Search
Close this search box.
الكلمة:١
لا يمكن أن تتحقق السعادة والاطمئنان في القلب؛ إلا بمراجعة الوصفة التي جاءت من قِبل مقلِّب القلوب، بل خالق القلب..
الكلمة:٢
إن طبيعة بني آدم -مع الأسف- متحيزة!.. إذا أعجب بجانبٍ بالغ في ذلك الجانب، ونسي الجوانب الأخرى.. فإذا رأى صورة جميلة، فإنه يستغرق في تلك الصورة، ولا يلتفت إلى الصور الأخرى..
الكلمة:٣
إن هذه الروح باعتبار غيبها، وباعتبار أنها من الموجودات المجردة، لا تدرك ولا تلمس ولا ترى.. من هنا أصبح العمل على الروح من أصعب الأمور، رغم أنها من أشد الأمور إستراتيجية في الحياة.. إذا صلح الأمير، صلحت المملكة.. وإذا صلح القلب أيضا، صلحت الجوارح.. فالعمل على تنقية الروح من الشوائب وتهذيبها، من أجلّ الحركات وأدق الحركات وأصعبها!.. ومن هنا الذين لا يعيشون حالة التجرد، وحالة الغور فيما وراء الطبيعة، يهملون هذا الجانب..
الكلمة:٤
إن البعض خرج من مدينة الهوى، ولكنه لم يصل إلى مدينة الهدى، لا هو يشارك أهل الدنيا في متعهم، ولا وصل إلى مرحلة من مراحل الأنس بالله -عز وجل- لتطمئن نفسه؛ فأصبحوا بلا لذة في هذه الحياة: لا لذة أهل المعنى، ولا لذة أهل المادة!.. والذين بقوا بين المدينتين وضعهم خطير، فهم على خطوط التماس؛ والشياطين تنتظر صيدها في هذه المنطقة..
الكلمة:٥
إن البعض من الناس يشترك مع البهائم أو دواب الأرض في أنه: جسم نامٍ متحرك بالإرادة؛ أي أنه لم يتجاوز مرحلة النمو والتحرك والاستمتاع بالإرادة، كما يقول القرآن الكريم: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.. والحال بأن المؤمن من ذوي الهمم في هذه الحياة، وهمته الكبرى هي: البرمجة للحياة الخالدة عند الله، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.. ومن المعلوم أن الإنسان إذا علت همته، فإن أعضاء البدن تنسجم مع الهدف المقصود، وهذا ما يشير إليه الحديث: (ما ضعف بدن، عما قويت عليه النية).. أي أن الأجسام تتأقلم مع الأهداف العليا، ولكن -مع الأسف- بعض الناس لا يمتلكون هذه الهمة العالية في حياتهم، واقتنعوا بالحياة البهيمية: منكحاً، ومشرباً، ومطعماً.. ولم يفكروا في ما وراء هذه الأهداف الصغيرة.
الكلمة:٦
إن كل واحد منا مشروع، ومرشح لأن يكون من الدعاة إلى الله (سبحانه وتعالى)..
الكلمة:٧
إن الذي وصل إلى درجة أصبح فيها أنسه مع نفسه، فقد حقق الأنس الدائم والراحة غير المكلفة، ولا يضيره بعد ذلك إن وَجَد معه أحدا أو لم يجد، فلو خلا مع نفسه فإن له ما يشغله..
الكلمة:٨
إن الذي يريد أن تتجلى فيه صفة الرحمة الإلهية، فإن الخطوة الأولى التي يجب أن يقدم عليها هي أن يرحم نفسه.. حيث أنَّ هذه النفس أمانة إلهية، لا يملكها الإنسان..
الكلمة:٩
إن انكشاف الباطن المعنوي للإنسان، من أكبر النعم الإلهية.. ولهذا ورد في الحديث المعروف أن: (من عرف نفسه، فقد عرف ربه)؛ لأن هذه النفس جوهرة.. جوهرة من الله -عز وجل- جاءت مباشرة.. ويمكن القول: بأن سقف الوجود، هي الروح الإنسانية، والذي بعد هذا السقف هو الوجود اللامحدود وواجب الوجود، فهي أقرب الأشياء إلى رب العالمين.. ومن هنا يفهم معنى قوله تعالى: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي}، أنه إشارة إلى شدة التجاذب فيما بينهما.. وعليه، فإن معرفة النفس تأتي من قناة التأمل، والإعانة الإلهية في هذا المجال..
الكلمة:١٠
إن الترقيق هي السياسة الشرعية المناسبة في هذا المجال، لنصل إلى عالم المماثلة.. إن الإنسان عندما يرقق الروح، عندئذ هذه النفس تصفو، وتصبح أهلاً لتلقي الفيوضات الإلهية..
الكلمة:١١
إن على العبد أن يعيش هاجس الرضا الإلهي: هل الله -عز وجل- راضٍ عنه أم لا!.. لو جيء الآن بالقرآن الكريم وقيل للبعض: أتقسم بالقرآن الكريم أن الله -عز وجل- راضٍ عنك؟.. تراه يتردد، ولا يقطع، بل حتى أنه لا يطمئن، إذ هو يعيش حالة الشك في رضا الله تعالى عنه.. وهذه كارثة!..
الكلمة:١٢
إن الإنسان بدلاً من أن يفكر في متعة هذا البدن، عليه أن يفكر في النفس؛ فهذا البدن ما قيمته حتى نفكر في مُتعه؟..
الكلمة:١٣
إن الإنسان إذا ترقى عن عالم المادة، وعالم التثاقل إلى الأرض؛ فإنه يصل إلى درجة أنه إذا أغمض عينيه، يذهب في سياحة في نفسه، لتكون مصداقاً لقوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ}..
الكلمة:١٤
إن أول قواعد الحوار السليم والهادف هو: التخصص في موضوع الحوار.. فمن المؤسف حقا أنه في الوقت الذي يحترم فيه جميع العقلاء أرباب التخصص في الطب والهندسة وغير ذلك من فروع المعرفة، فإننا نرى في المقابل أن الكثيرين مستعدون للإدلاء بدلوهم في أمور الدين من دون سلطان مبين!..
