باب في سجدة الشكر التي أكد عليها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) كثيرا وأمروا بالمواظبة على أدائها خصوصا بعد الصلوات الواجبة، ذكر هذا الباب الشيخ عباس القمي في كتاب مفاتيح الجنان.
- مفاتيح الجنان
- » الباقيات الصالحات
- » في سجدة الشكر
إذا فرغت من التعقيب فاسجد سجدة الشكر، وهي بإجماع من علماء الشيعة سنّة عند تجدد نعمة أو دفع بلا.
والأفضل من هذه السجدة ما كانت بعد الصلاة شكراً لتوفيق الله تعالى لأدائهما. وبسند معتبر عن الباقر (عليه السلام) قال: إن علي بن الحسين (عليهما السلام) ما ذكر لله عزَّ وجلَّ نعمة عليه إِلاّ سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله عزَّ وجلَّ فيها سجود إِلاّ سجد، ولا دفع الله عزَّ وجلَّ عنه سوءاً يخشاه إِلاّ سجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إِلاّ سجد، ولا وفق لاصلاح بين اثنين إِلاّ سجد.
وكان أثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمّي السّجاد لذلك. وأيضاً بسند صحيح عن الصادق (عليه السلام) قال: أيّما مؤمن سجد لله سجدة لشكر نعمة في غير صلاة كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات في الجنان. وبأسناد معتبرة عنه (عليه السلام) قال: أقرب ما يكون العبد إلى الله وهو ساجد باكِ. وقال (عليه السلام) في صحيح اَّخر: سجدة الشكر واجبة على كل مسلم تتم بها صلواتك وترضي بها ربّك وتعجب بها الملائكة منك، وإنّ العبد إذا صلّى ثم سجد سجدة الشكر فتح الرب تعالى الحجاب بين العبد وبين الملائكة. فيقول: يا ملائكتي انظروا إلى عبدي أدّى فرضي وأتم عهدي ثم سجد لي شكراً على ما أنعمت به عليه. ملائكتي ماذا له؟ قال: فتقول الملائكة: يا ربنا رحمتك. ثم يقول الرب تبارك وتعالى: ماذا له؟ فتقول الملائكة: يا ربنا جنّتك. فيقول الرب تبارك وتعالى: ماذا؟
فتقول الملائكة: يا ربنا كفاية مهمة. فيقول الرب تبارك وتعالى: ماذا له؟ قال: فلا يبقى شي من الخير إِلاّ قالته الملائكة. فيقول الله تبارك وتعالى: يا ملائكتي ثم ماذا؟ فتقول الملائكة: يا ربنا لا علم لنا. قال: فيقول الله تبارك وتعالى: أشكر له كما شكر لي وأقبل إليه بفضلي وأريه رحمتي العظيمة في يوم القيامة.
وبسند صحيح عن الصادق (عليه السلام) قال: إنما اتخذ الله إبراهيم خليلاً، لكثرة سجوده على الأرض. وقال في حديث معتبر آخر: إذا ذكرت نعمة من نعم الله تعالى وكنت حيث لايراك من المخالفين أحد فضع خدّك على الأرض وإن كنت تتقي منهم وكنت بمرأى منهم فاركع تواضعا لله تعالى واضعا يدك حدر بطنك تفعل ذلك لكي يظن المخالف إنك امتعضت. وفي روايات عديدة: أنّه أوحى الله عزَّ وجلَّ إلى موسى (عليه السلام): أتدري لم اصطفيتك لكلامي دون خلقي؟ فقال موسى (عليه السلام): لا يا رب. فقال:
يا موسى إني قلّبت عبادي ظهراً لبطن، فلم أجد فيهم أحداً أذلّ لي منك يا موسى إنك إذا صليت وضعت خديك على التراب.
وبسند موثق عن الرضا (عليه السلام) قال: السجدة بعد الصلاة المكتوبة شكر لله على توفيقه عبده لاداء فرضه، وأدنى ما يقال في هذه السجدة: شكراً لله ثلاثاً. فسأل الراوي ما معنى شكراً لله؟ فأجاب (عليه السلام): إنّ معناه أنّ هذه السجدة هي شكر منّي لله تعالى على أن وفقني لان قمت بخدمته وأدّيت فرضه، وشكر الله يوجب زيادة النعمة وتوفيق الطاعة، وإذا كان قد بقي في الصلاة تقصير ولم تتم بالنوافل أتمّتها هذه السجدة.
وصفة هذه السجدة: إنّها لا يشترط فيها شرط فتصح كيفما أتي بها والأحوط أن تكون السجدة على الأرض وأن تسجد على المواضع السبعة كما تفعل في الصلاة وأن تضع جبهتك على ما يصحّ السجود عليه في الصلاة والأفضل أن تلصق ساعديك وبطنك بالأرض عكس ماتعمل في الصلاة وسنة فيها أن تضع جبهتك أولاً على الأرض ثم خدّك الأيمن ثم الأيسر ثم تعود إلى السجود فتضع جبهتك على الأرض ثانيا ولاجل ذلك يقال سجدتا الشكر، وتصح السجدة على الظاهر إذا خلت من أي دعاء أو ذكر ولكن المسنون أن لا تخلو من شي منهما.
