Search
Close this search box.
Layer-5-1.png
نص المحاضرة (النسخة الأولية)

أحب أن أركز في موضوعي على حقيقة واحدة وهي : أن جوهر الإسلام وجوهر التشيع شيءٌ واحد ، إن جوهر النبوة وجوهر الإمامة شيءٌ واحد – مع اختلاف في التفاصيل من نزول الوحي وعدمه – إن جوهر الدين وجوهر المذهب شيءٌ واحد … إلا أنه ينبغي أن نعلم أن قِوام الدين بالولاية ، هذه الولاية تتجلى في النبي فيسمى نبيا ، وتتجلى في الوصي فيسمى وصيا وإماما .

المسألة ليست مسألة مذهب و دين ، و المذاهب ليست مثل الأغصان من شجرة واحدة ولكل غصن اسم ، ومنها مذهب الإمام الصادق(ع) ، الأمر ليس كذلك ، الإسلام حقيقة واحدة ، ولا تعدد في الحقيقة ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ – يونس ٣٢ ﴾ الحق لا يتعدد … هنالك زاوية صحيحة لفهم الدين ، وهنالك زاوية محرَّفة لفهم الدين ، مثله ليس كمثل البيت الذي به نوافذ ، وأنت تستطيع النظر من أي نافذة شئت ، لا ليس كذلك ، إن المسألة كما قال النبي محمد (ص) : ( أنا مدينة العلم وعليٌ بابها ، فمن أراد المدينة والحكمة فليأتها من بابها ) بابٌ واحدٌ للمدينة ، وليس شبابيك لبيت واحد . في الأزمنة السابقة كانوا يبنون قلاعا حول المدن ، الباب هو الباب الرسمي ، أما الذي يحاول الدخول إلى المدينة من غير الباب الرسمي فبانتظاره الرماة ، الذين يحملون السهام والقِسِي على رؤوس القلاع ، من يريد الدخول إلى المدينة من غير الباب يُرمى ، أياً كانت هوية الداخل ، الباب هو هذا الباب ، فمن أراد المدينة والحكمة فليأتها من بابها ، غيره يعتبر متسلل … غاصب … متجاوز غيره كاللص يدخل البيوت لا من أبوابها .

المسألة إذن أن الإمام (ع) هو الباب الوحيد ، الجوهرة هي جوهرة الولاية ، وما نُودِي بشيء مثلما نُودِي بالولاية ، ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً – البقرة ٣٠ ﴾ ﴿ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ – البقرة ١٢٤ ﴾ تارة يعبر عنه بالخلافة … وتارة يُعبر عنه بالولاية … و تارة بالعهد … و تارة بالإمامة … وتارة بالوصاية … تعابير شتى لحقيقة واحدة . الإسلام هو التسليم ، الولاية هي التولي وفيه التسليم ، الإسلام حقيقة واحدة ممتدة ، تبدأ بالنبي وتنتقل من وصي إلى وصي .

يروي صاحب البحار : يُسْأَل الإمام (ع) ليلة القدر تتنزل الملائكة على من ؟…. ويبلغ الإمام به التفاعل إلى أن يقول للطرف المقابل ، ويبدو أنه كان معاندا : يا أحمق ما الذي تفهم من ليلة القدر ؟… تقول الآية : ﴿ تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ – القدر ٤ ﴾ بعد النبي … في زمان الوصي … تتنزل الملائكة على من ؟… هذه الآية تُشيرُ بطَرْفٍ جلي إلى أنه في كل عصر هنالك نبي تتنزل عليه الملائكة ، وبعد النبي هنالك الوصي … هو المحطة … وهو المطار الذي تحط فيه ملائكة الرحمن (ص) .

ملخص الفكرة: أن الإسلام استمر بعد النبي (ص) ، وإن تعددت الاسماء ، فالإسلام هو الإسلام ، الولي هو الولي ، النبي (ص) حكم من منطلق الولاية ، أمير المؤمنين (ع) كذلك حكم من منطلق الولاية ، التزكية هي التزكية ، النبي إنما جُعل نبيا بالنص ، والوصي إنما جُعل وصيا بالنص ﴿ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ – الأنعام ١٢٤ ﴾ …الله أعلمُ حيث يجعل ولايته … هي حقيقة واحدة ، فَهِمَها النبيُ وآلُه و ( أهل البيت أدرى بما في البيت ) كما قِيل قديما .

فهنيئا لكم أنتم المؤمنون ، حقيقة … لابأس أيها الإخوان أن نسجد سجدة الشكر ، عندما نرى أنفسنا قد مُتِّعنا بهذه الخاصية ، وجُعلنا في هذا الطريق الذي قَلًَََّ سالكوه .