الكلمة:١٥
بإمكان الإنسان من خلال القراءة في الكتب، وما ورد في الكتاب والسنة؛ أن يحيط بشيء من أسرار هذه الروح، وإن كان أمر الروح أمرا غريبا عجيبا ولا يمكن دركه!..
الكلمة:١٦
إن على الإنسان أن يوازن دائماً بين المصالح والخسائر..
الكلمة:١٧
إن الإنسان في الحياة الدنيا لديه طموحات فوق القدرات الظاهرية، فلماذا في كف الآخرة لا يكون لنا مثل هذا الطموح؟..
الكلمة:١٨
نعم، إن الشباب صحيح على شفا حفرة من النار، ويمشون على حافة الوادي.. ولكن إذا أصبحت لهم همة التسلق، فإنهم يستطيعون أن يقطعوا العقبات، ليصلوا إلى أعلى القمم..
الكلمة:١٩
إذا أراد الإنسان أن يكتشف نفسه، فعليه أن ينظر إلى نفسه عند دخول الوقت: فإذا كان متثاقلا، أو متفاجئا لدخول الوقت -وكأنه يتمنى أن لو أخّر المؤذن من وقت الأذان، ليكمل نشاطاته اليومية- فإن هذه من علامات البعد عن الله عز وجل..
الكلمة:٢٠
إننا عبارة عن سيارات نحتاج إلى محرك، وإلى قائد ماهر، وإلى فرامل.. فالمحرك عبارة عن الإرادة، والذي لا إرادة له، لا محركية له.. ويحتاج إلى قائد يسوق الدابة إلى ساحل النجاة، فالذي لا خبرة له في سياقة دابته، أيضاً إنسان على شفا حفرة من النار.. ونحتاج أخيراً إلى فرامل لا يمكنها أن تقول: (لا).. إياك أن تصل إلى مرحلة تعتقد أنك خارج دائرة السيطرة!.. والذي يعتقد أنه كذلك، فإن نهايته مؤلمة ومؤسفة، وسوف لن يفلح أبداً..
الكلمة:٢١
إن حقيقة الأمر أننا ظلمنا أنفسنا كثيرا، ومن مصاديق ظلم النفس: أنه رأينا أنفسنا في إجازة طويلة من هذه المواصفات، وكأن أمير المؤمنين (ع) يخاطب عددا من المؤمنين في مسجد الكوفة، والنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) همّه تربية عدد من الأعراب وحديثي الإسلام في مسجد المدينة، وهكذا الإمام الصادق (عليه السلام) مع أبي بصير وجماعته.. وكأنما نحن قطعة منسلخة عن أمة النبي وآله..
الكلمة:٢٢
إن من القواعد المهمة في هذا الطريق: استكشاف الباطن، والتعرف على جوهر النفس.. ولا شك أن هذه المرحلة، تحتاج إلى تسديد إلهي..
الكلمة:٢٣
إن القلب بمثابة جيفة في قارورة، هذه القارورة أغلقتها بإحكام، وصباحاً ومساءً تجعل هذه القارورة في مستنقع الورد والمسك.. الباطن فيه جيفة، في يوم من الأيام تؤخذ هذه القارورة على يد ملك مسمى باسم عزرائيل، يضرب القارورة على الحجر، وإذا بهذا النتن يفوح إلى السماء.. أن نعطر أنفسنا في مظاهرنا الخارجية، هذا لا يشفي الغليل، علينا بفتح القارورة أولاً، ثم إخراج هذه الجيفة ورميها خارجاً، ثم صب الماء القراح عليه.. عندئذ لا يحتاج إلى مسك وإلى زعفران، كي تحسن أو ترفع من هذه الرائحة..
الكلمة:٢٤
إن القلب كالأمير، هذا الأمير إذا أعطيناه صلاحيات الحكومة، يبقى حاكماً.. وإلا يعتزل ويقول: ما هذا الحاكم الذي لا قيمة له في مملكته؟..
الكلمة:٢٥
إن عالم المعرفة يكون من خلال المحاضرة، ومن خلال الكتاب، ومن خلال التلفاز والقنوات الفضائية الهادفة.. ولكنْ هنالك سبيل آخر للمعرفة، هذا السبيل لا يتوقف على القرطاس، ولا يتوقف على الكلمات، ولا على الخطب.. هناك الإشرافية اللدنية..
الكلمة:٢٦
لابد للإنسان أن يعيش هذا الهاجس الباطني، الذي يسمى في علم الأخلاق والعرفان: مرحلة اليقظة؛ أي يستيقظ الإنسان على واقعه..
الكلمة:٢٧
إن علاقة الجوارح بالأرواح؛ علاقة استراتيجية عميقة..
الكلمة:٢٨
إن الإنسان: إما رحماني، أو شيطاني..
الكلمة:٢٩
إن انتساب الروح إلى الله -عز وجل- فيه كمال التشريف، ولا يخفى أن هذه النسبة؛ أي نسبة الروح إلى الله -عز وجل- هذه النسبة في كل المخلوقات حتى نحن {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ}..
الكلمة:٣٠
يكفي الروح فخراً، بأن الروح من عالم الغيب، كما أن الله -عز وجل- من عالم الغيب!.. ولأن الروح من عالم الغيب، ورب الأرباب، واجب الوجود من عالم الغيب، أي هنالك سنخية بينهما..
الكلمة:٣١
إن بني آدم وجود معقد، وبواعثه على قسمين: بواعث ظاهرية، وبواعث في الأعماق.. ففي الوزارات والدوائر الحكومية، هنالك لائحة وزارية، ولائحة إدارية، والموظف يعمل بهذه اللائحة الظاهرية.. ولكن الأهداف من وراء هذه اللائحة، لا يعرفها إلا الوزير؛ لأنه هو الذي جعل ذلك.. فالرؤساء الكبار هم الذين يعرفون الخلفيات لهذا القانون..
