- ThePlus Audio
لمحات من حياة الإمام محمد الجواد (ع)
بسم الله الرحمن الرحيم
أبي جعفر محمد بن علي الجواد (عليه السلام)
نتناول في حديثنا هذا لمحات من حياة إمامنا أبي جعفر محمد بن علي الجواد (ع). يحسن بنا جميعا في كل مناسبات أهل البيت (ع) أن نراجع شيئا من سيرتهم. وذلك من خلال الكتب المفصلة تارة، ومن الكتب الموجزة تارة أخرى. فتارة نراجع الكتب التي فيها سرد تاريخي محض، وتارة نراجع الكتب التي فيها تحليل تاريخي. وعلى كل حال نأخذ سلسلة كاملة أو دورتين في حياة كل معصوم وخاصة عند التوقف عند أخلاقه ومزاياه وموارد الاتباع. بغض النظرعن مبحث الكرامات والمعجزات التي يشهد بها الصديق والعدو.
كرامات أهل البيت (عليهم السلام)
وهذا أمر مسلم وهو من المتواترات؛ فخلال قرنين ونصف من حياة أئمة أهل البيت (ع) ترشح منهم من البركات الكثير. وتكفي قصة واحدة قطعية لإثبات قدرتهم في هذا المجال؛ فكيف إذا وقعت المئات والآلاف ولكن الباب الذي يمكن أن نتأسى به عملياً هو باب مكارم أخلاقهم. رحم الله صاحب كتاب البحار؛ هذا العلامة الموفق الذي جمع في بحاره ما جمع. وإن من امتيازتنا نحن أتباع أهل البيت (ع) أنه ليس عندنا كتاب صحيح؛ فكل رواية قابلة للبحث السندي، وهذا هو المنطق. فالروايات تفصلنا عن أئمة أهل البيت (ع) قرون وقرون، وكيف نجزم بصحة الروايات النبوية التي جُمعت بعد عشرات السنين. إن الأمر بعهدة من يدعي ذلك؛ فلسنا بصدد ذلك.
يوجد في هذا الكتاب الشريف حول حياة الأئمة روايات تتسلسل هكذا؛ مولد الإمام وفاته، أسمائه وألقابه، وأحوال أولاده، وما ظهر منه من الكرامات، ومناظراته، والنصوص الدالة عليه. وهناك باب بعنوان: كرائم أخلاقه. وهذا الباب؛ باب نفيس في حياة كل إمام من أئمة أهل البيت (ع).
معرفة الإمام باستشهاد الإمام
ينقل الكليني في كتابه الكافي وهو من الكتب المعتبرة عندنا رواية هي من الروايات الأخلاقية. يقول الراوي: (رَأَيْتُ أَبَا اَلْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ فِي اَلْيَوْمِ اَلَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقَالَ «إِنّٰا لِلّٰهِ وَإِنّٰا إِلَيْهِ رٰاجِعُونَ» مَضَى أَبُو جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ فَقِيلَ لَهُ وَكَيْفَ عَرَفْتَ قَالَ لِأَنَّهُ تَدَاخَلَنِي ذِلَّةٌ لِلَّهِ لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهَا)[١].إننا نفهم من هذه الرواية؛ أن الإمام أحس باستشهاد أبيه من خلال حالة نفسانية. عندما يمضي الإمام؛ من الطبيعي أن تتغير أحوال الكون، ويسري الحزن في قلوب الموالين جميعاً. وهذه رواية تبين لنا علاقة الإمام بالإمام.
أيضا من الروايات المتناولة لسيرة إمامنا الجواد (ع) ما روي عن الرضا (ع) أنه قال: (إِنَّمَا أُرْزَقُ وَلَداً وَاحِداً وَهُوَ يَرِثُنِي)[٢]. كم كان للإمام موسى بن جعفر من الذرية؟ يكفي اليوم على وجه الأرض الإمام الرضا (ع) وأخته فاطمة المعصومة (ع). هذان من نسل إمامنا موسى بن جعفر (ع) وقد انتشرت منه الأنوار في شرق الأرض وغربها؛ ولكن الرضا (ع) يقول: إنما أرزق ولداً واحدا، ولقد سر به الإمام الرضا (ع) كثيرا وقال: (قَدْ وُلِدَ لِي شَبِيهُ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ فَالِقِ اَلْبِحَارِ وَشَبِيهُ عِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ)[٣]، وقد ذكر لهم الإمام (ع) شبهه بالأنبياء السلف.
