- ThePlus Audio
أضواء على شخصية أبي الفضل العباس (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
عناية المعصومين (عليهم السلام) بأبي الفضل العباس (عليه السلام)
إن سيدتنا ومولاتنا زينب الكبرى (ع) لم تكن متميزة في الركب الحسيني وإنما كانت كذلك قبل ذلك وبعد ذلك. إنها تربية فاطمة (س) وأمير المؤمنين (ع). وفي هذا الركب شخصية أخرى نعرفها جميعا هي ملحقة بالحسين (ع) وقد حظيت بعناية المعصومين جميعاً؛ ألا وهو قمر العشيرة وزين بني هاشم أبو الفضل العباس (ع). إننا لا نعلم وزن هذه الشخصية النادرة ولا منزلتها التي يغبطه عليها يوم القيامة جميع الشهداء. وعندما طلب الحسين (ع) منه أن يركب، قال هذه الجملة معروفة: بنفسي أنت. إنها ليست كلمات هينة.
وكما أن السيدة زينب (ع) اجتمعت عليها عناية كل أصحاب الكساء من النبي الأكرم (ص) وأمير المؤمنين (ع) والزهراء (س) والحسنين (ع)؛ فكذلك سيدنا أبو الفضل العباس (ع) فقد حظي بعناية المعصومين الثلاث؛ فأبوه أمير المؤمنين (ع) وأخواه الحسن والحسين (ع). أضف إليهم الإمام زين العابدين (ع). فقد كانت له عناية به وإن كان هو عمه.
من أين نعلم منزلته العالية الشامخة؟
نعلم ذلك مما رواه أبو حمزة الثمالي عن الإمام الصادق (ع) . وأبو حمزة هذا له شرافة اكتسبها من دعائه في شهر رمضان المبارك، وكذلك زيارة العباس (ع) التي ذكرها هو أيضا، وإنني أعتقد أنه ممن سيشفع لهم العباس (ع) يوم القيامة. وهذه زيارة نادرة لأن من المتوقع أن يزور المعصوم (ع) أباه؛ ولكن الإمام الصادق (ع) يقول: إذا أردت زيارة قبر العباس بن علي (ع) وهو على شط الفرات، هكذا قل. أي أن هذه الزيارة منتسبة إلى المعصوم ولهذا كل ما يذكر في هذه الزيارة من مقامات ومن المزايا قد نقلت بسند معتبر – كما يذكر ذلك القمي في مفاتيحه أيضا – عن الإمام الصادق (ع). فزر وأنت مطمئن.
ولا بأس أن نأخذ جولة في بعض مضامين هذه الزيارة الشامخة. أولا: إن الإمام الصادق (ع) يقول: (سَلاَمُ اَللَّهِ وَسَلاَمُ مَلاَئِكَتِهِ اَلْمُقَرَّبِينَ وَأَنْبِيَائِهِ اَلْمُرْسَلِينَ وَ عِبَادِهِ اَلصَّالِحِينَ وَ جَمِيعِ اَلشُّهَدَاءِ وَ اَلصِّدِّيقِينَ)[١]؛ أي يا رب، أريد منك أن تبعث سلامك وسلام هؤلاء إلى هذا العبد الصالح، ودعاء الإمام الصادق (ع) لا يرد. ويقول: (فِيمَا تَغْتَدِي وَ تَرُوحُ)[٢]، وهو ما نقرأه في زيارة الحسين (ع): (السلام عليك ما بقيت وبقي الليل والنهار؛ أي سلام متصل.
أعظم مثال للوفاء في التاريخ
ثم يقول: فإذا وقفت أمام الضريح الشريف، قل: (أَشْهَدُ لَكَ بِالتَّسْلِيمِ وَ اَلتَّصْدِيقِ وَ اَلْوَفَاءِ وَ اَلنَّصِيحَةِ لِخَلَفِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ اَلْمُرْسَلِ)[٣]؛ أي للحسين (ع). ويقول بعض العلماء، وهم من كبار المراجع: لو أن العباس عندما اقتحم الجيش ووصل إلى المشرعة وأخذ القربة وملأها ماءاً؛ شرب الماء لما كان ملوماً، ولعله كان ممدوحاً حيث يتقوى به على قتال الأعداء. ولكنه تذكره لعطش الحسين وأهل البيت (ع) جعله يرجع من الماء وهو على ما عليه من العطش. وأنت تخيل رجلا واحدا يقتحم الجيش ويصل إلى الماء؛ فبالطبع يصيبه ما يصيبه من النبال وغيرها. لا تتصور أن العباس (ع) وصل إلى المشرعة سالماً؛ بل إنني أتوقع أنه وصل مثخنا بالجراح، وعندما وضع يده في الماء واغترف غرفة ليشرب؛ تذكر عطش الحسين (ع) رمى الماء على الماء.
ولهذا من أوفى النساء للرجال والرجال للرجال؛ زينب لأخيها والعباس لأخيه. إذا أردت أن تضرب مثلاً للوفاء على وجه الأرض منذ أن خلق الله آدم إلى يومنا هذا؛ فهما هذان. الآن وفاء أمير المؤمنين (ع) لحبيبه المصطفى في محله وإنما أعني الوفاء في غير المعصومين.
بصيرة أبي الفضل العباس (عليه السلام)
وأخيرا يعلق الإمام الصادق (ع) وساماً على صدر عمه، ويذكر مزية له ويفتخر به قائلا: (وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ مَضَيْتَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِكَ)[٤]. إن الذي جعل العباس متميزاً؛ ليست شجاعته المجردة – والشجاعة التي ورثها من أبيه المرتضى في محلها – وإنما هي البصيرة. والبصيرة هي أنه كان يعلم أنه يقاتل بين يدي إمام معصوم واجب الطاعة. ولهذا عندما كان يرتجز يقول:
إني أحامي أبداً عن ديني
وعن إمام صادق اليقين
التوسل إلى الله به
إنه جعل الدين أولا، ثم إنه لم يقل: عن أخي وإنما قال: عن إمام. إن الحسين (ع) فدى نفسه للدين؟ وهذا الذي جعل العباس (ع) متميزاً بين الشهداء طوال تأريخ البشرية. ولهذا نتوسل إليه ونقول: يا عباس، يا كاشف الكرب عن وجه الحسين (ع). وهذه الجملة لا تتردد فيها؛ فعليٌ قد كشف الكروب عن وجه النبي (ص) في بدر وأحد والحسين (ع) كشف الكرب عن أخيه العباس حامل رايته. وعندما قُتل العباس (ع) بان الانكسار في وجهه وسقطت رايته. ولهذا نحن نقول: يا كاشف الكرب عن وجه الحسين (ع) بحق الحسين (ع) اكشف لنا عن كربنا.
خلاصة المحاضرة
- إن الذي جعل العباس متميزاً؛ ليست شجاعته المجردة – والشجاعة التي ورثها من أبيه المرتضى في محلها – وإنما هي البصيرة. والبصيرة هي أنه كان يعلم أنه يقاتل بين يدي إمام معصوم واجب الطاعة. ولهذا عندما كان يرتجز يقول: إني أحامي أبداً عن ديني *** وعن إمام صادق اليقين.
- ويقول بعض العلماء الأجلاء: لو أن العباس عندما اقتحم الجيش ووصل إلى المشرعة وأخذ القربة وملأها ماءاً؛ شرب الماء لما كان ملوماً، ولعله كان ممدوحاً حيث يتقوى به على قتال الأعداء. ولكنه تذكره لعطش الحسين وأهل البيت (ع) جعله يرجع من الماء وهو على ما عليه من العطش، والنصب.