الكلمة:٣٢
إن هذا البدن زميلنا إلى مرحلة من مراحل هذه الحركة التكاملية، ثم يُرمى جانباً.. ويوم القيامة يركبنا رب العالمين دابة أخرى، وإن كانت هذه الدابة الأخرى موادها مأخوذة من تلك الدابة القديمة المتلفة..
الكلمة:٣٣
إن العقاقير في عالم الطب ذات أثر سريع، وهذا هو الذي جعل طب الحبوب، يتفوق على طب الأعشاب؛ لأن الأعشاب تأثيرها بطيء.. وفي عالم التكوين، التأثير سريع.. ولكن في عالم الأرواح ومع مرور الزمان، فإن التأثير ليس كتأثير حبوب الدواء المسكن على السلسلة العصبية للإنسان!..
الكلمة:٣٤
إن من دقائق الأمور ومن لطائف الأمور ومن مشكلات الأمور -الذي هو أخفى من دبيب النمل على المسح الأسود في الليلة المظلمة-: البحث عن النوايا الباطنية.. ولطالما الإنسان يغلف دواعيه الذاتية والإنية والدنيوية بمنطلقات إلهية، ولكن الله -عز وجل- ناقد بصير، وأدرى بنا من أنفسنا!..
الكلمة:٣٥
كما أن للبذرة حركتين: حركة جوهرية في الداخل، وحركة بيئية في الخارج، وبكمالهما تنمو البذرة.. فكذلك للنفس الإنسانية: حركة جوهرية، تتمثل في تحريك قواها الداخلية، وحركة خارجية تتمثل في المؤثرات البيئية، والتي نسميها العقل الجمعي، أو التأثير اللاشعوري لمجموعة بشرية، تتحرك نحو محور واحد..
الكلمة:٣٦
إننا نلخص نظرتنا في النجاح للارتباط بالطاقة الكونية -بمعناه الصحيح لا الإدعائي- في اتباع مراحل ثلاث، مستعينين في ذلك بمثال مادي يتمثل فيمن يريد أن يرى صورة الشمس في مرآة عاكسة: فالخطوة الأولى تتمثل في امتلاك مرآة صقيلة.. ومن ثم إزالة العوائق المانعة من ذلك الانعكاس.. ومن ثم توجيه المرآة نحو مصدر النور، توجيها مباشرا..
الكلمة:٣٧
من باب الوحشية والهمجية في التصرف البهيمي لدى البعض، أن يحذو حذو من يقول: (الصراع من أجل البقاء).. فالكل يسعى لأن يبقى في هذه الدنيا؛ ليحظى بالمقدار الأكبر من أيامها، وليغترف بالحد الأقصى من لياليها: بالعز والإباء، وينهش القوي الضعيف، ويتسلط العزيز على الذليل.. فمن لطف الباري على عباده، ومحبته لهم، أراد انتشالهم من مهاوي الرذيلة، ومن حضيض الوحشية؛ ليحثنا ويرغبنا لأن نتشبه به عز وجل، وليرقى بأرواحنا من ساحة الملك إلى دائرة الملكوت، فتبارك الله رب العالمين!..
الكلمة:٣٨
إن الله -عز وجل- تولى الأبدان بالتربية والرعاية، ولكن ترك أمر الروح إلى الإنسان.. هذا خلق الله {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}!.. فقد تولى الوجود التكويني بالرعاية {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ}.. أما الإنسان فلنا أن نتساءل: ما الذي منحه لهذه الروح، وهذه اللطيفة الربانية التي دنسها في حالات كثيرة؟!..
الكلمة:٣٩
إن هناك غموضا في التكاليف العملية يوميا، ولطالما اتخذ الإنسان موقفا خاطئا في حياته، فاستمر سنوات طوال وهو ضحية سلبيات ذلك الموقف.. وهذا لا يحتاج إلى جبرائيل، ولا يحتاج أن يكون الإنسان نبيا.. فالله -عز وجل- يقول في حديث شريف عن النبي (ص): (ما تقرّب إليّ عبد بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وإنه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتى أحبه.. فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها.. إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته….) ولهذا قالوا: (اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله)!..
الكلمة:٤٠
إن الله -تعالى- خلق هذا الكون المحير وفق برنامجه الذي لا نحيط علما به، فهذه الجينات الوراثية في الخلية الحية، ما هي إلا برنامج مكتوب بتلك اليد البديعة، وهي التي تضع الخلية الأولى في مسار التكامل السريع، وإذا بها تتحول -وفق ذلك المخطط المرسوم- إلى أرقى موجود على وجه الأرض!.. وعليه، فإن برمجة حياتنا اليومية، صورة من صور التخلق بأخلاق الرب، وهل من ضير في أن نتشبه بأخلاق الحكيم المتعال؛ ولكن في حدود القدرات البشرية؟..
الكلمة:٤١
لا بد لكل إنسان أن يكتشف الخارطة الداخلية لنفسه، ليحدد موضع الهوى من وجوده.. فإن المولود يولد على الفطرة الإلهية، وينمو مع نموه: العقل الذاتي والاكتسابي، وبموازاة ذلك تنمو عنده الغريزة، ويبلغ نضجها عند البلوغ، وحينئذ يقع الصراع بين جنود العقل وجنود الغريزة..
الكلمة:٤٢
إن الإحساس بالعبودية يجعل الإنسان منضبطاً في سلوكه، مؤدياً لحقوق الخالقية والمخلوقية، يسلم بكل ما جاءت به الشريعة بلا حرج أو تبرم: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}، {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}.. نحن في مقام الاعتراف نقر بأننا عبيد، لنا مالك، ولسنا بأحرار، إذ نقول: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.. ولكن مع الأسف، في مقام العمل هل نحن نعيش حالة العبيد!..
