Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

قال الباقر (ع): (الظلم ثلاثة: ظلم يغفره الله، وظلم لا يغفره الله، وظلم لا يَدَعه.. فأما الظلم الذي لا يغفره الله -عز وجل- فالشرك بالله.. وأما الظلم الذي يغفره الله -عز وجلّ- فظلم الرجل نفسه فيما بينه وبين الله عزّ وجلّ.. وأما الظلم الذي لا يدعه الله -عزّ وجلّ- فالمداينة بين العباد، وقال عليه السلام: ما يأخذ المظلوم من دين الظالم، أكثر مما يأخذ الظالم من دنيا المظلوم).

إن رب العالمين يصف الإنسان في القرآن الكريم بأنه ظلوم، وكفار، وجهول: {إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا}.. هذه طبيعة النفس الإنسانية، أنها إذا لم تراقب: تظلم، وتميل إلى الظلم، {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا}، {إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}.

أولاً: الظلم الذي لا يُغفر: وهو الشرك، والكفر، والنفاق، ولذلك قال: {إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}.

ثانياً: الظلم الذي يُغفر: ظلم بين الإنسان، وبين الله تعالى.. مثلا: الاستماع للغناء، أو النظر إلى الحرام؛ هو بهذه الحركة لم يؤذ أحدا، رغم أن العمل سيء وقبيح؛ ولكن أمره سهل: فبمجرد سجدة واحدة بين يدي الله -عز وجل- بانقطاع وإنابة يقول فيها: {لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}؛ لا يبقى عليه وزر.. بشرط الندامة، والعزم على عدم العود.. أي ليس كل يوم يستمع وينظر، وآخر الليل يستغفر؛ وإلا فإنه يعد من المستهزئين.. {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا}.

ثالثاً: الظلم الذي لا يدعه: المداينة بين العباد؛ أي هناك غير.. والغير قد تكون زوجة، وقد يكون شريكا، أو زميلا، وقد يكون والدين.. عن وهب بن عبد ربه، وعبيد الله الطويل، عن شيخ من النخع قال: قلت للباقر (ع): إني لم أزل والياً منذ زمن الحجاج إلى يومي هذا، فهل لي من توبة؟.. فسكت، ثم أعدت عليه فقال: (لا، حتى تؤدي إلى كل ذي حق حقه).

إن المداينة بين العباد قد يكون ظاهرها الديون، ولكن لنعمم الحكم: مثلا: إنسان آذى إنسانا، أو أسقطه من أعين الناس، من الممكن أن يدخل في هذا القسم.. فلو أن هناك إنسانا أخطأ بحق خادمته، وتسبب في قطع رزقها، ورجوعها إلى بلادها، ماذا يعمل ليكفر عما جنت يداها؟.. النبي الأكرم (ص) يطرح صيغة من صيغ الحل: يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): (من ظلم أحدا وفاته، فليستغفر الله له؛ فإنه كفارة له)، وقد يكون -والله العالم- في القضايا المالية، لابد من رد المظالم، ومجهول المالك.

أما الذين في ذمتهم أموال للغير، مثلا: عندما كان صغيرا سرق بعض الحلوى من البقالة، فإن هذا حله بأن يرد المظالم للعباد، أو يدفع عن مجهول المالك.. والفرق بين رد المظالم، ومجهول المالك، هو أن رد المظالم: أي شيء تم أخذه من شخص موجود؛ فيرد إليه.. أما إذا كان غير موجود؛ فيدفع للمجتهد بعنوان: “مجهول المالك” وهو يتصرف بذلك.. قال النبي الأكرم (ص): (من اقتطع مال مؤمن غصبا بغير حقه، لم يزل الله معرضا عنه ماقتاً لأعماله التي يعملها من البر والخير لا يثبتها في حسناته، حتى يتوب ويرد المال الذي أخذه إلى صاحبه).. المسألة ليست أن في ذمته حقا للناس، إنما المسألة أن الله يعرض عنه، ويمقته.. إنسان يعيش في هذه الدنيا، ورب العالمين يمقته، هذه مصيبة كبيرة!.. والإنسان الذي في ذمته مال للآخرين، عندما يتصدق فإن قسما من هذه الصدقة هي للمظلوم.. لهذا يقول في الرواية: لا يقبل الله البر من هذا الإنسان، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}؛ هذه أيضا مشكلة: أي حقوق العباد؛ هي من موانع قبول الأعمال.

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.