والأحسن ان يختار ما يقوله فيها مما سيأتي من الأذكار والأدعية. ويستحب إطالة هذا السجود كما روي عن الكاظم (عليه السلام) أنّه كان يظلّ ساجداً من بعد طلوع الفجر إلى الزوال ومن بعد العصر إلى المساء. وفي حديث آخر: إنه كانت له (عليه السلام) بضع عشرة سنة كل يوم يسجد بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال. وروي بسند صحيح أن الرضا (عليه السلام) كان يطيل سجوده حتى يبتل حصى
المسجد من عرقه، وكان يلصق خديه بالمسجد. وفي كتاب (الرجال) للكشّي: إن الفضل بن شاذان قال: دخلت على محمد بن أبي عمير وهو ساجد فأطال السجود فلما رفع رأسه وذكر له طول سجوده قال: كيف لو رأيت سجود جميل بن درّاج. ثم حدّث أنّه دخل على جميل بن درّاج فوجده ساجداً فأطال السجود جداً فلما رفع رأسه قال له محمد بن أبي عمير: أطلت السجود فقال: فكيف لو رأيت سجود معروف بن خرّبوذ؟ وروي أيضاً عن الفضل بن شاذان قال: إن حسن بن علي بن فضال كان يخرج إلى الصحراء للعبادة فيسجد السجدة فتجي الطير فتقع عليه فما يظنّ إِلاّ أنّه ثوب أو خرقة وإنّ الوحوش لترعى حوله فلا تنفر منه لما قد اَّنست به. وروي أيضاً أن علي بن مهرياز كان إذا طلعت الشمس أهوى إلى السجود فلا يرفع رأسه إِلاّ إذا دعا لألف من إخوانه المؤمنين بمثل ما يدعو به لنفسه، وكان على جبينه ثفنة كثفنة البعير من طول السجود. وروي أيضاً أن ابن أبي عمير يسجد بعد صلاة الصبح فلا يرفع رأسه إِلاّ عند الظهر.
والأفضل أن تكون سجدة الشكر عقيب التعقيبات وقبل النوافل. وأما لصلاة المغرب فمذهب الأكثر تأخيرها عن النوافل أيضا، ومذهب البعض تقديمها عليها، والعمل بأيهما كان فهو حسن، ولكن تقديمها على النوافل أفضل كما رواه الحميري عن الحجّة المنتظر عجل الله تعالى فرجه، ولعل العمل بهما معا هو الأحسن.
وما يدعى به في هذه السجدة كثير وأيسره ما يلي:
الأول: روي بسند معتبر عن الرضا (عليه السلام): أنك إذا شئت فقل مائة مرة: شُكراً شُكراً، وإن شئت فقل مائة مرة: عَفْوا عَفْوا. وفي كتاب (عيون أخبار الرضا ع) عن رجاء بن أبي الضحّاك: إنّ الرضا (عليه السلام) في طريقه إلى خراسان كان يسجد بعد الفراغ من تعقيب العصر سجدة يقول فيها مائة مرة: حَمْداً لله.
الثاني: روى الكليني بسند معتبر عن الصادق (عليه السلام): أن أقرب ما يكون العبد إلى الله هو ما إذا كان ساجداً يدعو ربه فإذا سجدت فقل:
يا رَبَّ الارْبابِ وَيا مَلِكَ المُلُوكِ وَيا سَيِّدَ السّاداتِ وَيا جَبّارِ الجَبابِرَةِ ويا ألهِ الالِهَةِ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ. ثم سل حاجتك.
ثم قل: فَإنّي عَبْدُكَ ناصِيَتي في قَبْضَتِكَ.
ثم ادعُ الله فإنَّه غفار للذنوب ولايستعصي عليه مسألة.
الثالث: روى الكليني بسند موثوق عن الصادق (عليه السلام) قال: رأيت أبي ذات ليلة في المسجد ساجداً فسمعت حنينه وهو يقول: سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ أنْتَ رَبّي حَقّا حَقّا سَجَدْتُ لَكَ يا رَبِّ تَعَبُّداً وَرِقَّا، اللَّهُمَّ إنَّ عَمَلي ضَعيفٌ فَضاعِفْهُ لي، اللَّهُمَّ قِني عَذابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبادَكَ وَتُبْ عَليّ إنَّكَ أنْتَ التَوّابُ الرَّحيمُ.
الرابع: روى الكليني أيضاً بسند معتبر: أن الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) كان يقول في سجوده: أعُوذُ بِكَ مِنَ نارٍ حَرُّها لا يُطْفى وَأعوذُ بِكَ مِنْ نارٍ جَديدُها لا يُبْلى وَأعوذُ بِكَ مِنْ نارٍ عَطْشانُها لا يُرْوى وأعُوذُ بِكَ مِنْ نارٍ مَسْلُوبُها لا يُكْسى.