التنبأ باستشهاد الإمام الجواد (عليه السلام) من قبل والده
إن إمامنا المنتظر (عج) كذلك يحمل صفات الأنبياء وهذا المعنى موجود في كل أئمة أهل البيت (ع). وعند ميلاده أخذ الرضا (ع) ينعى ولده الوحيد الذي رُزقه في أواخر عمره، فقال: (يُقْتَلُ غَصْباً فَيَبْكِي لَهُ وَعَلَيْهِ أَهْلُ اَلسَّمَاءِ)، ولعل البعض قرأها: يقتل غيضاً. ثم تقول الرواية: (وَ كَانَ طُولُ لَيْلَتِهِ يُنَاغِيهِ فِي مَهْدِهِ)[٤]. ومن الطبيعي عندما يذكر الإمام في ليلة ميلاده أنه سيقتل أن تنتابه حالة من حالات الكآبة أيضا.
وآتيناه الحكم صبيا
يقول أحد الرواة: (رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَدْ خَرَجَ عَلَيَّ فَأَحْدَدْتُ اَلنَّظَرَ إِلَيْهِ وَإِلَى رَأْسِهِ وَإِلَى رِجْلِهِ لِأَصِفَ قَامَتَهُ لِأَصْحَابِنَا بِمِصْرَ فَخَرَّ سَاجِداً وَقَالَ إِنَّ اَللَّهَ اِحْتَجَّ فِي اَلْإِمَامَةِ بِمِثْلِ مَا اِحْتَجَّ فِي اَلنُّبُوَّةِ قَالَ اَللَّهُ وَآتَيْنٰاهُ اَلْحُكْمَ صَبِيًّا – وَقَالَ اَللَّهُ حَتّٰى إِذٰا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً – فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى اَلْحِكْمَةَ وَهُوَ صَبِيٌّ وَيَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى وَهُوَ اِبْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً)[٥] ، وهذا أيضا من مزايا إمامنا الجواد (ع).
المولد الأعظم بركة
وهناك رواية أخرى تبين ترقب الأمة لولادته: (إِنَّا عِنْدَ اَلرِّضَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِمِنًى إِذْ جِيءَ بِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قُلْنَا هَذَا اَلْمَوْلُودُ اَلْمُبَارَكُ قَالَ نَعَمْ هَذَا اَلْمَوْلُودُ اَلْمُبَارَكُ اَلَّذِي لَمْ يُولَدْ فِي اَلْإِسْلاَمِ أَعْظَمُ بَرَكَةً مِنْهُ)[٦]. ويبدو من هذه الرواية أن الشيعة كانت تتوقع مولوداً مباركاً للرضا (ع) هو تاسع الأئمة الميامين.
قد يسأل سائل فيقول: لماذا اختص الإمام الجواد (ع) بهذا التعبير من بين كل أئمة أهل البيت (ع) الذين لهم بركة أيضا؟ هناك مزية في ميلاد الجواد (ع) أنه قطع الخلاف وارتفع النزاع واستقرت عيون الشيعة، وقرت بمولده. ويبدو أن القوم كانوا يترقبون المولود هذا. لو لم يولد الإمام الجواد (ع) ماذا كنا نصنع برواية الأئمة الاثني عشر؟ النبي (ص) وهو الصادق المصدق بشر بالاثني عشر وكانت الشيعة في أواخر عمر الرضا (ع) في قلق. أين إدامة هذا الخط المبارك؟ فبميلاده (ع) انكشفت الغمة.
وهناك توجيه آخر؛ لعل هذه البركة هي إشارة إلى أنه أول إمام يؤتى الإمامة قبل البلوغ في التاسعة والعاشرة؟ إنه أول إمام يعطى مقام الخلافة الإلهية وهو في هذا العمر. وهذه بركة نادرة لم يسبقه بذلك آبائه ولا كانت في أبنائه. إن الإمام الوحيد الذي أوتي الإمامة في هذا العمر هو أبو جعفر محمد بن علي الجواد (ع).
خلاصة المحاضرة
- هناك مزية في ميلاد الجواد (ع) أنه قطع الخلاف وارتفع النزاع واستقرت عيون الشيعة، وقرت بمولده. ويبدو أن القوم كانوا يترقبون المولود هذا. لو لم يولد الإمام الجواد (ع) ماذا كنا نصنع برواية الأئمة الاثني عشر؟