الكلمة:٤٣
إن من يريد معرفة منزلته عند الله عز وجل، فلينظر ما لله عنده، فليقيّم نفسه بمراجعة سريعة لحياة الأئمة (ع)، إذا كان سائراً على طريق الهدى أم أنه من المنحرفين.. إذ أن دعاوى الحب كثيرة، بل قد يقع -أحياناً- اللبس عند البعض، فيخلط بينه وبين الهوى والميل.. والحال، بأن الحب الحقيقي مبني على قاعدة اعتقادية متينة، مدعمة بالإتباع الكامل، والعمل بمقتضى هذه المحبة.. يقول الله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}..
الكلمة:٤٤
إن الإنسان الجاهل إنسان غير سعيد، فهو يعيش حالة الفراغ والخواء الروحي.. بينما العالم تراه يأنس بما في بطون الكتب، فيأخذ كتاباً في التفسير أو الحديث، ويعيش مع العلماء.. ويقرأ القرآن الكريم؛ فيعيش لذة الخطاب والحديث مع رب العالمين، كما هو حال الأئمة (ع)..
الكلمة:٤٥
علينا أن نحسن استغلال ما لدينا من الهبات الإلهية، وخاصة المعنوية منها؛ لئلا تتحول إلى وبالٍ ونقمة علينا.. إذ بلا شك أن كل إنسان يحمل رصيداً من الملكات الطيبة، والبذور المعنوية، التي تحتاج إلى رعاية وحرص مستمر.. لتتجذر وتستقيم في النفس، وإلا فما الفائدة من تعريض النفس لمشقة العبادة: صوماً، وحجاً، وصلاة.. ومن ثم الركون إلى الهوى، واقتراف المحرمات؟!.. فقد ضاع الجهد، وذهب هباءً منثورا.. والله -تعالى- يشير إلى هذه الحقيقة، حيث يقول: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ …}..
الكلمة:٤٦
إن الإنسان الملتفت إلى نفسه، قد لا يرى فيها عظمة أو فخراً، بأنه استطاع أن يغلب هواه في موقف ما أثاره.. لأنه يحمل في داخله الحياء من المحسن الرب -تعالى- الذي بدأه بالتفضل، وأسبغ عليه بالنعم، من دون طلب أو استحقاق منه، فكيف يجازيه بالنكران والمعصية!..
الكلمة:٤٧
إن التجلي الأنفسي المعنوي، يكمن تعريفه في أنه عبارة عن التفاعل مع المعاني، التي أنزلها المولى في كتابه الكريم.. فالقرآن الكريم هو في حد نفسه، منتهى اللطف والتفضل على بني آدم.. حيث أنه يوجه خطابه للناس وللمؤمنين مباشرة، فمن أنت أيها المخلوق، لتنال شرف محادثة الخالق!..
الكلمة:٤٨
إن التجلي الأنفسي الحالي، يكون غالباً للخواص من عباد الله المؤمنين، وهم الذين يعيشون بوجودهم مع وجود الله عز وجل، وهم الذين يؤدون عبادتهم على أكمل وجه، ومعاشرتهم تكون مرتبطة بالله وفي الله.
الكلمة:٤٩
إن صاحب الشخصية المتثاقلة إلى الأرض: ضعيف الهمة، قليل الحركة، لا يترقى في سلوكياته: لا عبادياً، ولا تعاملياً.. ولا يعلم بما وراء المادة، وليست لديه برمجة هادفة للحياة، ملازم للتسافل والقعود عن الجهاد في مجاليه: الأكبر، والأصغر.. وهؤلاء يستنكر عليهم الله سبحانه وتعالى قائلاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ}.
الكلمة:٥٠
إن صاحب الشخصية الهلامية: له علاقة متهلهلة مع رب العالمين، فتراه يفزع إلى الله -سبحانه وتعالى- في الملمات والنكبات فحسب!.. وتتّضـح جليّاً الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}.. وحقيقة هذه ذبذبة قاتلة، تعقب الانتكاسات تلو الانتكاسات.
الكلمة:٥١
إن صاحب الشخصية المنافقة المتلونة: يميل إلى العبادة في الجو الجماعي، فتراه يقبل إقبالاً متميزاً أمام الناس فقط.. بينما نجد أن الله -عز وجل- يمدح الذين يخشونه في الغيب، فيقول مخاطباً لنبيه المصطفى (ص): {إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ}.
الكلمة:٥٢
إن صاحب الشخصية التحريضية: لا يحب السلام والأمن في المجتمع، ويعيث في الأرض الفساد، وهؤلاء قال عنهم القرآن الكريم: {إلَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.
الكلمة:٥٣
إن صاحب الشخصية المرعوبة المرتبكة: يعيش الارتباك في الحياة، فيؤذي نفسه بنفسه، باتخاذ القرارات غير المبرمجة والمدروسة، وهؤلاء قال الله -تعالى- عنهم: {وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ}.
الكلمة:٥٤
إن المال هو مال الله عز وجل، والإنسان ما هو إلا مستخلف وأمين على هذا المال.. ولهذا فإن الإنسان عندما يدفع خمس أمواله ولو بلغت الملايين، فإن عليه أن لا يعيش ذرة من العجب والرياء.. فالمنة لله وحده -عز وجل- أن جعلك مستكفياً بهذا المال.
الكلمة:٥٥
إن هناك بعض المعايير والموازين هي بمثابة مختبر، يجب أن يدخل الإنسان نفسه في هذا المختبر؛ إن خرج الختم: أن النتيجة إيجابية؛ فهو على خير.. منها مضمون الرواية: (إذا أردت أن تعرف مالك عند الله، فانظر ما لله عندك)؛ أي ما وزن الله عندك؟..
الكلمة:٥٦
إن الإنسان لا يختار روحه، هذهِ الأمانة الإلهية وصلت إلينا.. لنرجعها ليس فقط سالمة؛ وإنما كاملة مكملة.. بعض الناس يموت على غير الفطرة، يموت على الملكات الخبيثة.. أليست هذهِ جريمة بحقهِ؟!.. هذهِ الروح، الأمانة التي أُعطيت لك؛ على الأقل أرجعها لبراءة الطفولة، هذا أضعف الإيمان!..
