَاغِي وَيَضْحَكُ لَمْ يَبْتَلَّ لَهُ ثَوْبٌ وَلاَ جَسَدٌ بِالْمَاءِ فَقَالَ هَاكِ يَا ضَعِيفَةَ اَلْيَقِينِ بِاللَّهِ فَضَحِكَتْ لِسَلاَمَةِ وَلَدِهَا وَبَكَتْ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يَا ضَعِيفَةَ اَلْيَقِينِ بِاللَّهِ)؛ أي لو كان يقينك كيقيني، لم تصنعي ما صنعت. ولكنها بكت أخيراً لعتاب المعصوم لها فقال (ع) كعادته: (لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكِ اَلْيَوْمَ لَوْ عَلِمْتِ أَنِّي كُنْتُ بَيْنَ يَدَيْ جَبَّارٍ لَوْ مِلْتُ بِوَجْهِي عَنْهُ لَمَالَ بِوَجْهِهِ عَنِّي أَ فَمَنْ يُرَى رَاحِماً بَعْدَهُ).

إنها قالت كلمة ثقيلة فسامحها الإمام. وأنت لو سمعت من زوجتك كلمة في حال انفعال لا تؤاخذها بها. إنها قالت لإمام زمانها: (مَا أَقْسَى قُلُوبَكُمْ يَا أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اَللَّهِ)، ولكن الإمام رد عليها برد نبي الله يوسف (ع) على إخوته.

وقد أعطى الإمام درساً في التوحيد، وفي الانقطاع وفي الصلاة الخاشعة. لنعرف قدر أئمتنا. إن الإمام قال: لماذا أقطع صلاتي؟ هل أنصرف عن ربي في الصلاة فينصرف عني؟ إن الإمام لم يقطع صلاته لسقوط ولده في البئر، ولكني وأمثالي في الصلاة أصرف وجهي عن الله عز وجل لطعام العشاء أو لأمر تافه أو لمعاملة قبل الصلاة. وإذا أضعت دينارا بحثت عنه في الصلاة وتفكر فيها أين وضعته، وتميل في الصلاة عن الله عز وجل لما لا يستحق؟ ولو أن الله عز وجل مال بوجهه عنك لكان الأمر في محله. ثم ختمها قائلاً: (أَ فَمَنْ يُرَى رَاحِماً بَعْدَهُ)؟ لو ملت بوجهك عن الله رب العالمين ثم مال بوجهه عنك، وأوكلك إلى نفسه، فمن يرحمك بعده؟ الجواب واضح.

[١] بحار الأنوار  ج١٨ ص٣٨٢.
[٢] بحار الأنوار  ج٤٦ ص٣٤.
[٣] بحار الأنوار  ج٤٦ ص٣٤.
Layer-5.png
Layer-5-1.png

خلاصة المحاضرة

  • إن الإمام السجاد (ع) هو من البكائين، ومن الشخصيات النادرة في تاريخ البشرية. فلقد اجتمعت عليه المحن التي لولا مقام الإمامة، ولولا ما في صدره من الاسم الأعظم، ولولا الترشيح الرباني له لما تحملها، وهي مما لا يتحملها بشر؛ فما رآه الإمام (ع) ليس بالهين.
  • إن الذي يميز الإمام عن غيره معرفته بالله عز وجل. وهي علة تحليق المعصوم وتميزه في صلاته. ولهذا نقول في زيارات الأئمة: أشهد أنك قد أقمت الصلاة. وليس معنى ذلك أن الإمام كان يصلي، فإن عامة الناس يصلون، وإنما نعني بذلك: أنك صليت كما يحب الله ويرضى، تلك الصلاة التامة الخاشعة البليغة
Layer-5.png