الخامس: روى الكليني أيضاً بسند معتبر أنّه شكا رجل إلى الصادق (عليه السلام) علّة كانت بأمّ ولدٍ يملكها فقال (عليه السلام): قل في سجدة الشكر بعد كل فريضة: يا رَؤوفُ يا رَحيمُ يا رَبِّ يا سَيّدي. ثم سل حاجتك.
السادس: روي بأسناد عديدة معتبرة: إن الصادق والكاظم (عليهما السلام) كانا يكثران في سجدة الشكر من قول: أَسْأَلُكَ الرَّاحَةَ عِنْدَ المُوتِ وَالعَفْوَ عِنْدَ الحِسابِ.
السابع: روي بسند صحيح: أن الصادق (عليه السلام) كان يقول في سجوده: سَجَدَ وَجْهي اللَّئيمُ لِوَجْهِ رَبّي الكَريمِ.
الثامن: في بعض الكتب المعتبرة عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: أحب الكلام إلى الله تعالى أن يقول العبد وهو ساجد: إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسي فَاغْفِرْ لي ثلاثاً.
التاسع: روي في (الجعفريات) بسند صحيح عن الصادق (عليه السلام) قال: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان يقول إذا وضع وجهه للسجود: اللَّهُمَّ مَغْفِرَتُكَ أوْسَعُ مِنْ ذَنُوبي وَرَحْمَتُكَ أرْجى عِنْدي مِنْ عَمَلي فَاغْفِرْ لي ذَنُوبِي يا حَيّا لايَموتُ.
العاشر: روى القطب الراوندي عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا عرضتك شدة أو غم وتفاقمت فاسجد على الأرض وقل: يا مُذِلَّ كَلِّ جَبّارٍ يا مُعِزَّ كُلِّ ذَليلٍ قَدْ وَحَقِّكَ بَلَغَ مَجْهودي فصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآل مُحَمَّدٍ وَفَرّجْ عَنِّي. وفي عدة الداعي عنه (عليه السلام) قال: إذا نزل برجل نازلة أو شديدة أو كرب فليكشف عن ركبتيه وذراعيه إلى مرفقيه ويلصقها بالأرض وليلصق جؤجؤه بالأرض ثم ليدع بحاجته.
الحادي عشر: روى ابن بابويه بسند معتبر عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا قال العبد وهو ساجد: يا الله يا رَبَّاهُ يا سيِّداهُ ثلاث مرات، أجابه تبارك وتعالى: لبيك عبدي سل حاجتك. وفي كتاب (مكارم الأخلاق): إن العبد إذا سجد فقال: يا رَبّاهُ يا سَيّداهُ حتى ينقطع نفسه، قال له الرب تبارك وتعالى: لبيك ما حاجتك.
الثاني عشر: في (مكارم الأخلاق) عن الصادق (عليه السلام): إن النبي (صلّى الله عليه وآله) مر برجل ساجد وهو يقول في سجوده: يا رَبِّ ماذا عَلَيكَ أنْ تُرْضيَ عَنِّي كُلَّ مَنْ كانَ لَهُ عِنْدي تَبِعَةٌ وَأنْ تَغْفِرَ لي ذُنُوبي وَأنْ تُدْخِلَني الجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ؟ فإنَّما عَفْوُكَ عَنْ الظّالِمينَ وَأنا مِنَ الظّالِمينَ فَلْتَسَعْنِي رَحْمَتُكَ يا أرْحَمَ الرّاحِمينَ.
فقال له النبي (صلّى الله عليه وآله) إرفع رأسك فقد استجيب لك فإنّك قد دعوت بدعاء نبي عاش في قوم عاد.
أقول: قد أوردنا دعوات يدعى بها في السجود في ضمن أعمال جامع الكوفة ومسجد زيد من كتاب (مفاتيح الجنان).
وقال الطوسي في كتاب (مصباح المتهجد) عند ذكر سجدة الشكر: ويستحب أن يدعو لاخوانه المؤمنين في السجود فيقول: اللَّهُمَّ رَبَّ الفَجْرِ وَاللّيالي العَشْرِ وَالشَفْعِ وَالوَتْرِ وَاللّيلِ إذا يَسْرِ وَرَبِّ كُلَّ شَيٍ وَمَلِكَ كُلِّ شَيٍ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وافْعَلْ بي وَبِفُلانٍ وَفُلانٍ ما أنْتَ أهْلُهُ وَلا تَفْعَلْ بِنا ما نَحْنُ أهْلَهُ فإنَّكَ أهْلُ التَّقْوى وَأهْلِ المَغْفِرَةِ. فإذا رفعت رأسك من السجود مسحت بيدك على موضع السجود فمررت بها على وجهك تمسح بها جانب وجهك الأيمن ثم جبهتك ثم جانب وجهك الأيسر ثلاث مرات وتقول في كل مرة: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ لا إلهَ إِلاّ أنْتَ عالِمُ الغَيبِ والشَّهادَةِ الرَّحْمنُ الرَّحيمِ، اللَّهُمَّ أذْهِبْ عَنّي الهَمَّ وَالحُزْنَ وَالغِيَرَ وَالفِتَنَ ما ظَهَرَ مِنْها وَمابَطِنَ.