الكلمة:٥٧
إن كل واحد منا يعرف ما هو فيه، ويعرف مستواه الفعلي، وأيضاً يعرف مستواه الشأني أو المقدر.. وعليه، فإنه هو بطاقاته وبقدراته، من الممكن أن يكون أفضل مما هو عليه الآن.. فهذه الفجوة الكبيرة التي بين الواقع الفعلي وبين الواقع الذي كان من الممكن أن نصل إليه، علينا معاهدة الله -عز وجل- أن نقللها.. لا نقول: أن نردمها تماماً؛ لأن الردم -تقريباً- شعار غير عملي.. ولكن نقلل هذه الفجوة قدر الإمكان!..
الكلمة:٥٨
كل واحد منا خلقه الله -عز وجل- على نور الفطرة، هذا النور الأولي.. وكل مخلوق من الطبيعي أن يبحث عن خالقه، وعن مصدر اللغز بالنسبة إليه.. ولكن -مع الأسف- نحن بذنوبنا وبآثامنا، أوجبنا ما يحول بيننا وبين هذا النور.
الكلمة:٥٩
إن الإنسان العاقل الذي يرى عجائب خلقة الإنسان، وعجائب خلقة الوجود.. يعلم أن هذا العجيب في هذا الكون، وفي هذه الأرض العجيبة، ضمن المجرات العجيبة، خلق لأجل هدف مقدس، ألا وهو الوصول إلى خالقه..
الكلمة:٦٠
إن العمل فرعٌ للمعرفة، والذي لا يعرف تكليفهُ لا يؤدي دوره..
الكلمة:٦١
فلينظر الإنسان: ما هي الملكات، وما هي الرغبة، وما هو الذوق الذي يغلب عليه؟!.. وليحاول أن يخدم الإسلام من تلك الزاوية {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ}.. إن الطريق واحد، وإن تعددت السبل.. والطريق هو الطريق الجامع، فكل إنسان يسير في قسم من هذا الطريق.. أما المنحرف فهو الذي خرج عن هذا الطريق العام.. وكذلك المنحرف من خرج عن السبيل الخاص إلى سبيل دونه، وإن كان ذلك السبيل في الطريق العام أيضاً.
الكلمة:٦٢
إن الإنسان المستغفر حقيقة -كما يصفه علي (ع)- واصل لدرجة عالية؛ لأنه: عرف ربه أولاً، واستحى منه ثانياً، وعرف ضعفه ثالثاً.. أدرك هذه المعادلة الكبيرة، ومن هنا يستغفر ربه بكل تفاعل..
الكلمة:٦٣
إن المؤمن عندما يتلو كتاب الله -عزّ وجلّ- ويمرّ على قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ}، فإن الإنسان يقول بلسان الحال أو بلسان المقال: لبيك اللهم لبيك!.. أي يا ربِّ، أنت تخاطبني الآن، ماذا تريد مني؟.. فيرى نفسه معنياً بالخطاب.. إذا صار كذلك انقدحت عنده الهمة في أن يمتثل للأوامر الإلهية، والأوامر النبوية، وأوامر الأوصياء من عترة النبي وآله.
الكلمة:٦٤
هذه الأيام الكمبيوتر كله في جانب، والبرنامج المشغل له في جانب آخر.. إذا وجد الإنسان في نفسه هذا البرنامج المشغل، فإنَّ الأمور تجري بشكل تلقائي، لا تحتاج لكثير وعظ، ولا تحتاج إلى مجاهدة أبداً..
الكلمة:٦٥
ألا يصح أن يقول الإنسان لنفسه: يا بني آدم!.. أنتَ خُلقتَ كالنحلة؛ النحلة خلقت لجلب العسل إلى بطون المؤمنين، وأنت خلقت لجلب الحكمة إلى جوفك.. هل أديت هذهِ الوظيفة؟.. هل ذهبتَ من مجلسٍ إلى مجلسٍ؟.. هل قرأت كتاباً فكتاباً؟.. هل تأملتَ ساعةً ساعةً؟.. لتخلق في نفسكَ عسل الحكمة، هل سعينا بهذا الطريق؟..
الكلمة:٦٦
إن هناك عبارة جداً جميلة، بعض الروايات على اختصارها تفتح لنا أبواب الحكمة، تقول الرواية: (إذا لم يكن ما تريد، فأرد ما يكون)؛ أي هذا هو المقسوم، فوطّن نفسك عليه، ولا تحاول أن تعيش عالما مثاليا.
الكلمة:٦٧
إن من المفاهيم الخاطئة: النظر إلى المال وكأن للإنسان حرية مطلق التصرف فيه، فإن القاعدة الفقهية المعروفة: (الناس مسلطون على أموالهم)؛ لا تعني الحرية المطلقة في قبال أمر الله ونهيه.. إذ أن العبد ليس إلا خليفة على المال، ومقتضى قوله تعالى: {وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}، فالعبد سوف يحاسب من طرف من استخلفه على ذلك المال، محاسبة المالك الحقيقي للمالك المجازي.
الكلمة:٦٨
إن من موجبات الدخول في تلك الدائرة المقدسة، هي تصفية الملكات الباطنية.. فالنفس الشريرة المليئة بلوث الشهوات والأحقاد، ليست لها قابلية الانجذاب، وإن صدرت منها الأعمال الصالحة.. إذ قد يجتمع حسن جارحة مع قبح جانحة، وهناك فرق بين الحسن الفعلي والفاعلي، كما هو معلوم عند أهله.. إننا من دعاة لزوم التخصص والتبحر في كشف الزوايا الخفية للنفس، بدلا من الإغراق في الممارسات البدنية التي لا تغير جوهر العبد، بل قد تزيده عجبا وانشغالا!..