ضرائب الولاية وتبعاتها :
إن لهذه الولاية ولهذه المشايعة ضرائبٌ وتبعات ومسؤوليات

أولها : الضريبة العقائدية
ينبغي أن يتعالى أحدُنا في تفاعله العاطفي إلى تفاعلٍ فكريٍ وعقائديٍ ، إذا نُوقش في مذهبه يكون كالجبل الأصم ، وأن يناقش بالتي هي أحسن ، مثال : إذا رأيت من يخالفك في الرأي وليس بإنسانٍ عنيد – العنيد لا تتناقش معه ، العنيد لا يزيده الكلام إلا عتوا ونفورا ، هؤلاء لا يمكن أن يُناقشون أبدا – نعم إذا كان منفتحا … محايدا … تائها … يطلب الحقيقة … قل له أن هناك مبدؤٌ وجدانيٌ فطريٌ … أن الإنسان الذي يغيب عن أهله … عن متجره …عن بلده … عن متجره … لابد وأن يُعَيِن من يحل محله ، وهذا المبدأ الفطري مشى عليه الأنبياء .

كنا قبل يوم نفسر سوة طه ، وصلنا إلى خطاب الله لموسى (ع) : ﴿ ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ – طه ٢٤ ﴾ موسى (ع) ما طلب من الله جيشا لمحاربة فرعون ، موسى (ع ) طلب أمرين : أمرا معنويا ، وأمرا ماديا ، أما الأمر المعنوي : ﴿ قَالَ رَبِّ ٱشْرَحْ لِي صَدْرِي ٢٥ وَيَسِّرْ لِيۤ أَمْرِي ٢٦ وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي ٢٧ يَفْقَهُواْ قَوْلِي ٢٨ طه ﴾ ، وثانيا : ﴿ وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي ٢٩ هَاْرُوْنَ أَخِيْ ٣٠ ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ٣١ وَأَشْرِكْهُ فِيۤ أَمْرِي ٢٩ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً ٣٣ وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً ٣٤ إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً ٣٥ – طه ﴾ موسى ليس بِدْعَةً من الأنبياء … ليس ِبدْعَةً من البشر … يعلم أن هذا طريقٌ صعب … يحتاج إلى وزير يخلفه … أول طلباته من رب العالمين أن يجعل له وزيرا ، ثم يقول الله عزوجل : ﴿ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ – طه ٣٦ ﴾ قَبِلَ الله ُالاقتراح … لأن هارون (ع) نِعْم الرجل لِأن يكون وصيا من بعد موسى (ع ) .

﴿ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ – الأعراف ١٤٢ ﴾ مادام في الأمة مفسدين و منافقين ، فهي لا تُترك أربعون يوما ، فكيف بالنبي (ص) يغادر الأمة إلى غير رجعة ، ولو في المنظور القريب ؟… ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ – الأنبياء ٣٤ ﴾ فهل من المعقول أن ينام النبي (ص) النومة الأبدية وهو لا يتكلم بخصوص ذلك ؟! .. يجعل أمير المؤمنين عليا (ع) على فراشه … يُزوجه ابنته … يُبارك ولادته … يُناغيه صباحا ومساءً … يأخذه إلى الغار … يجعله أول المسلمين بعده … يتركه في المدينة في غزوة تبوك… يبعثه إلى اليمن … هذا كله لا يُرى منه مغزى !!… ثم يُكلل مواقفه بيوم الغدير ، حيث يرفع يد أمير المؤمنين (ع) إلى أعلى حتى بان بياض إبطيهما ، لينصبه وليا وخليفة أمام المسلمين ، هذه الواقعة التي انبري العلامة الأميني ليثبتها في كتابه الغدير … واقعة واحدة في ١١ مجلد … هل يوجد في العالم بحثٌ علميٌ لواقعة واحدة يتجاوز المجلدات ؟… إذن علينا أن نعلم أن المذهب كالجبل الشامخ ، كما أن الإسلام هو الدين الحق ، لكن أغلب أهل الأرض انحرفوا عن الإسلام ، فما المانع أن تكون الأغلبية منحرفة عن المذهب الحق كما انحرفوا من قبل عن الدين الحق ؟

ثانيها : الضريبة العملية
لا يكفي أن أدَّعي التشيع و المشايعة والمتابعة . أمير المؤمنين (ع) في نخيل المدينة يُغمى عليه بين يدي الله عزوجل ، يأتون إلى السيدة فاطمة (ع) قائلين لها : مات أمير المؤمنين علي (ع ) ، تقول لهم : ما مات ، إنها الغشوة التي تعتريه من خشية الله ، هذا أمير المؤمنين وهذا أنا في سلوكي ، إذا كان رب القافلة هذا أسلوبه . تقف السيدة فاطمة (ع) في محراب العبادة حتى تتورم قدماها ، وأنا وأمثالي نعيش حالات التكاسل في كل شيء . فالمشايعة لها ضريبة ، وضريبتها المتابعة خطوة بخطوة في كل شئون الحياة صغيرها وكبيرها .