الكلمة:٦٩
لا ينبغي الخلط بين الانبهار في مجال العلم والصناعة، وبين الانبهار بالذوات الصانعة لذلك.. فإن هذا التقدم التكنولوجي في بلاد الغرب، هي حصيلة القوة الخلاقة التي أودعها رب العالمين في رؤوس العباد، إضافة إلى المواد الأولية في الطبيعة والتي سخرها لبني آدم.. ولولا تلك القوة، وهذه الطبيعة، لما رأينا مظهرا من مظاهر الحضارة على وجه الأرض!.. ومن المعلوم أن كلا النعمتين من هبات الحكيم المتعال، فالانبهار ينبغي أن يكون لمن خلق موجبات التقدم البشري.. لا للمظهر الخارجي فحسب!..
الكلمة:٧٠
إن هناك فرقا جليا بين مهارات الأعضاء التي تتجلى في تصنيع مواد الطبيعة، وبين المثل والقيم التي تتجلى في إبراز حقيقة الذات الإنسانية، التي خلقها الله -تعالى- على الفطرة السليمة.. فنرى أحدهم في المختبر يقوم بأرقى التجارب العلمية، يخرج ليمارس أقبح الممارسات التي لا ينكر هو أيضا قبحها.. وعليه، فلا بد من العمل الدائب في حقلي: عمارة الأرض، وعمارة النفوس.. وإلا تحول العامر إلى مستعمر، والباني إلى مدمر.
الكلمة:٧١
إن من طبيعة الإنسان، أنه يحب أن يمتدح، ويكره أن يذم.. ومن الملفت حقا أنه كثيرا ما يصدق ما يقال فيه من المدح، حتى لو علم أنه مديح لا أصل له!.. وقد دعت الأحاديث إلى عدم الفرح والحزن بهذا المدح والذم، حتى لو أجمع عليه الناس.. بل التفكير فيه، وعرضه على كتاب الله تعالى؛ لمعرفة ما إذا كان ما يقال فينا من مدح: هل هي فضيلة صادقة، لنبشر أنفسنا بها؟.. أو ما يقال من ذم: هل هي رذيلة متحققة، لنصلح أنفسنا بعد ذلك؟.. ولنعلم أنه يستحب أن تقول إذا مدحك مادح: (اللهم!.. اجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون).
الكلمة:٧٢
فليعلم الفرد بأن الله -تعالى- خلق الوجود مع إرخاء العنان للعبيد، للتصرف في هذا الوجود؛ تحقيقا لعالم الأخذ بالأسباب، ومن هنا نشأ التضاد في المصالح.. فكل يريد أن يستغل بني جنسه لتحقيق مآربه، وإن ادعى ما ادعى من خدمة النوع، وما شابه من الدواعي العريضة.. فإن حب الذات أقوى الدوافع في الوجود الإنساني.. وأما الإيثار ونكران الذات، فلا نجده إلا في النفوس الصافية، بطينتها أو بالمجاهدة.
الكلمة:٧٣
إن هناك حقيقة جوهرية لابد منها، وهي: ضرورة العودة إلى الذات، واكتشاف مجاهيلها، ومعرفة ما هي عليه، والاطلاع على سبل تكاملها، والعلم بقدراتها الفعلية، وقدراتها المختزنة.. لأن ترقية النفس، لا تتم إلا من خلال التعرف عليها؛ فكيف يمكن أن يعالج الطبيب بدنا ليس أمامه؟.. أم كيف يمكن لمهندس أن يبني بناء على أرض لم يرها، ولا يعرف طبيعتها؟!..
الكلمة:٧٤
إن الإنسان ظلوم، جهول، كفار، يطغى {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى}.. فالغنى ليس مانعا عن عبادة الله عز وجل، بل العكس المال هو نِعمَ الزاد للآخرة.. والاستغناء المقصود به، هو الاستغناء القلبي لا الاستغناء الخارجي، أي رأى نفسه في باطنه مستغنيا.. وإلا، فإن سليمان (ع) طلب ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، ولكنه كان نبيا من الأنبياء.. فالغنى والثروة -لولا المراقبة والمحاسبة- تجر الإنسان، وتسوقه إلى الانحراف، والاستغناء عن الله عز وجل.. وبالتالي، فإن على الإنسان أن يطلب من ربه الكفاف، لأن الغنى من مواطن الزلل.
الكلمة:٧٥
إن الإنسان موجود له تركيبة باطنية مؤثرة على سلوكه في الحياة، لذا من الضروري جداً معرفة هذه التركيبة ليكون الإنسان مأموناً من الوقوع في الزلل.. ومن المعلوم أن رب العالمين شكل آدم من قطعة من الأرض من صلصال من حمأ مسنون، وبعد أن نفخ فيه من روحه -تلك اللطيفة الربانية- أمر الملائكة بالسجود له.. وهنا إشارة أن تعظيم البشر إذا كان بأمر الله ورضاه، فهو لله ولا إشكال فيه أبداً.
الكلمة:٧٦
إن المطلعين على عالم: الذرة، والنبات، والفلك، والمجرات؛ يرون المعادلات العجيبة في هذا الوجود، والارتباط القائم: غلاف الأوزون ينثقب، فإذا بالحرارة تزيد!.. عَاَلمٌ مترابط، ومتقن، ودقيق!.. فهل يعقل أن يكون الإنسان خليفة الله -عز وجل- على الأرض مُهْمَلاً يعمل ما يشاء، بينما عالم الذرة والفضاء والغلاف الغازي عالم متقن؟.. يقول تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ فهذا الخليفة ليس في حلٍ يفعل ما يشاء إنه محكوم!.. وفي الأحاديث القدسية: (عبدي!.. خلقت الأشياء لأجلك، وخلقتك لأجلي.. وهبتُك الدنيا بالإحسان، والآخرة بالإيمان)، وفي حديث آخر: (لا تسعني أرضي ولا سمائي، ولكن يسعني قلبُ عبدي المؤمن)، و(قلب المؤمن عرش الرحمن)؛ فأين هذه الأوصاف من واقع حياتنا؟..