ثالثها : المحبة الصادقة العميقة المتغلغلة
بعض العلماء يُفرق بين الود وبين المحبة ، بين المحبة وبين الميل ، الحب الذي لا عمل معه هذا ميل هذه عاطفة هذه رغبة هذا تعاطف ، أما الحب :   لو كان حبك صادقا لأطعته        إن المحب لمن يحب مطيعُ

                               تعصي الإله وأنت تُظهر حبه         هذا لعمري في الفعال بديعُ

كيف يحبُ إنسانٌ آخرَ ويعصيه ؟… العصيان نوعٌ من العداء العملي ، كيف يجتمعُ العداء العملي مع دعوى المحبة القلبية ؟ ولدٌ عاق يوميا يعصي أباه ، يضرب أباه ، ويُخالف أباه ، ويقول على المنابر : إني أُحبُ أبي ، وهذا من التناقض الذي لا يُجْمَع بينهما ، وهنيئا لمن مات على هذه العاطفة وعلى هذه المحبة لأهل البيت (ع) .

الغلام الأسود وحب علي (ع)
في الختام نروي حديثا طريفا يُذْكَرُ في كُتب مختلفة منها تأويل الآيات ، وفي كتاب البحار . ما قرأتُ هذا الحديث إلا ورقت القلوب ، في أي مجمعٍ . وتقبلوها على أنها تحفة اليوم :
عن الصادق ع قال : بينا رسول الله ( ص ) في ملإ من أصحابه ، و إذا بأسود على جِنازة … تحمله أربعةٌ من الزنوج … ملفوف في كِساء … يمضون به إلى قبره … فقال رسول الله ( ص ) : عليَّ بالأسود … فوُضِع بين يديه …. فكشف عن وجهه … ثم قال لعلي (ع ) : يا علي هذا رياح غلام آل النجار ، فأمر رسول الله ( ص ) بغسله … و كفَّنَهُ في ثوب من ثيابه … و صلى عليه … و شيَّعه و المسلمون إلى قبره … و سَمِعَ الناسُ دويا شديدا في السماء ، فقال رسول الله ( ص ) : إنه قد شيعه سبعون ألف قبيلة من الملائكة كل قبيل سبعون ألف ملك ، و نزل رسول الله ( ص ) في لحده … ثم أعرض عنه !! … ثم سوى عليه اللبن … فقال له أصحابُه : يا رسول الله ، رأيناك قد أعرضت عن الأسود ساعة … ثم سويت عليه اللبن … فقال : نعم إن وليَّ الله قد خرج من الدنيا عطشانا … فتبادر عليه أزواجه من الحور العين بشراب من الجنة … و ولي الله غيور … فكرِهْتُ أن أُحَزَّنه بالنظر إلى أزواجه فأعرضت عنه .

ما هو سر هذا الغلام الأسود الذي لا قيمة له في مجتمعه ؟
نسمع الإجابة على لسان أمير المؤمنين علي :
فقال علي : (ع ) و الله ما رآني قط إلا و حجل في قيوده ، و قال : يا علي إني أحبك ، و قال رسول الله (ص) : ما نال ذلك إلا بحبك يا علي .

ونحن نقول يارسول الله احسبنا كهذا الغلام ، لقد أحببنا أمير المؤمنين عليا … يارسول الله كما شيعت الغلام … كما كفنته في ثوبك … كما صليت عليه … كما زرته في قبره … اشهد علينا أننا نحبُ عليا ، اشهد علينا بأننا نتبرأ من أعداء علي (ع) ، ومن أعداء أولاد علي (ع) ، وممن آذى زوجته وأولاده وذريته ، يارسول الله مُنَّ علينا بنظرتك الكريمة ، زرنا في قبورنا في أول ليلة نواجه فيها ربنا … ليلة الوحشة والوحدة وأنت جدير … وأهل لذلك .

يا أمير المؤمنين أنت الذي قِيل عنك :
يا حار همدان من يمت                  يرني من مؤمن أو منافق قبلا

Layer-5.png

ملاحظة: هذا النص تنزيل لصوت محاضرة الشيخ حبيب الكاظمي فقط، ولم يمر بمرحلة التنقيح واستخراج المصادر بعد.