الكلمة:٧٧
إن الإنسان عندما يعيش حياة الاكتفاء: مادياً، ومعنوياً، وصحياً؛ لا يعيش شعور الافتقار إلى الله عز وجل.. بينما العبد المؤمن، يعيش الإحساس بالفقر والضعف دائماً، وبصورة واضحة؛ لأنه يعلم أن هذه العافية، والاستغناء، والاستقرار؛ كل ذلك رهن إشارة المولى.. مثلاً: إن حياتنا على الأرض؛ كلها متوقفة على سلامة الأرض من الزلازل.. فهل نعلم أنه في كل آن نحن نعيش عمراً متجدداً؟.. في كل لحظة تمر على الإنسان هناك منحة جديدة من الحياة؛ لأن كل لحظة وكل ثانية من حياتنا، تحتاج إلى عناية متجددة، ولطف من الله تعالى.. والمطلوب هو أن نعيش هذا الإحساس بتجدد أعمارنا!..
الكلمة:٧٨
هل يفكر الإنسان في يوم من الأيام، أن هذه الروح التي نسخت في بدنه، هي في الواقع منتسبة إلى الله -عز وجل- في أقوى درجات الانتساب ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ﴾.. صحيح أن تلك الروح -روح آدم (ع)- كانت روحاً خاصة، ولكن يكفينا فخراً أن لنا روحاًٌ مثل روح آدم (ع).. فأرواحنا شبيهة بروح نسخت في آدم (ع)، وهي من الله عز وجل.
الكلمة:٧٩
لو أجرينا مقارنة سريعة بين التقلب في عالم الطبيعة، والتقلب في عالم الأنفس والأرواح؛ لرأينا أن التقلب في عالم الطبيعة؛ تقلب مستند إلى الله عز وجل؛ وهو تقلب مدروس وحكيم، لهدفٍ ما.. فلو كان هناك فصل واحد فقط طوال السنة -مثلاً- لما تيسرت أمور الزراعة في عالم الأرض.. أما تقلب الإنسان فهو مستندٌ إلى الإنسان نفسه، وإلى الأهواء والشياطين، وإلى حالة الكسل والفشل، وإلى حب الركون إلى الدنيا والدعة، يقول تعالى: ﴿ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ﴾!.. فإذن، إن التقلب في الطبيعة يكون نحو هدف محدد، ولصالح العباد والبلاد.. ولكن التقلب في عالم الأنفس؛ قضية بيد الإنسان؛ لذا علينا أن نتحكم في هذه العوامل!..
الكلمة:٨٠
إن بعض فلاسفة المسلمين، يؤكدون أن الذي يخوض في الفلسفة الإسلامية الصحيحة -إلى حد ما- يتبين له موقعه من هذا الوجود -صيرورة العالم السفلي مضاهياً للعالم العلوي-.. فلابد أن يعلم الإنسان مكانه ومساره من هذا الوجود.
الكلمة:٨١
إن مشكلتنا في الحياة هي الإدبار بعد الإقبال!.. فالبعض يصاب بانتكاسة روحية مروعة.. والحلّ هو أن نتعدى من عالم المعلول إلى عالم العلة.. فالمشكلة أنه لم نعمل بانسجام بين البواطن والجوارح.
الكلمة:٨٢
إن المعرفة التي تتلاقح بين بني آدم، حيث تنتقل المعلومة من الشخص العالم إلى الشخص الجاهل؛ وهو النبط المتعارف في الجامعات وفي الحوزات؛ تسمى المعارف البشرية.
الكلمة:٨٣
إن الليل بطبيعته ساتر بما فيه، وهذا الستر استعمله الإنسان إيجاباً تارة وسلباً تارة.. هذه الأيام التكنولوجيا قلبت الليل نهاراً، ولكن الإضاءة المظلمة والخافتة في الليل، أقرب إلى التفاعل.. فظلمة الليل وهدوء الليل، يجعل الإنسان يعيش مع نفسه.. هذه الوحدة إما أن يستغلها الشيطان، أو أن يمن بها الرحمن.. أي أن الإنسان بين تجاذبين: النفس الأمارة بالسوء، والشيطان الموسوس.
الكلمة:٨٤
إن موقع العقل من الإنسان كموقع اللب من الثمرة، فالثمرة التي لا لُب لها هي قشرةٌ خالية لا قيمة لها.. علينا أن نعلم أن التركيب المادي للإنسان والحيوان على حدٍ سواء: هذا يأكل وهذا يأكل، وكلاهما يتكاثر، وينمو.. فهذه صفاتٌ مُشتركة بين الإنسان والحيوان، وما يُميز بني آدم عن غيره هي مسألةُ العقل.. فالإنسان الذي لا عقل له، هو إنسانٌ خال من ثمرة الوجود.
الكلمة:٨٥
إن هناك عقلاً تدبيرياً؛ وهو العقل الذي يجعل الإنسان ناجحاً على مستوى الحياة الدنيا.. وهناك عقلٌ آخر تكاملي، وهو ذلك الذي به يُعبد الرحمن، وبه يُكتسب الجنان.. فالعقل التدبيري شيءٌ، والعقل التكاملي شيءٌ آخر.. قد يكون الإنسان خبيراً في شؤون الحياة، وفي الإدارة، وفي المجتمع، وفي شؤون العائلة.. ولكن هذا الإنسان قد لا يؤمن بالله سبحانه وتعالى!.. نحنُ نعلم أن هنالك فن إدارة الحياة في شتى مرافقها، ولكن فن الإدارة هذه قد يكون موجوداً في قلب إنسان كافر، والذي يكون عاقلاً بحسب تقييم الآخرين.
الكلمة:٨٦
إن العقل ليس مسألة فكرية بحتة، فهو بعد فترة وجيزة، يتحول إلى سلوك في الحياة.. ومن هنا، فإن الإنسان الذي لا يقوم بعملية تصفية لمنابع الحواس والأعضاء؛ سيرتطم فيما لا يُرضي الله -عز وجل- شاء أم أبى.
الكلمة:٨٧
إن رب العالمين جعل لك الاختيار، وجعل لك حاكماً أمينا كالعقل، يمثل الأنبياء في وجودك.. ولهذا نحن بالعقل آمنا بالله عز وجل، وبالعقل آمنا بالأنبياء (ع).. هذا العقل جعل الله -عز وجل- له قيمة، أن جعله سُلّما للتوحيد وللنبوة.. وبالتالي، فإن هنالك عقلاً، وهنالك رعية: هذه الرعية إذا كانت تحت حكم العقل، فهي رعية نافعة.. ولكن إذا تمردت الرعية على حكم العقل، فيقع ما يقع.. قابيل المسكين، الغضب في وجوده قتل عقله، وعزله.. وإذا به في لحظة من اللحظات، يرتكب جريمة القتل الأولى في تاريخ الإنسانية.
الكلمة:٨٨
إن الإنسان الذي يتشبه بالله -عز وجل- في صفة من الصفات الإلهية، فإن رب العالمين ينظر إليه من خلال تلك الصفة.. هو إنسان صفاته الأخرى لا تشبه الصفات الإلهية، ولكن له صفة من الصفات الإلهية.. فيرجى ببركة هذه الصفة، أن يُعطى أبعاداً أخرى!..
الكلمة:٨٩
إن هذه التشريعات الإسلامية الثلاثة: الصوم، والحج، والاعتكاف؛ وكلها بأوامر الشريعة فرص ذهبية، لأن يُعمِل الإنسان قدراته في نفسه، ويخرج من هذه البرامج الثلاثة: حجاً، واعتكافاً، وصوماً؛ بعملية تغيير لذاته.. وكما هو معلوم: فإن الحجر يبقى على مكانه، إلا أن يأتيه محرك، فالأجساد الساكنة تميل إلى سكونها، إلا إذا وجد محرك.. والنفوس لا تخرج من هذه القاعدة، فالذي لا يعمل في حقل نفسه، سوف يبقى على ما هو عليه.. إن البعض يموت في سن الستين والسبعين والثمانين، وهو لا زال في سن المراهقة، لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره.. فالسن سن الكبار، والبلوغ النفسي بلوغ الصغار، لم يتقدم إلى ربه خطوة واحدة.
الكلمة:٩٠
يقول القرآن الكريم: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ}.. لعل الآية في مقام بيان جهة الاستقلال في الصلاة، فلكل أمة وجهة تتولى إليها في قيامها بين يدي الله عز وجل.. ولكن من الممكن أن ينتقل المرء من هذه الآية إلى حقيقة مهمة من الحقائق.. وهذه الحقيقة تتمثل في أن لكل إنسان أيضاً وجهة في هذه الحياة، فعلى الإنسان أن يدرس ملكاته، وما الذي يمكن أن يقدمه لله وللشريعة.. فمثلاً: إنسان آتاه الله القدرة على استيعاب علوم الدين، فلماذا لا يفكر الأب -عندما يرى في ولده بادرة طيبة، وقابلية علمية، وسلامة نفسية- في أن ينصر دين الله -عز وجل- من خلال هذا الولد، وفي أن يجعل وجهته في الحياة هذه الوجهة.
الكلمة:٩١
إن للإنسان ظاهراً وباطناً، وظاهر الإنسان رغم أنه ظاهر مادي، إلا أنه إلى الآن لم يكتشف الأطباء أسرار البدن، كما يعترفون هم بذلك.. فإذا كان البدن المادي بهذا التعقيد، فكيف بالباطن الذي لا يرى؟!.. ولهذا فإن الإنسان الذي يريد أن يصل بنفسه إلى درجة من درجات التكامل، عليه أن يكتشف الخارطة الباطنية.. فالذي يريد أن ينمي بدنه، لا بد وأن يكتشف أسرار البدن.. والذي يريد أن ينمي باطنه، لا بد وأن يكتشف أسرار الباطن.. وهنالك مجموعة عوامل مؤثرة في النفس ولكنها لا ترى، لاسيما تأثير الشهوات غير المرئية: فالوساوس الشيطانية في جانب السلب، وفي جانب الإيجاب نداء الفطرة.
الكلمة:٩٢
لنتلمس آثار العقل في حياة الإنسان.. إن كلمة العقل مأخوذة من كلمة العقال، وهو ما يمنع الدابة عن الشرود، وأصل العقال إنما وضع لهذه الخاصية ثم استعملها البشر.. والعقال في العقل عبارة عن ذلك الجهاز الذي يبطل مفعول الأجهزة السلبية الأخرى في الوجود: كالوساوس، والشهوات، وإغراءات الشيطان، ودواعي الشر، التي كلها بمثابة حيوان هائج.. فإذا لم يمكن القضاء على ذلك الحيوان، فعلى الأقل يقيد، ويربط بالسلاسل.. فالعقل عبارة عن ذلك الجهاز الذي لا يزيل قوى الشر تماماً، ولكنه على الأقل يبطل تأثير القوى في حياة الإنسان.
الكلمة:٩٣
إن من آثار العقل في حياة الإنسان أن يترك الهذر واللغو من الحديث، فالإنسان العاقل له باطن مشغول، وله حديث نفسي.. وهذا الحديث النفسي من أكبر موجبات الأنس: فعندما يخلو الإنسان مع نفسه لا يضطر لأن يبحث عن صديق، أو عن جهاز تلفاز، أو حتى عن كتاب.. فإذا وجد الأنيس الموافق فأنعم به وأكرم!.. وإذا وجد ما يشغله جيد!.. ولكن عندما يكون في سفرة وحيداً، أو في خلوة من خلوات الليل، فإنه ينبغي أن يكون له أنس مع نفسه، ومع عقله، وأفكاره، ومع المخزون الذي اختزنه طوال فترة حياته.